Translate الترجمة

الأحد، 5 فبراير 2023

كتاب الفقيه والمتفقه {{من الجزء العاشر الي الجزء الثاني عشر}} والاخر

 كتاب الفقيه والمتفقه {{من الجزء العاشر الي الجزء الثاني عشر}} والاخر

----

ج10. كتاب الفقيه والمتفقه الجزء العاشر

استقباله المتفقهة بالترحيب بهم واظهار البشر لهم

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، نا محمد بن إسماعيل السلمي ، نا ابن أبي مريم ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، حدثني ابن زحر عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب ، قال : كنا نأتي أبا سعيد الخدري ونحن غلمان فنسأله فيقول : مرحبا بوصية رسول الله ، سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « سيأتيكم أناس يتفقهون ، ففقهوهم وأحسنوا تعليمهم » ،

قال : فكان يجيبنا بمسائلنا ، فإذا نفدت حدثنا بعد حتى نمل .

حدثني الحسن بن محمد الخلال ، نا علي بن عمر الحافظ ، نا محمد بن الفتح القلانسي ، نا أحمد بن عمر بن بشر البزاز ، نا يحيى بن صالح ، نا عبد العزيز بن حصين ، نا أبو هارون العبدي ، قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد يقول : مرحباً بوصية رسول الله ، ان رسول الله ﷺ قال : « إنكم ستفتحون البلاد فيأتيكم غلمان حديثة أسنانهم يتفقهون في الدين ، فإذا جاؤكم فأوسعوا لهم في المجلس وأفهموهم الحديث » .

ولمتفقهة العجم مزية على من سواهم لذكر النبي إياهم .

أخبرنا أبو القاسم الحسن بن الحسن بن علي بن المنذر القاضي والحسن بن أبي بكر ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن يونس ، نا عبيد الله بن رواحة أبو سفيان الأسدي ، نا ابن عون عن محمد عن أبي هريرة ، قال :قال رسول الله : ﷺ : « لو كان الدين معلقاً بالثريا تناوله رجال من الفرس » .

أخبرنا محمد بن عمر النرسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا محمد بن غالب ، نا عثمان ابن الهيثم وهوذة بن خليفة ، قالا : نا عوف عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « لو أن العلم معلق بالثريا لناله قوم من أبناء فارس » .

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا الحميدي ، قال : نا سفيان ، نا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت قيساً ، قال : سمعت جرير بن عبيد الله البجلي رضي الله عنه يقول : ما رآني رسول الله قط إلا تبسم في وجهي .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال : حدثني محمد بن بشير الكندي ، نا سلم بن سالم البلخي عن أبي حبيب الموصلي عن مكحول ، قال : التقى يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم عليهما السلام فضحك عيسى في وجه يحيى وصافحه ، فقال له يحيى : يا ابن خالتي أراك ضاحكاً كأنك قد أمنت ، فقال له عيسى : يا ابن خالتي ما لي أراك عابساً كأنك قد يئست ، فأوحى الله إليهما أن أحبكما إليَّ أبشكما لصاحبه .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو محمد الجوهري وعلي بن محسن التنوخي ، قالوا : أخبرنا محمد ابن العباس الخزاز ، أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان ، نا موسى بن الحسن ، نا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني بشر أبو نصر ، ان عبد الملك بن مروان دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص فسلم ثم جلس ثم لم يلبث ان نهض ، فقال معاوية : ما اكمل مروءة هذا الفتى ! فقال عمرو : يا أمير المؤمنين إنه أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقاً ثلاثة : انه أخذ بأحسن البشر إذا لقي ، وبأحسن الحديث إذا حدث ، وبأحسن الاستماع إذا حُدث ، وبأيسر المؤونة إذا خولف ، وترك مزاح من لايوثق بعقله ولا دينه ، وترك مجالسة لئام الناس ، وترك من الكلام ما يعتذر منه .

وينبغي للفقيه أن يتألف المتفقهة بالمعونة لهم على حسب إمكانه ، والانبساط إليهم ، والتخلق معهم .

أخبرنا أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، نا عبد الله ابن محمد البغوي ، نا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة عن أبي حمزة ، قال : كنت أقعد مع ابن عباس فكان يجلسني معه على سريره ، فقال لي : أقم عندي حتى أجعل لك سهماً من مالي .

أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت الدقاق ، نا محمد ابن صالح بن ذريح ، نا هناد بن السري ، نا أبو أسامة عن بدر بن خليل عن إسماعيل بن سعد ، قال : دخلت على حبة العرني فقدم إلي طبقاً عليه تمر دقل ورطبة ، فقال : كل فلو كان في البيت شىء هو أطيب من هذا أطعمتك ، فإن علياً كان يقول : إذا دخل عليك أخوك المسلم فأطعمه من أطيب ما في بيتك وإن كان صائماً فادهنه .

أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي ، قالا : أخبرنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق ، نا أحمد بن مسروق الطوسي ، نا محمد بن الحسين البرجلاني ، نا أبو عمر الضرير ، نا فضالة الشحام ، قال : كان الحسن إذا دخل عليه اخوانه أتاهم بما يكون عنده ، ولربما قال لبعضهم : أخرج السلة من تحت السرير ، فيخرجها فإذا فيها رطب فيقول إنما أدخرته لكم .

قال ابن مسروق ( ونا ) محمد ، قال : حدثني معاوية بن عمرو الأزدي ، نا زائدة بن قدامة عن الأعمش قال : كنا نأتي خيثمة فيقول : تناول السلة من تحت السرير فأتناولها وفيها خبيص ، فيقول : إني لست آكله ولكن أصنعه لكم .

قلت : وخدمة الفقيه أصحابه بنفسه مما يصفي منهم المودة ، ويلقي في قلوبهم المحبة .

أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي ، نا أحمد بن سلمان النجاد ، نا هلال بن العلاء الرقي حدثني أبي العلاء بن هلال ، نا طلحة بن زيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي قتادة رضي الله عنه ، قال : قدم وفد النجاشي على النبي فقام يخدمهم ، فقال أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله ، ﷺ قال : « إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم » .

أخبرنا الجوهري أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : قيل لرجل : بم سدت قومك ؟ قال : ما سدتهم حتى صرت عبداً لهم .

أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر ، أخبرنا أبو بكر بن شاذان ( وأخبرنا ) علي بن أبي علي ، نا عبيد الله بن محمد بن إسحاق البزاز ، قالا : نا عبد الله بن محمد البغوي ، نا أبو سعيد هو الأشج نا ابن نمير عن الأعمش ، قال : كنت آتي مجاهداً فيقول لو كنت أطيق المشي لجئتك .

أخبرنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، انا عمر بن إبراهيم المقري ، أخبرنا عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز ، نا أبو خيثمة ، نا أبو نمير عن الأعمش ، قال : قال لي مجاهد : لو كنت أطيق المشي لجتئك .

والمستحب أن يخاطب من خاطب منهم بكنيته دون اسمه .

فقد أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر الشيباني ، نا علي بن عمر بن الحسن الختلي ، نا حاتم بن الحسن الشاشي قدم علينا بغداد حاجا ، نا أحمد بن عبد الله العتكي ، نا عبد الحكيم ابن ميسرة ، نا شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : كان رسول الله يكني أصحابه إكراماً لهم ، وتسنية لأمورهم ، واستلانة لقلوبهم .

وينبغي أن يتفقدهم ويسأل عمن غاب منهم .

أخبرنا الأزهري والجوهري ، قالا : نا محمد بن العباس الخزاز ، أخبرنا سلمان بن إسحاق الجلاب نا الحارث بن محمد ، نا محمد بن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر ، قال : كان ابن أبي ذيب إذا جلس إليه رجل فافتقده سأل أهل المجلس : ما فعل صاحبكم ؟ فإن قالوا : ما ندري قال : أين منزله ؟ فإن قالوا : لا ندري ، ضجر عليهم وقال : لأي شيء تصلحون ؟ يجلس إليكم رجل لا تدرون أين منزله ، إذا اعتل لم تعودوه ، وإن كانت له حاجة لم تعينوه ، فإن عرفوا منزله ، قال : قوموا بنا إليه حتى نأتيه في منزله فنسليه ونعوده . أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو يعلى أحمد بن عبد الواحد ، قالا : أخبرنا أبو الحسن محمد ابن جعفر التميمي الكوفي ، أخبرنا ابن دريد ، نا العكلي عن الحرمازي ، قال : كان رجل من أهل السواد يكرم جعفر بن محمد ، ففقده فسأل عنه فقال له رجل : إنه نبطي يريد أن يضع منه ، فقال جعفر : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، وكرمه تقواه ، والناس في آدم مستوون .

أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر اليزدي بأصبهان ، قال : أنشدني أبو عبد الله محمد بن علي اليزدي الواعظ لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ......... فلا تدع التقوى اتكالاً على الحسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس ......... وقد وضع الشرك اللعين أبا لهب

باب آداب التدريس

إذا أراد الفقيه الخروج إلى أصحابه ليذكر لهم دروسهم فينبغي له أن يتفقد حاله قبل خروجه ، فإن كان جائعاً أصاب من الطعام ما يسكن عنه فورة الجوع .

فقد أخبرنا أبو بكر البرقاني ، نا عمر بن بشران لفظاً أو قراءة عليه ، نا محمد بن سويد بن محمد بن زياد أبو إسحاق الزيات ، نا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، نا إسماعيل بن محمد بن جحادة ، نا زهير عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل عنه حتى يقضي حاجته منه وان أقيمت الصلاة » .

وإن كان حاقناً قضى حاجته ، فقد أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد نا الحارث بن محمد التميمي ، نا محمد بن عبد الله بن كناسة ، نا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله ابن الأرقم رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال : « إذا حضرت الصلاة وأراد الرجل الخلاء بدأ بالخلاء » .

أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري ، نا محمد بن المعلى بن عبد الله الأزدي بالبصرة ، أخبرنا أبو روق الهزاني ، نا أبو علي الربعي الهاشمي من ولد ربيعة بن الحارث ، قال : حدثني أبي عن جدي عن أبيه ، قال : سئل علي بن أبي طالب عن مسألة فدخل ثم خرج ، فأجاب وأحسن ، فقال له : يا أمير المؤمنين عهدي بك إذا سئلت عن مسألة كالسكة المحماة فما بال هذه المسألة تأخرت عن جوابها ؟ فقال كنت حاقناً ولا رأي لحاقن ، ثم قال :

إذا المشكلات تصدين لي ......... كشفت حقائقها بالنظر

وان برقت في مخيل الصواب ......... عمياء لا يجتليها البصر

مقنعة بغيوب الأمور ......... وضعت عليها صحيح الفكر

لسان كشقشقة الأرحبي ......... وكالحسام اليمان الذكر

وقلب إذا استنطقته العيون ......... أبر عليها بواه درر

ولست بامعة في الرجال ......... أسائل هذا وذا ما الخبر ؟

ولكنني مذرب الأصغرين ......... أبين مع ما مضى ما غبر

وإن كان ناعساً لأمر أسهره أخّرَ تدريسه في تلك الحال وأخذ حظه من نومه .

فقد أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله القطان ، نا إسماعيل بن إسحاق ، نا عبد الله وهو ابن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، أن النبي ﷺ قال : « إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه » .

ولا يخرج إلا طيب النفس ، فارغ القلب من كل ما يشغل السر ، فإذا صار إلى مجلسه واجتمع إليه أصحابه فلا يخلو من أن تكون عادته أن يذكر للجماعة دروساً مختلفة لكل طائفة منه درساً ، أو يذكر لجميعهم درساً واحداً هم فيه مشتركون ، وعلى اختياره متفقون ، فإن كانت دروسهم مختلفة قدم من كان السبق له .

لما أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد الدينوري في كتابه ، نا جعفر بن بهمود ، نا معمر ابن سهل ، نا يحيى بن أبي الحجاج ، نا عيسى بن سنان عن يعلي بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : صلى بنا رسول الله فتخطى إليه رجلان رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فبدره الأنصاري فوقف الثقفي في حديثه ، فقال النبي : ﷺ : « ان الأنصاري قد سبقك » . فقال الأنصاري يا رسول الله هو في حل لعله أعجل مني .

فإن كان الأصحاب في السبق متساوين قدم ذا السن منهم .

لما أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا إسماعيل بن إسحاق ، نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى الأنصار عن سهيل بن أبي حثمة ورافع بن خديج رضي الله عنهما ، أنهما حدثاه أو حدثا ، أن عبد الله بن سهل أو محيضة بن مسعود أتيا خيبر في حاجة فتفرقا في النخل فقتل عبد الله ابن سهل ، فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه محيصة وحويصة إلى رسول الله فذكروا أمر صاحبهم ، فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أقرب ، فقال رسول الله : ﷺ : « الكبر » ، قال يحيى : الكلام للكبير .

وإن كان ما يذكره درساً واحداً لجميعهم فإنه يأمرهم بأن يتحلقوا ويجلس في وسطهم بحيث يكون وجهه لكلهم .

أخبرنا أبو نعيم ، نا محمد بن إبراهيم بن علي ، نا أبو يعلي هو أحمد بن علي بن مثنى الموصلي نا الحسن بن عمر بن شقيق ، نا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد عن العلاء بن بشير المري عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : جلست مع عصابة من ضعفاء المهاجرين إن بعضنا ليستتر ببعض من العري وقاريء يقرأ علينا فنحن نستمع إلى كتاب الله ، إذ جاء رسول الله فجلس وسطنا ليعدل نفسه بنا ، ثم أشار بيده فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم له .

فمن كان أكثرهم علماً وأسرعهم فهماً فإنه يقربه ويدنيه ويجعله مما يليه .

فقد أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على إسحاق النعالي وأنا أسمع : أخبركم جعفر الفيريابي ، نا منجاب بن الحارث ، نا علي بن مسهر عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري ، عن رسول الله : ﷺ : « ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » .

وإذا جلسوا حوله فليستعملوا الوقار والصمت .

فقد أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، نا أبو مسلم الكجي ، نا سليمان بن حرب ، نا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك ، قال : أتيت رسول الله وأصحابه حوله كأن على رؤوسهم الطير .

وليكن أول ما يفتتح به الكلام بعد التسمية الحمد لله .

فقد أخبرنا علي بن محمد المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، نا الحسن بن سلام السواق ، نا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال النبي : ﷺ : « كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله ، أقطع » .

ثم يتبع ذلك بذكر رسول الله والصلاة عليه .

فقد أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد الواعظ مولى بني هاشم ، نا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأنباري املاء ، نا حميد بن الربيع ، نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { ورفعنا لك ذكرك } ) [1] قال : لا أذكر إلا وذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق ، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا أحمد بن عبد الرحمن السقطي ، نا يزيد بن هارون ، أخبرنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ﷺ قال : « لا يجلس قوم مجلساً لا يذكرون الله ولا يصلون فيه على النبي إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب » .

ثم يذكر لهم الدرس على تمكث وتؤدة من غير اسراع وعجلة .

فقد أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا محمد بن سلمان بن الحارث ، نا خلاد بن يحيى بن صفوان ، نا سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : كان رسول الله لا يسرد الكلام كسردكم ولكن كان إذا تكلم تكلم بكلام فصل يحفظه من سمعه .

أخبرنا عبد الملك بن محمد الواعظ ، أخبرنا عمر بن محمد بن عبد الرحمن الحجبي ، نا علي بن عبد العزيز ، نا الحسن بن الربيع ، نا عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن ابن عمر ، قال : كان رسول الله يعلم الناس التشهد على المنبر كما يعلم المكتب الغلمان .

وإن كان البيان يتضح بعبارة يغلب الحياء ذاكرها فعلى الفقيه إيرادها ولا يمنعه الحياء منها .

فقد أخبرنا الحسن بن علي التميمي والحسن بن علي الجوهري ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا محمد بن بكار ، نا حبان بن علي عن ضرار ابن مرة عن حصين المزني ، قال : قال علي بن أبي طالب على المنبر : أيها الناس إني سمعت رسول الله يقول : لا يقطع الصلاة إلا الحدث لا أستحيكم مما لا يستحي منه رسول الله . قال : والحدث أن يفسو أو يضرط .

وينبغي أن يكون ما يذكره مقتصراً ، ويتجنب الإطالة لئلا تؤدي إلى الضجر والملالة .

فقد أخبرنا علي بن القاسم بن الحسن البصري ، نا علي بن إسحاق بن محمد بن البختري المادرايي ، نا العباس بن محمد بن حاتم ، نا الأسود بن عامر عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ، قال : كان رسول الله يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السئامة علينا .

وأخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا محمد بن إبراهيم بن علي ، نا أبو يعلى هو الموصلي نا أبو الربيع نا يعقوب القمي عن عيسى بن جارية عن جابر ، أن رسول الله ﷺ قال : « يا أيها الناس عليكم بالقصد ، عليكم بالقصد ، فإن الله لا يمل حتى تملوا » . وقد رخص في الإطالة إذا دعا إلى ذلك داع .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، نا أبو حفص عمر بن محمد بن علي لفظاً ، نا محمد بن هارون الحضرمي ، نا عمرو بن علي ، حدثني أبو عاصم ، نا عزرة بن ثابت ، نا علياء بن أحمر ، قال حدثني أبو زيد قال : صلى بنا رسول الله الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر نزل فصلى ثم صعد فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا .

وان اقتضى ما يذكره تشبيه الشيء بنظيره ليقرب الافهام على المتعلمين فعل ذلك .

مثاله ما أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزاز ، أخبرنا أبو علي إسماعيل ابن محمد الصفار ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا أبو اليمان ، أخبرني شعيب عن أبي الزناد أن الأعرج حدثه انه سمع أبا هريرة يحدث ، انه سمع رسول الله يقول : ﷺ : « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين ، حمر الوجوه ، ذلف الأنف ، كأن وجوههم المجان المطرقة » .

و ( أخبرنا ) الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ، نا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً ، صغار الأعين ، عراض الوجوه ، كأن أعينهم حدق الجراد ، وكأن وجوههم المجان المطرقة » .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي بدمشق ، أخبرنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي ، نا أبو يعلي الموصلي ، نا يحيى بن معين ، نا مروان بن معاوية ، نا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « إني أختم ألف نبي أو أكثر ، ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذرهم الدجال ، وانه قد بين لي شيء لم يبين لأحد من قبلي ، إنه أعور وإن الله سبحانه وتعالى ليس بأعور ، وإن عينه عوراء لاتخفى حدقة جاحظة كأنها نخاعة في حائط مجصص ، وأخرى كأنها كوكب دري ، وأنه يتبعه من كل لسان يدعونه كل قوم بلسانهم إلها » .

أخبرنا علي بن القاسم ، نا علي بن إسحاق المادرايي ، نا محمد بن أحمد بن الجنيد ، نا عبد الله ابن يزيد المقريء ، نا المسعودي ، نا عاصم بن كليب عن أبي بردة عن علي ، قال : قال لي رسول الله : « سل الله الهدى والسداد ، وأذكر بذلك هداية الطريق وسداد السهم »

وإن لم يفهموا إلا بالتمثيل مثل لهم .

كما أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي ، حدثنا عبد الله ابن محمد بن أبي الدنيا ، نا أبو خيثمة ، نا يحيى بن سعيد عن سفيان ، قال : حدثني أبي عن أبي يعلي عن ربيع بن خيثم عن عبد الله ، قال خط لنا رسول الله خطاً مربعاً ، وخط وسطه ، وخط خطوطاً هكذا إلى جنب الخط ، وخط خطاً خارجاً فﷺ قال : « تدرون ما هذا » ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . ﷺ قال : « هذا الإنسان » للخط الذي في وسط الخط ، ﷺ : « وهذا الأجل محيط به ، وهذه الأعراض للخطوط تنهشه ، ان أخطأه هذا نهشه هذا ، وذاك الأمل » للخط الخارج .

أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن علي الأبار ، نا أبو عمار نا الفضل بن موسى عن أبي عوانة عن رقبة عن حماد بن أبي سليمان ، قال : كنت أسأل إبراهيم عن الشيء فيعلم إني لم أفهمه فيقيس لي حتى أفهم .

قلت وأحسب أن إبراهيم أخذ هذه الطريقة عن علقمة بن قيس فإن أبا الحسن محمد بن أحمد ابن أحمد بن رزقويه أخبرنا قال أخبرنا : إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم ، قال : قال علقمة : إذا أردت أن تعلم الفرائض فأمت جيرانك . فإذا فرغ أعاد ما ذكره ليتقنوا حفظه عنه .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأنا على أبي القاسم عبد الله بن الحسن بن سليمان النخاس : حدثكم عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ، نا محمد بن يحيى النيسابوري ، نا سلم بن قتيبة عن عبد الله بن المثني عن ثمامة بن عبد الله عن أنس ، قال : كان رسول الله يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه .

واستحب أن يقرأ بعضهم سورة أو آيات من القرآن قبل تدريس الفقه أو بعده .

فقد أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا الحسن بن سلام السواق ، نا عفان ، نا شعبة عن علي بن الحكم عن أبي نضرة ، قال : كان أصحاب رسول الله إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة . وليختم الفقيه مجلسه ، بما أخبرناه الحسن ابن أبي بكر ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن الجهم السمري ، نا يعلى بن عبيد الطنافسي ، نا حجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية رفيع عن أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله إذا جلس في المجلس فأراد أن يقوم ﷺ قال : « سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك » قالوا : يا رسول الله إنك تقول كلاماً ما كنت تقوله فيما خلا ؟ ﷺ قال : « هذا كفارة ما يكون في المجلس » . ثم يتحول الذين حضروا الدرس فيتذاكرونه ويعيد بعضهم على بعض .

أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق ، أخبرنا محمد بن أحمد المفيد ، نا أحمد بن عبد الرحمن السقطي ، نا يزيد بن هارون ، أخبرنا نوح بن قيس ، نا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ، قال : كنا نكون عند النبي وربما كنا نحواً من ستين إنساناً فيحدثنا رسول الله ثم يقوم فنتراجعه بيننا هذا وهذا وهذا فنقوم وكأنما قد زرع في قلوبنا .

فإذا أتقن كل واحد منهم الدرس وحفظه فليكتبه ، ويكون تعويله على حفظه ، فإن اضطرب عليه شيء من محفوظه رجع إلى كتابه فاستثبته منه .

كما قال الخليل بن أحمد ، فيما أخبرنا علي بن أبي علي البصري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا محمد بن بشار يعني أبا بكر بن الأنباري نا أبي ، قال : قال الخليل : اجعل ما في الدفتر رأس مالك وما في قلبك التفقه ، وأنشد :

ليس بعلم ما حوى القمطر ......... ما العلم إلا ما وعاه الصدر

أخبرنا أبو الفتح محمد بن المظفر الخياط ، نا أبو طالب محمد بن علي بن عطية المكي ، نا محمد بن خالد القرشي ، نا محمد بن إبراهيم البصري ، نا الغلابي ، قال : سمعت الشاذكوني يقول : ليس العلم إلا ما دخلت به الحمام .

وليس يثبت الحفظ إلا دوام المذاكرة بالمحفوظ .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد الدمشقي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي ، أخبرنا أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي ، نا أبو عامر موسى ابن عامر المري ، نا الوليد بن مسلم ، نا أبو عمرو الأوزاعي عن ابن شهاب الزهري ، قال : إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة .

وينبغي للمتفقه أن يرافق بعض أصحابه الذين يحضرون معه لسماع الدرس فيذاكر كل واحد منهما صاحبه ، وأفضل المذاكرة أن تكون ليلاً فقد كان جماعة من السلف يفعلون ذلك .

ما جاء في المذاكرة بالفقه ليلا

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا إسماعيل بن أبي مسعود ، نا شريك عن ليث بن أبي سليم عن أبي بكر بن أبي موسى ان أباه أتى عمر بعد العشاء الآخرة فقال : ما جاء بك يا أبا موسى الساعة ؟ قال : نتذاكر الفقه . قال : فجلسنا ليلاً طويلاً نتذاكر . قال أبو موسى : الصلاة ، فقال عمر : أنا في صلاة . قال فتذاكرنا حتى كان قريباً من الفجر .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزقويه ، أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، نا حنبل بن إسحاق ، نا محمد بن الأصبهاني . ( وأخبرنا ) أبو طالب محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرىء ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا أبو خيثمة ، قالا : نا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد ، قال : لا بأس بالسمر في الفقه .

أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي وأبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف وأحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ( وأخبرنا ) الحسن بن أبي بكر ، قال أخبرنا جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم الواسطي ، وأخبرنا أبو بكر محمد بن الفرج بن علي البزاز أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي . ( وأخبرنا ) ابن الفضل القطان ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا الفضل بن زياد ، نا أحمد ابن حنبل ، نا محمد بن فضيل عن أبيه ، قال : كان ابن شبرمة والمغيرة والحارث العكلي والقعقاع بن يزيد وغيرهم يسمرون في الفقه ، فربما لم يقوموا حتى يسمعوا النداء بالفجر . وقال ابن الفضل : فربما لم يقوموا إلى النداء بالفجر .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا الحسن بن علي بن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا محمد بن فضيل ، قال : حدثني أبي ، قال : كان الحارث العكلي والمغيرة والقعقاع وابن شبرمة يصلون العشاء الآخرة ثم يجلسون فيتطارحون الفقه ، وربما أذن المؤذن الفجر ولم يتفرقوا .

فضل تدريس الفقه في المساجد

أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير التاجر ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزار ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبدوس بن كامل ، نا أبو معمر ، نا عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص ، قال : أدركنا الناس وما مجالسهم إلا المساجد .

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن نصر الستوري وأبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف ، قالا : نا علي بن أحمد بن محمد القزويني املاء ، نا محمد بن أيوب ، أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ، نا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن محارب عن ابن عمر ، عن النبي : ﷺ : « ان جبريل قال : ان الله تعالى يقول ان خير البقاع المساجد ، وشر البقاع الأسواق » .

أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي ، نا الحسن بن جعفر بن محمد الحربي ، نا جعفر بن محمد الفريابي ، نا صفوان بن صالح الدمشقي ، نا الوليد بن مسلم ، نا ابن لهيعة ، قال : حدثني دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « يقول الله تعالى يوم القيامة سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم » قيل : ومن أهل الكرم يا رسول الله ؟ ﷺ قال : « مجالس الذكر في المساجد » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، نا عبد الصمد بن علي ، قال : حدثني حامد بن سهل الثغري ، نا علي بن الجعد ، نا أبو المغيرة عن الأعمش عن خيثمة ، قال : قال علي رضي الله عنه : المساجد مجالس الأنبياء . وفي أصل المعدل : مساجد الأنبياء وهي حرز من الشيطان . وايستحب للفقيه أن لا يخل بعقد الحلقة في المسجد الجامع في أيام الجمعات .

أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار السابوري بالبصرة ، أخبرنا أبو بكر محمد ابن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نامسدد ، نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن النبي نهى عن الشراء والبيع في المسجد ، وأن ينشد فيه ضالة ، وأن ينشد فيه شعر ، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : هذا الحديث محمول على أن تكون الحلقة بقرب الإمام بحيث يشغل الكلام فيها عن استماع الخطبة ، فأما إذا كان المسجد واسعاً والحلقة بعيدة من الإمام بحيث لا يدركها صوته فلا بأس بذلك ، وقد رأيت كافة شيوخنا من الفقهاء والمحدثين يفعلونه ، وجاء مثله عن عدة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم .

أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الكاتب بأصبهان ، نا أبو جعفر أحمد ابن جعفر بن أحمد بن معبد السمسار ، نا يحيى بن مطرف ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا شداد بن سعيد الراسبي أبو طلحة ، نا معاوية بن قرة ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي من مزينة ليس فيهم إلاّ من طَعن أو طُعن أو ضَرب أو ضُرب مع رسول الله إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا ، ولبسوا من صالح ثيابهم ، وشموا من طيب نسائهم ، ثم أتوا الجمعة وصلوا ركعتين ، ثم جلسوا يبثون العلم والسنة حتى يخرج الإمام .

القاء الفقيه المسائل على أصحابه

استحب أن يخص يوم الجمعة بالمذاكرة لأصحابه في المسجد الجامع والقاء المسائل عليهم ويأمرهم الكلام فيها والمناظرة عليها .

فقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحنائي ، نا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار املاء ، نا أحمد بن عبد اللهالحداد ، نا معلى يعين ابن مهدي نا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : لقد رأيتنا يكثر لغطنا ومراؤنا عند رسول الله .

أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة عن أبي حصين والأشعث بن سليم ، انهما سمعا الأسود بن هلال يحدث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أتدري ما حق الله تعالى على العباد ؟ » فقال : الله ورسوله أعلم . ﷺ قال : « يعبدون الله لا يشركون به شيئاً » . ﷺ قال : « تدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ؟ » فقال : الله ورسوله اعلم . قال : « أن لا يعذبهم » .

وإن كان في جملة المتفقهة حدث أو صبي ، له حرص على التعلم أو آنس الفقيه منه ذكاء أو فطنة فليقبل عليه ، ويصرف اهتمامه إليه .

فقد أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : كما أن الشمس لا يخفى ضوءها وإن كانت تحت السحاب فكذلك الصبي لا تخفى غريزة عقله وإن كانت مغمورة بأخلاق الحداثة ، وإذا حضر هذا الصبي حلقة النظر فينبغي له أن يصغي إلى كلام المتناظرين ويكون من جملة الصامتين .

أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، أخبرنا علي ابن أحمد بن علي المصيصي ، نا محمد بن القاسم الدقاق بالمصيصة ، نا أحمد بن إسماعيل ، نا موسى بن أيوب ، نا عقبة بن علقمة المعافري عن إبراهيم بن أدهم ، قال : إذا تكلم الحدث في الحلقة أيسنا من خيره .

أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا عمر بن حفص بن غياث ، نا أبي عن الأعمش ، قال : حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال : بينا نحن عند رسول الله جلوس إذ أتي بجمار فقال رسول الله : ﷺ : « ان من الشجر يعني شجرة لها بركة كبركة الرجل المسلم » قال : فظننت انه يعني النخلة فأردت أن أقول هي النخلة ، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة انا أحدثهم فسكت ، فقال رسول الله : ﷺ : « هي النخلة » .

أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن سليمان المخرمي ، نا أبو بكر جعفر بن محمد الفيريابي ، نا عبد الأعلى بن حماد ، نا وهيب بن خالد ، نا عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمران نبي الله قال ذات يوم لأصحابه : ﷺ : « أنبئوني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ؟ » قال : فوقع في قلبي أنها النخلة ، قال : فسكت القوم فقال النبي : ﷺ : « هي النخلة » . قلت لأبي : لقد كان وقع في قلبي أنها النخلة . قال : فما منعك أن تكون قلته لرسول الله ؟ لأن تكون قلته أحب إلي من كذا وكذا ، فقلت : كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئاً فكرهت أن أقول .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد المطيري ، نا علي بن حرب ، نا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس ، قال : كان عمر يسألني مع الأكابر من أصحاب النبي ثم يقول : لا تتكلم حتى يتكلموا .

وإذا علت منزلة الحدث في الفقه فينبغي للفقيه أن يأذن له في الكلام مع المتكلمين ويجعله من جملة المتناظرين .

أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا يوسف بن كامل ، نا عبد الواحد بن زياد ، نا عاصم بن كليب ، قال : حدثني أبي عن ابن عباس قال : كان عمر بن الخطاب إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد دعاني معهم وقال : لا تتكلم حتى يتكلموا . قال : فدعانا ذات يوم أو قال ذات ليلة فقال : إن رسول الله قال في ليلة القدر ما قد علمتم : ﷺ : « التمسوها في العشر الأواخر وترا » ففي أي الوتر ترونها ؟ فقال بعضهم : تاسعة ، سابعة ، خامسة ، ثالثة ، فقال لي : يا ابن عباس مالك لا تتكلم ؟ فقلت : إن شئت تكلمت ، قال : ما دعوتك إلا لتتكلم ، فقلت : أقول فيها برأيي ؟ فقال : عن رأيك أسألك . فقت : إني سمعت الله تبارك وتعالى أكثر ذكر السبع فقال السموات سبع والأرضون سبع حتى قال : ( { إنا شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا } ) [2] فالحدائق كل ملتف وكل ملتف حديقة ، والأبُّ ما تنبت الأرض مما لا يأكل الناس . فقال عمر : أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تشتق شؤون رأسه ؟ ثم قال : إني كنت نهيتك أن تتكلم فإذا دعوتك معهم فتكلم .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، نا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير الكوفي املاءًا ، نا الحسن بن علي بن عفان العامري ، نا جعفر بن عون العمري ، نا أبو عميش عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله ابن عتبة ، قال : قال لي ابن عباس : يا ابن عتبة تعلم آخر سورة من القرآن أنزلت ؟ قال : قلت : نعم : ( { إذا جاء نصر الله } ) [3] قال : صدقت .

وإذا بلغ الغلام حد المناظرة فينبغي أن لا يكف نفسه عن استيفاء الحجة على من ناظره وان كان شيخاً .

فقد أخبرنا الحسن بن علي بن عبد الله المقري ، أخبرنا محمد بن جعفر النحوي الكوفي ، أخبرنا أبو محمد الواسطي ، نا أبو خليفة القاضي ، نا محمد بن سلام الجمحي ، قال : كنا في مجلس أبي عبيدة فرأى شاباً ينبسط على المشائخ ، فقال : إذا قل حياء الغلام كثر علمه وفي غير العلم لم يرج خيره .

وأذا أجاب المسؤول بالصواب فعلى الفقيه أن يعرفه اصابته ويهنيه بذلك ليزداد في العلم رغبة ، وبه مسرة .

أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي ، نا أبو نعيم ، نا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله : ﷺ : « كيف صنعت في استلامك الحجر ؟ » قلت ؛ استلمت وتركت ﷺ قال : « أصبت » .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبركم الفضل ابن الحباب ، نا ابن كثير ، أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة ، قال : كنا بحمص فقرأ عبد الله سورة يوسف ، قال رجل : ما هكذا أنزلت ، فقال له عبد الله : لقد قرأتها على رسول الله فﷺ قال : « أحسنت » .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا عيسى بن علي بن عيسى الوزير ، نا عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز البغوي ، نا هارون بن إسحاق ، نا محمد بن عبد الوهاب السكري عن سفيان عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي السائل عن عبد الله بن رباح عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، أن النبي قال له : ﷺ : « أي آية من كتاب الله أعظم ؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، حتى أعادها عليه ثلاثاً ، ثم قلت : : ( { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ) [4] قال : فضرب صدري ثم ﷺ قال : « ليهنك العلم أبا المنذر » .

وكذا يجب على المتعلم الاعتراف بفضل الفقيه ، والإقرار بأن العلم من جهته اكتسبه ، وعنه أخذه .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا أحمد بن خليد الحلبي ، نا محمد بن عيسى بن الطباع ، نا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب ، أن النبي قال له : ﷺ : « يا أبا المنذر إني أمرت بعرض القرآن عليك » فقال : يا رسول الله بالله آمنت ، وعلى يديك أسلمت ، ومنك تعلمت .

وإذا أخطأ المسؤول في الجواب فعلى الفقيه أن يعلمه ذلك ليأخذ نفسه بانعام النظر ، ويتحفظ من التقصير خوف الزلل .

أخبرنا البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم أبو العباس السراج ، حدثنا محمد ابن يحيى بن أبي عمر ، نا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى النبي منصرفه من أحد فقال : يا رسول الله إني رأيت هذه الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل رأيت الناس يتكففون ، فمنهم المستقل ، ومنهم المستكثر ورأيت سبباً وأصلاً إلى السماء فأخذت به فأعلاك الله ، ثم أخذ به رجل بعدك فعلا به ، ثم أخذ به رجل بعده فعلا به ثم أخذ به رجل فعلا به فانقطع ، ثم وصل له رجل فعلا به ، قال أبو بكر : دعني يا رسول الله أعبرها ، فقال : اما الظلة : فالإسلام ، واما السمن والعسل الذي ينطف منها : فالقرآن حلاوته ولينه ، واما ما يتكفف الناس في أيديهم : فالناس منهم المستقل ومنهم المستكثر ، واما السبب : فالحق الذي أنت عليه أخذت به فأعلاك الله ، ثم يأخذ به رجل بعدك فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل بعده فيعلوه به ، ثم يأخذ به رجل بعده فانقطع ثم وصل به فعلى به ، قال أبو بكر : أصبت يا رسول الله ؟ فﷺ قال : « أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً » . قال : أقسمت عليك فقال النبي لا تقسم يا أبا بكر .

ذكر بعض أهل العلم أن الخطأ الذي أخبر رسول الله أبا بكر بكونه منه في هذه العبارة هو انه جعل السمن والعسل شيئاً واحدا ووصفه بالحلاوة واللين ، وأهل العلم بعبارة الرؤيا يذهبون إلى إنهما شيئان كل واحد منهما غير صاحبه من أصلين مختلفين ، وكان أبو بكر ردهما إلى أصل واحد وهو القرآن .

ومن الحجة لهم ، ما أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله ابن أحمد ، حدثني أبي ، نا قتيبة ، نا ابن لهيعة عن وهب بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه قال : رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى أصبعي سمنا ، وفي الأخرى عسلا فأنا ألعقهما ، فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله فﷺ قال : « تقرأ الكتابين التوراة والفرقان » . فكان يقرأهما .

فكانت عبارة رسول الله رؤيا عبد الله بن عمرو المذكورة في السمن والعسل أنهما لشيئين مختلفين من أصلين مختلفين ، وكانت عبارة أبي بكر في حديث الظلة انهما شيء واحد من أصل واحد ، فكان الخطأ الذي في ذكر العبارة عندهم هو هذا .

واما قول أبي بكر للنبي ﷺ : « أقسمت عليك » فإنه أراد أن يخبره بما أخطأ فيه ، وكراهة رسول الله القسم من أبي بكر أن يخبره إنما كانت لأجل أن التعبير الذي صوبه النبي في بعضه وخطأه في بعضه لم يكن عن وحي ، لكن من جهة ما تعبر الرؤيا بالظن ، ورسول الله في ظنه كسائر البشر في ظنونهم يجوز أن يقع فيه الخطأ وإنما الوحي الذي كان يخبر به عن الله عز وجل هو الصواب الذي لا يجوز خلافه ولا يقع الخطأ فيه والله أعلم .

ويجوز للفقيه مداعبة من أخطأ من أصحابه ليزيل عنه الخجل بذلك .

كما أخبرنا أبو نعيم ، نا محمد بن إبراهيم بن علي ، نا أبو يعلى هو الموصلي ، نا زكريا بن يحيى زحمويه ، نا صالح يعني ابن عمر عن مطرف عن عامر عن عدي رضي الله عنه ، قال : قلت يا رسول الله : أرأيت الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما خيطان ؟ فضحك وﷺ قال : « انك لعريض القفا يا ابن حاتم ، هو بياض النهار من سواد الليل » .

وينبغي أن يبين لمن أخطأ خطأه في لين ورفق ، من غير عنف ولا خرق .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن محمد اليزدي بنيسابور ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، نا إسحاق يعني ابن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى يعني ابن يونس نا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبي ميمون عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه ، قال : بينما انا مع النبي في الصلاة إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله ، قال : فحذفني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل امياه ما لكم تنظرون إلي ؟ فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت ، فلما انصرف رسول الله بأبي وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، والله ما ضربني ، ولا نهرني ، ولا سبني ، ﷺ قال : « ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح ، والتكبير ، وتلاوة القرآن » .

أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن غالب ، قال : حدثني أحمد بن عبيد الله الغداني ، نا كثير بن حبيب السهمي عن ثابت عن أنس ، قال رسول الله : ﷺ : « ان الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف » .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الربيع بن سليمان ، نا أسد بن موسى ( وأخبرنا ) القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب المفيد ، نا موسى بن هارون وأبو شعيب الحراني ، قالا : نا داود بن عمرو الضبي ، قالا : نا إسماعيل بن عياش ، حدثني حميد بن أبي سويد عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ﷺ : « علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف » . لفظهما سواء .

أخبرني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري ، أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري نا محمد بن عبد الواحد ، نا أبو العباس يعني ثعلباً قال : سمعت ابن الأعرابي يقول : قال سفيان بن عيينة : كان يستحب للعالم إذا علم أن لا يعنف ، وإذا علم أن لا يأنف

وإذا سأل الفقيه سائل عن مسألة اعجوبة فلا ينبغي للأصحاب أن يضحكوا منه .

أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار الاصبهاني ، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أحمد بن محمد بن خالد البراثي ببغداد ، نا سريج بن يونس ، نا إسماعيل بن مجالد عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله ، قال : جاء اعرابي إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ثيابنا في الجنة ننسجها بأيدينا ؟ فضحك القوم ، فقال رسول الله : ﷺ : « مم تضحكون من جاهل يسأل عالماً ؟ لا يا أعرابي ولكنها تشقق عنها ثمار الجنة » .

وينبغي للمتعلمين ألاَّ يردوا على من أخطأ حضرة العالم ويتركوا العالم حتى يكون هو الذي يرد عليه .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا عبد الواحد ابن محمد الخصيبي ، قال : حدثني أبو علي أحمد بن إسماعيل ، قال : حدثني محمد بن صالح المعروف بالبطاح وهو من موالي محمد بن سليمان الهاشمي ، قال : قال أبو عبيدة : لا تردن على أحد خطأ في حفل ، فإنه يستفيد ويتخذك عدواً .

وأما إذا أخطأ الفقيه وتبين لصاحبه الآخذ عنه خطؤه فإن الصاحب يتلطف في رده عليه .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر الإمام بأصبهان ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا علي بن عبد العزيز ، نا أبو حذيفة ، قال : نا سفيان عن سلمة يعني ابن كهيل عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه ، قال صلى رسول الله فترك آية فلما صلى ﷺ قال : « أفي القوم أبي بن كعب ؟ » فقال : يا رسول الله نسخت آية كذا وكذا أم نسيتها ؟ قال : « بل نسيتها » .

حدثني قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني ، قال : سمعت القاضي أبا عبد الله الصيمري يقول : درسنا يوماً أبو بكر الخوارزمي فحكى في تدريسه عن محمد بن الحسن شيئاً ، وهم في حكايته وكان محمد قد نص في الجامع الصغير على خلافه ، فلما انقضى تدريسه تركت الإعادة على الأصحاب ، ومضيت إلى أبي بكر وقد دخل منزله ومعي كتاب الجامع لمحمد بن الحسن ، واستأذنت على أبي بكر ، فأذن لي في الدخول فدخلت وسلمت عليه ، ثم قلت له : هاهنا باب فيه شيء قد أشكل عليَّ واحتاج إلى قراءته على الشيخ ، فقال : افعل ، فقرأت من قبل الموضع الذي قصدت لأجله إلى أن انتهيت إليه وجاوزته ، فقال أبو بكر : قد كنا حكينا في الدرس عن محمد بن الحسن شيئاً والنص هاهنا عنه بخلافه وهو كذا ، فعرف الأصحاب ذلك حتى يذكروه ويعلقوه على الصواب أو كما قال .

تنبيه الفقيه على مراتب أصحابه

يستحب للفقيه أن ينبه على مراتب أصحابه في العلم ، ويذكر فضلهم ويبين مقاديرهم ليفزع الناس في النوازل بعده إليهم ، ويأخذوا عنهم .

أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي عن ربعي عن حذيفة ، قال : كنا عند النبي فﷺ قال : « اني لا أدري قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي وإشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بعهد عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه » .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال ، نا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، قال : نا الحسن بن سلام السواق ، نا قبيصة بن عقبة ، نا سفيان الثوري عن خالد الحذاء وعاصم عن أبي قلابة عن أنس ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدها في دين اللهعمر ، وأصدقها حياءاً عثمان ، وأفرضهم زيد ، واقرأهم أُبي ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ، وإن لكل أمة أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح » .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار ، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا علي بن جعفر الملحمي الأصبهاني ، نا محمد بن الوليد العباسي ، نا عثمان بن زفر ، نا مندل بن علي عن ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أرحم أمتي لأمتي أبو بكر ، وأوفى أمتي لأمتي عمر بن الخطاب ، وأصدق أمتي حياءًا عثمان بن عفان ، وأقضى أمتي علي بن أبي طالب ، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء بربوة واقرأ أمتي أُبي بن كعب ، وأفرضها زيد بن ثابت ، وقد أوتي عويمر عبادة يعني أبا الدرداء رضي الله عنهم » .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق ابن محمد بن البختري المادرايي ، نا أحمد بن زهير بن حرب ، نا الشافعي وهو إبراهيم بن محمد بن العباس نا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم ، قال : قال عمر : نعم ترجمان القرآن ابن عباس .

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد الواعظ ، نا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأنباري املاءًا ، نا الحسن بن عرفة ، نا يحيى بن اليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير ، قال : قال عمر لابن عباس : لقد علمت علماً ما علمناه . وإذا بان للفقيه نفاذ أحد أصحابه في العلم وحسن بصيرته بالفقه جاز له تخصيصه دونهم وأثرته عليهم .

أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا علي بن إسحاق المادرايي ، نا ابن الجنيد ، نا العلاء بن عبد الجبار ، نا عبد الواحد ، نا عمارة بن القعقاع ، قال : حدثني الحارث العكلي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن يحيى ، قال : قال علي بن أبي طالب : كان لي ساعة من السحر آتي فيها رسول الله فأسلم فإذا لم يكن في صلاة أذن لي وإذا كان في صلاة سبح فكان ذلك له إذنه .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على عمر بن نوح البجلي وانا أسمع ، أخبركم أبو خليفة هو الفضل بن الحباب ، نا ابن كثير أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، قال : كنت قاعداً مع أبي موسى وأبي مسعود فذكرا عبد الله ، فقال أحدهما : ما نراه ترك بعده مثله ، قال : إن قلت لقد كان يدخل إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا .

أخبرني أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ بنيسابور ، أخبرنا محمد بن عبد الله ابن إبراهيم السليطي ، نا جعفر بن محمد بن الحسين ويعرف بالنزك ، نا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عيسى ابن يونس ، قال : نا الأعمش عن شقيق عن عبد الله ، قال : إني لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله : اثنتين في ركعة عشرين سورة في عشر ركعات ، ثم أخذ بيد علقمة فدخل فخرج إلينا علقمة فسألناه فأخبرنا بهن .

فإذا بلغ المتعلم هذه المنزلة من الفقيه فليغتنم أوقاته ، وليحرص على الإستفادة منه وخاصة في حال فراغه ، وأوقات خلواته معه .

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البزاز ، أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس ، نا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثني عمي عبد الله ، نا زياد هو ابن عبد الله البكائي ، نا رجل من أهل البصرة عن شهر بن حوشب عن أبي إمامة عن عمرو بن عبسة السلمي ، قال : رغبت عن دين قومي في الجاهلية ، فذكر قصة إسلامه إلى أن قال : فمكثت في أهلي حتى بلغني أن رسول الله قد أتى المدينة وظهر بها ، فأتيته فقلت يا رسول الله هل تعرفني ؟ ﷺ قال : « نعم أنت السلمي الذي أتاني بمكة فسألني عن كذا وكذا فقلت له كذا وكذا » . فاغتنمت ذلك المجلس وعرفت انه لا يكون الدهر افرغ قلباً منه في ذلك المجلس ، فقلت : يا نبي الله علمني مما علمتَ وجهلتُ ، وما ينفعني ولا يضرك .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثني زيد بن بشر وعبد العزيز يعني ابن عمران ويونس هو ابن عبد الأعلى ، قالوا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب قال : قال هشام بن عروة : كان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل إخوتي وآخر قد سماه هشام فيقول : لا تعنتوني مع الناس إذا خلوت فاسألوني ، فكان يحدثنا يأخذ في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا ، ثم يقول : كروا عليه فكان يعجب من حفظي ، قال هشام : فو الله ما تعلمنا جزءاً من ألف جزء من أحاديثه .

وينبغي أن يلاطف الفقيه إذا سأله ويحسن خطابه ، وان فداه بأبويه فلا بأس بذلك .

أخبرنا ابن الفضل أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن ثابت الصيرفي ، نا الحسن بن علي الكرابيسي ، نا عمرو بن مرزوق ، نا زائدة عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال : انتهيت إلى رسول الله وهو في ظل الكعبة وهو يقول : ﷺ : « هم الا خسرون ورب الكعبة » ، قال : فجلست وأنا مهموم ، قال : فقلت : لعله نزل في شيء ، قال : ثم لم يصبر ، قال : فقلت : من أولئك فداك أبي وأمي ؟ ﷺ قال : « هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا » عن يمينه ، وشماله ، وبين يديه ، ووراءه ، ﷺ : « وقليل ما هم » .

وليتحين أن يسأله عند طيب نفسه .

أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا أبو العباس محمد بن أحمد بن أحمد بن حماد الأثرم ، نا العباس بن عبد الله الترقفي ، نا أحمد بن عبد الله ، نا أبو بكر بن عياش عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس ، قال : وجدت أكثر حديث رسول الله عند هذا الحي من الأنصار ، فإن كنت لآتي أحدهم فيقال لي هو نائم ، فلو شئت أن يوقظ لي ، فأدعه حتى يخرج ليستطيب بذلك حديثه .

وليتق سؤاله عند الغضب .

فقد أخبرنا أبو بكر البرقاني نا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي لفظاً ، قال : أخبرني أبو يعلى هو أحمد بن علي بن المثنى نا أبو كريب ، قال الإسماعيلي : ( وأخبرني ) الحسن بن سفيان ، نا أبو عامر ابن براد ، قال : ( وأخبرنا ) القاسم بن زكريا ، نا أبو كريب ويوسف والمسروقي ، قالوا : أخبرنا أبو أسامة واللفظ لأبي يعلى عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى ، قال : سئل رسول الله عن أشياء كرهها ، فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس : ﷺ : « سلوني عما شئتم » فقال رجل من أبي ؟ قال : أبوك حذافة ، فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك سالم مولى شيبة ، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله من الغضب قال : يا رسول الله انا نتوب إلى الله .

وكذلك لا يسأله حين يشتد فرحه لأنه في تلك الحال يتغير فهمه .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان وأبو بكر بن المقري قال : نا أبو يعلى هو الموصلي نا أبو خيثمة ، نا عمر بن يونس ، قال : أخبرني عكرمة بن عمار ، قال : أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، وآتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم انت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح » .

وهكذا إذا رآه يحدث نفسه بشيء ، أو كان مشغول القلب فليصد عن سؤاله في تلك الحال .

أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي بدمشق ، أخبرنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا ، نا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، ان مالكاً أخبره قال ابن جوصا ، ونا عيسى بن إبراهيم بن مثرود ، أخبرنا ابن القاسم قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه ، ان رسول الله كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر بن الخطاب : ثكلتك أمك عمر نزرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ، فقال عمر : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس فما لبثت أن سمعت صارخاً يصرخ ، فقلت لقد خشيت أن ينزل في قرآن فجئت رسول الله فسلمت عليه ، فقال : لقد نزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ : ( { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } ) [5] .

وينبغي أن لا يمنعه الحياء من السؤال عن أمر نزل به ، فإن غلب عليه الحياء واحتشم من سؤال الفقيه ألقى مسألته إلى من يأنس به وينبسط إليه ليسأل الفقيه عنها ويخبره بحكمها .

أخبرنا أبو الصهباء ولاد بن علي بن سهل الكوفي ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، نا أحمد بن حازم ، أخبرنا عبد الحميد بن صالح ، قال : نا زهير عن هشام بن عروة عن عروة ، ان علي بن أبي طالب قال للمقداد صاحب رسول الله : استفت لي رسول الله فلولا أن ابنته عندي لاستفتيته في الرجل إذا دنا من المرأة ولم يمسها فأمذى ولم يملك ذاك ؟ فسأله المقداد فقال رسول الله : ﷺ : « إذا دنى أحدكم من امرأته ولم يمسها ولم يملك ذاك فليغسل ذكره وأنثييه ثم ليتوضأ وليصل » .

والأولى أن يكون هو السائل للفقيه عن الأمور التي تصلح دينه .

فقد أخبرني علي بن أحمد بن محمد الرزاز ، نا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، نا أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد الرقاشي ، نا أبو عاصم ، نا سفيان ( وأخبرنا ) أبو منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، نا أبو عاصم عن سفيان عن أبي محمد النصري ، وقال السواق عن أبي محمد رجل من بني نصر عن ابن عمر ، قال : من رق وجهه رق علمه .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، نا عباس بن عبد الله الترقفي ، نا سلم الخواص ، أخبرني ابن عيينة عن مجاهد ، قال : لا يتعلم العلم جبار ولا مستكبر ، ولا مستحي .

( وأخبرنا ) طلحة بن علي الكتاني ، نا أحمد بن يوسف بن خلاد ، نا محمد بن يوسف الترمذي ، نا عيسى بن أحمد العسقلاني ، نا ابن وهب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : لا يتعلم مستحي ولامتكبر .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزقويه ، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان نا محمد بن غالب بن حرب ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب ، قال : جاء أبو موسى إلى عائشة فقال : إني أريد أن أسألك وأنا أستحي ، قالت : لا تستح فإنما أنا أمك ، قال : الرجل يجامع فلا ينزل ؟ قالت : على الخبير سقطت ، سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « إذا قعد بين شعبها الأربع ثم الزق الختان بالختان فقد وجب الغسل » .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك وأنا أسمع ( وأخبرنا ) الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أبو بكر بن مالك ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا إسماعيل أخبرنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود ومسروق ، قالا : أتينا عائشة رضي الله عنها لنسألها عن المباشرة للصائم فاستحيينا فقمنا قبل أن نسألها فمشينا لا أدري كم ، ثم قلنا جئنا لنسألها عن حاجة ثم نرجع قبل أن نسألها ، فقلنا : يا أم المؤمنين انا جئنا لنسألك عن شيء فاستحيينا فقمنا ، فقالت : ما هو ؟ سلا عما بدا لكما ، قلنا : أكان النبي يباشر وهو صائم ؟ قالت : قد كان يفعل ذلك ولكنه كان أملك لإربه منكم .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد المتوثي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي ، نا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا عبد الرحمن بن علقمة المروزي ، نا أبو عصمة عن منصور ، قال : قال لي إبراهيم : يا منصور سل سؤال الحمقى واحفظ حفظ الأكياس .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الرزاز ، نا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن الجعابي ، قال حدثني الحسين بن مصعب ، قال : نا محمد بن عمر بن وليد ، قال : نا محاضر ، قال : سمعت الأعمش يقول : سل سؤال الأحمق واحفظ حفظ الأكياس .

أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل والحسن بن أبي بكر ، قالا : أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد ابن عبد الله بن زياد القطان ، نا أبو العباس أحمد بن يحيى ، نا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثني محمد بن معن الغفاري ، قال : سمعت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، يقول : ما من شيء إلا وقد علمت منه إلا أشياء صغاراً كنت أستحي أن يرى مثلي يسأل عن مثلها فبقي جهالتها فيَّ إلى الساعة .

وينبغي أن تكون مساءلته عما يكثر نفعه ويقل المساءلة عن العضل والاغلوطات .

فقد أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، قال : نا موسى بن سهل الوشاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، قال : نا خالد الحذاء عن ابن أشوع عن وراد ، قال : كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة ، أكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله ، فكتب إليه إنه كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال .

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الفقيه البصري ، نا أبو عبد الله محمد بن المعلى ابن عبد الله الأزدي بالبصرة ، أخبرنا أبو جد منحمد بن حمدان العشيري ، نا أبو العيناء ، نا محمد بن سلام قال : قال رجل لاياس بن معاوية : أتأذن في مسألة ، قال : والله ما استربت بك حتى استأذنتني فإن كانت لا توذي جليسك ولا تفضح عالمك فهاتها .

انتهى الجزء العاشر من كتاب الفقيه والمتفقه ويتلوه الجزء الحادي عشر وأوله ( وإذا أجابه الفقيه عن مسألة ) والحمد لله حق حمده كما ينبغي لكرم وجهه وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً .

=======

ج11.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الحادي عشر

وإذا أجابه الفقيه عن مسألة جاز أن يستفهمه عن جوابه أقاله عن أثر أو عن رأي .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا علي بن إسحاق المادرايي نا أبو الاصبغ الترقساني ، نا عون بن سلام الكوفي ، نا أبو بكر النهشلي عن الأعمش عن شقيق ، قال : لبي عبيد الله على الصفا وقال : يا لسان قل خيراً تغنم ، أو أصمت تسلم من قبل أن تندم . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أو شيء سمعته ؟ قال : لا ، بل شيء سمعته ، سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « ان أكثر خطايا ابن آدم في لسانه » .

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، انا الربيع بن سليمان ، قال : انا الشافعي ، انا مسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي ؟ فقال : نعم . فقلت : أتؤكل ؟ فقال : نعم . فقلت : سمعته من رسول الله ؟ قال : نعم .

أخبرنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، نا محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا أبو إسماعيل الترمذي ، نا ابن بكير ، نا الليث ، قال : قال ربيعة لابن شهاب يا أبا بكر إذا حدثت الناس برأيك فأخبرهم انه رأيك ، وإذا حدثت الناس بشىء من السنة فأخبرهم انه سنة قلا يظنون انه رأيك .

أخبرنا محمد بن الحسن بن الفضل القطان ، انا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا محمد بن أبي زكريا ، انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك ، قال : قال ربيعة لابن شهاب : إذا أخبرت الناس بشيء من رأيك فأخبرهم انه من رأيك .

ويحق على الفقيه إذا فعل فعلاً من علة أن يخبر بها الاتباع .

أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار السابوري ، انا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا موسى بن إسماعيل ، نا حماد عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : بينما رسول الله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه ، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله صلاته ﷺ قال : « ما حملكم على القائكم نعالكم » ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله : ﷺ : « ان جبريل أتاني فأخبرني ان فيهما قذرا أو قال : أذى فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قدرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما » .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي ، حدثكم أبو مسلم الكجي ، نا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري ، نا سليمان التيمي ، نا أنس بن مالك ، قال : عطس عند النبي رجلان فشمت أو فسمت أحدهما ولم يشمت الآخر أو لم يسمت الآخر ، وقال : ان هذا حمد الله فشمته ، وهذا لم يحمد الله فلم أشمته .

أخبرنا عبد الله بن أبي الفتح الفارسي وعلي بن أبي علي البصري ، قالا : نا علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق ، انا هيثم بن خلف الدوري ، نا إسحاق بن موسى الأنصاري ، نا معن بن عيسى ، نا مالك عن عبد الله بن دينار ، انه سمع ابن عمر وصلى رجل إلى جنبه ، فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه ، فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه ، فقال الرجل انك تفعل ذلك ؟ فقال ابن عمر : إني أشتكي .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، انا علي بن محمد بن سعيد الرزاز ، انا جعفر بن محمد الفريابي ، نا صفوان بن صالح ، نا الوليد بن مسلم ، نا ابن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، قال : أخبرني عباد قال : صلينا على جنازة فكبر عليها عبد الله بن عباس ثم قرأ بأم القرآن يجهر ، ثم قال : إني لم أجهر إلا لتعلموا .

وإذا استفهم المتعلم الفقيه فأفهمه ثم عاد فاستفهمه جاز للفقيه أن يزيده .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا أبو مصعب ، نا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، أن رسول الله رأى رجلاً يسوق بدنة فقال له : ﷺ : « اركبها » ، قال : يا رسول الله انها بدنة . ﷺ قال : « اركبها ويلك » في الثانية أو الثالثة .

فإن راجعه بعد ذلك فله أن يأخذه بلسانه .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح ، قال أبو معاوية : أراه عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأبي الدرداء : ﷺ : « إذهب فناد من شهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله فقد وجبت له الجنة » . فقال أبو الدرداء : وان زنى وان سرق ؟ ﷺ قال : « وإن زنى وإن سرق » ، قال : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قال وإن زنى وإن سرق ؟ ﷺ قال : « وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي الدرداء » .

قلت وكثرة المراجعة تغير الطباع ولهذا قال رسول الله لأبي الدرداء ما قال .

والمحفوظ من أخلاقه ما أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي قالا : أنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق العسكري ، نا أحمد بن مسروق الطوسي نا محمد بن الحسين البرجلاني ، قال : حدثني سليمان بن حرب عن حماد عن سلم العلوي عن أنس بن مالك ، قال : كان النبي لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكرهه .

فيستحب للفقيه الرفق ، والمداراة ، والاحتمال .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الديباجي ، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق ، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، وأبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار ، قالوا : انا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، نا الحسن بن عرفة ، نا عبد الله بن المبارك عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية ، قال : ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجاً ، أو قال مخرجاً .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا دعلج بن أحمد ، نا أبو الحسن محمد بن إسحاق ابن راهويه ، قال : سمعت أبي غير مرة إذا رد عليه أصحابه يقول : سمعت النضر بن شميل يقول : قال الخليل ابن أحمد :

تسألني أم الخيار جملا ......... يمشي رويداً ويكون أولا

قال وكان كثيراً ما يتمثل :

يشكو إلي جملي طول السرى ......... صبرا جميلاً فكلانا مبتلى

ويجب على المتفقه ترك المراجعة ، وإسقاط المجاراة ، والصبر على ما يرد من الفقيه .

فقد أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا العباس ابن محمد الدوري ، ثنا عبد الصمد بن النعمان البزاز ، نا حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن ابن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم ، قال : كان رسول الله إذا دعا لأحد بدأ بنفسه ، فذكر ذات يوم موسى عليه السلام فﷺ قال : « رحمة الله على موسى لو أنه صبر لصاحبه لرأى العجب العاجب ولكنه قال ( { ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا } ) [1] .

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، ) ﷺ : ( قال : حدثني أبي ، نا نصر بن القاسم ، نا أبو بكر ابن أبي شيبة ، نا ابن أبي عدي عن يونس عن ميمون بن مهران ، قال : لاتمار عالما ولا جاهلاً ، فإنك ان ماريت عالماً خزن عنك ، وإن ماريت جاهلاً حشر بصدرك .

أخبرنا أخبرنا أبو القاسم رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري ، قال : سمعت أبا عبد الله الحسين ابن جعفر بن محمد بن العنزي بالري يقول : سمعت أحمد بن الحسين الشروطي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : الح على الشافعي قوم من أصحاب الحديث فآذوه ، فقال : لا تكلفوني أن أقول لكم ما قال محمد بن سيرين لرجل الح عليه .

انك ان كلفتني ما لم أطق ......... ساءك ما سرك مني من خُلُق

باب القول فيمن تصدى لفتاوي العامة وما ينبغي أن يكون عليه من الأوصاف ويستعمله من الأخلاق

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، انا إسماعيل بن محمد الصفار ، قال : نا أحمد بن منصور هو الرمادي نا عبد الرزاق ، انا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : إن الله تعالى لا ينزع العلم من صدرو الناس بعد أن يعلمهم إياه ، ولكن ذهابه قبض العلماء ، فيتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيسألون فيقولون بغير علم فيضلون ويضلون » .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال ، ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز املاءًا ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا يعلى بن عبيد ، نا يحيى بن عبيد الله ( وأخبرني ) أبو الحسين علي بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد السكري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، انا جعفر بن أحمد المؤذن ، نا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن يحيى بن حماد بالكوفة ، نا ابن فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « يخرج في آخر الزمان رجال وقال ابن برهان : قوم ، ثم اتفقا رؤوس جهال يفتون الناس فيضلون ويضلون .

حدثنا عبد العزيز بن علي الأزجي لفظاً ، نا محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا أحمد بن الحسن ، نا زكريا بن يحيى المدائني ، نا سليمان بن سفيان ، نا ورقاء بن عمر عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي قال : « يكون في آخر الزمان رؤوس جهال يفتون الناس برأيهم فيضلون ويضلون » .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ومحمد بن الحسين بن الفضل ، قالا : نا دعلج بن أحمد ، نا وفي حديث ابن الفضل ، أنا أحمد بن علي الآبار ، نا محمد بن خالد الواسطي ، نا أبي عن طاوس عن عبد الله ابن عمرو ، قال : قال رسول الله : « أوشك أن يظهر فيكم شياطين كان سليمان أوثقها في البحر ، يصلون في مساجدكم ويقرأون معكم القرآن ، وإنهم لشياطين في صور الأنس » .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، انا قبيصة ، نا سفيان عن ليث عن طاوس عن عبد الله بن عمرو ، قال : يوشك أن تظهر الشياطين مما أوثق سليمان يفقهون الناس .

أخبرنا ابن رزق وابن الفضل قالا انا دعلج قال نا وفي حديث ابن الفضل انا أحمد بن علي الأبار ، ) ﷺ : ( أنا أبو شهاب الباجدائي ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، نا عبد الله قالون شيخ من أهل مكة عن حفص الطيب ، قال : رأيت شيطاناً أعرفه بمسجد الخيف بمنى يفتي الناس .

( وقال ) الأبار ، نا مؤمل بن اهاب ، قال : رأيت في المسجد الحرام جماعة فيهم رجل يفتيهم عليه عبا وهو مشتمل بعبا ، إذ قال له رجل : قلمت ظفري ؟ قال : عليك كبش ، قال له آخر نتفت شعرة ؟ قال : عليك كبش . وأشياء مثل هذا فزاحمت حتى دخلت إليه فقلت : ويحك كيف وقعت على كبش ؟ كل من سألك قلت : عليك كبش ، قال : فليس يدعوني حتى أخرج . قال : فأخذت بيده فأخرجته .

أخبرنا ابن الفضل ، انا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثني محمد بن أبي بكير ، انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك : قال : أخبرني رجل انه دخل على ربيعة فقال ما يبكيك ؟ وارتاع لبكائه ، فقال له : أدخلت عليك مصيبة ؟ فقال : لا ، ولكن أستُفتِيَ من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله قلت : ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين ، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها ومن لم يكن من أهلها منعه منها وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها . وقد كان الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم قوماً يعينونهم ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن أبي نصر النرسي ، انا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن أبي يزيد الصنعاني ، عن أبيه قال : كان يصيح الصائح في الحاج لا يفتي الناس ألا عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح .

والطريق للإمام إلى معرفة حال من يريد نصبه للفتوى أن يسأل عنه أهل العلم في وقته والمشهورين من فقهاء عصره ويعول على ما يخبرونه من أمره .

أخبرنا أبو الفتح علي بن محمد بن عبد الصمد الدليلي بأصبهان ، انا أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن علي بن عاصم بن المقري ، نا أبو سعيد مفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي في المسجد الحرام قال : سمعت أبا مصعب أحمد بن أبي بكر يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون إني أهل لذلك .

حدثنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدويي املاءًا ، نا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي قال : سمعت محمد بن إسحاق الثقفي يقول : سمعت الحسن بن عبد العزيز الجروي يقول : نا عبد الله بن يوسف التنيسي عن خلف بن عمر صديق كان لمالك قال : ) ﷺ : ( سمعت مالك بن أنس يقول : ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعاً لذلك ، سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك ، فقلت له يا أبا عبد الله لو نهوك ، قال : كنت أنتهي لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشىء حتى يسلم من هو أعلم منه .

ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى

أخبرنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن الحسين العلوي المحمدي ، نا علي بن محمد بن موسى التمار بالبصرة ، نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، نا أبي ، قال حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال : حدثني أبي موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين قال حدثني الحسين بن علي قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من أفتى بغير علم لعنته الملائكة » .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، نا الحسن بن سلام ، نا أبو عبد الرحمن المقريء ، نا سعيد بن أبي أيوب ، قال : حدثني بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن بسار عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من تقوَّل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ومن أفتى بفتيا بغير ثبت فإنما اثمه على من أفتاه » .

أخبرني علي بن عبد الوهاب السكري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا جعفر بن أحمد المؤذن ، انا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ، نا ابن فضيل عن أبي سنان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، أنه قال : من أفتى الناس بفتيا يعمى عنها فإنما اثمها عليه .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، انا أبو العباس عبد الله بن موسى بن إسحاق بن حمزة الهاشمي نا عبد الله بن العباس بن عبد الله الطيالسي ، نا إسحاق بن منصور الكوسج ، انا النضر بن شميل ، انا عمرو عن خالد الربعي ، قال : كان شاب في بني إسرائيل قد قرأ القرآن وعلم علماً ، وكان مغموراً فيهم يعني لا يعرف وانه ابتدع بدعا أدرك بها الشرف والمال ، قال فبينما هو نائم على فراشه إذ فكر فقال : هب هؤلاء لا يعلمون ما ابتدعت ، أليس الله قد علم ؟ فلو إني تبت إلى الله ، قال فخرق ترقوته ، فجعل فيها سلسلة ثم أوثقها إلى آسية من أواسي المسجد ثم قال : والله لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي أو أموت ، قال : وكان الوحي لا يستنكر في بني إسرائيل ، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائهم : انك لو أذنبت ذنباً فيما بيني وبينك لتبت عليك بالغاً ما بلغ ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم ؟ فلا أتوب عليك .

باب ذكر شروط من يصلح للفتوى

أول أوصاف المفتي الذي يلزم قبول فتواه أن يكون بالغاً ، لأن الصبي لا حكم لقوله . ثم يكون عاقلاً ، لأن القلم مرفوع عن المجنون لعدم عقله . ثم يكون عدلاً ثقة لأن علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين وإن كان بصيراً بها . وسواء كان حراً أو عبداً لأن الحرية ليست شرطاً في صحة الفتوى . ثم يكون عالماً بالأحكام الشرعية وعلمه بها يشتمل على معرفته بأصولها وارتياض بفروعها .

وأصول الأحكام في الشرع أربعة : أحدها : العمل بكتاب الله على الوجه الذي تتضح به معرفة ما تضمنه من الأحكام محكماً ، ومتشابهاً ، وعموماً ، وخصوصاً ، ومجملاً ، ومفسراً ، وناسخاً ، ومنسوخاً . والثاني : العلم بسنة رسول الله الثابتة من أقواله ، وأفعاله ، وطرق مجيئها في التواتر والآحاد ، والصحة والفساد ، وما كان منها على سبب أو اطلاق . والثالث : العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ليتبع الأحكام ويجتهد في الرأي مع الاختلاف ، والرابع : العلم بالقياس الموجب ليرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها ، حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل ، وتمييز الحق من الباطل فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ولا يجوز له الاخلال بشيء منه .

أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الوهاب الكاتب ، انا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحضرمي ، نا حاتم بن الحسن الشاشي ، نا علي بن خشرم ، انا عيسى يعني ابن يونس عن ابن عون عن ابن سيرين ، قال : قال حذيفة رضي الله عنه : لا يفتي الناس إلا ثلاثة : رجل قد عرف ناسخ القرآن ومنسوخه ، أو أمير لا يجد بدا أو أحمق متكلف .

أخبرني أبو الموفق محمد بن محمد بن محمد النيسابوري ، انا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الأزهر الشمناوي ، نا أحمد بن مروان المالكي ، نا عبد الله بن مسلم القتيبي ، نا سهيل ، قال : قال الشافعي : لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلاّ رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخه ، وبمحكمه ومتشابهه ، وتأويله وتنزيله ، ومكيّة ومدنية وما أريد به وفيما أنزل ، ثم يكون بعد ذاك بصيراً بحديث رسول الله بالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن ، ويكون بصيراً باللغة ، بصيراً بالشعر وبما يحتاج إليه للعلم والقرآن ، ويستعمل مع هذا الانصاف ، وقلة الكلام ، ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار ، وتكون له قريحة بعد هذا ، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي .

قرأت على إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي ، قال : نا أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن علي ، قال : نا صالح يعني ابن أحمد بن حنبل أنه قال لأبيه : ما تقول في الرجل يسأل عن الشيء فيجيب بما في الحديث وليس بعالم بالفتيا ؟ قال : ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عارفاً بالسنن ، عالماً بوجوه القرآن ، عالماً بالأسانيد الصحيحة ، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي في السنن ، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها .

قرأت على محمد بن أحمد بن يعقوب عن محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري ، قال : نا علي بن حمشاذ العدل ، نا محمد بن أيوب ، نا أبو جعفر محمد بن مهران الحمال ، انا علي بن شقيق عن ابن المبارك ، قال : قيل له : متى يفتي الرجل ؟ قال : إذا كان عالماً بالأثر ، بصيراً بالرأي .

( وقال ) أبو نعيم أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاتم الزاهد ، نا الفضل بن محمد الشعراني ، قال : سمعت يحيى بن اكتم وسئل متى تحب للرجل أن يفتي ؟ قال : إذا كان بصيراً بالرأي ، بصيراً بالأثر .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وينبغي أن يكون قوي الاستنباط ، جيد الملاحظة ، رصين الفكر ، صحيح الاعتبار ، صاحب أناة وتؤدة ، وأخا استثبات وترك عجلة ، بصيراً بما فيه المصلحة ، مستوقفاً بالمشاورة ، حافظاً لدينه مشفقاً على أهل ملته ، مواظباً على مروءته ، حريصاً على استطابة مأكله فإن ذلك أول أسباب التوفيق ، متورعاً عن الشبهات ، صادفاً عن فاسد التأويلات صليباً في الحق دائم الاشتغال بمعادن الفتوى وطرق الاجتهاد ، ولا يكون ممن غلبت عليه الغفلة واعتوره دوام السهر ، ولا موصوفاً بقلة الضبط منعوتاً بنقص الفهم ، معروفاً بالاختلال يجيب عما يسنح له ، وبفتي بما يخفى عليه ، وتجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لم تخرجه بدعته إلى فسق ، فأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف الصالح فإن فتاويهم مرذولة ، وأقاويلهم غير مقبولة ، وفي معرفة من يصلح أن يفتي تنبيه على من لا تجوز فتواه .

واعلم أن العلوم كلها أبازير للفقه ، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة وإلى معرفة الجد والهزل ، والخلاف والضد والنفع الضر ، وأمور الناس الجارية بينهم . والعادات المعروفة منهم ، فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذكرناه ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال ، والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهم ، وجمع الكتب ودرسها ودوام مطالعتها .

والدليل على ما ذكرناه ان الله تعالى لما أراد اعلام الخلق أن ما أتى به نبينا من القصص ، والأخبار الماضية ، والسير المتقدمة معجز أعلمهم انه لا يعرف بلقاء الرجال ، ودراسة الكتب وخطها بيمينه فصدق قوله انه اعلام من الله فدل على أن محصول ذلك في العادة بالملاقاة والبحث والدرس ، ووجوده بخلاف ذلك خرق عادة صار به معجزة ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يكن لنفيها عنه معنى .

قيل لبعضهم : أي كتبك أحب إليك ؟ قال : ما أتبصره علما وأتصوره فهماً . وقيل لآخر فقال : ما أفيد منه وأستفيد . وقيل لآخر فقال : ما أعلم وبه أعمل .

وقيل لبعض الحكماء : إن فلاناً جمع كتباً كثيرة ، فقال : هل فهمه على قدر كتبه ؟ قيل : لا . قال : فما صنع شيئاً ، ما تصنع البهيمة بالعلم .

وقال رجل لرجل كتب ولا يعلم شيئاً مما كتب : ما لك من كتبك إلا فضل تعبك ، وطول أرقك ، وتسويد ورقك .

قلت : وهذه حال من اقتصر على النقل إلى كتابة من غير أنعام النظر فيه ، والتفكر في معانيه .

أخبرني الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، قال : نا عبيد الله بن أحمد بن الهذيل أبو أحمد نا محمد بن عمرو بن البختري ، نا إسحاق بن سنين ، قال : حدثني أحمد بن الفرج ، قال : حدثني أبو عبد الله شيخ بالكوفة ، قال : حدثني سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة عن سعيد بن المسيب ، قال : ان في العزلة السلامة فأنبل أن ترى في مجالس السفهاء ، فإذا اغتممت وحدك فادرس كتاباً من فعل الفقهاء .

حدثني أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الدقاق ، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، نا الحسن ابن عبد الرحمن بن خلاد ، قال : حدثني أبو الحسن المازني ، نا هارون الفروي ، نا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن إبراهيم بن سعد ، قال : قلت لأبي سعد بن إبراهيم : بم راقكم الزهري ؟ قال : كان يأتي المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها ، ولا يبقى في المجلس شاب إلا سأله ، ولاكهل إلا ساءله ،

ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقى فيها شاب إلا ساءله ، ولا كهل إلا ساءله ولا فتى إلا ساءله ولا عجوز إلا ساءلها ، ولا كهلة إلا ساءلها حتى يحاول ربات الحجال .

أخبرنا ابنا بشران علي وعبد الملك ، قالا : انا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الكندي بمكة ، نا محمد ابن جعفر الخرائطي ، قال : قيل : لبعض الحكماء وهو انو شروان ما بالكم لا تأنفون من التعلم من أحد ؟ قال : ذلك لعلمنا بأن العلم نافع من حيث أخذ .

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، انا محمد بن أحمد بن موسى البابسيري بواسط ، انا أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي ، قال : حدثني أبي عن سفيان بن عيينة ، قال : يوماً لأصحابه : من أحوج الناس إلى طلب العلم ؟ قالوا : قل يا أبا محمد . قال : ليس أحد أحوج إلى طلب العلم من العالم لأنه ليس الجهل بأحد أقبح به من العالم .

أخبرني الجوهري ، انا محمد بن العباس الخزاز ، نا عبد الرحمن بن محمد الزهري ، قال : قال أبو العباس أحمد بن يحيى : لا يكون الرجل عالماً حتى يتعلم ولا يكون عالماً ان لم يعلم إلا ما تعلم .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي ، انا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، انا النعمان الواسطي ، نا محمد بن حرب النسائي ، قال : حدثني أبو حنيفة محمد بن ماهان عن طلحة بن زيد عن يونس بن أبي شبيب ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم ، فإذا ترك العلم وظن انه قد استغنى واكتفى بما عنده كان أجهل ما يكون .

ما جاء في ورع المفتي وتحفظه

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الصيرفي المعدل بالكرج ، نا عمر بن إبراهيم ابن مردويه الكرجي ، نا أبو جعفر بن أبي جعفر النجيرمي ، نا أحمد بن سعيد بن عمر الثقفي المطوعي ، نا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك ، قال : قال النبي : ﷺ : « من فقه الرجل قلة الكلام فيما لا يعنيه » .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، نا محمد بن الحسين بن حفص ، نا محمد بن يحيى الحجري ، نا عمر بن صخر السلمي عن الصباح بن يحيى المزني عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، قال : ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه ؟ من لم يؤيس الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ألا لا خير في علم لا فقه فيه ولا خير في فقه لا ورع فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها .

روى هذا الحديث زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي كذلك .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، انا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو جعفر أحمد ابن يحيى الحلواني ، نا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا أبو بدر ، نا زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم مكر الله ، ولم يترك القرآن إلى غيره ، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه ولا خير في فقه ليس فيه تفهم ، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر .

أخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، نا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا أبو إسماعيل الترمذي ، نا عبد العزيز الأويسي ، نا مالك ، قال : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول : لا يكون الرجل فقيها حتى ينقي أشياء لا يراها على الناس ولا يفتيهم بها .

أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، قال : وجدت في كتاب جدي ، ثنا حرمي ابن أبي العلاء ، نا الزبير بن بكار ، حدثني مطرف بن عبد الله ، قال : كان مالك بن أنس يعمل في نفسه بما لا يلزمه الناس ولا يفتيهم به ، ويقول : لا يكون العالم عالماً حتى يعمل في خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس ولا يفتيهم به مما لو تركه لم يكن عليه فيه اثم .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي ، انا محمد بن الطيب البلوطي بالأهواز انا علي بن الفضل بن طاهر البلخي ، نا الحسن بن محمد بن أبي حمزة ، نا محمد بن الفضل بن نباتة ، نا يحيى بن آدم ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ما من الناس أعز من فقيه ورع .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، انا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : كان يقال : لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في المنظر إلا مع المخبر ولا في الفقه إلا مع الورع .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، انا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ، نا محمد بن يونس ، نا الضحاك بن مخلد عن ابن عون ، قال : سأل الحسن عن رجل فقال رجل يا أبا سعيد : الرجل الفقيه . قال : وهل رأيت بعينيك فقيهاً قط ؟ إنما الفقيه الذي يخشى الله عز وجل .

أخبرنا علي بن أحمد المقري ، انا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، نا هارون الحمال ، نا سيار ، نا جعفر بن سليمان ، نا مطر الوراق ، قال : سألت الحسن عن مسألة فقال فيها ، فقلت : يا أبا سعيد يأبى عليك الفقهاء ويخالفونك فقال : ثكلتك أمك مطر ، وهل رأيت فقيهاً قط ؟ وهل تدري ما الفقيه ؟ الفقيه الورع الزاهد الذي لا يسخر ممن أسفل منه ، ولا يهمز من فوقه ولا يأخذ على علم علمه الله حطاما .

أخبرنا أبو محمد الجوهري ، نا عبد العزيز بن الحسن بن علي الصيرفي ، نا العباس بن أحمد بن محمد البرتي ، نا أبو سلمة المخزومي يحيى بن المغيرة ، حدثني محمد بن المغيرة عن أبيه عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عائذ الله بن عبد الله عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أنزل الله في بعض كتبه أو أوحى إلى بعض أنبيائه : قل للذين يتفقهون لغير الدين . ويتعلمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون للناس مسوك الكباش قلوبهم كقلوب الذئاب ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخدعون أو بي يستهزءون ؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم حيران » .

أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، انا أحمد بن محمد بن جعفر البحيري بنيسابور ، نا أبو نعيم الجرجاني ، نا العباس بن الوليد ، أخبرني أبي عن الأوزاعي ، نا يحيى بن أبي كثير ، قال : مثل العالم مثل الملح لا يصلح شيئاً إلاّ به ، فإذا فسد الملح لم يصلح إلا ان يوطأ بالأقدام .

اعتماد المفتي على الكتاب والسنة

أخبرنا محمد بن أبي القاسم الأزرق ، انا أحمد بن عثمان يحيى الأدمي ، نا جعفر بن محمد الرازي نا محمد بن عبد العزيز الخراساني ، ناالفضل بن موسى ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب أخو أبي محمد الخلال ، انا جبريل بن محمد بن إسماعيل العدل بهمذان ، نا محمد بن حيوية النحاس ، نا محمود بن غيلان ، نا الفضل بن موسى وزيد بن حباب ، قالا : نا يزيد بن عتبة عن الضحاك ، قال : لقي ابن عمر جابر بن زيد وهو يطوف بالكعبة ، فقال : يا جابر انك من فقهاء البصرة وانك تستفتى ، فلا تفتين إلا بقرآن ناطق ، أو سنة ماضية ، فإنك ان فعلت ذلك وإلا فقد هلكت وأهلكت . واللفظ لحديث محمود بن غيلان .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، انا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : نا أحمد بن الخليل ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبد الأعلى ، نا الجريري عن أبي نضرة ، قال : قدم أبو سلمة وهو ابن عبد الرحمن فنزل دار أبي بشير ، فأتيت الحسن فقلت : ان أبا سلمة قدم وهو قاضي المدينة وفقيههم انطلق بنا إليه . فأتيناه فلما رأى الحسن قال : من أنت ؟ قال : انا الحسن بن أبي الحسن . قال : ما كان بهذا المصر أحد أحب إلي أن ألقاه منك ، وذلك انه بلغني انك تفتي الناس ، فاتق الله يا حسن وأفت الناس بما أقول لك ، افتهم بشيء من القرآن قد علمته ، أو سنة ماضية قد سنها الصالحون والخلفاء ، وأنظر رأيك الذي هو رأيك فألقه .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : ولن يقدر المفتي على هذا إلا أن يكون قد أكثر من كتابة الأثر وسماع الحديث .

حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي لفظاً ، نا محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد ، نا الحسن بن إسماعيل ، قال : قيل لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وأنا أسمع : يا أبا عبد الله كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي ؟ يكفيه مائة ألف حديث ؟ قال : لا . قيل : مائتا ألف ؟ قال : لا . قيل : ثلاثمائة ألف ؟ قال : لا . قيل أربعمائة ألف ؟ قال لا . قيل : خمسمائة ألف ؟ قال : أرجو .

أخبرني أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري ، نا عبيد الله بن أحمد بن علي المقري ( وأخبرنا ) أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي ، انا محمد بن الخضر بن زكريا الدقاق ( وأخبرني ) أبو القاسم عبد الله بن أبي الفتح الفارسي ، نا محمد بن علي بن النضر الديباجي ، قالوا : نا محمد بن حمدويه زاد الطبري أبو نصرالمروزي ثم أتفقوا ، أنا أبو الموجه ، نا عبدان ، وقال البرمكي : انا عبدان قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول ليكن الذي تعتمد عليه الأثر ، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث .

ذكر ما يلزم الإمام أن يفرض للفقهاء ومن نصب نفسه للفتوى من الرزق والعطاء

لا يسوغ للمفتي أن يأخذ الأجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم الذي لا يجوز له أن يأخذ الرزق من أعيان من يحكم له وعليه . وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الاحتراف والتكسب ، ويجعل ذلك في بيت مال المسلمين ، فإن لم يكن هناك بيت مال أو لم يفرض الإمام للمفتي شيئاً واجتمع أهله على أن يجعلوا له من أموالهم رزقاً ليتفرغ لفتاويهم وكتابات نوازلهم ساغ ذلك .

أخبرنا ابن الفضل ، انا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : قلت ليزيد بن عبد ربه : حدثكم بقية عن ابن أبي مريم ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى والي حمص : أنظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم الفقه وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا فأعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين حين يأتيك كتابي هذا فإن خير الخير أعجله والسلام عليك ،

قال : فكان عمرو بن قيس وأسد بن وداعة فيمن أخذها ؟ فقال يزيد نعم .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، انا علي بن عبد العزيز ، نا أبو عبيد ، نا نعيم بن حماد عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الحكيم بن سليمان عن ابن أبي غيلان قال : بعث عمر بن عبد العزيز يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البدو وأجرى عليهما رزقاً ، فأما يزيد فقبل ، واما الحارث فأبى أن يقبل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك ، فكتب عمر : إنا لا نعلم بما صنع يزيد بأساً ، وأكثر الله فينا مثل الحارث بن يمجد .

باب الزجر عن التسرع في الفتوى مخافة الزلل

قال الله تبارك وتعالى : ( { ستكتب شهادتهم ويسألون } ) [2] وقال تعالى : ( { ليسأل الصادقين عن صدقهم } ) [3] وقال تعالى : ( { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ) وكانت الصحابة رضوان الله عليهم لا تكاد تفتي إلا فيما نزل ثقة منهم بأن الله تعالى يوفق عند نزول الحادثة للجواب عنها ، وكان كل واحد منهم يود أن صاحبه كفاه الفتوى .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، نا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، قال : نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا أبو معمر ، نا حكام الرازي ، نا جراح الكندي عن أبي إسحاق عن البراء ، قال : لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، انا إبراهيم بن أحمد بن بشران الصيرفي ، أنا سعيد بن محمد أخو زبير الحافظ ، نا يوسف بن موسى ، نا حكام بن سلم الرازي ، نا الجراح ابن الضحاك عن أبي إسحاق الهمذاني عن البراء بن عازب ، قال : رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما فيهم رجل إلا وهو يحب الكفاية في الفتوى .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على عبد الله بن محمد بن زياد السمري وأنا أسمع : حدثكم محمد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحداً جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت عن الفتيا منه .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، أنا أبو العباس محمد ابن إسحاق الثقفي السراج ، قال : سمعت أبا عبد الله المروزي ، قال : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : قال ابن عيينة : أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها ، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وقل من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها الاقل توفيقه ، واضطرب في أمره ، وإذ كان كارهاً لذلك غير مختار له ما وجد مندوحة عنه وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره ، كانت المعونة له من الله أكثر ، والصلاح في فتواه وجوابه أغلب .

وقد قال النبي لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه فيما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى العلوي الزيدي الكوفي ، انا أبو المثنى محمد بن أحمد بن موسى الدهقان بالكوفة ، نا الحسين بن علي بن عفان البزاز ، نا أبو أسامة عن عوف بن أبي جميلة وإسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله : ﷺ : « يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ، فإنك ان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها » .

فإن قال قائل : فقد قال علي بن أبي طالب : إسألوني قبل أن تفقدوني ؟ قيل له الخبر عنه بذلك معروف .

أخبرناه أبو الحسين أحمد بن عمر بن روح وأبو علي الحسن بن فهد النهروانيان بها ، قالا : أنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن مسلمة الدبيلي بالكوفة ، أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا عبد الرزاق ، نا معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي عن أبي الطفيل قال : شهدت علياً وهو يخطب وهو يقول :

سلوني والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به . وبإسناده قال : قال علي : سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلاَّ إني أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل .

( وأخبرنا ) ابن روح وابن فهد قالا انا محمد بن إبراهيم الدبيلي ، انا محمد بن عبد الله الحضرمي نا عثمان بن أبي شيبة ، نا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد ، قال آراه عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي يقول سلوني ، إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وإنما كان يقول هذا القول وقد انتهى الأمر إليه ، وتعينت الفتوى عليه ، وانقرضت الفقهاء من الصحابة سواه وحصل في جمع أكثرهم عامة ، ولولا ذاك بلي بما بلي به ، ألا ترى انه لم يقل هذا في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر لأنه قد كان في ذلك الوقت جماعة يكفون أمر الفتوى ثم من أين بعد علي مثله حتى يقول هذا القول .

أخبرنا علي بن أحمد بن عسر المقري ، انا محمد بن الحسين الآجري ، انا جعفر بن محمد الصندلي ، انا محمد بن المثنى ، قال : سمعت بشراً يعني ابن الحارث يقول : من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، قال : نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو بكر الحميدي ، نا سفيان عن عطاء بن السائب ، قال : أدركت أقواماً ان كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وانه ليرعد .

( وأخبرنا ) ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا الفضل بن زياد ، نا أحمد ، نا محمد بن عبد الله الأنصاري ، نا الأشعث عن محمد ، ) : ( قال : كان إذا سئل عن شيء من الفقه ، الحلال والحرام ، تغير لونه وتبدل حتى كأنه لبس بالذي كان .

أخبرنا أبو حازم العبدوي ، قال : انا محمد بن عبد الله بن إبراهيم السليطي ، نا إبراهيم بن علي الذهلي ، نا أبو الصلت ، حدثني شيخ بقرب المدينة ، قال : والله ان كان مالك إذا سئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : ويحق للمفتي أن يكون كذلك وقد جعله السائل الحجة له عند الله ، وقلده فيما قال ، وصار إلى فتواه من غير مطالبة ببرهان ولا مباحثة عن دليل ، بل سلم له وانقاد إليه ، ان هذا لمقام خطر ، وطريق وعر .

وقد أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، الأصم ، نا أبو محمد عبد الله بن هلال بن الفرات ببيروت ، نا أحمد يعني ابن أبي الحواري نا إسماعيل بن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر ، قال : ان العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل عليهم .

( وأخبرنا ) أبو الحسن محمد بن أحمد بن ززقويه ، نا محمد بن علي بن الهيثم المقري ، نا محمد بن يونس ، نا إبراهيم بن بشار الرمادي ، نا سفيان بن عيينة ، قال : قال محمد بن المنكدر : الفقيه الذي يحدث الناس إنما يدخل بين الله وبين عباده ، فلينظر بما يدخل .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، ثنا محمد بن علي بن النضر الديباجي ( وأنا ) إبراهيم بن عمر البرمكي ، انا محمد بن الخضر بن زكريا الدقاق ، قالا : نا محمد بن حمدويه ، نا أبو الموجه ، انا عمران ، نا عبد الله بن المبارك ، قال : قال مالك بن دينار لقتادة : أتدري أي علم رفعت ؟ وقال الأزهري أتدري في أي علم وقعت ؟ ثم اتفقا قمت بين الله وبين عباده فقلت هذا يصلح وهذا لا يصلح .

أخبرنا الجوهري ، نا محمد بن العباس ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن الروزي ، انا عبد الله بن المبارك ، انا المعتمر بن سليمان عن أبي محروم النهشلي عن سيار أبي الحكم قال : قال ابن عمر : إنكم تستفتونا استفتاء قوم كأنا لا نسأل عما نفتيكم به .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري ، انا أبو القاسم عبد الله بن محمد الشاهد ، نا مكرم بن أحمد نا أحمد بن عطية ، نا محمد بن سماعة ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : من تكلم في شيء من العلم وتقلده وهو يظن ان الله لا يسأله عنه كيف افتيت في دين الله ؟ فقد سهلت عليه نفسه ودينه .

وقال ابن عطية : حدثنا ابن سماعة عن أبي يوسف ، قال : سمعت أبا حنيفة يقول : لولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحداً ، يكون له المهنأ وعلي الوزر .

أخبرنا أبو نعيم ، نا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقريء ، نا أحمد بن محمد بن سعدان الواسطي ، نا عمار بن خالد ، نا عبد الحكيم بن منصور عن حماد الأبح عن محمد بن واسع ، قال : أول من يدعى إلى الحساب يوم القيامة الفقهاء .

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد الواعظ ، قال : نا عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي نا محمد بن عبد الله بن غيلان السوسي ، نا سوار بن عبد الله ، قال : قال سفيان بن عيينة يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد .

أخبرنا القاضي أبو زرعة روح بن محمد بن أحمد الرازي ، أنا أبو يعقوب إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان الفسوي ، نا جدي الحسن بن سفيان ، نا محمود يعني ابن خالد قال : نا مروان هو ابن محمد الطاطري نا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : قال لي ابن خلدة : إني أرى الناس قد أحاطوا بك ، فإذا سألك الرجل عن مسألة فلا تكن همتك أن تخلصه ، ولكن لتكن همتك أن تخلص نفسك .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا هشام بن خالد السلامي ، نا أبو مسهر ، نا مالك ابن أنس ، قال : فحدثني ربيعة ، قال : قال لي ابن حلزة وكان نعم القاضي : يا ربيعة أراك تفتي الناس فإذا جاءك رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه ولتكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه .

( وقال ) يعقوب ، حدثني محمد بن أبي ركين ، قال : انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك عن ابن هرمز ، أنه كان يأتيه الرجل فيسأله عن الشيء فيخبره ثم يبعث في أثره من يرده إليه فيقول له إني قد عجلت فلا تقبل شيئاً مما قلت لك حتى ترجع إلي ، قال : وكان قليلاً من يفتي من أهل المدينة ، قال مالك : وليس من يخشى الله كمن لا يخشاه .

قرأت على محمد بن الحسين ن محمد الأزدي عن دعلج بن أحمد ، قال : انا أحمد بن علي الأبار نا الحسن بن الصباح ، نا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : قال مالك : كنت أسأل الله وانا حدث السن فمررت بمجلس الأنصار فيه عمر بن خلدة الأنصاري ، فقال : تعال يا مالك ، إذا سئلت عن شيء فتفكر فيه ، فإن وجدت لنفسك مخرجاً فتكلم . وإلا فاسكت .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، انا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ، نا أحمد بن منصور هو الرمادي ، ثنا حرملة بن يحيى عن ابن وهب ، قال : قال مالك وهو ينكر كثرة الجواب للسائل : ) : ( يا عبد الله ما علمت فقله ودل عليه ، وما لم تعلم فاسكت عنه وإياك أن تتقلد الناس قلادة سوء .

باب ما جاء في الاحجام عن الجواب إذا خفي عن المسؤول وجه الصواب

قال الله تعالى : ( { وفوق كل ذي علم عليم } ) [4] فإذا سئل المفتي عن حكم نازلة فأشكل عليه وهناك من هو عارف به لزمه أن يرشد السائل إليه ويدله عليه .

أخبرنا علي بن القاسم بن الحسن البصري ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق المادرايي ، نا عباس بن محمد الدوري وعلي بن إبراهيم يعني الواسطي واللفظ لعلي بن إبراهيم ، قال : نا يزيد هو ابن هارون عن الحجاج عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانيء ، قال : سألت عائشة عن المسح على الخفين ؟ فقالت : سل عليّاً فإنه أعلم مني بهذا وقد كان يسافر مع رسول الله ، فسألت عليّاً فقال : قال رسول الله : ﷺ : « ثلاثة أيام ولياليهن يعني للمسافر وللمقيم يوماً وليلة » .

فإن لم يكن هناك من يستفتي غيره لزمه الامساك عنه ، وترك الجواب فيه ما لم يتضح له فإن الله تعالى يقول : ( { ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } ) [5]

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البزار البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، قال : نا زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن جبير عن أبيه ، أن رجلاً أتي النبي فقال : يا رسول الله أي البلدان شر ؟ ﷺ قال : « لا أدري » . فلما أتاه جبريل قال : أي البلدان شر ؟ قال : لا أدري حتى أسأل ربي تبارك وتعالى . فانطلق جبريل ، فمكث ما شاء الله ثم جاء فقال : يا محمد انك سألتني : أي البلدان شر ؟ وإني قلت : لا أدري ، وإني سألت ربي تعالى ، فقلت أي البلدان شر ؟ فقال : أسواقها .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، قال : أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أحمد بن يحيى الحلواني ، نا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي البختري ، قال : قال علي : يا بردها على الكبد إذا سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول : الله أعلم .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا سعدان بن نصر ، نا معتمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر ، أن علي بن أبي طالب سئل عن مسألة فقال : لا علم لي . ثم قال : وأبردها على الكبد ، سئلت عما لا أعلم فقلت لا أعلم .

أخبرنا علي بن أحمد المقرىء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، أنا أبو أحمد يعني هارون بن يوسف التاجر نا ابن أبي عمر ، نا سفيان عن الأعمش عن مسروق ، قال : قال عبد الله : أيها الناس من علم منكم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فيقول : لا أعلم ، والله أعلم . فإن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم . وقد قال الله تعالى : ( { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } ) [6] .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا علي بن إسحاق بن محمد البختري المادرايي ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا يعلى هو ابن عبيد الطنافسي نا الأعمش عن شفيق قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن رجل يؤذي حريص على الجهاد يعزم علينا أمراؤنا في أشياء لا نحصيها ؟ فقال : ما أدري ما أقول لك إلاَّ أنا قد كنا مع رسول الله فلقنا أن لا نؤمر بشىء إلاَّ فعلناه وما أشبه ما مضى من الدنيا وما بقي إلا بالثغب شرب صفوه وبقي كدره ، ان العبد لن يزال بخير ما أتقى الله ، فإذا حاك في نفسه شيء أتى رجلاً فشفاه وأيم الله ليوشكن أن لا تجدوه .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عبد الله بن مسلمة ، نا عبد الله العمري عن نافع ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر يسأله عن شيء فقال : لا علم لي به ، ثم التفت بعد أن قفى الرجل فقال : نِعْمَ ما قال ابن عمر سئل عما لا يعلم فقال : لا أعلم .

( وقال ) يعقوب ، نا عبد الله بن عثمان ، نا عبد الله بن المبارك ، نا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر ، انه سئل عن أمر فقال : لا أعلم ثم قال : نِعْمَ ما قال ابن عمر سئل عن أمر لا يعلمه فقال : لا أعلم .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا ابن عثمان ، نا عبد الله ( وأخبرنا ) الجوهري ، نا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق وأبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز ، قالا : نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا ابن المبارك ، نا حيوة بن شريح ، قال : أخبرني عقبة بن مسلم أن ابن عمر سئل عن شيء فقال : لا أدري ، ثم اتبعها فقال : أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً في جهنم أن تقولوا أفتانا ابن عمر بهذا .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني ، نا عبد الرحمن بن مهدي ، نا أبو هلال عن مروان الأصفر ، قال : كنت عند ابن عمر فسئل عن شيء فقال : لا أدري ، فلما ذهب الرجل أقبل على نفسه وقال ؛ سئل ابن عمر عما لا يعلم فقال : لا أدري ، ونِعْمَ ما قال ابن عمر لما لا يدري لا أدري .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن بكران الفوي بالبصرة ، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا إبراهيم بن المنذر ، نا عمر بن عصام ، نا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر ، قال : العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، قال : كان مالك يذكر قال : كان ابن عباس يقول : إذا أخطأ العالم أن يقول لا أدري فقد أصيبت مقاتله .

سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد بن عمر الصابوني يقول : ثنا محمد بن عبد الله الشافعي قال : نا إبراهيم الحربي ، نا أحمد بن حنبل ، نا محمد بن إدريس الشافعي ، نا مالك بن أنس ، قال : سمعت ابن عجلان يقول : إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا زيد بن بشر ، أخبرني ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس أنه سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون ذلك أصلاً في أيديهم يفزعون إليه ، إذا سئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، انا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا حنبل بن إسحاق ، نا أبو نعيم ، نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم ، قال : لأن يعيش الرجل جاهلاً خير له من أن يفتي بما لا يعلم .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ابن سفيان ، نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد ، قال : سئل القاسم يوماً فقال : لا أعلم ، ثم قال : والله لإن يعيش الرجل جاهلاً بعد أن يعلم حق الله تبارك وتعالى عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم

( وقال ) يعقوب ، حدثنا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن أيوب ، قال : سئل القاسم يوماً عن مسألة فقال : لا أدري ، ثم قال : ما كل ما تسألون عنه نعلم ، ولو علمنا ما كتمناكم ، ولا حل لنا أن نكتمكم .

أخبرني أبو الخطاب محمد بن علي بن محمد الجبلي الشاعر ، انا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بدمشق ، انا محمد بن خريم العقيلي ، نا هشام بن عمار ، نا مالك ، قال : أتى القاسم أمير من أمراء المدينة فسأله عن شيء ، فقال القاسم : ان من اكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه .

أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني نا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة ( وأخبرنا ) أبو إسحاق البرمكي ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ابن خلف بن بخيت الدقاق ، نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري ، قال : نا أبو بكر الأثرم ، ثنا عفان ، ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي ، قال : لا أدري نصف العلم .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحنائي الشيخ الصالح ، وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، قالا : نا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد املاءًا ، نا أبو يحيى الناقد قال : نا خالد بن خداش ، قال : سمعت مالك بن أنس قال : كنا جلوساً عند أيوب فسأل عمر بن نافع عن شيء فلم يجب أيوب ، فقال له عمر : لا أراك فهمت ، قال : بلى ، قال : فما لك لا تجيبني ؟ قال : لا أعلم . قال مالك ونحن نتكلم .

أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال نا أحمد بن سلمان ، قال : نا أبو يحيى الناقد ، قال : نا خالد بن خداش ، قال : سمعت الفضل بن عياض ، قال : سئل أيوب في هذا المسجد عن شيء فقال : لا أدري ، فقال له الرجل : دلني على من يدري . فقال أيوب : لا أدري ولا أدري من يدري .

أخبرنا محمد بن عبيد الله الحنائي ، قال : ثنا أحمد بن سليمان النجاد ، نا عبد الله ، ان أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : قال عبد الرحمن بن مهدي : سأل رجل من أهل المغرب مالك بن أنس عن مسألة فقال : لا أدري ، فقال يا أبا عبد الله : تقول : لا أدري ؟ قال : نعم فبلغ من وراءك إني لا أدري .

أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباسي ، قال : انا علي بن الحسين الرازي ، قال : انا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال : نا أحمد بن عبيد ، قال : انا الهيثم بن عدي عن مجالد ، قال : سئل الشعبي عن شيء فقال : لا أدري ، فقيل له : أما تستحى من قولك لا أدري وأنت ففيه أهل العراقَيْن ؟ قال : لكن الملائكة لم تستح حين قالت : ( { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } ) [7] .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، قالا : أنا محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، قال : أنا ابن الأنباري ، قال : حدثني محمد بن المرزباني ، قال : نا أحمد بن الصقر الكتاني قال ابن المقفع : من أنف من قول لا أدري تكلف الكذب ، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن علي بن عبيد الله الرقي ، قال : نا عبيد الله بن محمد بن أحمد البزاز ، قال : نا محمد بن يحيى النديم ، قال : نا المبرد ، قال : قال : بعض الأوائل : لقد حسنت عندي لا أدري حتى أردت قولها فيما أدري .

أخبرنا البرمكي ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن بخيت ، قال : نا عمر بن محمد الجوهري ، قال : نا أبو بكر الأثرم ، قال : وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يستفتى فيكثر أن يقول لا أدري ، وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه ، وذلك انه يسأل عن اختياره فيذكر الاختلاف ، ومعنى قوله ﷺ : « لا أدري » أي لا أدري ما اختار من ذلك وربما سمعته يقول في المسألة لا أدري ثم يذكر فيها أقاويل .

أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني ، قال : ثنا أبو الفرج محمد بن الطيب البلوطي ، قال : نا عبد الوهاب بن عيسى المروزي ، قال : سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل ، يقول : سمعت حماد بن زيد ، يقول : كان لنا قاص يقول في قصصه : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام على الهلكة .

هامش

[ الكهف : 67 ]

[ الزخرف : 91 ]

[ الأحزاب : 8 ]

[ يوسف : 67 ]

[ الاسراء : 63 ]

[ ص: 68 ]

[ البقرة : 23 ]

======

ج12.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الثاني عشر

باب آداب المستفتي

أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي ليسأله عن حكم نازلته ، فإن لم يكن في محلته وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه ، فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل إليه ، وإن بعدت داره ، فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة .

أخبرنا أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن عبد الله البراني بأصبهان ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني ، نا أسيد بن عاصم ، نا الحسين بن حفص ، نا سفيان عن عطاء بن السائب ، قال : حدثني أبو عبد الرحمن السلمي ، قال : جاء رجل منا إلى أبي الدرداء أمرته أمه في امرأته أن يفارقها فرحل إلى أبي الدرداء يسأله في ذلك ، فقال له أبو الدرداء : ما أنا بالذي آمرك أن تطلق ، وما أنا بالذي آمرك أن تمسك ، سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « الوالد أوسط أبواب الجنة » ، فأضع ذلك الباب أو أحفظه .

قال فرجع الرجل وقد فارقها .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأنا على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرك يحيى بن محمد الحنائي ، نا عبيد الله بن معاذ ، نا أبي : نا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير ، حدثنا قال : اختلف أهل الكوفة في هذه الآية : ( { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } ) [1] فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها ، فقال : لقد أنزلت آخر ما أنزل ثم ما نسخها شيء .

وإذا قصد أهل محلة للاستفتاء عما نزل به فعليه أن يسأل من يثق بدينه ويسكن إلى أمانته عن أعلمهم وأمثلهم ليقصده ويؤم نحوه ، فليس كل من ادعى العلم أحرزه ، ولا كل من انتسب إليه كان من أهله .

وقد أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، قال : أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، قال : نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : نا عبد العزيز الأويسي قال : نا مالك انه بلغه ، أن عمر بن عبد العزيز قال لرجل : من سيد قومك ؟ قال انا ، قال له عمر : لو كنت سيدهم ما قلت .

وكان عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يقول فيما أخبرنا أبو محمد صالح بن محمد بن الحسن المؤدب ، قال : نا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ، قال : سمعت أبا قلابة الرقاشي يقول : سمعت أبا عاصم كثيراً يقول سمعت ابن جريج يقول كثيراً :

خلت الديار فسدت غير مسود ......... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الحربي ، أخبرنا علي بن محمد بن الزبير الكوفي ، نا الحسن بن علي بن عفان العامري ، نا زيد بن الحباب عن محمد بن طلحة بن مصرف ، قال : حدثني ميمون أبو حمزة ، قال : قال لي إبراهيم النخعي : تكلمت ولو وجدت بداً لم أتكلم ، وإن زماناً أكون فيه فقيهاً لزمان سوء .

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن الواثق بالله الهاشمي قال : حدثني جدي ، نا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي ، نا نصر بن علي ، قال : حدثني عبد الواحد عن محمد بن سيرين ، قال : إن هذا العلم دين فلينظر أحدكم عمن يأخذه .

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي بدمشق ، أخبرنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي ، نا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، قال : نا سليمان بن حرب عن حماد عن ابن عون ، قال : ان هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك .

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني بها ، أخبرنا أبو محمد طلحة بن أحمد بن الحسن الصوفي ، نا محمد بن أحمد بن أبي مهزول ، قال : سمعت أحمد بن عبد الله ، يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : ان العالم حجتك بينك وبين الله تعالى فانظر من تجعل حجتك بين يدي الله عز وجل .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمد بن الحسن بن مقسم المقري ، نا جعفر بن محمد ابن الحسن الخراساني ، نا أحمد بن إبراهيم ، نا عبد الملك بن قريب الأصمعي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : أدركت بالمدينة مائة أو قريباً من مائة ، كلهم مأمون ما يؤخذ عن رجل منهم حرف من الفقه ، يقال انه ليس من أهله .

فإن استرشد جماعة فعليهم أن ينبهوه على أفضل المفتين وأعلمهم بأحكام الدين .

أخبرنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي الأصبهاني ، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، قال : نا أحمد بن المعلى ، قال : نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : نا مروان بن محمد الطاطري ، نا يحيى بن حمزة عن موسى بن يسار ، قال : كان رجاء بن حيوة وعدي بن عدي ومكحول في المسجد ، فسأل رجل مكحولاً عن مسألة فقال مكحول : سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حيوة .

وان ذكر له اثنان أو أكثر بدأ بالاسن والأكثر منهم رياضة ودربة فينبله في الخطاب ويبجله في الألفاظ ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته أهل السوق وأفناء العوام فقد قال الله تعالى : ( { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } ) [2] وهذا أصل في أن يميز ذو المنزلة بمنزلة ويفرق بينه وبين من لم يلحق بطبقته .

وجاء رسول الله في اكرام ذي السن ، ما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البزاز بالبصرة ، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو خالد يزيد بن بيان العقيلي ، نا أبو الرجال الأنصاري عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه » .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ، نا محمد بن يحيى هو اذهلي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، قال : من السنة أن يوقر أربعة : العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد .

ولا يسأله قائماً .

فقد أخبرنا البرقاني ، قال : قرأت على أبي القاسم بن النخاس ، حدثكم محمد بن إسماعيل البصلاني ، نا بندار ، نا سلم بن قتيبة ، نا شعبة عن قتادة ، قال : سألت أبا الطفيل عن مسألة ، فقال : ان لكل مقام مقالا .

وان رآه في هم قد عرض له أو أمر يحول بينه وبين لبه ويصده عن استيفاء فكره أمسك عنه حتى إذا زال ذلك العارض وعاد إلى المألوف من سكون القلب وطيب النفس فحينئذ يسأله وقد نبه رسول الله على ذلك .

فيما أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا شعبة أخبرني عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ان أباه كتب إليه وهو على سجستان : أن لا تقض بين رجلين وأنت غضبان ، فإني سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « لا يقض رجل بين رجلين أو بين خصمين وهو غضبان » .

ومن أدب المستفتي أن لا يقول عند جواب المفتي : هكذا قلت أنا ، أو هكذا وقع لي ، وبهذا أجبت . ولا ينبغي له إذا سأل المفتي أن يقول له : ما يقول صاحبك ؟ أو ما تحفظ في كذا ؟ بل يقول : ما تقول أيها الفقيه ؟ أو ما عندك ؟ أو ما الفتوى في كذا ؟ .

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد العتيقي والقاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، قالا : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي ، قال : نا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري ، قال : قال أحمد بن حنبل : قلت للشافعي : ما تقول في مسألة كذا وكذا ؟ قال : فأجاب فيها فقلت من أين قلت ؟ هل فيه حديث أو كتاب ؟ قال : بلى ، فنزع في ذلك حديثاً للنبي وهو حديث النص .

وليس ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أجابه به ، ولا يقول لم ولا كيف . قال الله سبحانه وتعالى : ( { فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } ) [3] وفرق تبارك وتعالى بين العامة وبين أهل العلم فقال ( { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ) [4] فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك سأل عنها في زمان آخر ومجلس ثان أو بعد قبول الفتوى من المفتي مجردة .

وإذا رفع السائل مسألته في رقعة فينبغي أن تكون الرقعة واسعة ليتمكن المفتي من شرح الجواب فيها ، فربما اختصر ذلك لضيق البياض فأضر بالسائل ، فإن أراد الاقتصار على جواب المسؤول وحده قال له في الرقعة : ما تقول رضي الله عنك أو رحمك الله أو وفقك الله ؟ ولا يحسن في هذا : ما تقول رحمنا الله وإياك ؟ بل لو قال : ما تقول رحمك الله ورحم والديك ، كان أحسن . وان أراد مسألة جماعة من الفقهاء قال : ما تقولون رضي الله عنكم ؟ أو ما يقول الفقهاء سددهم الله في كذا ؟ ولا أن يقول : أفتونا في كذا ولا ليفت الفقهاء في كذا . فإن قال ما الجواب ؟ أو ما الفتوى في كذا ؟ كان قريباً .

وحكي أن فتوى وردت من السلطان إلى أبي جعفر محمد بن جرير الطبري لم يكتب له الدعاء فيها ، فكتب الجواب في أسفلها : لا يجوز . أو كتب : يجوز . ولم يزد على ذلك فلما عادت الرقعة إلى السلطان ووقف عليها علم ان ذلك كان من أبي جعفر الطبري للتقصير في الخطاب الذي خوطب به فاعتذر إليه .

وأول ما يجب في ذلك أن يكون كاتب الاستفتاء ضابطاً ، يضع سؤاله على الغرض مع إبانة الخط ، ونقط ما أشكل ، وشكل ما اشتبه .

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني أن عبد الواحد بن محمد الخصيبي ، قال : حدثني أبو الحسين الخياط ، قال : كنت قاعداً عند أبي مجالد أحمد بن الحصين فجاءته امرأة برقعة فيها مسألة فقال لي اقرأ عليَّ يا أبا الحسين ، قال فأخذت الرقعة فإذا فيها : رجل قال لامرأته أنت طالق ان تم وقف عبدان ؟ فقرأت عليه ذلك ، فقال لها يا امرأة ما حال وقف عبدان ؟ فقالت له : لست أعرف وقف عبدان ، فقال لي أعد القراءة فقرأت عليه كما قرأت أولاً ، فقال لها يا امرأة تم وقف عبدان هذا أو لم يتم ؟ قالت : لا والله ما أعرف وقف عبدان ، وكان في المسجد جماعة فقال لهم : أنظروا في رقعة المرأة فنظروا فكل قال كما قلت ، ثم انتبه لما في الرقعة بعضهم فإذا فيها : رجل قال لامرأته : أنت طالق ان تم وقف عند آن .

وكان بعضهم يختار أن يدفع الرقعة المفتي منشورة ، لا يكلفه نشرها ويأخذها من يده إذا أفتى ولا يكلفه طيها . وإذا أراد المستفتي جمع جوابات عدة من المفتين في رقعة واحدة بدأ بسؤال الأسن والأعلم فقد قال رسول الله في قصة حويصة ومحيصة : ﷺ : « كبر كبر » وسقنا الخبر بذلك فيما تقدم . وأخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان نا ابن عثمان يعني عبدان المروزي نا عبد الله وهو ابن المبارك نا أسامة بن زيد عن نافع ، أن ابن عمر قال : رأيت رسول الله يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال : ان جبريل أمرني أن أكبر . وإن أراد المستفتي أفراد الجوابات في رقاع فلا عليه أن يبدأ بأيهم شاء . ودفع غلام رقعة إلى بعض المفتين يستفتيه فقال له بعد ما تأملها : فأين أكتب الجواب ؟ فقال على ظهر الرقعة فقال : وما هذه المضايقة ؟ لكن خذ الجواب شفاها .

باب ما يفعله المفتي في فتواه

إذا لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفت سواه لزمه فتوى من استفتاه لقول الله تبارك وتعالى : ( { ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينان والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } ) [5] .

( وأخبرنا ) أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الحسن بن إسحاق العطار ، حدثنا محمد بن سعيد القرشي ، نا حماد ابن سلمة عن علي بن الحكم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : « من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار » .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا يحيى بن أبي طالب ، نا عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا سعيد عن قتادة ، انه كان يقول في هذه الآية : ( { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون } ) [6] قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم علماً فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم فإنها هلكة ، ولا يتكلفن الرجل ما لا يعلم فيخرج من دين الله ويكون من المتكلفين أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد الرزاز ، نا محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : سمعت أبا بكر محمد بن علي بن الجارود ، قال : نا محمد بن الفرج ، قال : سمعت يحيى بن آدم يقول : سمعت تفسير هذه الآية : ( { وأما السائل فلا تنهر } ) [7] قال : هو الرجل يسألك عن شيء من أمر دينه فلا تنهره وأجبه .

فأول ما يجب على المفتي أن يتأمل رقعة الاستفتاء تأملاً شافياً ، ويقرأ ما فيها كله ، كلمة بعد كلمة حتى ينتهي إلى آخره وتكون عنايته باستقصاء آخر الكلام أتم منها في أوله فإن السؤال يكون بيانه عند آخر الكلام وقد يتقيد جميع السؤال ويترتب كل الاستفتاء بكلمة في آخر الرقعة . فإذا قرأ المفتي رقعة الاستفتاء فمر بما يحتاج إلى النقط والشكل نقطه وشكله مصلحة لنفسه ونيابة عمن يفتي بعده ، وكذلك إذا رأى لحناً فاحشاً أو خطأ يحيل المعنى غير ذلك وأصلحه ، ورأيت القاضي أبا الطيب طاهر ابن عبد الله الطبري يفعل هذا في الرقاع التي ترفع إليه للاستفتاء . وإن كان بين الكلامين فاصل من بياض أو في آخر بعض سطور الحاشية بقية بياض خط على ذلك وشغله على نحو ما يفعله الشاهد إذا قرأ كتاب الشهادة فإنه ربما قصد بذلك تغليط المفتي وتخطئته بأن يكتب فيه بعد فتواه ما يفسدها .

وبلغني أن القاضي أبا حامد المروروذي بلي بمثل ذلك عن قصد بعض الناس فإنه كتب : ما تقول في رجل مات وخلف ابنة وأختاً لأم وابن عم فأفتى : للبنت النصف والباقي لابن العم . وهذا جواب صحيح فلما أخذ خطه بذلك الحق في موضع البياض ﷺ : « وأبا » فشنع على أبي حامد بذلك .

وان مر بشبه كلمة غريبة أو لفظة تحتمل عدة معان سأل عنها المستفتي .

فقد أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز ، أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، نا أحمد بن محمد الأسدي ، نا الرقاشي ، نا عبد الواحد بن عثمان ، نا عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن ابن عمر ، قال : قال عبد الله بن عباس : إذا سأل أحدكم فلينظر كيف يسأل ، فأنه ليس أحد إلاّ وهو أعلم بما سأل عنه من المسؤول .

( وأخبرنا ) الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا الحسن بن علي ابن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا عمران بن بزيع الملائي ، نا عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي ، انه قال : إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل المسؤول فلينتبه .

كتب إلي عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي ( وحدثني ) عبد العزيز بن أبي طاهر عنه ، قال : أخبرنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي ، نا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو ، أخبرني الحارث بن مسكين عن ابن وهب ، قال : حدثني مالك أن إياس بن معاوية ، قال لربيعة : إن البناء إذا بني على غير أس لم يكد يعتدل . يريد بذلك المفتي الذي يتكلم على غير أصل يبني عليه كلامه .

أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي ، نا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري ، نا محمد ابن أيوب بن المعافى ، قال : قال إبراهيم الحربي وسمعت رجلاً سأل أحمد عن يمين ، فقال له أحمد : كيف حلفت ؟ فقال الرجل : لست أدري كيف حلفت ، فقال أحمد حدثنا يحيى بن آدم ، قال : قال رجل لشريك : حلفت ولست أدري كيف حلفت ؟ فقال له شريك : ليت إذا دريت أنت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك .

فإذا قرأ المفتي الرقعة أعاد قراءتها ثانياً ثم يفكر فيها تفكراً شافياً .

فقد أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال : قال محمد بن الحسين ، حدثني وليد بن صالح ، قال حدثني عطاء الحلبي عن بعض مشيخته ، قال : كان رجال من ذوي الحكمة يقولون : إذا ترك الحكيم الفكرة قبل المنطق بطلت حكمته وإن كان مبيناً .

ثم يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب ، ويسأل كل واحد منهم عما عنده ، فإن في ذلك بركة واقتداء بالسلف الصالح . وقد قال الله تبارك وتعالى : ( { وشاورهم في الأمر } ) [8] وشاور النبي في مواضع وأشياء وأمر بالمشاورة ، وكانت الصحابة تشاور في الفتاوي والأحكام .

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، قال : أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا ابن عيينة عن الزهري ، قال : قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله قال الشافعي : قال الله سبحانه وتعالى : ( { وأمرهم شورى بينهم } ) [9] .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر بن محمد الخرقي ، نا محمد بن محمد الباغندي ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي الفياض المصري ، نا سليمان بن بزيع عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل به قرآن ولم نسمع منك فيه شيئاً ، ﷺ قال : « اجمعوا العابدين من المؤمنين واجعلوها شورى بينكم ولا تقضوا برأي واحد » .

أخبرنا أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه ، أن يحيى ابن حاطب حدثه قال : توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام ، وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم يرعه إلا بحبلها وكانت ثيبا ، فذهب إلى عمر فحدثه ، فقال عمر : لأنت الرجل لا تأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر ، فقال أحبلت ؟ فقال : نعم من مرغوس بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه ، قال : فصادف علياً وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ، فقال أشيروا علي قال وكان عثمان جالساً فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحد ، فقال : أشر علي يا عثمان ، فقال : قد أشار عليك أخواك ، فقال : أشر علي أنت فقال : أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه فجلدها عمر مائة وغربها عاماً .

أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي ، أخبرنا جدي ، أخبرنا أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي ، نا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي ، نا مروان بن معاوية نا الأزهر بن راشد عن أبي عاصم التمار ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : كنت عند ابن عباس فسئل عن مسألة فالتفت إلي فيها فقال : ما تقول يا سعيد بن جبير ؟ فقلت : أنت ابن عباس وإنما جئت اقتبس منك ، فقال ابن عباس : إذا كان لك جليس فسله فإنما هو فهم يؤتيه الله من يشاء .

أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن عمران المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : من استفتح باب الرأي من وجهه وأتاه من طريقه ضمنت له النجح وتحملت عنه الخطأ ، قيل ما وجهه وأين طريقه ؟ قال : يبدأ بالاستخارة ثم الاستشارة ، ولا يشاور إلا عارفاً حدباً عليه .

أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي قال قال عبد الله بن المعتز : من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحاً ، وعند الخطأ عاذراً .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : وقال بعض الحكماء لا بأس بذي الرأي أن يشاور من دونه كالنار الذي يزيد ضوؤها بوسخ الحديد .

فإن كان في الرقعة ما لا يحسن ابداؤه ، وما لعل السائل يؤثر ستره ، أو ما في إشاعته مفسدة لبعض الناس ، فينفرد المفتي بقراءتها والجواب عنها .

أخبرني القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي ، أخبرنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي بالكوفة ، أخبرنا أحمد بن محمد بن السري ، نا أحمد بن عيسى بن مخلد ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : قال محمد بن إدريس الشافعي : المستفتي عليل ، والمفتي طبيب ، فإن لم يكن ماهراً بطبه وإلاّ قتله .

وإن سئل عن قوم يشهدون على رجل بالزنا فينبغي أن يستفهم السائل كيف رأى الشهود المشهود عليه حتى تكون فتواه على أمر لا شبهة فيه ولا تأويل معه .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا زهير ابن حرب وعقبة بن مكرم ، قالا : نا وهب بن جرير ، نا أبي ، قال : سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت ، قال : لا ، قال : افنكتها ؟

قال : نعم ، قال : فعند ذلك أمر برجمه .

وينبغي أن يكون توقفه في جواب المسألة السهلة كتوقفه في الصعبة ليكون ذلك عادة له .

أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد ، قال : قال عبد الله بن المعتز التثبت يسهل طريق الرأي إلى الإجابة ، والعجلة تضمن العثرة . وإذا اشتملت رقعة الاستفتاء على عدة مسائل فهم بعضها أو فهم جميعها وأحب مطالعة رأيه وإنعام النظر في بعضها أجاب عما لم يكن في نفسه شيء منها وقال في بعض جوابه : فاما باقي المسائل فلنا فيه مطالعة ، ونظر ، أو زيادة تأمل ، فإن لم يفهم شيئاً من السؤال أصلاً فواسع له أن يكتب : ليزد في الشرح لنجيب عنه ، وكتب بعض الفقهاء في مثل هذا : يحضر السائل لنخاطبه شفاها .

وإذا تفكر في مسألة متعارضة الأدلة لم يجب فيها حتى يثبت عنده ما يرجح به أحد الأدلة .

كما أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، نا يوسف بن يعقوب يعني القاضي حدثنا عمر وهو ابن مرزوق حدثنا شعبة ، قال دعلج ، ونا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة عن أبي عون عن أبي صالح الحنفي ، أن ابن الكواء سأل عليّاً عن الأختين المملوكتين يجمعهما الرجل ، فقال : انك لذهاب في التيه سل عما ينفعك ، قال إنما نسألك عما لا نعلم فأما ما نعلم فلسنا نسألك عنه ، قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ، فلا آمرك ولا أنهاك ، ولا أفعله أنا ولا أحد من أهل بيتي . لفظ يوسف .

( وأخبرنا ) أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي نا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، نا هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن حنين ، قال : رأيت رجلاً جاء إلى ابن عمر فسأله فقال : انه نذر أن يصوم كل يوم أربعاء فأتى ذلك على يوم أضحى أو فطر ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله عن صوم يوم النحر ، قلت : فعلي وابن عمر جاء كل واحد منهما السؤال فجأة وأراد السائل الجواب في الحال ولو أخر الاقتضاء بالجواب حتى ينظرا حق النظر لأجاباه بالحكم .

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو صالح وابن بكير ، قالا : نا الليث بن سعد ، قال : حدثني يزيد بن حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك ، عن رسول الله قال : البيان من الله والعجلة من الشيطان .

( وقال ) يعقوب ، نا عبد الله بن محمد المصري ، نا سليمان بن بلال عن سعد بن سعيد عن الزهري عن رجل من بلي ، قال : أقبلت أنا وأمي إلى رسول الله فجاء أبي فناجاه دوني وكلمه وكان فيما قال له : ﷺ : « إذا هممت بأمر فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج » .

( أخبرنا ) أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو أمية الطرسوسي ، نا عبيد بن إسحاق ، نا شيخ من أهل المسجد يكنى أبا عبد الله عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « كاد صاحب الأناة أن يصيب أو قد أصاب وكاد صاحب العجلة أن يخطيء أو قد أخطأ » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال : نا أحمد بن جميل ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا معمر عن جعفر بن برقان أن عمراً كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني ، فكتب إليه معاوية أما بعد : فإن التفهم في الخبر زيادة ورشد وان الرشيد من رشد عن العجلة وان الخائب من خاب عن الإناة وان المتثبت مصيباً أو كاد أن يكون مصيباً وان العجل مخطىء أو كاد أن يكون مخطئاً وأن من لا ينفعه الرفق يضيره الخرق ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعالي .

ومتى كانت المسألة ذات أقسام لم تفصل في السؤال لم يجز أن يضع جوابه على بعضها فقط والقسم الآخر عنده بخلافه بل يجب عليه أن يقسم المسألة فيقول ان كان كذا فالحكم فيه كذا أو ان كان كذا فالحكم فيه كذا .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ، نا أبو عبد الله محمد بن يحيى ، نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، قال : سئل النبي عن الفأرة تموت في السمن ، ﷺ قال : « إن كان جامداً فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه » .

ويجب أن يكون جوابه محرراً وكلامه ملخصاً .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : نا سليمان بن حرب ، نا حماد ، قال : سئل أيوب عن مسألة فسكت ، فقال الرجل : يا أبا بكر لم تفهم أعيد عليك ؟ قال فقال أيوب : قد فهمت ولكني أفكر كيف أجيبك ، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الأزرق ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن علي الأبار نا أبو قدامة ، قال : سمعت النضر بن شميل ، يقول : سأل رجل الخليل عن مسألة فأبطأ بالجواب ، فقال له صاحبه : لم تنظر ؟ فليس فيه هذا النظر ، فقال : قد عرفت مسألتك وجوابها وإنما فكرت في جواب يكون أسرع لفهمك .

حدثني العلاء بن حزم الأندلسي ، أخبرنا محمد بن الحسين بن بقاء المصري ، أخبرنا جدي عبد الغني بن سعيد الأزدي ، نا بكر بن عبد الرحمن ، نا أبو الزنباع ، نا يحى بن سليمان الجعفي ، قال : قال ابن وهب : كان مالك بن أنس يتشبه بإبراهيم النخعي في فتواه وقلة كلامه وجوابه في المسألة بالاقتصار على المعنى في الجواب .

وليتجنب مخاطبة العوام وفتواهم بالتشقيق والتقعير والغريب من الكلام فإنه يقتطع عن الغرض المطلوب وربما وقع لهم به غير المقصود

أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا علي بن إسحاق المادرايي ، نا علي بن حرب الطائي ، نا العباس ابن سليم ، نا أبو شهاب عن محمد بن واسع عن أبي حي الأنصاري عن أبي الدرداء ، قال : تكلم قوم عند النبي فأكثروا فقال النبي : ﷺ : « ان تشقيق الكلام من الشيطان » .

سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن محمد بن الحسين الحربي ، يقول : بلغني عن بعض الهاشميين وهو عم أبي عبد الله بن المهتدي الخطيب ، أن نسوة ثلاثاً من أهل باب البصرة بعن دارا فجئنه مع الدلال والمشتري ليشهد في كتاب البيع ، فقال للنسوة بعد قراءته الكتاب : من أنتن ؟ لا أعرفكن إيتن بنسوة أعرفهن يعرفنكن ، يقلن هن إنكن أنتن ، فأشهد عليكن بما قلتن ، فقال له : المشتري : أيها الشريف قد والله أبيت أن أشتري هذه الدار خاصة من أجل هذه المنازعة التي قد حصلت فيها .

وينبغي للمفتي إذا كتب الجواب أن يطالع ما كتب ويعيد نظره فيه خوفاً من أن يكون قد أسقط كلمة أو أخل بلفظه .

أخبرنا الجوهري ، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد ابن القاسم بن خلاد ، نا الأصمعي عن رجل ، قال : قال الأوزاعي لرجل : كتبت ؟ قال : نعم . قال : قرأت ؟ قال : لا . قال : لم تكتب .

ومن كان مرسوماً بالفتوى في الفقه لم ينبغ أن يطلق خطه في مسألة من الكلام كالقضاء ، والقدر ، والرؤية ، وخلق القرآن ، وما أشبه ذلك ، لكن لو سئل في رقعة عمن سب الصحابة ، أو ذكر السلف الصالح بسوء أو بدعة كذا وكذا ونحو هذا الجنس كتب الجواب في ذلك وأكثر الأمر فيه للمصلحة وزجر لسفلة الناس .

ولو سئل فقيه عن مسألة من تفسير القرآن ، فإن كانت تتعلق بالأحكام أجاب عنها وكتب بخطه بذلك كمن سئل عن الصلاة الوسطى وعن الذي بيده عقدة النكاح ، وعن أوسط الطعام في الكفارة ، وأما إذا سئل عن تفسير الزقوم والغسلين ، والفتيل ، والنقير ، والقطمير ، والحنان ، رد ذلك إلى أهله ووكله إلى من نصب نفسه له .

أنا أحمد بن محمد العتيقي ، نا علي بن محمد بن عبد الله ابن سعيد العسكري ، قال : سمعت أبا عمر : محمد بن عبد الواحد الزاهد ، يقول : كان أبو حنيفة إذا سئل عن شيء من اللغة ، يقول : إنها ليست من شأني ، ويتمثل بهذا العشر : إن هذا القياس في كل فن ......... عند أهل العقول كالميزان من تحلى بغير ما هو فيه ......... فضحته شواهد الامتحان وجرى في السباق جري سكيت ......... خلفته الجياد يوم الرهان

وإذا سئل عمن قال : انا أصدق من محمد بن عبد الله ، أو عمن قال : الصلاة لعب وعبث ، أو قال لقصيدة بعض الشعراء : أحسن من القرآن ، فيجب أن لا يبادر المفتي بأن يقول هذا حلال الدم أو مباح النفس أو عليه القتل بل يقول : إذا صح ذلك اما بالبينة أو بالاقرار استتابه السلطان فإن تاب قبل توبته وإن لم يتب أنزل به كذا وكذا وبالغ في ذلك وأشفعه .

وان سئل عمن قال كذا وكذا مما يحتمل أموراً لا يكون بعضها كفراً فينبغي للمفتي أن يقول يسأل هذا عما أراد بما قال ، فإن أراد كذا فالجواب كذا ، وإن أراد كذا فالجواب كذا .

وإن سئل عمن قتل إنساناً أو فقأ عينه فيجب أن يتحرر في جوابه ويحتاط فيما يطلق به خطه بذكر سائر الشروط التي بها يجب القود وبحصول جميعها يتم القصاص .

وإن سئل عمن أتى بما يوجب التعزيز والأدب ذكر قدر ما يعزره السلطان فيقول : يضربه ما بين كذا إلى كذا . ولا يجاوز به كذا خوفاً من أن يطلق القول في ذلك فيضربه السلطان بفتواه ما لا يجوز ضربه .

وإذا رفعت إليه رقعة الاستفتاء فوجد فيها فتوى فقيه قد سئل قبله فإن كانت الفتوى موافقة لما عنده كتب تحت خط الفقيه : هذا جواب صحيح وبه أقول أو كتب : جوابي مثل هذا . وإن شاء ذكر الحكم بعبارة الخص من عبارة الفقيه . وإن كان الذي عنده من الحكم خلاف ما أفتى به الفقيه قبله ذكر ما عنده ، ولم يبال بخلاف من خالفه فيه .

وقد أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ، نا أبو يحيى الزعفراني ، نا جعفر بن محمد ، نا عبد السلام بن صالح نا حسين الأشقر ، نا أبو إسحاق الفزاري ( وأخبرنا ) أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن علي السيبي ، نا أبو القاسم الحسن بن أنس ابن عثمان الأنصاري بقصر ابن هبيرة ، نا أحمد بن حمدان العسكري ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا الوليد بن مسلم كلاهما عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن بن ساقط ، زاد السيبي عبد الرحمن ثم اتفقا ، عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود ، قال : الجماعة الكتاب والسنة وإن كنت وحدك ، وفي حديث السيبي ، عن عبد الله قال : الجماعة أهل الحق وإن كنت وحدك

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو علي الحسن ابن إسحاق بن يزيد العطار بغدادي ، نا عمر يعني ابن شبيب المسلي ، نا عثمان بن بويان عن أبيه ، قال : قال إبراهيم النخعي : الجماعة هو الحق وإن كنت وحدك .

أخبرني علي بن أبي علي البصري ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن همام الشيباني حدثني أحمد بن محمد الخوارزمي ، نا بقية ، نا أبو حاتم الرازي ، نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : حدثني أبو حفص الماعوني عن عبد الله بن لهيعة ، قال : كتب ابن عباس إلى علي يستحثه فكتب إليه علي مجيباً : إنه ينبغي لك أن يكون أول عملك كما أنت فيه البصر بهداية الطريق ، ولا تستوحش بقلة أهلها ، فإن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين لم يستوحش مع الله في طريق الهداية إذ قل أهلها ولم يأنس بغير الله .

وليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة عنده فيما أفتى به كأن يسأل فقيهاً عن من تزوج امرأة بلا ولي فحسن أن يقول قال رسول الله : ﷺ : « لا نكاح إلا بولي » أو سئل عمن اشترى عبداً وله مال لم يشترطه فحسن أن يقول : ماله للبائع لقول رسول الله : ﷺ : « من ابتاع عبداً فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع » .

وكرجل سئل عمن طلق امرأته واحدة بعد الدخول بها أَلَهُ رجعتها ؟ فحسن أن يقول : نعم . قال الله تعالى : ( { وبعولتهن أحق بردهن } ) [10] .

وهكذا إذا سئل عن الوصية للوارث ، وعن الجمع بين المرأة وعمتها ، أو بينها وبين خالتها .

ولم تجر العادة أن يذكر في الفتوى طريق الاجتهاد ، ولا وجه القياس والاستدلال ، اللهم إلاّ أن تكون الفتوى تتعلق بنظر قاض أو حاكم فيومىء فيها إلى طريق الاجتهاد ، ويلوح بالنكتة التي عليها رد الجواب . أو يكون غيره قد أفتى فيها بفتوى غلط فيما عنده فيلوح للمفتي معه ليقيم عذره في مخالفته ، أو لينبه على ما ذهب إليه .

فأما من أفتى عامياً فلا يتعرض لشيء من ذلك ، ولكن ربما اضطر المفتي في فتواه إلى أن يقول : وهذا إجماع المسلمين . أو يقول : لا أعلم اختلافاً في هذا . أو يقول : من خالف هذا الجواب فقد فارق الواجب وعدل عن الصواب . أو يقول : فقد أثم . أو : واجب على السلطان الزام الأخذ بجوابنا أو بهذه الفتوى . وما قارب هذه الألفاظ على حسب السؤال وما توجبه المصلحة وما تقتضيه الحال .

وإذا رأى المفتي من المصلحة عندما تسأله عامة أو سوقة أن يفتي بما له فيه تأول ، وإن كان لا يعتقد ذلك بل لردع السائل وكفه فعل ، فقد روي عن ابن عباس رجلاً سأله عن توبة القاتل فقال : لا توبة له ، وسأله آخر فقال : له توبة ، ثم قال : اما الأول فرأيت في عينيه إرادة القتل فمنعته ، واما الثاني فجاء مستكيناً وقد قتل فلم أويسه .

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله المقريء أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، نا عبد الله بن جعفر بن خشيش ، نا جعفر بن محمد هو ابن شاكر الصائغ نا محمد بن سابق ، نا فضيل بن مرزوق عن عطية ، قال : سأل رجل شاب ابن عمر عن القبلة للصائم ، فقال : انهاك عنها . قال فسأله شيخ ، فقال : آمرك بها . قال فقام إليه الشاب فقال : انا على دين واحد فيحل لهذا ما يحرم علي ؟ قال فقال ابن عمر : ان عروق الخصيتين متعلقة بطرف الأنف فإذا شم تحرك العرق .

قلت : أراد ابن عمر أن الشاب قوي الشهوة فلا يؤمن أن تحدث له القبلة ما يفسد صومه والشيخ يؤمن ذلك في حقه لضعف شهوته ، وقد روي عن رسول الله في هذه المسأل مثل فتوى ابن عمر .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي البزاز ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ، نا إبراهيم بن محمد العتيق ، نا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى رسول الله رجل فسأله أيباشر الصائم ؟ فرخص له ، وأتى آخر فنهاه ، وكان الذي رخص له شيخاً والذي نهاه شاب .

أخبرنا محمد بن عمر النرسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا بشر بن موسى ، نا موسى بن داود ( وأخبرنا ) الحسن بن علي التميمي واللفظ له ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا موسى بن داود ، نا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن قيصر التجيبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال : كنا عند النبي فجاء شاب فقال : يا رسول الله أقبل وانا صائم ؟ قال : لا . فجاء شيخ فقال : أقبل وأنا صائم ؟ قال : نعم . فنظر بعضنا إلى بعض ، فقال رسول الله : ﷺ : « قد علمت نظر بعضكم إلى بعض أن الشيخ يملك نفسه » .

أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني ، نا محمد بن إسحاق الأهوازي ، نا عبد الأول بن إسماعيل الأهوازي نا عبد الله بن خبيق عن يوسف بن إسباط عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن ابن عباس ، قال : ربما أنبأتكم بالشيء أنهاكم عنه احتياطاً بكم ، واشفاقاً على دينكم ، ان رسول الله أتاه رجل شاب يسأل عن القبلة للصائم ، فنهاه عنها ، وسأله شيخ عنها فأمره بها .

وان سأل رجل فقيهاً فقال : إن قتلت عبدي أعلي القتل ؟ جاز أن يقول له : ان قتلت عبدك قتلناك لما روى عن رسول الله انه ﷺ قال : « من قتل عبده قتلناه » . سيما والقتل يذهب في كلام العرب مذاهب وينقسم عندهم أقساماً .

ولو قال له رجل ان سببت أصحاب رسول الله أعلي القتل ؟ أتمنع له أن يقول : قد روى عن رسول الله انه قال ﷺ : « من سب أصحابي فاقتلوه » ومتى أفتى فقيه رجلاً من العامة بفتوى فواسع للعامي أن يخبر بها ، فأما أن يفتي هو فلا .

باب التمحل في الفتوى

متى وجد المفتي للسائل مخرجاً في مسألته وطريقاً يتخلص به أرشده إليه ونبهه عليه ، كرجل حلف أن لا ينفق على زوجته ولا يطعمها شهراً أو شبه هذا فإنه يفتيه باعطائها من صداقها ، أو دين لها عليه ، أو يقرضها ثمن بيوتها أو يبيعها سلعة وينويها من الثمن وقد قال الله تعالى لأيوب عليه السلام لما حلف أن يضرب زوجته مائة : ( { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } ) [11] .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، أخبرنا سهل بن عبد الله الديباجي ، نا محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي بمصر ، حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، نا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ، في رجل حلف فقال : امرأته طالق ثلاثاً ان لم يطأها في شهر رمضان نهاراً ، فقال : يسافر بها ثم ليجامعها نهاراً .

أخبرنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، نا عمر بن ثابت الحنبلي ، نا علي بن أحمد بن علي بن أبي قيس المقري ، نا عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي ، حدثني الفضل بن إسحاق عن شبابة عن قيس ابن الربيع عن حماد ، قال : قلت لإبراهيم : أمر على العاشر فيستحلفني بالمشي إلى بيت الله ؟ قال : احلف له وأنو مسجد حيِّك .

أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد المحاملي ، نا عمر بن أحمد الواعظ ، نا مكرم بن أحمد ، نا أحمد بن عطية ، نا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : سمعت وكيعاً يقول : كان لنا جار من خيار الناس ، وكان من الحفاظ للحديث ، فوقع بينه وبين امرأته شيء وكان بها معجباً ، فقال لها : أنت طالق ان سألتيني الطلاق الليلة إن لم أطلقك الليلة ثلاثاً ، فقالت المرأة عبيدها أحرار وكل مال لها صدقة إن لم أسألك الطلاق الليلة فجاءني هو والمرأة في الليلة ، فقالت المرأة : أني بليت بكذا وقال الرجل إني بليت بكذا ؟ فقلت ما عندي في هذا شيء ولكن نصير إلى الشيخ أعني أبا حنيفة وإني أرجو أن يكون لنا عنده فرج ، وكان الرجل يكثر الوقيعة في أبي حنيفة وبلغه ذلك عنه ، فقال : استحي منه . فقلت امضي بنا إليه فأبى فمضيت معه إلى ابن أبي ليلى وسفيان ، فقال : ما عندنا في هذا شيء ، فمضينا إلى أبي حنيفة فدخلنا عليه وقصصنا عليه القصة وأخبرته انا مضينا إلى سفيان وابن أبي ليلى فعزب الجواب عنهما ، فقال : إني والله ما أجد الفرض الا جوابك وإن كنت لي عدواً ، فسأل الرجل : كيف حلف ؟ وسأل المرأة : كيف حلفت ؟ وقال : وأنتما تريدان الخلاص من الله في إيمكانكما ولا تحبان الفرقة ؟ فقالت : نعم وقال الرجل : نعم . قال : سليه أن يطلقك ، فقالت : طلقني ، فقال للرجل : قل لها : انت طالق ثلاثاً ان شئت ، فقال لها ذلك ، فقال للمرأة قولي : لا أشاء ، فقالت : لا أشاء فقال : قد بررتما وخرجتما من طلبة الله لكما ، فقال للرجل أتب إلى الله من الوقيعة في كل من حمل إليك شيئاً من العلم . قال وكيع : فكان الرجل بعد ذلك يدعو لأبي حنيفة في دبر الصلوات ، وأخبرني ان المرأة تدعو له كلما صلت .

أخبرني حسن بن محمد الحلال ، أخبرنا علي بن عمرو الحريري أن علي بن محمد بن كأس النخعي حدثهم ، قال : نا أحمد بن محمد بن عيسى ، نا أبو سليمان هو الجوزجاني عن محمد ابن الحسن ، قال : دخل على رجل اللصوص فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثاً ان لا يعلم أحداً ، قال : فأصبح الرجل وهو يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقدر يتكلم من أجل يمينه ، فجاء الرجل يشاور أبا حنيفة ، فقال له أبو حنيفة : احضر لي أمام حيك والمؤذن والمستورين منهم ، فأحضرهم إياه ، فقال لهم أبو حنيفة : هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه ؟ قالوا نعم . قال فأجمعوا كل داعر وكل متهم فأدخلوهم في دار وفي مسجد ، ثم أخرجوهم واحداً واحداً فقولوا له هذا لصك ، فأن كان ليس بلصه قال : لا ، وإن كان لصه فليسكت فإذا سكت فاقبضوا عليه ، ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة ، فرد الله عليه جميع ما سرق منه .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ ، أخبرنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة ، نا أبو إسماعيل الترمذي ، نا عبد العزيز بن عبد الله ، نا مالك ، قال : بلغني أن أبا يوسف جاءه إنسان فقال : إني حلفت بطلاق امرأتي لأشترين جارية وذلك يشتد علي لمكان زوجتي ومنزلتها عندي ؟ فقال له أبو يوسف : اشتر سفينة فهي جارية .

أخبرنا الجوهري ، أخبرنا محمد بن عمران ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، نا إسحاق بن إبراهيم ، قال : قال الرشيد يوماً لأبي يوسف القاضي : عند عيسى بن جعفر جارية وهي أحب الناس إلي وقد عرف ذاك فحلف أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق وهو الآن يطلب حل يمينه فهل عندك في ذلك حيلة ؟ قال : نعم يهب لأمير المؤمنين نصف رقبتها ويبيعه النصف فلا حنث عليه في ذلك .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزقويه ، نا محمد بن الحسن بن زياد النقاش المقرىء ، نا عبد الله بن محمد الفرهاذاني ، حدثنا حرملة بن يحيى ، قال : سمعت الشافعي وسأله رجل فقال : حلفت بالطلاق ان أكلت هذه التمرة أو رميت بها ؟ فقال : تأكل نصفها وترمي بنصفها .

باب في حزن بعض ما يسمع من العلم والامساك عنه لعذر في ذلك

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا سليمان بن حرب نا أبو هلال عن الحسن ، قال : قال أبو هريرة : لو حدثتكم كلما في كيسي لرميتموني بالبعر . قال الحسن : صدق والله لو حدثهم ان بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس .

وقال يعقوب ، نا سليمان ، نا أبو هلال عن قتادة ، قال : قال حذيفة : لو كنت على شاطىء نهر وقد مددت يدي لأغرف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصل يدي إلى فمي حتى أقتل .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق البغوي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، نا أبو عبيد ، نا مروان بن معاوية عن حسان بن أبي يحيى الكندي ، قال : سألت سعيد بن جبير عن الزكاة فقال ادفعها إلى ولاة الأمر ، قال فلما قام سعيد تبعته فقلت : انك أمرتني أن أدفعها إلى ولاة الأمر وهم يصنعون بها كذا ، فقال : ضعها حيث أمرك الله ، سألتني على رؤوس الناس فلم أكن لأخبرك .

أخبرنا العتيقي والتنوخي ، قالا : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثني أبي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان ، قال : كان الشافعي يرى أن الصناع لا يضمنون إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يظهر ذلك كراهية أن يجتري الصناع .

أخبرنا أبو عمر بن مهدي وأبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن جعفر العطار ، قالا : نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا عمرو بن عبد الغفار ، نا الأعمش عن شقيق عن عبد الله ، قال : من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني ، نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان ( وأخبرنا ) أبو بكر البرقاني ، أخبرنا عمر بن نوح البجلي ، أخبرنا أبو خليفة ، نا ابن كثير ، أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون . هذا لفظ الصيرفي وقال البرقاني عن عبد الله قال : إن الذي يفتي الناس في كلما يستفتونه فهو مجنون .

أخبرنا محمد بن أحمد ابن رزق ، أخبرنا عثمان عن أحمد الدقاق ، نا حنبل بن إسحاق ( وأخبرنا ) ابن الفضل ، أخبرنا ابن درستويته ، نا يعقوب ، قالا : نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد ، قال : قال ابن شبرمة وفي حديث يعقوب قال كان ابن شبرمة يقول : ان من المسائل مسائل لا يجمل بالسائل أن يسأل زاد حنبل عنها ثم اتفقا ولا بالمسؤول أن يجيب زاد حنبل فيها .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن محمد بن سلمان العطار ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري ، نا عبد الله بن سليمان ، قال : قريء على الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم أو ابن وهب عن مالك بن أنس ، قال : ان من إذالة العالم أن يجيب كل من كلمه ، أو يجيب كل من سأله .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطان نا أحمد بن محمد بن عيسى ، نا أبو سلمة المنقري ، حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « لا تزالون تسألون حتى يقال لكم هذا الله خلقنا فمن خلق الله عز وجل » . قال أبو هريرة فجعلت أصبعي في أذني ثم صرخت فقلت : صدق الله ورسوله ، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد .

قال الشيخ الإمام أبو بكر : وحمقى الناس يسألون بجهلهم عن جميع ما يعرض في قلوبهم .

كما أخبرنا ابن الفضل القطان بقراءتي عليه عن أبي بكر محمد بن الحسن النقاش ، قال : أخبرنا أحمد بن الحارث ، أخبرنا جدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش ، قال : جلس الشعبي على باب داره ذات يوم فمر به رجل ، فقال له : أصلحك الله إني كنت أصلي فأدخلت أصبعي في أنفي فخرج عليها دم فما يرى القاضي احتجم أم أفتصد ؟ فرفع الشعبي يديه وقال : الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة .

وقال النقاش : أخبرنا الحسن بن علي يعني العدوي أخبرنا الحسن بن علي بن راشد ، قال : جاء رجل إلى شريك بن عبد الله ، فقال : أيها القاضي أيما أطيب الطنبور أم العود ؟ فقال له احسبك بايعت يا عدو الله ، فحلف انه لم يبايع وانه مستفهم ، فقال له : كم على الطنبور من زبر ؟

قال : اثنان . قال وعلى العود ؟ قال : أربعة .

قال فكلما كثر من هذا كان أطيب .

أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين بن محمد الجازري ، نا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري املاءًا ، نا محمد بن يحيى الصولي ، نا يموت بن المزرع ، قال : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول كان رجل يحب الكلام ويختلف إلى حسين النجار ، وكان ثقيلاً متشادقاً لا يدري ما يقول ، فآذى حسيناً ثم فطن له فكان يعد له الجواب من جنس السؤال فينقطع ويسكت ، فقال له يوماً : ما تقول أصلحك الله في حد قلاشي التوهيمات في عنفوان القرب من درك المطالب ؟ فقال له حسين : هذا من وجود فوت الكيفوفية على غير طريق الحيثوثية وبمثله يقع الثناء في المجالسة على غير تلاق ولا افتراق ، فقال الرجل هذا يحتاج إلى فكر واستخراج فقال حسين : فكر فانا قد استرحنا .

باب رجوع المفتي عن فتواه إذا تبين له أن الحق في غيرها

أخبرنا علي بن طلحة بن محمد المقري ، أخبرنا عمر بن محمد بن علي الناقد ، نا عبد الله بن محمد بن ناجية ، نا محمد بن يحيى بن أبي سمينة التمار ، نا محمد بن يحيى بن قيس المأربي عن ثمامة بن بشراحيل عن سمي بن قيس عن شمير عن أبيض بن حمال رضي الله عنه ، قال : وفدت إلى رسول الله فاستقطعته الملح فقطعه لي ، فلما وليت قال رجل : يا رسول الله تدري ما أقطعت ؟ إنما إقطعته الماء العد فرجع فيه .

قال الشيخ الإمام أبو بكر يعني الماء العد الدائم الذي لا انقطاع له مثل ماء العين والبئر ، وهذا إذا لم يكن في ملك أحد فالناس في شركاء لا يختص به بعضهم دون بعض ولهذا رجع النبي فيه .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا عمر ابن قيس عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة ، انه قال : كنت حدثتكم ان من أصبح جنباً فقد أفطر فإنما ذلك من كيس أبي هريرة فمن أصبح جنباً فلا يفطر .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقري ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا عثمان بن أبي شيبة ، نا طلحة بن يحيى عن يونس عن بن شهاب عن سالم عن ابن عمر ، قال : كان يأتيه الرجل يسأله أيقسم زكاته ؟ فيقول : أدوها إلى الأئمة .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق البغوي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، نا أبو عبيد ، نا هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن حيان بن أبي جبلة عن ابن عمر ، انه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان . وقال : ضعوها مواضعها .

قال الشيخ الإمام أبو بكر كان عبد الله بن عمر يوجب دفع زكاة الأموال الباطنة إلى الأمراء ، فلما أخبر أنهم لا يضعونها مواضعها رجع عن رأيه في الدفع إليهم وأمر الناس أن يتولوا بأنفسهم صرفها إلى الأصناف .

فإذا أفتى الفقيه رجلاً بفتوى ثم قال له : قد رجعت عن فتواي فإن كان ذلك قبل أن يعمل المستفتي بها كف عنها .

كما أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، نا محمد ابن أبي زكير أخبرنا ابن وهب ، قال : قال مالك : كان ابن هرمز رجلاً كنت أحب أن أقتدي به ، وكان قليل الكلام قليل الفتيا ، شديد التحفظ ، وكان كثيراً ما يفتي الرجل ثم يبعث في أثره من يرده إليه حتى يخبره بغير ما أفتاه ، قال : وكان بصيراً بالكلام ، وكان يرد على أهل الأهواء ، وكان من أعلم الناس بما اختلف فيه من هذه الاهواء .

أنا القاضي أبو عبد الله الصيمري ، قال : نا العباس بن أحمد الهاشمي ، قال : نا أحمد بن محمد المكي قال : نا علي بن محمد النخعي ، قال : حدثني محمد بن أحمد بن الحسن بن زياد عن أبيه ، أن الحسن بن زياد هو اللؤلؤي استفتي في مسألة فأخطأ فلم يعرف الذي أفتاه ، فاكترى منادياً ينادي : أن الحسن ابن زياد استفتي يوم كذا وكذا في مسألة فأخطأ ، فمن كان أفتاه الحسن بن زياد بشىء فليرجع إليه ، قال : فمكث أياماً لا يفتي حتى وجد صاحب الفتوى فأعلمه أنه قد أخطأ وان الصواب كذا وكذا .

وإن كان رجوع المفتي عن فتواه بعد عمل المستفتي بها نظر في ذلك فإن كان قد بان للمفتي أنه خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعاً وجب نقض العمل بها وابطاله ، ولزم المفتي تعريف المستفتي ذلك .

كما أخبرنا علي بن محمد بن يحيى السلي بدمشق ، أخبر عبد الوهاب بن الحسن الكلابي ، أخبرنا أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصة ، نا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ان مالكا أخبره ، قال ابن جوصة ( ونا ) عيسى بن إبراهيم بن مثرود ، أخبرنا ابن القاسم ، حدثني مالك عن نافع ، أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر ، فنهاه عن أكله ، قال نافع ثم انقلب عبد الله فدعى بالمصحف وقرأ : ( { أحل لكم صيد البحر وطعامه } ) [12] قال نافع فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة انه لا بأس بأكله .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، أن سعيد بن منصور حدثهم ، قال : نا حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن سعد بن إياس ، عن رجل تزوج امرأة من بني شمخ ثم أبصر أمها فأعجبته ، فذهب إلى ابن مسعود فقال : إني تزوجت امرأة فلم أدخل بها ثم أعجبتني أمها أفأطلق المرأة ؟ قال : نعم . فطلقها وتزوج أمها ، فأتى عبد الله المدينة فسأل أصحاب رسول الله فقالوا : لا يصلح ، ثم قدم فأتى بني شمخ فقال : أين الرجل الذي تزوج أم المرأة التي كانت عنده ؟ قالوا : هاهنا قال : فليفارقها . قالوا : كيف وقد نثرت له بطنها ؟ قال : وإن كانت فعلت ، فليفارقها فإنها حرام من الله عز وجل .

( وأخبرنا ) ابن الفضل ، أخبرنا ابن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا محمد بن أبي السري ، نا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود ، أن رجلاً من بني شمخ من فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى ابن مسعود عن ذلك ، فأمره أن يفارقها ويتزوج أمها . فتزوجها فلولدت له أولاداً ، ثم أتى ابن مسعود المدينة فسأل عن ذلك ، فأخبر انها لا تحل ، فلما رجع إلى الكوفة ، قال للرجل : إنها عليك حرام إنها لا تنبغي لك ففارقها .

قلت : لعل عبد الله بن مسعو تأول في فتواه قول الله تعالى : ( { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } ) [13] ان الاستثناء راجع إلى أمهات النساء وإلى الربائب جميعها والله أعلم .

وإن كان رجوع المفتي عن قوله الأول من جهة اجتهاد هو أقوى أو قياس هو أولى لم ينقض العمل المتقدم لأنَّ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، نا أبو بكر محمد بن أحمد البابسيري بواسط ، نا القاضي أبو أمية الأحوص بن المفضل الغلابي ، نا أبي ، نا الواقدي ، نا معمر ( وأخبرني ) أبو القاسم الحسين بن محمد ابن إبراهيم الحنائي بدمشق واللفظ له ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي ، أخبرنا محمد ابن يوسف بن بشر الهروي ، نا محمد بن حماد الطهراني ، أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم الثقفي ، قال : أتي عمر بن الخطاب في امرأة تركت زوجها وأمها واخوتها لأمها وأخوتها لأمها وأبيها ، فشرك بين الاخوة للأم وبين الأخوة للأب والأم بالثلث ، فقال له رجل : إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا ؟ قال : فتلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم .

قال عبد الرزاق : قال الثوري لو لم أستفد في سفري هذا من معمر غير هذا الحديث لظننت إني قد أصبت خيراً .

التوثق في استفتاء الجماعة

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي ، قال : أخبرنا الحسين بن إدريس ، قال : نا ابن عمار عن المعافى عن إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس ، قال : إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي .

وإذا اختلف جواب المفتين على وجهين فينبغي للمستفتي أن يجمع بين الوجهين إذا أمكنه ذلك للاحتياط والخروج من الخلاف . مثاله أن يفتيه بعض الفقهاء أن الفرض عليه في الطهارة مسح جميع رأسه ويفتيه بعضهم انه يجزئه مسح بعض الرأس وإن قل فإذا مسح جميعه كان مؤدياً فرضه على القولين جميعاً .

وأما إذا لم يمكنه الجمع بين وجهي الخلاف لتنافيهما مثل أن يكون أحدهما يحل ويبيح والآخر يحرم ويحظر ، فقد قيل : يلزمه أن يأخذ بأغلظ القولين وأشده لأن الحق ثقيل .

كما أخبرنا إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم البرمكي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت الدقاق ، نا محمد بن صالح بن ذريح ، نا هناد بن السري ، نا ابن نمير عن موسى بن عبيدة عن أبي عمرو ، قال : قال عبد الله : ألحق ثقيل قوي ، والباطل خفيف ولرب شهوة تورث حزناً طويلاً .

( وأخبرنا ) أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني بها ، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبيد : قال بعض الحكماء إذا أشكل عليك أمران فلم تدر أيهما أدنى إلى الصواب والسداد فأنظر أثقلهما عليك فاتبعه ، ودع الذي تهوى فإنك لا تدري لعل الهوى هو الذي زينه في قلبك وحسنه عندك ، وقيل يأخذ بأسهل القولين وأيسر الأمرين لأن الله تعالى قال : ( { يريد الله بكم اليسر ، ولا يريد بكم العسر } ) [14] .

ولما أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار الأصبهاني ، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال : حدثني محمد بن أحمد الزهري الأصبهاني ، نا إسماعيل بن يزيد ، نا أبو داود الطيالسي ، نا سلام بن مسكين عن قتادة عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « خير دينكم أيسره » .

( وأخبرنا ) الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا أبو المغيرة ، نا معان بن رفاعة ، نا علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال : قال النبي : ﷺ : « إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكن بعثت بالحنيفية السمحاء » .

أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن عيسى البزاز وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله السكري ، قالا : أخبرنا علي بن محمد بن أحمد المصري ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم ، نا الفريابي ، نا سفيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي ، قال : إذا اختلف عليك في أمرين فخذ بأيسرهما ، ثم قرأ : ( { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ) [15] وقيل : يأخذ بفتوى أفضلهما عنده في الدين والعلم وأورعهما ، ويلزمه الاجتهاد في تعرف ذلك من حالهما .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العبكري ، أخبرنا جدي ، قال : قال أبو عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري : فإن قال قائل فكيف تقول في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا فهل له التقليد ؟ قيل له : ان شاء الله هذا على وجهين : أحدهما ان كان العامي يتسع عقله ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل وإذا فهم أن يفهم فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم عن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده ، فإن كان عقله لم يقصر عن هذا وفهمه لا يكمل له وسعه التقليد لأفضلهما عنده . وقيل : يأخذ بقول من شاء من المفتين وهو القول الصحيح لأنه ليس من أهل الاجتهاد وإنما عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة وقد فعل ذلك فوجب أن يكفيه .

هامش

[ النساء : 39 ]

[ النور : 36 ]

[ الأنبياء : 7 ]

[ الزمر : 9 ]

[ البقرة : 159 ]

[ ال عمران : 187 ]

[ الضحى : 01 ]

[ ال عمران : 159 ]

[ الشورى : 83 ]

[ البقرة : 228 ]

[ ص : 44 ]

[ المائدة : 69 ]

[ النساء : 32 ]

[ البقرة : 185 ]

[ البقرة : 185 ]

الفقيه والمتفقه

الجزء الأول | الجزءالثاني | الجزءالثالث | الجزءالرابع | الجزءالخامس | الجزءالسادس | الجزءالسابع | الجزءالثامن | الجزءالتاسع | الجزءالعاشر | الجزءالحادي عشر | الثاني عشر

 قلت المدون تم بعون الله فاللهم تقبل مني واستجب لدعائي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ب واقي

اضغط الرابط لتفتح الدرايف