Translate الترجمة

الأحد، 5 فبراير 2023

الفقيه والمتفقه الخطيب البغدادي{الأجزاء من 1 الي 9.}

 الفقيه والمتفقه  الخطيب البغدادي

{الجزء من 1 الي 9.} 

 الجزء الأول الخطيب البغدادي

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الأول

مقدمة المؤلف

الحمد لله على نعمه وأسأله المزيد من فضله واحسانه . . . الشيخ الإمام العالم الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن مهدي البغدادي الخطيب رحمه الله قال :

الحمد لله الذي شيد منار الدين وأعلامه ، وأوضح للخلق شرائعه وأحكامه ، وبعث صفوته وخصائص أوليائه ، المصطفين لتبليغ رسالته من أنبيائه ، يدعون إلى توحيده وترك ما خالفه من الملل ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وختم الدعوة بنبينا محمد سيد المرسلين ، وفضله على من سبق وغبر من الأولين والآخرين ، وجعل شريعته مؤيدة إلى يوم الدين ، ووكل بحفظها من الصحابة والتابعين من تقوم به الحجة ، وترتفع بقوله الشبهة ، وهم الفقهاء الذين ألزمهم حراسة شريعته ، والتفقه في دينه ؛ فقال تبارك وتعالى ({ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ) [1] . وقال سبحانه : ( { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ) [2] . فجعلهم فرقتين أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله ، وعلى الأخرى التفقه في دينه لئلا ينقطع جميعهم إلى الجهاد فتندرس الشريعة ، ولا يتوفروا على طلب العلم فتغلب الكفار على الملة فحرس بيضة الإسلام بالمجاهدين ، وحفظ شريعة الإيمان بالمتعلمين ، وأمر بالرجوع إليهم في النوازل ومسألتهم عن الحوادث ؛ فقال عز وجل : ( { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ) [3] . وقال تعالى : ( { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ) [4] . وقال سبحانه وتعالى ({ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) [5] . وبين أن العلماء هم الذين يخشون ربهم فقال : ( { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ) [6] . وجعلهم خلفاءه في أرضه ، وحجته على عباده ، واكتفى بهم عن بعثة نبي وارسال نذير ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته ، فقال : ( { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } ) [7]

باب ذكر الروايات عن النبي في فضل التفقه والأمر به والحث عليه والترغيب فيه

قوله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الحافظ بأصبهان إملاء ، قال : حدثنا أبو بكر بن خلاد ، أنا أبو على الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البزار ( وأنا ) أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا أحمد ابن محمد بن أيوب ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري بمكة ، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي ، حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني ( وأخبرنا ) أبو الفرج محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار الأصبهاني بها ، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، قالا : نا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا معمر ، وقال الأصبهاني : عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم الفقيه السرخا باذي بالري ، أخبرنا عبد الله بن إبراهيم ابن أيوب بن ماسي ، أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي ، حدثنا محمد بن أبي بكر وأخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي بدمشق ، أخبرنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، أخبرنا محمد بن منهال أخو حجاج الأنماطي ، قالا : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا معمر وقال التميمي : عن معمر عن الزهري عن سعيد زاد التميمي ابن المسيب ، ثم اتفقا عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله . وقال السرخا باذي عن النبي قال ﷺ : «إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين » .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، حدثنا إسماعيل ابن عبد الله بن مسعود العبدي ، حدثنا سعيد بن سليمان ( وأخبرني ) أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن يعقوب الهاشمي ، حدثنا علي بن عبد الحميد الغضايري بحلب ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، قالا : حدثنا إسماعيل بن جعفر زاد الجوهري المدني ، ثم اتفقا عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس عن النبي . وفي حديث الجوهري عن عبد الله بن عباس ، ان رسول الله قال ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن الحسن بن عمر بن برهان الغزال البغدادي بصور ، أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الناقد ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث سنة إحدى وثلاثمائة ( وأخبرنا ) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله الحذاء ، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، حدثنا عبد الله بن سليمان ( وأخبرنا ) أبو الحسين أحمد بن عمر بن روح النهرواني بها أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن ماهبزذ الأصبهاني ، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أحمد بن صالح المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ان عباد بن سالم ، حدثه أن سالم بن عبد الله ، حدثه عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه » .

هذا لفظ حديث ابن برهان ، وقال الحذاء عن عباد بن سالم عن سالم ، وقال ابن روح ان سالماً حدثه عن ابن عمر عن عمر ، أن رسول الله قال ﷺ : «من يرد الله أن يهديه يفقهه » .

أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الواعظ ، أخبرنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج المعدل ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا سليمان بن زيد هو مولى بني هاشم ، حدثنا علي بن يزيد يعني الصدائي ، عن أبي شيبة عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرني أبو الحسين علي بن عبد الوهاب بن أحمد السكري ، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيوية الجزار ، قال : قُرىء على جعفر بن أحمد المروزي وأنا أسمع ، قال : حدثنا أبو الحسن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن يحيى بن حماد بالكوفة ، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي ، عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ويلهمه رشده » .

أخبرنا الحسين بن أبي بكر بن شاذان ، أخبرنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني ، حدثنا الفضل بن محمد العطار ، حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، حدثنا أبي ، حدثنا المنكدر بن محمد ابن المنكدر عن أبيه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «إذ أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين ورزقهم الرفق في معيشتهم ووقر صغيرهم كبيرهم » .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الفقيه الخوارزمي المعروف بالبرقاني ، قال : قرأنا على عمر بن نوح البجلي وقرأته على أبي حفص عمر بن محمد بن علي بن الزيات ، أخبركم جعفر الفريابي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ( وأخبرنا ) البرقاني قال : قرأت على أحمد بن محمد بن حسنويه أخبركم الحسين بن إدريس ، نا عثمان هو ابن أبي شيبة ، قالا : نا زيد بن الحباب ، أخبرني معاوية بن صالح قال : حدثني ربيعة بن يزيد الدمشقي ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية يقول على منبر دمشق سمعت رسول الله يقول ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن برهان الغزال ، حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق حدثنا أحمد بن الخليل البغوي ، وأخبرنا الحسين بن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد الأدمي القارىء حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي ، قالا : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية ابن أبي سفيان يقول سمعت رسول الله يقول : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، حدثنا حسين بن أبي معشر ، أخبرنا وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال معاوية على المنبر رضي الله عنه : «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » . سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله على المنبر .

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد الحرشي الحيري بنيسابور ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم ، أخبرنا أبو العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي ، قال : أخبرني محمد بن شعيب بن شابور عن عتبة بن أبي حكيم الهمذاني ، عن مكحول أنه حدثه عن معاوية بن أبي سفيان قال وهو يخطب على المنبر : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما يخشى الله من عباده العلماء ولن تزال أمة من أمتي على الحق ظاهرين على الناس لا يبالون من خالفهم ولا من ناوأَهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون » .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البزاز ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا أبو بدر ، حدثنا عثمان بن حكيم ( وأخبرنا ) القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي حدثنا شجاع بن الوليد عن عثمان بن حكيم الأنصاري عن زياد بن أبي زياد مولى الحارث بن عياش ، قال قال معاوية : سمعت رسول الله يقول على هذه الأعواد : اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد من يرد الله به الخير وقال الحيري خيراً يفقهه في الدين .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن القاسم النرسي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا معاذ بن المثني ، حدثنا عبد الله بن سوار بن عبد الله أبو السوار العنبري ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا جبلة بن عطية عن عبد الله محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «إذا أراد الله بعبد خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي بأصبهان ، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا علي بن عياش وأبو اليمان ، قالا : حدثنا إسماعيل ابن عياش عن راشد بن داود عن أبي أسماء عن معاوية ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي بنيسابور ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا يونس بن بكير عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن معاوية ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا محمد بن الحسين الآجري الفريابي ، نا أبو مسعود المصيصي ، نا علي بن الحسن بن شقيق ، أنا عبد الله بن المبارك ، أنا يونس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت معاوية يخطب يقول : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا أحمد بن عبد الله بن يونس ، نا يزيد بن عبيد الله بن جراد بن مجالد عن رجاء بن حيوة ، قال : كان معاوية ينهى عن الحديث يقول : لا تحدثوا عن رسول الله ، فسمعته يوماً يقول على المنبر ما سمعت منه قط غيره يقول قال : رسول الله ﷺ : «إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين » .

أنا عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أبو زرعة الدمشقي ، نا علي بن عباس الحمصي ، نا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبد عن معاوية ، أنه سمع رسول الله يقول ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني ، نا أبو سليمان محمد بن الحسين الجراني ، نا الفضل بن محمد العطار بأنطاكية ، نا هشام بن عمار ، نا الوليد يعني ابن مسلم ، نا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، قال : سمعت معاوية يحدث عن رسول الله قال ﷺ : «الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أنا أبو أحمد عبد الوهاب بن الحسن بن علي الحربي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد الهروي ، نا أبو أيوب سليمان بن محمد بن إسماعيل الخزاعي ، نا محمد بن الوزير ، نا الوليد بن مسلم ، نا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يعني منبر دمشق يقول : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .

أنا محمد بن أحمد ابن رزقويه البزار ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أحمد بن علي الخزار ، نا أبو الأزهر محمد بن عاصم ، نا هارون بن مسلم العجلي ، نا أبو القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن أبيه ، قال : خطبنا معاوية بن أبي سفيان ، قال : سمعت رسول الله يقول : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين يا أيها الناس تفقهوا » .

أنا الحسن بن علي ، أنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ، نا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي ، نا سويد هو ابن سعيد ، حدثني الوليد بن محمد الموقري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاوية ، أن النبي قال ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ومن لم يبال به لم يفقهه » .

أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران قالا : أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا حسين بن أبي معشر ، أنا وكيع ( وأنا ) القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا يونس بن بكير كلاهما عن الأعمش عن تميم بن سلمة زاد وكيع السلمي ثم اتفقا عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله وفي حديث الحيري عن عبد الله قال ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » موقوف .

أنا ابن رزقويه وابن بشران قالا : أنا عثمان بن أحمد ، نا الحسين بن أبي معشر ، نا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير ، قال ﷺ : «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ويلهمه رشده » .

ذكر قول النبي تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

أنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معسر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » .

أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج بنيسابور ، أنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن حمدان السلمي ، نا جعفر بن محمد بن سوار ، أنا قتيبة بن سعيد ، نا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، أن النبي قال ﷺ : «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » .

أنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا أحمد بن محمد الجعفي ، نا عبد العزيز بن أبان ، نا سفيان عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » .

أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي ، أنا أبو عبد الله بن زيد بن علي بن مروان الكوفي ، نا علي بن أحمد العجلي ، نا جبارة ، نا حماد بن شعيب عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا » .

فضل مجالس الفقه على مجالس الذكر

أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد ، أنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ، نا الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي ، نا محمد بن بكار ، نا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي عن عبد الله بن أبي رافع عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : دخل النبي المسجد قال فرأى مجلسين أحد المجلسين يذكرون الله ويرغبون إليه والآخرون يتعلمون الفقه فقال رسول الله ﷺ : «كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وان شاء منعهم وأما هؤلاء فيعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلماً فجلس معهم » .

كذا في كتابي عن عبد الله بن أبي رافع وهو خطأ صوابه عبد الرحمن بن رافع .

كذلك رواه أبو داود الطيالسي وحبان بن موسى والحسين بن الحسن المروزيان عن ابن المبارك .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود الطيالسي ، نا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو ، قال : دخل النبي المسجد وقوم يذكرون الله وقوم يتذاكرون الفقه فقال النبي ﷺ : «كلا المجلسين على خير أما الذين يذكرون الله ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وهؤلاء يعلمون وإنما بعثت معلماً وهذا أفضل » فقعد معهم .

أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي ببغداد وأبو الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان بصور ، قالا : أنا أبو يعقوب إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، نا جدي ، نا حبان بن موسى ، أنا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو ، قال : دخل رسول الله المسجد فرأى مجلسين أحدهما يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه فقال رسول الله ؛ : «كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلماً هؤلاء أفضل » ثم جلس معهم .

أنا الحسن بن علي الجوهري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن المروزي ، أنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو قال دخل النبي المسجد فذكر نحوه .

رواه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي عن ابن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو .

كذلك أنا أبو الحسن علي بن طلحة بن محمد المقري أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبيري الفقيه المالكي . نا أبو عروبة الحسين بن محمد مودود بحران ، نا جدي عمرو بن أبي عمرو ، نا أبو يوسف القاضي ، نا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج رسول الله فإذا في المسجد مجلسان مجلس يتفقهون ويتعلمون ومجلس يدعون الله ويسألونه فقال ﷺ : «كلا المجلسين إلى خير أما هؤلاء فيدعون الله ويسألونه وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل هؤلاء أفضل ، بالتعليم أرسلت » ثم قعد معهم .

أنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب الواسطي ، نا علي بن محمد بن عبد الله البرني بواسط ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا لوين ، نا حماد بن زيد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «لأن أجلس مع قوم يذكرون الله من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ومن العصر إلى غروبها أحب إلي من كذا وكذا » .

وقال حماد بن زيد : عن المعلى بن زياد عن يزيد الرقاشي ، قال : كان أنس إذا حدث هذا الحديث أقبل علي وقال : والله ما هو بالذي تصنع أنت وأصحابك ولكنهم قوم يتعلمون القرآن والفقه .

أنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الكاتب بأصبهان ، نا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد السمسار ، نا أبو بكر بن النعمان ، نا ابن

الأصبهاني ، نا عفيف بن سالم ، وأنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبد كويه إمام المسجد الجامع بأصبهان ( أيضاً أنا ) أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني نا أحمد بن مهدي نا محمد بن سعيد بن الأصبهاني أنا عفيف بن سالم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى : ( { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } ) [8] قال : مجالس الفقه وفي حديث أحمد بن مهدي قال : مجالس الفقه .

ذكر الرواية ان حلق الفقه هي رياض الجنة

حدثني أبو طالب يحيى بن علي بن الطيب العجلي الدسكري لفظاً بحلوان ، حدثنا جبريل بن محمد القلانسي العدل بهمذان ، نا محمد بن عبد بن عامر السمرقندي ، نا قتيبة بن سعيد ، نا مالك بن أنس عن نافع عن سالم عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا » قالوا : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال ﷺ : «حلق الذكر » .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو علي الحسين بن صفوان البرذعي ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، نا عبيد الله بن عمر الجشمي ، نا زايدة بن أبي الرقاد ، حدثني زياد النميري عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا » قالوا : يا رسول الله وأين لنا برياض الجنة في الأرض ؟ قال ﷺ : «حلق الذكر فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم » .

أنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أبو زرعة الدمشقي ( وكتب إلي ) أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن أبي نصر الدمشقي ، وحدثني محمد بن يوسف القطان النيسابوري ، عنه قال : أنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي ، أنا أبو زرعة ، نا أبو عبد الملك بن الفارسي ، نا يزيد بن سمرة أبو هزان ، أنه سمع عطاء الخراساني يقول : مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام ، وهذا آخر حديث الطبراني . وزاد ابن راشد : كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عثمان سعيد بن عثمان الحمصي بحمص ، نا عبيد بن جناد صدوق ، نا عطاء بن مسلم الحلبي عن زيد العمي عن القاسم يعني ابن محمد عن عبد الله يعني ابن عمرو ابن العاص ، عن النبي قال ﷺ : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا » يعني حلق الذكر أما إني لا أقول حلق القصاص ولكن حلق الفقه » .

هكذا روى هذا الحديث الأصم بهذا الإسناد وعلى هذا اللفظ ، وروي عن موسى بن مروان الرقي عن عطاء بن مسلم بخلافه .

أناه أبو القاسم علي بن الحسن بن محمد ابن أبي عثمان الدقاق ، أنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن البواب ، نا أبو محمد بن الربيع الأنماطي ، نا عمر بن شبة ، نا موسى بن مروان ، نا عطاء بن مسلم عن زيد بن حبان عن القاسم بن الوليد ، قال : قال عبد الله بن مسعود : قال رسول الله رضي الله عنه : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا أما إني لا أعني حلق القصاص ولكني أعني حلق الفقه » .

أنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، نا بشر بن موسى ، نا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن القاسم بن الوليد أراه عن الضحاك ، قال : قال عبد الله بن مسعود : إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا أما إني لا أعني حلق القصاص ولكن حلق الذكر . وعن أبي إسحاق ، قال : قال سفيان وقال الضحاك في هذه الآية : ( { بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ) [9] قال : هو هذا مجلسهم يتفقهون .

فضل الفقه على كثير من العبادات

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الوراق الأزجي ، نا علي بن عمرو الجزيري ، نا علي بن الحسن التنيسي ، نا إسماعيل بن حمدويه البيكندي ، نا إسحاق بن راهويه ، قال : نا بقية بن الوليد عن عبد الحميد عن أبي صالح عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من خرج يطلب بابا من العلم ليرد به ضالا إلى هدى أو باطلاً إلى حق كان كعبادة متعبد أربعين عاماً » .

رواه غيره عن بقية عن السري بن عبد الحميد عن أبي صالح .

أنا أبو محمد الجوهري وأبو القاسم التنوخي ، قالا : أنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الجراحي ، نا محمد بن موسى بن سهل البربهاري ، نا إبراهيم بن سويد الجدوعي بالبصرة سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، نا عبد الله بن أذينة ، نا عبد الوهاب بن مجاهد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «لا خير في قراءة إلا بتدبر ولا عبادة إلا بفقه ، ومجلس فقه خير من عبادة ستين سنة » .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سهل أحمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا إبراهيم بن إسحاق السراج ، وأنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا صالح بن محمد بن موسى الازاذ وارس ، قالا : نا يحيى بن يحيى ، نا خارجة عن عبد الله بن عطاء عن إسحاق بن عبد الرحمن عن أبي سلمة ، زاد صالح بن عبد الرحمن بن عوف ثم اتفقا ، عن أبيه عن النبي قال ﷺ : «يسير الفقه خير من كثير العبادة ، وخير أعمالكم أيسرها » .

أنا أبو بكر عبد القاهر بن محمد بن عنزة الموصلي ، أنا أبو هارون موسى بن محمد بن هارون الأنصاري الزرقي ، نا محمد بن بسام ، نا حمدون الأشبيلي ، نا أبي عن خارجة يعني بن مصعب ( وأنا ) محمد بن أحمد بن رزق ، نا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر النيسابوري ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي ، نا إسحاق بن إبراهيم الطلقي ، أنا محمد بن خالد الرازي ، نا خارجة عن عبد الله بن عطاء بن يسار عن محمد بن زيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه ، ان رسول الله قال ﷺ : «يسير الفقه خير من كثير العبادة » وقال ابن عنزة ﷺ : «من كثير من العبادة » . ثم اتفقا ﷺ : «وخير أعمالكم أيسرها » .

أنا أبو القاسم علي بن محمد بن عبيد بن موسى البزار ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري ، نا أبو الوليد عبد الملك بن يحيى بن بكير ، نا أبي حدثني الليث بن سعد عن إسحاق بن أسيد عن ابن رجاء بن حيوة عن أبيه عن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «قليل الفقه خير من كثير العبادة وكفى بالمرء فقها إذا عَبَدَ الله وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه ، إنما الناس رجلان فمؤمن وجاهل فلا تؤذين المؤمن ولا تجاور الجاهل » .

أنا أبو القاسم علي بن محمد بن عبد الله بن الهيثم الأصبهاني ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، نا نعيم بن حماد ، نا عبد العزيز الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي قال ﷺ : «تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعلمه ممن يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة وهو منار سبيل أهل الجنة والأنس في الوحدة والصاحب في الغربة والدليل في الظلمة والمحدث في الخلوة والسنان على الأعداء يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وفي الهدى أئمة يقتدى بهم وترمق أعمالهم وترغب الملائكة في إخائهم فبأجنحتها تمسحهم وكل رطب ويابس يستغفر لهم حتى حيتان البحر وهو أم الأرض وسباع الرمل ونجوم السماء ، ألا إن العلم حياة القلوب من العمى ونور البصر من الظلم به يطاع الله وبه يعبد الله وبه يحمد الله وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو أمام العقل والعمل تابعه يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء ولا خير في عبادة بغير تفقه ولا خير في قراءة بغير تعبد وتدبر ، والقليل من التفقه خير من كثير عبادة ولمجلس ساعة تفقه خير من عبادة سنة » .

أنا عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزال ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق ، نا أبو سعد عبد الكبير بن عمر الخطابي ، نا أبو بدر هو عباد بن الوليد الغيري ، حدثني حجاج بن نصير ، نا هلال بن عبد الرحمن الحنفي عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي ذر ، قالا : باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا ، وباب من العلم نُعَلِّمُهْ عمل به أو لم يعمل أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا . وقالا سمعنا النبي يقول رضي الله عنه : «إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات وهو شهيد » .

أنا أبو سعيد بن حسنوية الأصبهاني ، نا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن معبد السمسار ، نا يحيى بن مطرف ، نا سليمان بن داود ، قال أخبرني شيخ لنا يقال له أبو عبد الله الأزدي عن محمد بن مطرف عن إسماعيل عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : لأن أعلم بابا من العلم في أمر ونهي أحب إلى من سبعين غزوة في سبيل الله عز وجل .

وأنا أبو سعيد ، قال : نا أحمد بن جعفر بن معبد ، نا أبو الهيثم يحيى بن مطرف ، نا سليمان بن داود ، نا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن ، قال : لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلماً أحب إلي من أن تكون لي الدنيا كلها أجعلها في سبيل الله تعالى .

وقال يحيى بن مطرف : نا محمد بن بكر ، نا عبد الله بن المبارك عن معمر ، قال : بلغنا عن أبي الدرداء ، قال : مذاكرة للعلم ساعة خير من قيام ليلة .

أنا أبو بكر أحمد بن علي بن يزداد القاري ، أنا عبد الله بن إبراهيم بن عبد الملك الأصبهاني بها نا محمد بن علي الفرقدي ، نا إسماعيل بن عمرو ، نا عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي ، قال : قال أبو الدرداء : لأن أذكر الفقه ساعة أحب إلي من قيام ليلة .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا الحسن بن علي بن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا المعتمر حدثني أبي ، قال : قال رجل لأبي مجلز وهم يتذاكرون الفقه والسنّة : لو قرأت علينا سورة من القرآن ؛ فقال : ما أنا بالذي أزعم ان قراءة القرآن أفضل مما نحن فيه .

أنا أبو بكر البرقاني قال : قرأت على محمد بن محمد الحجاجي ، أخبركم محمد بن إسحاق بن خزيمة ، نا الحسين بن سلمة بن أبي كبشة ، نا محمد بن زكريا ، نا حميد الكندي ، قال : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : تعليم الفقه صلاة ودراسة القرآن صلاة .

كتب إلي أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمرالمري من دمشق ، ان أبا سليمان محمد بن عبد الله الربعي حدثهم قال : نا عبد الله بن محمد البغوي ببغداد قال : حدثني إبراهيم بن هانيء قال : قلت لأحمد بن حنبل أي شيء أحب إليك أجلس بالليل أنسخ أو أصلي تطوعا ؟ فقال إذا كنت تنسخ فأنت تعلم به أمر دينك فهو أحب إلي .

تفضيل الفقهاء على العباد

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو العباس أحمد بن موسى بن زنجويه القطان ، نا هشام بن عمار الدمشقي ، نا حفص بن عمر عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء لهم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا العلم فمن أخذ يعني به أخذ بحظ وافر .

أنا أبو طاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن عمر ابن سعيد الطالقاني ، نا عمار بن عبد المجيد ، نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان بن المهدي عن أنس ، قال : جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن العباد والفقهاء فقال يا رسول الله العباد أفضل عند الله أم الفقهاء فقال رسول الله ﷺ : «فقيه أفضل عند الله من ألف عابد .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين الحراني ، نا محمد بن الحسن بن قتيبة نا صفوان بن صالح ، نا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال قال رسول الله رضي الله عنه : «لو أن هذه وقعت على هذه يعني السماء على الأرض وزال كل شيء عن مكانه ما ترك العالم علمه ولو فتحت الدنيا على عابد لترك عبادة ربه تبارك وتعالى » .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين الحراني ، نا محمد بن الحسن بن قتيبة ، نا صفوان بن صالح ، نا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، قال : قال رسول الله رضي الله عنه : «لو أن هذه وقعت على هذه يعني السماء على الأرض وزال كل شيء عن مكانه ما ترك العالم علمه ولو فتحت الدنيا على عابد لترك عبادة ربه تبارك وتعالى » .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا الحسن بن علي السري ، نا أحمد بن الحسين اللهبي ، حدثني أبو ضمرة أنس بن عياض ، قال : حدثني المغيرة عن أبي الدرداء ، قال : قال رجل لرسول الله رجلان أحدهما مقبل على عبادة ربه والآخر لا يزيد على الفرائض إلا أنه يعلم الناس . قال رسول الله ﷺ : «فضل هذا العالم كفضلي على أدنى رجل منكم » . ) ==9 ( : (

قلت : ولا تصح العبادة إلا بعد التفقه .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني ، نا عبد الرحمن بن مهدي عن محمد بن النضر الحارثي ، قال : كان الربيع بن خثيم يقول : تفقه ثم اعتزل . .

أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا جعفر بن محمد الصائغ ، نا عبد الرحمن بن هاني أبو نعيم النخعي ، نا العلاء بن كثير عن نافع ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن علمني شيئاً أنال به خيراً . قال : تفقه في الدين . قال : ما أراه فهم عني فعاوده قال : إنما

أسألك أن تعلمني شيئاً أنال به خيراً . قال ابن عمر : ويح الآخر أليس الفقه في الدين خيراً من كثير العمل ؟ ان قوماً لزموا بيوتهم فصاموا وصلوا حتى يبست جلودهم على أعظمهم لم يزدادوا بذلك من الله إلا بعداً .

أنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الجناني وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ، قالا : نا أحمد بن سلمان النجاد ، نا محمد بن عبد الله بن سليمان ، نا هشام بن يونس ، نا المحاربي عن بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو ، قال : ان قوماً تركوا العلم ومجالسة أهل العلم صلوا وصاموا حتى بلي جلد أبدانهم على عمه وخالفوا السنة فهلكوا ، قال : والذي لا إله غيره ما عمل عامل قط على جهل إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح .

نا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري ، أنا يوسف بن إبراهيم السهمي بجرجان ، نا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، نا فهد بن عوف ، نا حماد بن زيد ، نا سفيان الثوري عن رجل من أهل مكة عن عمر بن عبد العزيز ، قال : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح .

أنا محمد بن أحمد بن أبي طاهر ، نا أحمد بن سلمان النجاد ، نا محمد بن عبد الله بن سليمان ، نا يحيى عن شريك عن نصير بن هريم المحاربي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ( وأنا ) الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : العلم أفضل من العمل ، ألا ترى أن الراهب يقوم الليل فإذا أصبح وقال الجوهري حتى إذا أصبح أشرك .

ذكر الرواية انه يقال للعابد أدخل الجنة ويقال للفقيه إشفع

أنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن عمر بن سعيد الطالقاني ، نا عمار بن عبد المجيد ، نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان بن المهدي عن أنس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا كان يوم القيام يقول تعالى للعابد أدخل الجنة ، فإنما كانت منفعتك لنفسك ، ويقال للعالم إشفع تشفع فإنما كانت منفعتك للناس » .

حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف بلفظه ، وابنه أبو طاهر أحمد بقراءتي عليه ، قال محمد : نا وقال إبنه أحمد ، أنا أبو الحسين عبد الله بن القاسم بن سهل الصواف الفقيه بالموصل ، نا موسى بن محمد ، نا حفص بن عمر يعني الدوري ، نا محمد بن مروان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بالعابد والفقيه ، فيقال يعني للعابد أدخل الجنة ، ويقال للفقيه اشفع .

ذكر الرواية عن النبي انه قال : ما عبد الله تعالى بشيء أفضل من فقه في دين

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه البزار ، نا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن حماد العسكري إملاء في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، نا إبراهيم بن حرب بن عمر العسكري ، نا عيسى بن إبراهيم البركي ، نا يوسف بن خالد عن مسلمة بن قعنب ( وحدثني ) أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، نا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن الجراحي ، نا إسماعيل بن يونس بن ياسر ، نا إسحاق بن أبي إسرائيل ، نا يوسف بن خالد ( وأنا ) الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي ، نا محمد بن صالح الأشج ، نا عيسى بن زياد الدورقي قالا : أنا مسلمة بن قعنب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ما عبد الله بشيء وقال الخلال : في شيء أفضل من فقه في دين » .

أخبرني أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقرىء النقاش ، نا الحسن بن منصور الرماني ، نا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، نا بقية عن إسماعيل الكندي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أفضل العبادة الفقه » .

أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، نا ظاهر بن محمد بن سهلويه النيسابوري ، نا أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن سعيد الزاهد الجلودي ، نا إسحاق بن عبد الله الخشك ، نا حفص يعني ابن عبد الله نا المعلى عن محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع » .

أخبرني علي بن يحيى بن جعفر الإمام ، أنا سليمان ابن أحمد الطبراني ، نا محمد بن يحيى بن المنذر القزاز البصري ، نا هانىء بن يحيى ، نا يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : «ما عبد الله تعالى بمثل التفقه في الدين » .

أنا القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي ، أنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، نا أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن صبيح بالكوفة ، قال : وجدت في كتاب جدي ، نا محمد بن أبي عثمان الأزدي ، نا الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ما عبد الله بشيء أفضل من الفقه في الدين » .

أخبرني أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري الصيرفي ، نا أبو الفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، قال : حدثني أحمد بن إسحاق الموسايي أخبرني إسحاق بن العباس قال . حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد قال حدثني علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي ، أن رجلاً من الأنصار قال : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال ﷺ : «العلم بالله والفقه في دينه » ، فظن الرجل أن رسول الله لم يفهم قوله فسأله الثانية فقال له مثل قوله الأول ، فقال : يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم ؟ فقال رسول الله ﷺ : «نعم إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره وان الجهل لا ينفعك معه قليله ولا كثيره » .

أنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان ، نا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، نا أبو سفيان عبد الرحيم بن مطرف السروجي ، نا أبو عبيد الله العذري عبد الرحمن بن يحيى عن يونس عن الزهري عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : «حسن العبادة الفقه » .

كذا قال لنا الماليني في روايته ( أبو عبيد الله العذري ) ورواه غير واحد عن أبي سفيان ، نا أبو عبد الله العذري .

أخبرناه أبو سعد الماليني ، نا أبو الحسن محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ، نا علي بن إبراهيم بن مطر ، نا محمد بن عوف ، نا عبد الرحيم بن مطرف السروجي ، نا أبو عبد الله العذري واسمه عبد الرحمن بن يحيى عن يونس ، ( وأناه ) أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي ، أنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني ، نا محمد بن إسماعيل الفارسي ، نا عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي ، نا عبد الرحيم بن مطرف ، نا أبو عبد الله العذري رجل من بني عذرة عن يونس الإيلي عن الزهري عن أنس زاد الحربي ابن مالك ثم اتفقا قال : قال رسول الله ﷺ : «خير دينكم أيسره وخير العبادة الفقه » .

أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الحربي ، نا أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد ، نا إسحاق بن إبراهيم الأنماطي ، نا أحمد بن أبي الحواري ، أنا مروان بن محمد عن عطاف بن خالد المخزومي عن صالح بن محمد الليثي .

هذا والله هو العبادة قال فقال لي سعيد : اسكت فإن عبادة الله ليست بالصوم والصلاة ولكن بالفقه في دينه والتفكر في أمره .

أنا أبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسين بن بشران ، قالا : أنا عثمان بن محمد الدقاق ، نا الحسين بن أبي معشر ، أنا وكيع عن ياسين بن معاذ عن عبد القوى عن مكحول ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ما عبد الله تعالى بمثل الفقه » .

أخبرني أبو طالب مكي بن علي بن عبد الرزاق الحريري ، قال : حدثني أبو شاكر عثمان بن محمد بن حجاج البزار ، نا أحمد بن يوسف بن إسحاق المنبجي بمدينة منبج ، نا عبد الله بن حبيق الأنطاكي ، نا يوسف بن إسباط عن ياسين الزيات عن عبد القوي عن مكحول ، قال : ما عبد الله بشيء أفضل من الفقه ، ان الله وملائكته ودواب الأرض وحيتان البحر يستغفرون لمعلم الخير وللمتعلم . .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر عن الزهري ، قال : ما عبد الله بمثل الفقه .

ذكر الرواية عن النبي ان فقيهاً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد

أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ، نا هشام ابن عمار ، نا الوليد ( وأنا ) أبو منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي القصري ، قال أحمد : نا وقال محمد أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز ، أنا إسحاق خالويه ، نا علي بن بحرنا الوليد هو ابن مسلم نا أبو سعد روح بن جناح عن مجاهد ، انه سمع ابن عباس يقول : قال رسول الله . وفي حديث السواق عن مجاهد عن ابن عباس ، عن النبي قال ﷺ : «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد » .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا إسماعيل بن عبد الله العبدي ، نا هشام بن عمار ، نا الوليد ( وأنا ) أبو أحمد عبد الوهاب بن الحسن بن علي الحربي ، أنا الحسين بن أحمد بن محمد الهروي ، نا أبو أيوب سليمان بن محمد بن إسماعيل الخزاعي ، نا محمد بن الوزير يعني الدمشقي نا الوليد بن مسلم ، نا روح بن جناح عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد » .

أنا أبو محمد عبد الله بن أبي الحسين بن بشران المعدل ، أنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي اليقطيني بانتقاء أبي الحسن الدارقطني ، نا عمر بن سعيد بن سنان ، نا هشام بن عمار ، نا الوليد بن مسلم ، نا روح بن جناح عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد » . .

قال الدارقطني كذا في أصل أبي جعفر هذا الحديث بهذا الإسناد وهذا المتن . قلت : والأول هو المحفوظ ( عن روح عن مجاهد عن ابن عباس ) وما أرى الوهم وقع في هذا الحديث إلا من اليقطيني والله أعلم . وذلك أن عمر بن سنان عنده عن هشام بن عمار عن الوليد عن روح ، حديث في ذكر البيت المعمور عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، أناه أبو سعد الماليني فيما أذن أن نرويه عنه ، أنا عبد الله بن علي الحافظ ، نا أبو العلاء الكوفي وعمر بن سعيد بن سنان المنبجي والحسين بن عبد الله بن يزيد القطان ، أنا هشام بن عمار ، نا الوليد بن مسلم ، نا أبو سعد روح بن جناح عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، عن النبي قال ﷺ : «في السماء الدنيا بيت يقال له البيت المعمور حيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان فيدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض إنتفاضة ، فيخر عليه سبعون ألف قطرة فيخلق الله من كل قطرة ملكاً يومرون أن يأتوا البيت المعمور فيلجون فيه فيقفون ثم يخرجون منه فلا يعودون إليه أبداً . يولى عليهم أحدهم يومر أن يقف بهم من السماء موقفاً يسبحون الله إلى يوم القيامة » .

واللفظ للماليني ، فيشبه أن يكون هذا الحديث وحديث مجاهد عن ابن عباس كانا في كتاب ابن سنان عن هشام يتلو أحدهما الآخر ، فكتب اليقطيني إسناد حديث أبي هريرة ثم عارضه سهو أو زاغ نظره فنزل إلى متن حديث ابن عباس فتركب متن هذا على إسناد هذا ، وكل واحد من عمر بن سنان اليقطيني ثقة مأمون بريء من تعمد الخطأ ، ولا أعرف لحديث اليقطيني وجهاً غير هذا التأويل والله أعلم .

أنا أبو سعد الماليني قراءة عليه ، أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ بجرجان ، نا أبو أيوب محمد بن سعيد بن مهران بالأبله ، نا شيبان ، نا أبو الربيع السمان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : «لكل شيء دعامة . ودعامة الإسلام الفقه في الدين . والفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد » .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد الجوهري ، نا أحمد بن الهيثم البزار ، نا هانىء بن يحيى ، نا يزيد بن عياض ، نا صفوان بن سليم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين » .

قال : وقال أبو هريرة : لأن أفقه ساعة أحب إلي من أن أحيي ليلة أصليها حتى أصبح ، والفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد ، ولكل شيء دعامة ودعامة الدين الفقه .

أنا الحسين بن عمر بن برهان الغزال ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان ، قالا : نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا محمد بن خلف المروزي ، وقال ابن الفضل محمد بن خلف بن عبد السلام : نا مسلم بن المغيرة الأزدي أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عمر بن الخطاب ، قال قال رسول الله ﷺ : «إن الفقيه أشد على الشيطان من ألف ورع وألف مجتهد وألف متعبد » .

أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر الصابوني ، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم الحراني ، أنا أبو علي أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني بمصر ، قال : قال المزني يعني أبا إبراهيم إسماعيل بن يحيى : روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، انه قال : ان الشياطين قالوا لإبليس : يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه ، قال : انطلقوا فانطلقوا إلى عابد فأتوه لعبادته فقالوا إنا نريد أن نسألك فانصرف فقال له أبليس : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ؟ فقال : لا أدري ، فقال : أترونه كفر في ساعة . ثم جاؤا إلى عالم في حلقته يضاحك أصحابه ويحدثهم فقال له : إنا نريد أن نسألك فقال سل ، فقال : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ؟ قال : نعم ، قال : وكيف ؟ قال يقول : كن فيكون . فقال : أترون ذلك لا يعدو نفسه وهذا يفسد علي عالماً كثيراً .

تأويل قول الله تعالى : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) [10] انهم الفقهاء

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا دعلج بن أحمد ، نا محمد بن إبراهيم الكناني ، نا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمذاني ، نا القاسم بن الحكم قاضي همذان ، نا محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : طاعة الله اتباع كتابه ، وطاعة الرسول اتباع سنته ، وأولي الأمر منكم قال : العلماء حيث كانوا وأين كانوا .

أنا ابن الفضل القطان وعلي بن أحمد الرزاز ، قال القطان : أنا ، وقال الرزاز : نا عثمان بن أحمد الدقاق جعفر بن محمد الرزاز زاد الرزاز : أبو يحيى ثم اتفقا ، نا محمد بن حميد ، نا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : ( { وأولي الأمر منكم } ) قال : أولوا الفقه .

أنا ابن رزقويه ، أنا علي بن عبد الرحمن الكاتب ، نا إبراهيم بن عبد الله العبسي ، أنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن كعب شك الأعمش ، مثل حديث قبله عن مجاهد : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) يعني الفقهاء .

أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا الحسين بن عمر الضراب ، نا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، نا محمد بن عبد الله بن نمير ، نا وكيع ، نا الأعمش عن مجاهد : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : الفقهاء .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا دعلج بن أحمد ، أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، أن سعيد بن منصور حدثهم ، قال : أنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : ' هم الفقهاء والعلماء ' ( وأخبرني ) الجوهري ، أنا محمد بن محمد بن الجراح الخزاز ، نا أحمد بن عبد الله بن النيربي ، نا أبو سعيد الأشج ، نا تليد عن منصور عن مجاهد : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : الفقهاء . .

وقال أبو سعيد ، نا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد ، قال : أولى العلم والفقه .

أنا ابن الفضل ، أنا علج ، أنا محمد بن علي بن يزيد ، أن سعيد ابن منصور حدثهم ، قثنا إسماعيل بن زكريا ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : ' أولي الفقه والعلم '

أنا أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن هشام الفارسي ، نا أبي ، نا أحمد بن سهل الأشناني ، نا الحسين يعني ابن علي بن الأسود العجلي نا يحيى بن آدم ، نا مندل العنزي عن ليث عن مجاهد في قوله : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : أولي العلم والفقه .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا معاوية ابن عمرو عن أبي إسحاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن مجاهد : هم أولوا الفهم والعلم يعني : ( { أولي الأمر منكم } ) قال عبد الملك وكان عطاء يقول : هم أولوا الفقه والعلم وقال : طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة .

أخبرني الحسن بن أبي طالب ، نا عمر بن أحمد الواعظ ، نا نصر بن القاسم بن نصر ، نا إسحاق بن أبي إسرائيل ، نا عثام بن علي عن عبد الملك عن عطاء ، في قوله : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : أولوا الفقه وأولوا العلم ، وطاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة .

أخبرني مكي بن علي الجزيري ، حدثني أبو شاكر عثمان بن محمد البزاز ، نا أبو القاسم علي بن موسى الأنباري ، نا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، نا سعيد بن محمد عن عبد الملك عن عطاء في قوله : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال هم أهل العلم وأهل الفقه ، وطاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة . وقال علي بن موسى بن يعقوب الدورقي : نا هشيم ، أنا منصور عن الحسن ، في قوله : ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ) قال : العلماء والفقهاء .

تأويل قوله تعالى : ( { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } ) [11] انها الفقه

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، نا إدريس بن عبد الكريم المقري ، نا خلف بن هشام ، نا فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } ) قال : ليست بالنبوة ولكن الفقه والعلم .

أنا أحمد بن علي بن يزداد القارىء ، أنا عبد الله بن إبراهيم بن عبد الملك الأصبهاني بها ، نا محمد ابن علي الفرقدي ، نا إسماعيل بن عمرو ، نا جرير عن ليث عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { يؤتى الحكمة من يشاء } ) قال : ليست بالنبوة ولكن العلم والقرآن والفقه .

أنا علي بن الحسين بن محمد بن أبي عثمان الدقاق ، أنا علي بن محمد بن سعيد الرزاز ، نا أبو شعيب الحراني ، نا مروان بن عبيد ، نا فضل ، عن ليث عن مجاهد ، في قوله : ' يؤتي الحكمة من يشاء ' [12] قال ' العلم والفقه '

أنا ابن الفضل القطان ، أنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ، نا أحمد بن علي الخزاز ، نا فضيل ابن عبد الوهاب ، نا محمد بن يزيد عن جوبير عن الضحاك ، قال : القرآن والفقه فيه .

أخبرني الجوهري ، أنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، أنا عبد الرحمن بن محمد الزهري ، قال : سئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن قوله : ( { وآتيناه الكتاب والحكمة } ) [13] فقال : الحكمة فقه الشيء قيل له : الكتاب غير الحكمة ؟ فقال : لا يكون حكيماً حتى يعلم القرآن والفقه ، فإن علم أحدهما لا يقال له حكيم حتى يجمعهما ، معناه : يعلمهم الكتاب ويعلمهم معانيه .

ذكر الرواية ان الله يبعث يوم القيامة كل عبد على مرتبته التي مات عليها

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من مات على شيء بعثه الله عليه » .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن الحربي ، نا أبو نعيم ، نا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، عن النبي قال ﷺ : «يبعث الله كل عبد على ما مات عليه » .

أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ وأبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد ، قالا : أنا أحمد بن يوسف بن الخلال ، نا الحارث بن محمد التميمي ، نا أبو عبد الرحمن المقريء ، نا حيوة ، حدثني أبو هانىء حميد بن هاني الخولاني ، أن أبا علي الحبني حدثه : أنه سمع فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ، يحدث عن رسول الله أنه قال ﷺ : «من مات على مرتبة من هذه المراتب بعثه الله عليها يوم القيامة » .

أخبرني أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي ، نا عمر بن أحمد الواعظ ، نا أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني ، نا أحمد بن محمد بن يحيى الطلحي ، نا محمد بن الحسن عن هارون بن صالح الهمذاني عن الحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب ، قال : يحشر الناس يوم القيامة على أعمالهم ، إن كان زامراً حشر زامراً ، وإن كان مغنياً حشر مغنياً ، ولا يعرف العمال يوم القيامة إلا بالأعمال في أعناقهم .

ذكر الرواية ان الله تعالى لا يخلي الوقت من فقيه أو متفقه

أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله المخزومي ، نا الجراح ابن مليح الحمصي أبو عبد الرحمن ، نا بكر زرعة الخولاني عن أبي عنية الخولاني ، وكان ممن أكل الدم في الجاهلية وصلى القبلتين مع رسول الله : لا يزال الله تعالى يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعة أو يستعملهم بطاعته .

أخبرني علي بن يحيى بن جعفر الأصبهاني ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا يحيى بن عثمان بن صالح ، نا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي قال ﷺ : «لا يزال في هذه الأمة عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك » .

ذكر من ارتفع من العبيد بالفقه حتى جلس مجالس الملوك

أنا القاضي أبو القاسم التنوخي ، نا علي بن الحسن بن علي الرازي املاء ، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة المصيصي بالمصيصة ، نا يوسف بن سعيد بن مسلم ، نا عمرو بن حمزة القيسي ، نا صالح المري عن الحسن عن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «أن الحكمة لتزيد الشريف شرفا ، وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك » .

أنا الحسن بن محمد عبد الله بن حسنويه ، نا أحمد بن جعفر بن معبد السمسار ، نا أبو سليم محمد بن حميد ، نا القاسم بن محمد ، نا العلاء بن عمرو الحنفي ، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، نا أبو خلدة عن أبي العالية ، قال : كنت آتي ابن عباس وهو على سريره وحوله قريش فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير فيغامزني قريش ، ففطن لهم ابن عباس فقال : كذاك هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ويجلس المملوك على الأسرة .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، نا محمد بن العباس الخزاز ، أنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب ، قال : قال أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي : كان عطاء بن أبي رباح عبداً أسود لإمرأة من أهل مكة وكان أنفه كأنه باقلاة ، قال : وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وإبناه فجلسوا إليه وهو يصلي ، فلما صلى انفتل إليهم فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه : قوما فقاما ، وقا : يا ابني لاتنيا في طلب العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود .

قال أبو إسحاق وكان محمد بن عبد الرحمن الأوقص عنقه داخل في بدنه ، وكان منكباه خارجين كأنهما زوجان فقالت له أمه : يا بني لا تكون في قوم إلا كنت المضحوك منه المسخور به فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك ، قال : فطلب العلم ، قال : فولي قضاء مكة عشرين سنة ، وكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم ، قال ومرت به امرأة يوماً وهو يقول : اللهم اعتق رقبتي من النار قال فقالت له : يا ابن أخي فأي رقبة لك ؟

أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، أنا محمد بن العباس ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : كان الأوقص قصيراً ذميماً قبيحاً قال : فقالت لي أمي وكانت عاقلة : يا بني انك خلقت خلقة لا تصلح لمعاشرة الفتيان فعليك بالدين فإنه يتم النقيصة ويرفع الخسيسة ، فنفعني الله بقولها وتعلمت الفقه فصرت قاضياً .

أنا أبو محمد الجوهري ، أنا محمد بن عمران المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى ، نا محمد بن القاسم ابن خلاد ، قال : يقال : لا خسيسة في الإسلام الفضل في الدين والتقوى ، وإذا اجتمع إلى ذلك الشرف فذاك التام الكامل .

ذكر أحاديث وأخبار شتى يدل جميعها على جلالة الفقه والفقهاء

أنا أبو بشر محمد بن السري الوكيل ، نا محمد بن المظفر الحافظ ، نا أحمد بن إسحاق بن البهلول ، حدثني أبي ، حدثني الهيثم بن موسى المروزي ( وأنا ) الحسن بن علي الجوهري ، أنا علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق ، نا عبد الله بن ناجية ، حدثني إسحاق بن بهلول ، نا الهيثم بن موسى المروزي ، نا عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ، نا إسرائيل ، وفي حديث أبي بشر عن عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، قال : قال : رسول الله ﷺ : «الأنبياء قادة والفقهاء سادة ، ومجالستهم زيادة » .

أنا الحسين بن عمر الغزال وعبد الله بن يحيى السكري ، قالا : أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا عباس بن عبد الله الترقفي ، نا أبو عبد الرحمن القري ، نا سعيد يعني ابن أبي أيوب عن عبد الله بن الوليد عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبيه ، قال : كان عبد الله بن مسعود يقول : المتقون سادة والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .

أخبرني أبو الفرج الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري ، نا عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي ، نا علي بن الفضل بن طاهر البلخي ، نا عبد الصمد بن الفضل ، ان جعفر بن محمد العدني حدثهم عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : من آذى فقيهاً فقد آذى الرسول ، ومن آذى الرسول فقد آذى الله عز وجل .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، نا الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، أنا سليمان بن أبي الأشج ، نا محمد بن الحجاج اللخمي ، أن زياداً خطب الناس بالكوفة ، فقال : إني بت ليلتي هذه مهتماً بثلاثة ، بذي الشرف وذي العلم وذي السن ، والله لا أوتي برجل رد على ذي علم ليضع بذلك علمه إلا عاقبته ، ولا أوتي برجل رد على ذي شيبة ليضعه بذلك إلا عاقبته ، إنما الناس بأعلامهم وعلمائهم وذوي أسنانهم .

أنا علي بن محمد بن عبد الله ، أنا إسماعيل الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر عن أبي هارون ، قال : كنا حيناً ندخل على أبي سعيد فيقول مرحباً بوصية رسول الله قال ﷺ : «انه سيأتيكم قوم من الآفاق يتفقهون فاستوصوا بهم خيراً » .

أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الطرفي المعدل بالكرخ ، نا عمر بن إبراهيم بن مردويه الكرخي ، نا ابن جعفر النجيرمي ، نا أحمد بن سعيد الثقفي ، نا أبو روح الهيثم بن برزخ ، نا إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إن لكل أمة رهبانية ، وإن رهبانية أمتي الجماعات والجمعات وتعليم بعضهم بعضاً شرائع الدين » .

أنا عبد الغفار بن محمد المؤدب ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن عمر بن سعيد الطالقاني ، نا عمار بن عبد الحميد ، نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون عن سمعان بن المهدي عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أفضل العلم الذي يحتاج إليه الناس » .

قلت : وأعظم ما بالناس الحاجة إليه من العلوم الفقه فلا علم أفضل منه .

أنا أبو القاسم : علي بن محمد بن عيسى البزار ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري ، نا حسين بن حميد العكي ، نا محمد بن رمح ، عن رجل ، عن سفيان ، عن زبيد اليامي ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسمل : ' الإيمانُ عُرْيانٌ ، ولِبَاسُهُ التَّقْوَى ، وزينَتُهُ الحَيَاءُ ، ومَالُهُ الفِقْهُ ، وثَمَرَتُه العِلْم )

أخبرنا عبد الوهاب بن الحسين بن عمر الغزال ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت الدقاق العكبري ، حدثنا محمد بن صالح بن ذريح ، نا أحمد بن بديل ، نا عمرو بن حميد ، نا يحيى ابن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الزعراء عن عبد الله ، قال : الإيمان عريان فلباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وكنزه التفقه .

أنا التنوخي ، نا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص وأبو بكر أحمد بن عبد الله البدري ، قالا : نا أحمد بن سليمان الطوسي ، نا الزبير بن بكار ، قال : حدثني رجل عن قيس بن حفص الديربي ، قال : حدثني مسعود بن سليم ( وأنا ) أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، نا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري ، نا محمد بن الحسن بن دريد ، نا أبو حاتم عن العتبي عن أبيه ، قال : ابتنى معاوية بالأبطح مجلساً فجلس عليه ومعه إبنه قرظة فإذا هو بجماعة على رحال لهم وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى :

من يساجلني يساجل ماجدا …….. اخضر الجلدة في بيت العرب

قال : من هذا قالوا : عبد الله بن جعفر قال خلّوا له الطريق : فليذهب ، ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى :

بينما يذكرنني أبصرنني……….. عند قيد الميل يسعى بي الأغر

قلن تعرفن الفتى قلن نعم……….. قد عرفناه وهل يخفى القمر

قال : من هذا قالوا : عمر بن أبي ربيعة وفي حديث التنوخي عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قال خلّوا له الطريق فليذهب قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل فقال الجازري : رجل منهم يسأل فيقال له رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بن عمر فالتفت إلى ابنه قرظة فقال : هذا وأبيك الشرف هذا والله شرف الدنيا وشرف الآخرة .

أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا عبد القدوس بن بكر بن خنيس وكان من خيار الناس ، نا ضرار بن عمرو ، قال عبد القدوس : لقيته بملطية ، وكان يقال : من أطول الناس حزناً وأطولهم بكاء عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال : أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد ، قال : فأما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا على ما جاءت به الرسل .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن محمد بن جعفر ، نا أحمد بن القاسم بن عطية ، نا الدامغاني ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : تدرون ما مثل الجهل والعلم مثل دار الكفر ودار الإسلام ، فإن ترك أهل الإسلام الجهاد ، جاء أهل الكفر فأخذوا الإسلام ، وإن ترك الناس العلم صار الناس جهالا .

أنا أبو محمد الجوهري ، أنا علي بن الحسن بن علي الرازي ، نا محمد بن القاسم الأنباري ، أنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي ، قال : قال سفيان بن عيينة : أرفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء .

وأخبرنا الجوهري ، أنا أبو عبد الله المرزباني ، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : قال ابن عيينة : أعظم الناس منزلة من كان بين الله وبين خلقه الأنبياء والعلماء .

نا عبد العزيز بن علي الأزجي لفظاً ، قال : أجاز لي أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد ( وحدثني ) علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني عنه ، نا محمد بن الحسن بن الصباح ، قال : قال سهل يعني ابن عبد الله التستري : من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء يجيىء الرجل فيقول : يا فلان أي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول طلقت امرأته ، ويجيىء آخر فيقول : ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول ليس يحنث بهذا القول وليس هذا إلا لنبي أو لعالم فاعرفوا لهم ذلك .

أنا أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي ، نا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، نا عبد الله بن علي بن الحسين ، نا أحمد بن الصلت ، نا الفضل بن دكين ، قال : سمعت أبا حنيفة يقول : إن لم يكن أولياء الله في الدنيا والآخرة الفقهاء والعلماء فليس لله ولي .

أنا أبو القاسم رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري ، قال : سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الحافظ بهمذان ، يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي ، يقول : سمعت أبا بكر الحسن بن علي بن دانيار ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله ولي .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، نا أبو الحسن بن أحمد الصيرفي ، قال : وثنا النيسابوري وهو عبد الله بن محمد بن زياد ، قال : سمعت المزني ( ونا ) أبو طالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري لفظاً بحلوان ، نا أبو عمرويه محمد بن جعفر النصيبي بجرجان ، نا عبد الله بن أبي سفيان بالموصل قال : سمعت المزني يقول سمعت الشافعي يقول : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن نظر في الفقه نبل مقداره ، ومن تعلم اللغة وقال الدسكري : ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب وقال الأزهري : ومن تعلم الحساب تجزل رأيه ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه .

أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، أنا إسماعيل بن نجيد السلمي ، نا جعفر ابن محمد بن سوار ، أنا قتيبة ، نا مالك ، قال : بلغني أن عيسى بن مريم قال : سيأتي قوم فقهاء علماء كأنهم من الفقه أنبياء .

أنا الحسن بن أبي بكر وعبد الملك بن محمد الواعظ ، قالا : أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ( وأنا ) محمد بن عمر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، قال : أنا عبد الله بن روح المدائني ، نا شبابة زاد أبو سهل : ابن سوار ثم اتفقا ، نا أبو زيد ، نا بسر بن عبيد الله زاد الشافعي : الحضرمي ثم اتفقا عن أبي إدريس الخولاني ، قال : كان أبو الدرداء يقول : وما نحن لولا كلمات الفقهاء .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا حنبل بن إسحاق ، قال : حدثني أبو عبد الله ، نا محمد بن فضيل ، نا أبي عن سماك عن إبراهيم عن علقمة ، انه قال لأصحابه : امشوا بنا نزداد إيمانا يعني تفقهاً .

( وقال ) حنبل حدثنا محمد بن الأصبهاني ، أنا محمد بن فضيل عن أبيه عن شباك عن إبراهيم عن علقمه ، انه كان يقول لأصحابه : امشوا بنا نزداد إيماناً يعني يتفقهون .

أنا الحسين بن عمر الغزال وعبد الله بن يحيى السكري ، قالا : أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا عباس بن عبد الله الترقفي ، نا أبو عبد الرحمن المقري ، نا كهمس بن الحسن عن عباس الجريري عن الحسن بن أبي الحسن ، انه قال : ان من الصدقة أن تسمع بالفقه فتحدث .

أنا أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق بن محمد بن البختري المادارايي ، أنا أحمد بن حازم ، أنا علي بن قادم ( وأخبرني ) أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري ، أنا أحمد بن الفرج بن منصور ، نا أبو عيسى محمد بن علي ، نا أحمد بن أبي عذرة ، نا علي بن قادم ، نا الربيع بن سهل زاد المادارايي : الفزاري ثم اتفقا عن جويبر عن الضحاك ، قال : قال علي : إنما مثل الفقهاء كمثل الأنف ، إذا قطعت أنف لم تعد مثلها .

أنا محمد بن أبي نصر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق ابن إبراهيم المروزي ، نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد ، سمع أبا عمرو الشيباني يقول : سمعت ابن مسعود يقول : إنها قبضات فإذا مات عالم ذهبت قبضة .

وقال إسحاق : نا حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : هل تدرون كيف ينقص الإسلام ؟ قال ، قالوا : لا ، فقال : كما ينقص صبغ الثوب وكما ينقص سمن الدابة وكما يقسو الدرهم عن طول المكث أن ذلك منه وأكثر من ذاك موت العلماء أو قال ذهاب العلماء .

أنا علي بن أحمد بن محمد الرزاز ، أنا حامد بن محمد بن عبد الله الهروي ، أنا محمد بن صالح الأشج ، نا يحيى بن نصر بن حاجب ، نا هلال بن خباب ، قال : قلت لسعيد بن جبير : يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا هلك فقهاءهم هلكوا .

أنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حمويه بن أبرك الهمذاني بها ، أنا أبو أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الشيرازي ، أنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن إسحاق السمرقندي ، نا أبو عبد الرحمن عبد الله بن قعود ، نا إبراهيم بن سفر ، نا أبو محمد عبد الله بن نمر ، قال : سمعت عبد الله بن عثمان يقول : سمعت محمد بن الحسن مراراً يقول : إذا أفنى الرجل قوته وشبيبته في الحسابات فإذا بلغ منها الغاية القصوى في نفسه فوجهها المساحة والقسمة ونحوهما وقد كرهها بعص الفقهاء .

بلغنا أن سعيد بن المسيب قال : الذي يمسح للناس وأخذ عليها أجراً انه لغير طائل . قال محمد وأما نحن فلا نرى بأساً أن يؤدي فيه الأمانة ويأخذ عليها الأجر وأن أفنى أيامه وقوته وحفظه في طلب الشعر ، فإذا بلغ فيه الغاية القصوى في نفسه فقصاراه أن يصير شاعراً يطري من يعطيه شيئاً أو يكرمه .

بلغنا أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يضربان عل الهجاء ضرباً شديداً ويحبسان ، وبلغنا أن رسول الله قال ﷺ : «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة شاعر يهجو قبيلة بأسرها »

فهو أبداً حريص مستعط ذليل وما عليه من التبعة في العاقبة أشد وأدهى ، وأن أفنى أيامه في النحو والعويص من الكلام فقصاراه أن يصير مؤدباً يؤدب أولاد الملوك فهو أبداً في المعاذير والمداراة والبلاء ، فربما أصاب من خيرهم ، وربما طرد وحرم ، فإن معاشرتهم شديدة . وإن أفنى أيامه في أحاديث السمر والمغازي وأيام العرب والأنساب ونحو ذلك فإذا بلغ منه الغاية القصوى في نفسه فقصاراه أن ينضم إلى بعض الملوك فيسامره ويؤاتيه على أمره ويساعده على ما أراد طمعاً منه ، فما يحرم من دينه أكثر مما عسى أن يصيب من دنياه . وأن أفنى أيامه في هذه الخطب والرسائل وأشباه ذلك فقصاراه أن يصير خطيباً ، وقد بلغنا أن رسول الله قال ﷺ : «ما من خطيب يخطب إلا عرضت عليه يوم القيامة ما أراد بها ما عند الناس » ، وكان سفيان يقول الكلمة خطبة .

قال محمد بن الحسن : ولكن من وفق لهذا العلم الذي فيه الحلال والحرام ، والفرائض والحدود والأحكام ومعالم الدين كلها ، فطلبه في شبيبته قبل تراكم الأشغال عليه فأدرك منه حظاً ، فإن أراد به الآخرة ووفق فيه للخير والصدق أدرك به الدنيا والآخرة إن شاء الله ، وكان مكرماً محموداً عزيزاً منيعاً شريفاً بعيد الصوت مطاعاً في الناس ، وإن أراد به الدنيا ولم يوفق فيه للخير والصيانة وظلف النفس وإلجامها عن هواها لم يستغن عنه الناس ، فإنه ليس في الدنيا خلق يستغنى عن العلم إلا من رضي بالجهالة والخسارة ، فإذا لم يكن لهم غنية يعني عنه فلا بد لهم من إكرامه ومعرفة حقه .

أنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري ، قال : سمعت أبا سعيد الشحام ، يقول : رأيت أبا الطيب سهلا الصعلوكي في المنام ، فقلت : أيها الشيخ فقال : دع التشيخ ، فقلت : وتلك الأحوال التي شاهدتها ؟ فقال لي : لم تغن عنا فقلت ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بمسائل كانت يسأل عنها العجز .

آخر الجزء الأول من أصل الشيخ يتلوه إن شاء الله ، ذكر ما روي : أن من إدبار الدين ذهاب الفقهاء . والحمد لله حق حمده ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي ، وعلى آله وسلم تسليما ، وحسبي الله وحده .

وفرغ من كتبه عبد العزيز بن علي يوم الأربعاء بعد العصر ، في ربيع الآخر سنة ( 459 ) تسع وخمسين وأربعمائة ، والحمد لله وحده .

هامش

[ البقرة : 129 ]

[ آل عمران : 97 ]

[ التوبة : 221 ]

[ الأنبياء : 7 ]

[ النساء : 38 ]

[ النساء : 95 ]

[ فاطر : 82 ]

[ آل عمران ]

[ الكهف : 82 ]

[ آل عمران : 97 ]

[ النساء : 95 ]

[ البقرة : 269 ]

[ البقرة : 269 ]

=====

الفقيه والمتفقه

الجزءالثاني

الخطيب البغدادي الجزءالثالث

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الثاني

ذكر ما روي أن من إدبار الدين ذهاب الفقهاء

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، نا عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم ، أنا الحارث بن محمد التميمي ، نا يزيد بن هارون ، أنا محمد بن عبيد الله الفزاري ، نا عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي إمامة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أن لكل شيء إقبالاً وإدباراً ، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله له حتى أن القبيلة لتتفقه من عند أسرها أو آخرها حتى ما يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان فهما مقهوران مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا ثم ذكر إن من ادبار هذا الدين أن تحفو القبيلة من عند أسرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان فهما مقهوران مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا . وقيل أتطغيان علينا أتطغيان علينا حتى تشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم » . وذكر بقية الحديث .

أنا أبو عبد الله شعيب بن إبراهيم بن محمد الأديب بالدينور ، نا جبريل بن محمد بن إسماعيل العدل بهمذان ، نا محمد بن عبد الله بن عامر السمرقندي ، نا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، نا عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي عن حبان بن جبلة كذا قال شعيب إنما هو حبان بن أبي جبلة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا أراد الله بقوم خيراً أكثر فقهاءهم وقلل جهالهم حتى إذا تكلم العالم وجد أعواناً وإذا تكلم الجاهل قهر ، وإذا أراد الله بقوم شراً أكثر جهالهم وقلل فقهاءهم حتى إذا تكلم الجاهل وجد أعواناً وإذا تكلم الفقيه قهر » .

أنا عبد الغفار بن محمد المؤدب ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن عمر بن سعيد الطالقاني ، نا عمار بن عبد المجيد ، نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون عن سمعان بن المهدي عن أنس ، قال : قال رسول الله : «ارحموا ثلاثة : غني قوم قد افتقر ، وعزيز قوم قد ذل ، وفقيهاً يتلاعب به الجهال » .

أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، نا محمد بن حمير عن إسماعيل يعني ابن عياش قال ( وحدثني ) طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ) [1] قال ذهاب فقهائها وخيار أهلها .

أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد الدمشقي ، بها أخبرني جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي ،أنا محمد بن يوسف بن بشر الهروي ، أنا محمد بن حماد الطهراني ، أنا عبد الرزاق ، أنا الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { ننقصها من أطرافها } ) قال : موت علمائها وفقهائها .

أنا محمد بن أبي نصر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبد الوهاب الثقفي ، نا أيوب عن أبي قلابة عن ابن مسعود ، قال : عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب بأصحابه ، عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه أو يفتقر إلى ما عنده ، وإنكم ستجدون أقواماً يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والتبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالعتيق .

وجوب التفقه في الدين على كافة المسلمين

أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد الجنابي ، أنا عبد الله بن أحمد بن الصديق المروزي ، نا أبو رجاء محمد بن حمدويه ، نا محمد بن عبيدة يعني النافقاني نا الصباح بن موسى عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مؤمن أن يعرف الصوم والصلاة والحرام والحدود والأحكام » .

أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، قالا : نا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، نا محمد بن الحسن بن حفص ، نا عباد بن يعقوب ، أنا عيسى بن عبد الله العلوي زاد التنوخي أبو الطاهر ثم اتفقا قال أخبرني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ، عن النبي قال ﷺ : «طلب الفقه فريضة على كل مسلم » .

حدثني أبو رجاء هبة الله بن محمد بن علي الشيرازي ، أنا الفضل بن عبيد الله الأردستاني ، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا محمد بن عمر بن يزيد الزهري أخورسته ، أنا محمد بن أبان ، نا معلى يعني ابن هلال عن حميد عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي قال ﷺ : «التفقه في الدين حق على كل مسلم » .

أخبرني محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف ، نا أبو القاسم الغازي الحسن بن جعفر الصوفي ، نا أبو بكر محمد بن حمدون الضرير الجرجاني بجرجان ، نا محمد بن عمر بن العلاء ، نا بشر بن الوليد الكندي ، نا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن حميد عن أنس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «طلب الفقه فريضة على كل مسلم » .

وقال بعض أهل العلم إنما عنى رسول الله بهذا القول ، علم التوحيد وما يكون العامل به مؤمناً وأن العلم بذلك فريضة على كل مسلم ولا يسع أحداً جهله إذ كان وجوبه على العموم دون الخصوص .

وقيل : معناه أن طلب العلم فريضة على كل مسلم إذا لم يقم بطلبه من كل سقع وناحية من فيه الكفاية . وهذاالقول يروى عن سفيان بن عيينة .

أنا أبو مسلم جعفر بن باي الفقيه الجيلي ، نا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف الأسدي الأصبهاني ، نا القاضي عمرو بن عثمان أبو سهل ، قال : سمعت أبا الفضل جعفر بن عامر البزار ، قال : سمعت مجاهد بن موسى في حديث النبي ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » قال : كنا عند ابن عيينة فجرى ذكر هذا الحديث فقال ابن عيينة ليس على كل المسلمين فريضة إذا طلب بعضهم أجزأ عن بعض ، مثل الجنازة إذا قام بها بعضهم أجزأ عن بعض ، ونحو ذلك .

قلت : والذي أراد ابن عيينة معرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بفروع الدين ، فأما الأصول التي هي معرفة الله سبحانه وتوحيده وصفاته وصدق رسله فمما يجب على كل أحد معرفته ولا يصح أن ينوب فيه بعض المسلمين عن بعض .

وقيل : معنى قوله عليه السلام : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » أن على كل أحد فرضاً أن يتعلم ما لا يسعه جهله من علم حاله .

وقد بين ذلك عبد الله بن المبارك فقال فيما أنبأنا محمد بن أبي نصر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق ابن إبراهيم المروزي ، نا حسن بن الربيع ، قال : سألت ابن المبارك فقلت ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » أي شيء تفسيره ؟ قال : ليس هو الذي تطلبون ، إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه يسأل عنه حتى يعلمه .

أنا أبو بكر محمد بن عمر بن بكير المقرىء النجار ، نا يحيى بن شبل بن العباس الحنيني ، نا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ، نا أبو همام ، نا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سألت عبد الله بن المبارك : ماالذي يجب على الناس من تعلم العلم ؟ قال : أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم يسأل ويتعلم فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم وفسره ، قال : لو أن رجلاً ليس له مال لم يكن عليه واجباً أن يتعلم الزكاة فإذا كان له مائتا درهم وجب عليه أن يتعلم كم يخرج ومتى يخرج وأين يضع وسائر الأشياء على هذا انتهى .

قلت : وهكذا روي عن علي بن أبي طالب انه أمر تاجراً بالتفقه قبل التجارة .

أخبرني بذلك الحسن بن أبي طالب ، نا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، نا علي بن محمد بن كاس ، نا الحسن بن علي العلوي ، نا نصر بن مزاحم المنقري ، نا أبو خالد الواسطي عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ، انه جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أريد أن أتجر ، فقال له : الفقه قبل التجارة انه من تجر قبل أن يفقه ارتطم في الرباء ثم ارتطم .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي ، نا عبد الله بن محمد بن زياد ، نا يونس بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب عن مالك وذكر العلم ، فقال : ان العلم لحسن ، ولكن أنظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي ، ومن حين تمسي إلى حين تصبح ، فالزمه ولا تؤثر عليه شيئاً .

أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا أبو محمد إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن الرجل يجب عليه طلب العلم ؟ فقال : إماماً يقيم به الصلاة وأمر دينه من الصوم والزكاة وذكر شرائع الإسلام قال : ينبغي له أن يعلم ذلك .

قلت فواجب على كل أحد طلب ما تلزمه معرفته مما فرض الله عليه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه ، وكل مسلم بالغ عاقل من ذكر وأنثى حر وعبد تلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضاً فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك .

وهكذا يجب على كل مسلم أن يعرف ما يحل له وما يحرم عليه من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأموال فجميع هذا لا يسع أحداً جهله وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك حتى يبلغوا الحلم وهم مسلمون أو حين يسلمون بعد بلوغ الحلم ، ويجبر الإمام أزواج النساء وسادات الإماء على تعليمهن ما ذكرنا ، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك ويرتب أقواماً لتعليم الجهال ويفرض لهم الرزق في بيت المال ، ويجب على العلماء تعليم الجاهل ليتميز له الحق من الباطل .

أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو حمزة المروزي محمد بن إبراهيم نا علي بن الحسن ، نا خارجة بن مصعب ، نا محمد بن عمر العبدي ، عن رجل سماه عن علي بن أبي طالب قال : ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب العلم حتى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل .

ما جاء في تعليم الرجال أولادهم ونساءهم والسادات عبيدهم وإماءهم

أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا داود بن محمد بن صالح أبو الفوارس المروذي النحوي بمصر ، نا زكريا بن يحيى الخزاز ، نا إسماعيل بن عباد أبو محمد الزماني ، نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » ، فالأمير راع على الناس ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهله ومسؤول عن زوجته وما ملكت يمينه .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن هشام بن ملاس النميري ، نا حرملة بن عبد العزيز الجهني بالمروة الصغرى بالحجاز ، حدثني عمي عبد الملك بن ربيع عن أبيه عن جده ، عن رسول الله قال ﷺ : «مروا الصبي بالصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر » .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا دعلج بن أحمد ، نا موسى بن هارون ، نا أبي ، نا يعلى بن عبيد ، نا الحاطبي عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول لرجل : أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ما علمته ، وهو مسؤول عن برك وطاعته لك .

أنا أبو الحسن محمد بن عمر بن عيسى بن يحيى البلدي ، أنا محمد بن العباس بن الفضل الحناط بالموصل ، نا محمد بن أحمد بن أبي المثنى ، نا قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن منصور عن رجل ، عن علي : ( { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } ) [2] : علموهم أدبوهم .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو النعمان ويحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يجعل الكبل في رجلي على تعليم القرآن والفقه ، قال أبو النعمان على تعليم القرآن والسنة .

أنا أبو سعيد الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن علي الوراق ، نا عبيد الله بن موسى نا أبو سعد البقال عن أنس ، ان امرأة أتت النبي فقالت : يا رسول الله المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ؟ قال ﷺ : «إذا كان منها ما يكون من الرجال فلتغتسل » ، فقالت عائشة : فضحت النساء قال رسول الله ﷺ : «مهلاً يا عائشة لا تمنعي نساء الأنصار يتعلمن الفقه » .

أنا أبو محمد الجوهري وأبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قالا أنا محمد بن زيد بن علي ابن مروان الكوفي نا عبد الله بن ناجية نا أبو همام نا عبد الرحيم بن سليمان نا أبو سعد البقال عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «حم الله نساء الأنصار يتفقهن في الدين » .

ذكر ضرب النبي المثل في مراتب من تفقه في الدين

أنا أنا أبو بكر البرقاني نا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي لفظاً أنا الحسن بن سفيان نا عبد الله بن براد الأشعري قال الإسماعيلي وأخبرني أبو يعلى يعني الموصلي نا أبو كريب قال وأنا القاسم بن زكريا نا أبو كريب وإبراهيم الجوهري ويوسف المسروفي وقاسم بن دينار قالوا نا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال ﷺ : «إن مثل ما آتاني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً كان منها طائفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها الحسن رضي الله عنه : «أجادب » ولم يضبط أبو يعلى وأبو القاسم هذا الحرف أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وطائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعمل كذا قال أبو يعلى وحده ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .

وقال أبو يعلى رضي الله عنه : «وأحادب » وقال الحسن والقاسم : «فعلم وعلم » ، قد جمع رسول الله في هذا الحديث مراتب الفقهاء والمتفقهين من غير أن يشذ منها شيء .

فالأرض الطيبة هي مثل الفقيه الضابط لما روي الفاهم للمعاني المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة . والأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس هي مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت فقط وضبطته وأمسكته حتى دته إلى غيرها محفوظاً غير مغير دون أن يكون لها فقه تنصرف فيه ولا فهم بالرد المذكور وكيفيته لكن نفع الله بها في التبليغ فبلغت إلى من لعله أوعى منها كما قال رسول الله ﷺ : «رب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ، ومن لم يحفظ ما سمع ولا ضبط فليس مثل الأرض الطيبة ولا مثل الأجادب بل هو محروم ومثله مثل القيعان التي لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء » . وقد قال الله سبحانه : : ( { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ) [3] وقال : ( { أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } ) [4] وشبه التارك للعلم رغبة عنه واستهانة به وتكذيباً له بالكلب فقال تعالى : : ( { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } ) [5] إلى أن قال : : ( { فمثله كمثل الكلب } ) [6] إلى آخر الآية .

ذكر تقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحوال الناس في طلب العلم وتركه

أنا محمد بن الحسين بن الأزرق المتوثى أنا أبو سهل أحمد بن محمد ابن عبد الله بن زياد القطان نا أبو بكر موسى بن إسحاق الأنصاري . ( وأنا ) أبو القاسم عبد الرحمان بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن الحسين الحربي وأبو نعيم الحافظ قالا : نا حبيب بن الحسين بن داود القزاز نا موسى بن إسحاق نا أبو نعيم ضرار بن صرد نا عاصم بن حميد الحناط عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري عن كميل بن زياد النخعي قال : أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبانة فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال : يا كميل بن زياد إحفظ ما أقول لك ، القلوب أوعية خيرها أوعاها الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق . العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم حاكم والمال محكوم عليه . وصنيفة المال تزول بزواله ، ومحبة العالم دين يدان بها يكسبه الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد موته مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة . ها أن هاهنا واومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حمله بنى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه ، أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه يتقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لاذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذات سلس القياد للشهوات ، أو مغرى بجمع الأموال والادخار ليس من دعاة الدين أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن نخلو الأرض من قائم لله بحججه لكي لا تبطل حجج الله وبيناته . أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً ، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصاحب الدنيا بأيدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى هاه شوقاً إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم .

هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظاً وتقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الناس في أوله تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقام الثلاثة التي ذكرها مع كمال العقل وإزاحة العلل ، أما إن يكون عالماً أو متعلماً أو مغفلاً للعلم وطلبه ليس بعالم ولا بطالب له .

فالعالم الرباني هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل ، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد ، وقد دخل في الوصف له بانه رباني وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله ويمنع وصفه بما خالفها . ومعنى الرباني في اللغة : الرفيع الدرجة في العلم ، العالي المنزلة فيه ، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى : ( { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } ) [7] وقوله تعالى : ( { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ) [8] .

أنا أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن هشام الفارسي نا أبي نا محمد بن علي بن الحسين نا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن عيينة .

( وأنا ) أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن أحمد المصري بمكة نا أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي نا محمد بن إبراهيم الدبيلي نا أبو عبد الله سعيد بن عبد الرحمان المخزومي نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الربانيون : الفقهاء ، وهم فوق الأحبار .

أنا القاضي أبو بكر الحيري أنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوس نا عبد الرحيم بن منيب نا الفضيل يعني ابن عياض عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( { كونوا ربانيين } ) قال : حكماء فقهاء .

أنا ابن الفضل القطان أنا دعلج بن أحمد أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ . أن سعيد بن منصور حدثهم قال نا جرير عن منصور عن أبي رزين في قوله : ( { كونوا ربانيين } ) قال : فقهاء علماء .

قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أبي عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد قال : سألت ثعلباً عن هذا الحرف : «رباني » فقال : سألت ابن الاعرابي فقال : إذا كان الرجل عالماً عاملاً معلماً قيل له هذا رباني ، فإن حرم عن خصلة منها لم يقل له رباني

وبلغني عن أبي بكربن الأنباري عن النحويين أن ( الربانييي ) منسوبون إلى الرب تعالى وأن الألف والنون زيدتا للمبالغة في النسب كما تقول لحياني جبهاني إذا كان عظيم اللحية والجبهة .

وأما المتعلم على سبيل ألنجاة فهو الطالب بتعلمه ، والقاصد به نجاته من التفريط في تضييع الفروض الواجبة عليه والرغبة بنفسه عن اهمالها واطراحها والأنفة من مجالسة البهائم ، وقد نفي بعض المتقدمين عن الناس من لم يكن من أهل العلم .

وأما القسم الثالث فهم المهملون لانفسهم الراضون بالمنزلة الدنية والحال الخسيسة التي هي في الحضيض الأوهد والهبوط الأسفل التي لا بعدها في هول ولا دونها في السقوط ، نعرذ بالله من الخذلان وعدم التوفيق والحرمان وما أحسن ما شبههم الإمام علي بالهمج الرعاع ، والهمج الرعاع به يشبه دناة الناس وأراذلهم والرعاع المتبدد المتفرق . والناعق الصائح وهو في هذا الموضع الراعي يقال : نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها ، ومنه قوله تعالى : ( { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } ) [9] .

أنا القاضي أبو القاسم التنوخي نا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون الهاشمي نا أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري قال قرأنا على أبي العباس أحمد بن يحيى لابي الأسود الدؤلي :

العلم زين وتشريف لصاحبه ......... فاطلب هديت فنون العلم والأدباء

لا خير فيمن له أصل بلا أدب ......... حتى يكون على مازانه حدبا

كم من كريم أخي عي وطمطمة ......... فدم لدى القوم معروف إذا انتسبا

في بيت مكرمة اباؤه نجب ......... كانوا الرؤس فامسى بعدهم ذنبا

وخامل مقرف الأباء ذي أدب ......... نال المعالي بالآداب والرتبا

امسى عزيزاً عظيم الشأن مشتهراً ......... في حده صعر قد ظل محتجبا

العلم كنز وذخر لانفادله ......... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا

قد يجمع المرء مالا ثم يحرمه ......... عما قليل فيلقى الذل والحربا

وجامع العلم مغبوط به ابدا ......... ولا يحاذر منه الفوت والسلبا

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ......... لا تعدلن به درا ولا ذهبا

حدثني العلاء بن حزم الأندلسي قال أنا محمد بن الحسين بن بقاء البصري أنا جدي عبد الغني بن سعيد قال سمعت أبا العباس عبد الله بن عثمان الحكيمي الفقيه يقول : سمعت أبا جعفر أحمد بن محمد بن سلامة يقول كنت عند أحمد بن أبي عمران فمر بنا رجل من بني الدنيا فنظرت إليه وشغلت به عما كنت فيه معه من المذاكرة فقال لي كأني بك قد فكرت فيما أعطي هذا الرجل من الدنيا فقلت له : نعم ، فقال : هل أدلك على خلة ؟ هل لك أن يحول الله إليك ما عنده من المال ويحول إليه ما عندك من العلم فتعيش أنت غنيا جاهلاً ويعيش هو عالماً فقيراً ؟ فقلت ما أختار أن يحول الله ما عندك من العلم إلى ما عنده على هذا .

باب بيان الفقه

أنا أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد النخاس بحلب نا الحسين بن علي ابن عبيد الله الأسامي نا موسى بن القاسم بن موسى بن الأشيب القاضي قال قال ثعلب أحمد بن يحيى النحوي : يقال فَقِهَ الرجلُ : إذا كَمَلَ ، وفَقِهَ : إذا شَدَا شيئاً من الفِقْهِ .

أناأبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر نا أبو عمر محمد بن عباس الخزاز أنا عبيد الله بن عبد الرحمان السكري عن أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قال : الفقه في اللغة الفهم ، يقال فلان لا يفقه قولي . قال الله تعالى : ( { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ) [10] أي لا تفهمونه ثم يقال للعلم الفقه لأنه عن الفهم يكون وللعالم فقيه لأنه إنما يعلم بفهمه على مذهب العرب في تسمية الشيء بماكان له سبباً . .

أخبرني علي بن أحمد الرزاز نا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقريء قال سمعت أبا العباس ثعلباً وقد سئل عن قول الله تعالى : ( { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيراً } ) [11] قال : الفهم .

أنا علي بن أبي علي البصري أنا إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن سويد المعدل قال : قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري : قولهم رجل فقيه معناه عالم ، وكل عالم بشيء فهو فقيه فيه من ذلك قولهم ما يفقه ولا ينقه معناه ما يعلم ولا يفهم ، يقال : نقهت الحديث أنقهه إذا فهمته ، ونقهت من المرض أنقه . ومن الفقه قولهم قال فقيه العرب : معناه عالم العرب فمن ذلك قوله تعالى : : ( { ليتفقهوا في الدين } ) [12] معناه ليكونوا علماء .

أنا الحسن بن أبي بكر أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقري النقاش نا محمد بن علي الصائغ نا محمد بن معاوية نا ابن لهيعة نا عطاء هو ابن دينار عن سعيد بن جبير ، وسئل عن الفقه في الدين قال : العلم بأمر الله وما نهى الله عنه وما أمر من العلم بسنّة نبي الله والمحافظة على ما علمت فذلك الفقه في الدين .

وسمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه الفيروزابادي يقول : الفقه معرفة الاحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد والأحكام الشرعية هي : الواجب ، والندب ، والمباح ، والمحظور ، والمكروه ، والصحيح ، والباطل .

فالواجب : ما تعلق العقاب بتركه : كالصلوات الخمس والزكوات ورد الودائع والغصوب وغير ذلك .

والندب : ما تعلق الثواب بفعله ولا يتعلق العقاب بتركه : كصلوات النفل وصدقات التطوع وغير ذلك من القرب المستحبة .

والمباح : ما لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه : كأكل الطيبولبس الناعم والنوم والمشي وغير ذلك من المباحات .

والمحظور : ما تعلق العقاب بفعله . كالزنا واللواط والغصب والسرقة وغير ذلك من المعاصي .

والمكروه : ما تركه أفضل من فعله : كالصلاة مع مدافعة الأخبثين والصلاة في اعطان الإبل واشتمال الصماء ، وغير ذلك ، مما نهي عنه على وجه التنزيه .

والصحيح : ما تعلق به النفوذ وحصل به المقصود : كالصلوات الجائزة والبيوع الماضية .

والباطل : ما لا يتعلق به النفوذ ولا يحصل به المقصود : كالصلاة بغير طهارة وبيع ما لا يملك وغير ذلك مما لا يعتد به من الأمور الفاسدة .

باب بيان أصول الفقه

أصول الفقه الأدلة التي ينبني عليها الفقه ، وهي كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ، بما حفظ عنه خطاباً وفعلاً وإقراراً وإجماع الأمة من أهل الاجتهاد فهي ثلاثة أصول ، ونحن نذكر كل أصل منها على التفصيل وكيف يترتب بعضها على بعض ، ثم نذكر القياس وما يجوز منه وما لا يجوز . وبالله نستعين ، وإياه نسأل أن يعصمنا من الزلل ، ويوفقنا لصالح القول والعمل بمنه ولطفه .

القول في الأصل الأول وهو الكتاب

قال تعالى : ( { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ) [13] وقال تعالى : ( { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ) [14] وقال تعالى : ( { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ) [15] وقال تعالى : ( { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ) [16] وقال تعالى : ( { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولك جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وأنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ) [17] .

أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنا أبو الحسين أحمد بن عمثان بن جعفر بن محمد بن بويان المقري نا أبو جعفر محمد بن علي الوراق نا إسماعيل بن أبي كريمة الحراني نا محمد بن سلمة عن أبي سنان عن عمرو بن مره عن أبي البَخْتري الطائي يعني عن الحارث عن علي قال قيل لرسول الله : أن أمتك ستفتتن بعدك ، فَسَأَلَ رسولُ الله أو سُئِلَ ما المخرجُ مِنْهَا ؟ قال : «بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد من ابتغى العلم في غيره أضله الله ومن ولي هذا الأمر من جبار فحكم بغيره قصمه الله ، هو الذكر الحكيم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل وهو الذي سمعته الجن فلم تنته إن قالوا أنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد لا يَخْلَقُ على طول الرد ، ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه » . ثم قال علي للحارث : خذها يا أعور .

أنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي عثمان الدقاق وعلي بن المحسن ابن علي التنوخي قالا أنا علي بن محمد بن سعيد الرزاز قال نا وفي حديث التنوخي أنا جعفر بن محمد الفريابي نا محمد بن حميد نا الحكم بن بشير ابن سلمان نا عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن الحارث . وقال التنوخي عن ابن أخي الحارث عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله ﷺ : «قال جبريل ستكون في أمتك فتنة قلت ما المخرج منها يا جبريل ؟ قال كتاب الله تعال فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من يلي هذا الأمر من جبار فقضى فيه بغيره فصمه الله ، ومن يبتغي الهدى في غيره أضله الله ، هو النور المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي سمعته الجن فلم تنته أن قالوا أنا سمعنا قرآناً عجباً ، هو الذي لا يخلق على طول الرد ولا تنقضي عجائبه » . ثم قال للحارث : خذها يا أعور .

أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه أنا عثمان بن أحمد الدقاق نا أحمد بن يحيى ابن إسحاق الحلواني نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبو خلف الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح قال : خرج علينا النبي فقال ﷺ : «ابشروا اليس تشهدون أن لا إله إلا الله » ؟

قالوا : نعم ، قال ﷺ : «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بايديكم فتمسكوا به فانكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً » .

أنا أبو محمد الجوهري أنا محمد بن زيد بن علي بن مروان الكوفي أنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي نا عباد بن يعقوب أنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك بان الله تعالى يقول : ( { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } ) [18] .

أنا أبو بكر البرقاني أنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي نا إدريس بن عبد الكريم المقريء نا خلف بن هشام البزاز نا عبد الوهاب عن شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال : من أراد العلم فليثور القرآن ، فءن فيه علم الأولين والآخرين . إلا أن إسرائيل قال خبر .

أنا عبد الملك ابن محمد بن عبد الله الواعظ أنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد الجمحي بمكة نا علي بن عبد العزيز نا أبو نعيم نا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال : ما تسائل أصحاب رسول الله عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه .

أنا أبو الحسن بن رزقويه أنا عثمان بن أحمد نا أحمد بن يحيى الحلواني نا يحيى بن عبد الحميد نا وكيع عن إسماعيل بن رافع عن أبي رافع عن رجل عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحي إليه .

قلت : وفي القرآن : المحكم والمتشابه ، والحقيقة والمجاز ، والأمر والنهي ، والعموم والخصوص ، والمبين والمجمل ، والناسخ والمنسوخ ، ولهذا قال أبوا الدرداء ما : أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي الدرداء ، قال : ' لا تَفقه كل الفقه ، حتى ترى للقران وجوه كثيرة ' فيحتاج الناظر في علمه إلى حفظ الآثار ودرس النحو وعلم العربية واللغة إذ كان الله تعالى إنما انزله بلسان العرب فقال : ( { أنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون } ) [19] .

أنا البرقاني أنا أحمد بن جعفر بن حمدان نا إدريس ب عبد الكريم نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عني حيى بن عتيق قال سألت الحسن قلت : أرأيت الرجل يتعلم العربية يتطلب بها حسن المنطق

ويلتمس أن يقيم قراءته قال : حسن فتعلمها يا أخي ، فإن الرجل ليقرأ الآية فيعي بوجهها فيهلك فيها .

أنا ابن زرقويه أنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الجراحي نا حامد بن محمد بن شعيب البلخي نا شريح بن يونس نا محمد بن حميد يعني أبا سفيان المعري عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار » .

أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الزهري الفقيه نا محمد بن العباس الخزاز نا أبو بكر بن الأنباري نا إبراهيم بن موسى نا يوسف بن موسى نا المعلي ابن أسيد نا سهيل بن أبي حزم أخو حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ » .

قال ابن الأنباري حمل بعض أهل العلم هذا الحديث على أن الرأي معنى به الهوى من قال في القرآن قولا يوافق هواه لم يأخذه عن أئمة السلف فأصاب فقد أخطأ بحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه .

باب القول في المحكم والمتشابه

أنا أبو الحسن بن رزقويه وأبو علي بن شاذان قال أنا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا هناد عن وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { آيات محكمات } ) [20] قال : هي التي في الأنعام : ( { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً } ) [21] ثلاث آيات .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا عبد الخالق بن الحسن بن محمد المعدل ، نا عبد الله بن ثابت المقري حدثني أبي ، نا الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل بن سليمان : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } ) يعمل بهن وهن الآيات التي في الأنعام قوله تعالى : ( { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } ) إلى ثلاث آيات آخرهن : ( { لعلكم تتقون } ) يقول : هن أم الكتاب يعني أصل الكتاب لأنهن في اللوح المحفوظ مكتوبات وهن محرمات على الأمم كلها في كتابهم وإنما سمين أم الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء وليس من أهل الدين إلا وهو يوصي بهن ثم قال : ( { وأخر متشابهات } ) يعني بالمتشابهات ألم ، المص ، المر ، الر شبه على اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين فالمتشابهات هؤلاء الكلمات الأربع : ( { فأما الذين في قلوبهم زيغ } ) يعني ميلاً عن الهدى وهو الشك وهم اليهود : ( { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } ) يعني ابتغاء الكفر : ( { وابتغاء تأويله } ) يعني منتهى ما يكون وكم يكون يريد بذلك الملك يقول الله تعالى : ( { وما يعلم تأويله إلا الله } ) كم يملكون من السنين أمة محمد يملكون إلى يوم القيامة إلا أياماً يسلبهم الله بالدجال . وقيل أن المحكم ما تعلق بالأحكام وعلم الحلال والحرام .

أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا القاضي أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن محمد الهمذاني ، نا إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي ، نا آدم بن أبي إياس ، نا ورقاء عن ابن

أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { آيات محكمات } ) يقول أحكم ما فيها من الحلال والحرام وما سوى ذلك . وقيل إن الآيات المحكمات هي الناسخة والثابتة الحكم والمتشابهات هي المنسوخة الحكم والأمثال والأقسام وما لا يتعلق بحلال ولا حرام .

أنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر ابن محمد المؤدب ، نا أبو عبيد القاسم بن سلام ، نا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ) قال : المحكمات : ناسخه وحلاله وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به .

أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا أحمد بن سلمان ، نا أبو داود ، نا أحمد بن محمد يعني ابن ثابت المروزي نا موسى بن مسعود ( وأنا ) الحسين بن أبي بكر ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن الحربي ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، نا سفيان عن سلمة بن نبيط وجويبر ( وقال ) ابن رزق أو جويبر ، وعن الضحاك في قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } ) قال : الناسخ : ( { وأخر متشابهات } ) قال : المنسوخ .

وقيل أن الآيات المتشابهات آيات متعارضة في الظاهر وبها ضل أهل الزيغ ، إذ رأوا أن القرآن ينقض بعضه بعضاً .

أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم الختلي ، نا أحمد بن علي الأبار ، نا علي بن الجعد ، نا يزيد بن إبراهيم التستري ، نا ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله هذه الآية : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } ) ألآيه كلها قالت ، قال رسول الله ﷺ : (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم » .

أنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا محمد بن يونس ، نا مومل ابن إسماعيل ، نا حماد بن زيد ، قال : سمعت أيوب ، يقول : لا تلقى أحداً من أهل البدع إلا وهو يحادلك بالمتشابه من القرآن ، وقد سأل رجل عبد الله بن عباس عن عدة من الآيات في هذا النوع فأخبره عبد الله بوجوهها .

أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان ، حدثكم محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، نا أبو يعقوب يوسف بن عدي ، نا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد ابن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال سعيد : جاء رجل فقال : يا ابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قد وقع ذلك في صدري ؟ فقال ابن عباس : أتكذيب ؟ فقال الرجل : ما هو بتكذيب ولكن اختلاف ، قال : فهلم ما وقع في نفسك فقال له الرجل : اسمع الله تعالى يقول : ( { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ) [22] وقال في آية أخرى : ( { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ) [23] وقال في آية أخرى : ( { ولا يكتمون الله حديثاً } ) [24] وقال في آية أخرى : ( { والله ربنا ما كنا مشركين } ) فقد كتموا في هذه الآية ، وفي قوله : ( { أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها } ) [25] فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض وقال في الآية الأخرى : ( { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له انداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } ) [26] فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء ، وقوله تعالى : ( { وكان غفوراً رحيماً } ) : ( { وكان الله عزيزاً حكيماً } { وكان الله سميعاً بصيراً } ) فإنه كان ثم انقضى ؟ فقال ابن عباس : هات ما في نفسك من هذا ، فقال السائل : إذا أنبأتني بهذا فحسبي ، قال ابن عباس : قوله تعالى : ( { فلا أنساب بينهم يومئذ ولايتساءلون } ) ، فهذا في النفخه الأولى ، ينفخ في الصور ، فيصعق من في السموات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم إذا كانت النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .

وأما قول الله تعالى : ( { والله ربنا ما كنا مشركين } ) وقوله : ( { ولا يكتمون الله حديثاً } ) فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الاخلاص ذنوبهم لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ولا يغفر شركاً فلما رأى المشركون ذلك قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك تعالوا نقول انا كنا أهل الذنوب ولم نكن مشركين ، فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك عرف المشركون ان الله لا يكتم حديثاً فذلك قوله تعالى : ( { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً } ) [27] .

وأما قوله : ( { أم السماء بناها رفع سمكها فسواها واغطش ليلها واخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها } ) فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم نزل إلى الأرض فدحاها ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل فيها السبل وخلق الجبال والرمال والأكوام وما فيها في يومين آخرين فذلك قوله تعالى : ( { والأرض بعد ذلك دحاها } ) وقوله : ( { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءاً للسائلين } ) فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وجعلت السموات في يومين .

وأما قوله تعالى : ( { وكان الله غفوراً رحيماً } ) : ( { وكان الله عزيزاً حكيماً } ) } ) وكان الله سميعاً بصيراً } ) فإن الله تعالى جعل نفسه ذلك وسمى نفسه بذلك ولم ينحله أحداً غيره وكان الله أي لم يزل كذلك .

ثم قال ابن عباس : إحفظ عني ما حدثتك واعلم ان ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك فإن الله لم يترك شيئاً إلا قد أصاب به الذي أراد ولكن الناس لا يعلمون فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلا من عند الله عز وجل .

أنا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن هارون المقري ، أنا عبيد الله ابن أحمد بن بكير التميمي ، قال : سمعت عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، يقول : أصل التشابه أن يشبه اللفظ اللفظ في الظاهر والمعنيان مختلفان ، قال الله تعالى في وصف ثمر الجنة : ( { وأتوا به متشابهاً } ) أي متفق المناظر مختلف الطعوم وقال : ( { تشابهت قلوبهم } ) أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة ومنه يقال : أشتبه علي الأمر ، إذا أشبه غيره فلم تكد تفرق بينهما وشبهت علي إذا لبست الحق بالباطل ، ومنه قيل لأصحاب المخاريق أصحاب الشبه لأنهم يشبهون الباطل بالحق . ثم قد يقال لكل ما غمض ودق متشابه وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره . ألا ترى انه قد قيل للحروف المقطعة في أوائل السور متشابه وليس الشك فيها والوقوف عندها لمشاكلتها غيرها والتباسها بها . ومثل المتشابه : «المشكل » سمي بذلك لأنه أشكل أي دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله ، ثم قد يقال لما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكلاً .

سمعت أبا إسحاق الفيروزا بادي يقول : وأما المتشابه فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال : هو والمجمل واحد ، ومنهم من قال : المتشابه : ما استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه ، ومن الناس من قال : المتشابه هو القصص والأمثال ، والمحكم : الحلال والحرام ، ومنهم من قال : المتشابه : الحروف المجموعة في أوائل السور كالمص والمر وغير ذلك ، قال أبو إسحاق والأول أصح وأما ما ذكروه فلا يوصف بذلك .

وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك : الصحيح عندنا إن المحكم : ما أحكم معانيه وبلغ منه الغاية التي يفهم بها المراد من غير أشكال وإلتباس ، والمتشابه به : هو الذي يحتمل معنيين أو معاني مختلفة يشبه بعضها بعضاً عند السامع في أول وهلة حتى يميز ويلتبس وينظر في تعلم الحق من الباطل فيه كسائر الألفاظ المحتملة التي تعلق بها المخالفون للحق وذهبوا عن وجه الصواب فيه انتهى .

قلت حكى القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري إن أبا بكر محمد بن عبد الله المعروف بالصيرفي قال : المتشابه على ضربين : ضرب : استأثر الله بعلمه وانفرد بمعرفة تأويله ، وضرب : يعلمه العلماء . والدليل على الضرب الأول قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ) إلى قوله : ( { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) فنفى أن يكون يعلم تأويل المتشابه إلا الله وابتدأ بعد ذلك الكلام بقوله : ( { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) .

والدليل على الضرب الثاني حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ، عن النبي ، أخبرناه أبو بكر البرقاني ، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم البندار ، نا بن أبي العوام ، نا يزيد بن هارون ، أنا زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «الحلال بَيِّن والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس » .

فدل على أن القليل من الناس يعلم المشتبهات .

قلت : والصحيح والله أعلم ، ان المتشابه يعلمه الراسخون في العلم ، ولم ينزل الله في كتابه شيئاً إلا وقد جعل للعلماء طريقاً إلى معرفته ، يدل على ذلك ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي ، نا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز املاء ، نا أبو عوف عبد الرحمن بن مروان البروري ، أنا علي بن إبراهيم ، نا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن معقل رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : «اعملوا بالقرآن فحللوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم فردوه إلى الله وإلى أولي العلم كي يخبروكم » .

وقد روي في الحروف المقطعة من ( كهيعص ) انها خبر عن صفات الله عز وجل فقيل : الكاف من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، فكأنه قال هذا الكتاب من كاف هاد حكيم عليم صادق ، يروى ذلك عن ابن عباس .

وكذلك ألم والمر والر والمص ليس منها شيء إلا وقد تكلم الناس في تأويله .

وأما قوله تعالى : ( { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) [28] فقد روي عن مجاهد انه قال : يعلمون تأويله ويقولون آمنا به .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب ، نا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، نا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به .

قلت : لو لم يكن الأمر هكذا لم يكن للراسخين على العامة فضيلة لأن الجميع يقولون آمنا به فإن قيل لو كان الأمر كذلك لقال ويقولون آمنا ؟ قلنا قد يجوز حذف واو النسق وقيل انه في معنى الحال فكأنه والراسخون في العلم قائلين آمنا به كأنهم يعلمونه في حال إيمانهم به والله أعلم .

باب القول في الحقيقة والمجاز

كل كلام مفيد فإنه ينقسم إلى حقيقة ومجاز فأما الحقيقة : فهو الأصل في اللغة وحدها كل لفظ استعمل فيما وضع له من غير نقل ، فقد يكون للحقيقة مجاز كالبحر فإنه حقيقة في الماء المجتمع الكثير ومجاز في الرجل العالم والفرس الجواد .

أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي بالبصرة ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق المادارايي ، نا ابن أبي زكريا محمد بن عبيد العنزي ، نا أبو أسامة عن الأعمش عن مجاهد ، قال : كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه .

أنا أبو القاسم عبيد الله عمر بن علي الفقيه ، نا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا جعفر الصائغ ، نا فضيل بن عبد الوهاب ، نا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ، قال : ركب النبي فرساً لأبي طلحة فلما نزل عنه قال ﷺ : «وجدته بحراً » .

قال لنا أبو القاسم : هذا يدل على انه يجوز أن يتكلم النبي بالمجاز لأنه شبه سرعة الفرس في جريه بالبحر وجريانه وهوله وعظمه .

فإذا ورد لفظ حمل على الحقيقة باطلاقه ولا يحمل على المجاز إلا بدليل وقد لا يكون له مجاز فيحمل على ما وضع له .

وأما المجاز فحده : كل لفظ نقل عما وضع له . وقد أنكر بعض الناس المجاز في اللغة وحكي عن أبي بكر محمد بن داود بن علي الأصبهاني انه قال : ليس في القرآن مجاز ، واحتج بان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما يكون للضرورة والله تعالى لا يوصف بالحاجة والضرورة ، فلا ينبغي أن يكون في كلامه مجاز . وهذا غلط لأن المجاز لغة العرب وعادتها ، فإنها تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب ، وتحذف جزءاً من الكلام طلباً للإختصار إذا كان فيما أبقى دليل على ما ألقي ، وتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتعربه باعرابه ، وغير ذلك من أنواع المجاز . وإنما نزل القرآن بألفاظها ومذاهبها ولغاتها وقد قال الله تعالى : ( { جداراً يريد أن ينقض } ) [29] ونحن نعلم ضرورة أن الجدار لا إرادة له .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي ، أنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، نا علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، في قوله تعالى : ( { يريد أن ينقض فأقامه } ) قال أبو عبيدة ليس للحائط إرادة ولا للموات ولكنه إذا كان في هذه الحال فهو إرادته وهذا قول العرب في غيره .

يريد الرمح صدر أبي براء ............ويرغب عن دماء بني عقيل

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن الجهم السمري ، نا الفراء في قوله تعالى : ( { يريد أن ينقض فأقامه } ) يقال كيف يريد الجدار أن ينقض ؟ قال الفراء : وذلك من كلام العرب أن يقولوا : الجدار يريد أن يسقط ومثل قول الله تعالى : ( { ولما سكت عن موسى الغضب } ) [30] والغضب لا يسكت إنما يسكت صاحبه ومعناه سكن . وقوله : ( { فإذا عزم الأمر } ) [31] إنما يعزم الأمر أهله . وقال الشاعر :

ان دهرا يلف شملي بجمل ......... لزمان يهم بالاحسان

وقال الآخر : شكا إلي جملي طول السرى ......... صبراً جميلاً فكلانا مبتلى

والجمل لم يشك إنما تكلم به على انه لو نطق لقال ذلك وكذلك قول عنترة :

وأزور من وقع القنا فرقى بلبانه ......... وشكا إلي بعبرة وتحمحم

قلت ونحو ما ذكرنا قول الله عز وجل : ( { واسأل القرية التي كنا فيها } ) [32] ونحن نعلم بالضرورة أن القرية لا تخاطب ، ونحوه قوله تعالى : ( { فما بكت عليهم السماء والأرض } ) [33] .

أنا عبيد الله بن أبي الفتح ، أنا عمر بن أحمد بن هارون المقري ، أنا عبيد الله بن أحمد بن بكر قال : سمعت عبد الله بن مسلم بن قتيبة يقول : قد اختلف الناس في قول الله تعالى : ( { فما بكت عليهم السماء والأرض } ) فذهب به قوم مذهب العرب في قولهم : بكت الريح والبرق ، كأنه يريد أن الله حين أهلك فرعون وقومه وأغرقهم وأورث منازلهم وجناتهم غيرهم لم يبك عليهم باك ولم يجزع جازع ولم يوجد لهم فقد ؛ وقال آخرون : أراد فما بكا عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض ، فأقام السماء والأرض مقام أهلهما كما قال : ( { واسئل القرية } ) أي أهل القرية وقال : ( { حتى تضع الحرب أوزارها } ) [34] أي يضع أهل الحرب السلاح .

قلت : والمجاز في كلام العرب يشتمل على فنون فمنها : الاستعارة ، والتمثيل ، والقلب ، والتقديم والتأخير ، والحذف ، والتكرار ، والإخفاء ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبة الواحد وخطاب الواحد والجميع خطاب الاثنين ، والقصد بلفظ الخصوص معنى العموم ، وبلفظ العموم معنى الخصوص ، وبجميع ذلك نزل كتاب الله سبحانه . وقد صنف أبو عبيدة معمر بن المثنى كتاب المجاز في القرآن ، فرسم العلماء من بعده في ذلك كتبا عرفت واشتهرت لا يتعذر وجودها على من أرادها ان شاء الله .

باب القول في الأمر والنهي

الأمر : هو قول يستدعي به القائل الفعل ممن هو دونه ، فأما الأفعال التي ليست بقول فإنها تسمى أمراً على سبيل المجاز ، وكذلك ما ليس فيه استدعاء كالتهديد : مثل قوله تعالى : ( { اعملوا ما شئتم } ) [35] ، وكالتعجيز : مثل قوله : ( { قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } ) [36] وكالإباحة : مثل قوله : ( { وإذا حللتم فاصطادوا } ) [37] وكذلك ما كان من النظير للنظير وما كان من الأدنى للأعلى فليس بأمر كقولنا : اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وإنما هو مسألة ورغبة واستدعاء على وجه الندب ليس بأمر حقيقة .

يدل على ذلك ما أخبرنا أبوالقاسم عبد العزيز بن علي الأزجي ، أنا محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا الحسين بن علي المعمر ، نا خلف بن سالم ، نا يعقوب بن إبراهيم ، نا أبي عن ابن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم عن عروة ، عن عائشة عن النبي قال ﷺ : «فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا » .

وأنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا إبراهيم بن موسى ، نا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق عن محمد ابن إبراهيم التميمي عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » .

فقد ندب رسول الله إلى السواك عند كل صلاة في الحديث الأول ، وأخبر في الحديث الثاني انه لم يأمر به فدل على المندوب إليه غير مأمور به في الحقيقة .

وللأمر صيغة في اللغة تقتضي الفعل ، وقال بعض المتكلمين : ليس للأمر صيغة والدليل على ما قلناه إن أهل اللسان قسموا الكلام فقالوا في جملة أقسامه : أمر ونهي ، فالأمر : قولك إفعل ، والنهي : قولك لا تفعل ، فجعلوا افعل بمجرده أمراً فدل على انه صيغة ، فإذا تجردت صيغة الأمر اقتضت الوجوب

والدليل عليه قول الله سبحانه : ( { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ) [38] وقول النبي : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » فدل على انه لو أمر لوجب وشق .

وأيضاً ما أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا إبراهيم بن عبد الله الكجي ، نا علي بن المديني ، نا يحيى بن سعيد ، نا شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه ، قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله فلم أجبه ، قال : قلت : يا رسول الله إني كنت أصلي قال ألم يقل الله تعالى : ( { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } ) [39] ولأن السيد لو قال لعبده اسقني ماء فلم يسقه استحق الذم ولو لم يقتض أمر السيد الوجوب لما استحق العبد الذم عليه . وإذا ورد أمر مطلق بفعل شيء من الأشياء ، فقد ذكر بعض أهل العلم انه يجب تكرار فعله على حسب الطاقة والامكان وقال بعضهم : لا يجب فعله أكثر من مرة إلا بدليل يدل على التكرار .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا محمد ابن عبيد الله بن المنادي ، نا يونس بن محمد ، نا حماد عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت أبا القاسم يقول ﷺ : «ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » .

ويدل على أن الأمر المطلق يقتضي ما وقع عليه الاسم انه لو حلف ليدخلن الدار ، لبر بالدخول مرة واحدة فدل على أن الاطلاق لا يقتضي أكثر من ذلك .

وإذا أمر الله تعالى بأشياء على جهة التخيير مثل كفارة اليمين فإنه خير فيها بين العتق والاطعام والكسوة ، فالواجب منها واحد غير معين ، وأيها فعل فقد فعل الواجب ، وإن فعل الجميع يسقط الفرض عن الفاعل بواحد منها والباقي تطوع ، لأنه لو ترك الجميع لم يعاقب إلا على واحد منها ، فدل على انه هو الواجب ولو كان الجميع واجباً لعوقب على الجميع .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا سعيد هو ابن سالم القداح عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ، في قول الله تعالى : ( { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ) [40] أيتهن شاء .

وعن عمرو بن دينار قال : كل شيء في القرآن أو ، فله أيُّهُ شاء قال ابن جريج إلا قول الله تعالى : ( { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ) [41] فليس بمخير فيها قال الشافعي كما قال ابن جريج وغيره في المحاربة في هذه المسألة أقول : والنهي حقيقة القول الذي يستدعي به القائل ترك الفعل ممن هو دونه ، وله صيغة تدل عليه في اللغة وهي قوله : لا تفعل ، فإذا تجردت صيغته اقتضت التحريم ، ويجب الترك على الفور وعلى الدوام بخلاف الأمر ، وذلك أن الأمر يقتضي إيجاد الفعل فإذا فعل في أي زمان فعل كان ممتثلاً وفي النهي لا يسمى منتهياً إلا إذا سارع إلى الترك على الدوام .

وإذا نهى عن أحد شيئين من غير تعيين له كان ذلك نهياً عن الجمع بينهما ، ويجوز فعل أحدهما لأن النهي أمر بالترك كما أن الأمر أمر بالفعل ، ثم الأمر بفعل أحدهما لا يقتضي وجوب فعلهما فكذلك النهي عن فعل أحدهما لا يقتضي وجوب تركهما .

أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : أصل النهي من رسول الله ، ان كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عليه دلالة تدل على انه عنى به غير معنى التحريم ، اما أنه أراد به نهياً عن بعض الأمور دون بعض ، وأما أراد به النهي للتنزيه للمنهي عنه والأدب والاختيار ولا يفرق بين نهي رسول الله إلا بدلالة عن رسول الله أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنته وقد يمكن أن يجهلها بعضهم .

باب القول في العموم والخصوص

العموم : كل لفظ عم شيئين فصاعداً ، وقد يكون متناولاً لشيئين ، كقولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء ، وقد يتناول جميع الجنس ، كقولك عممت الناس بالعطاء . وأقله ما يتناول شيئين وأكثره ما يستغرق الجنس . وله صيغة إذا تجردت اقتضت العموم واستغراق الجنس ، كدخول الألف واللام اللتين للتعريف في الجمع والجنس نحو قوله تعالى : ( { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ) [42] وكالألفاظ المبهمة مثل : من في العقلاء وما في غيرهم ، وغير ذلك مما قد ذكره أهل العربية وذهب بعض المتكلمين إلى أن العموم لا صيغة له في لغة العرب وان الألفاظ يجب الوقف فيها إلى أن يدل الدليل على عمومها أو خصوصها فتحمل عليه وهذا غلط .

ودليلنا ما أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو أمية الطرسوسي ، نا محمد بن الصلت ، نا أبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية : ( { انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } ) [43] الآية قال المشركون فإن عيسى يعبد وعزيراً والشمس والقمر فأنزل الله : ( { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } ) [44] الآية عيسى وعزير . فحمل القوم لفظة : ( { ما تعبدون } ) على العموم ولهم حجة في اللغة إلى أن بين الله تعالى لهم مراده بالآية ، ويحتمل أن يكون البيان سابقاً بان عيسى وعزيراً لا يعذبان ، وإن المشركين الذين عارضوا بهما هم الذين أغفلوا النظر في البيان والله أعلم .

ويدل عليه أيضاً ما أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم جعفر بن محمد بن سوار ، أنا قتيبة ، نا الليث عن عقيل عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ن مسعود عن أبي هريرة ، قال : لما توفي رسول الله واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله » فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت انه الحق .

فاحتج عمر على أبي بكر بعموم قول رسول الله فلم ينكر عليه أبو بكر ذلك وإنما عدل إلى الإستثناء فقال : الزكاة من حقها . ولأن العموم مما تدعو الحاجة إلى العبارة عنه في مخاطباتهم فلا بد من أن يكونوا قد وضعوا له لفظاً يدل عليه كما وضعوا لكل ما يحتاجون إليه من الأعيان وإذا نزلت آية على سبب خاص كان حكمها عاماً .

كما أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا محمد بن علي بن زيد ، أن سعيد بن منصور حدثهم ، نا أبوعوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل ، قال : كنا جلوساً في المسجد فجلس إلينا كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال : في نزلت هذه الآية : ( { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه } ) [45] قال : قلت . كيف كان شأنك ؟ قال : خرجنا مع رسول الله محرمين فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي فذكرت ذلك للنبي فقال : ما كنت أرى بلغ منك هذا ادعوا الحالق فجاء الحالق فحلق رأسي ، فقال : هل تجد من نسيكة ؟ قلت : لا وهي شاة قال : فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع بين ستة مساكين قال : فأنزلت في خاصة وهي للناس عامة .

وأما التخصيص : فهو تمييز بعض الجملة بالحكم ولهذا نقول خص رسول الله بكذا وكذا . وتخصيص العموم هو بيان ما لم يرد باللفظ العام .

أنا الجوهري ، أنا محمد بن العباس ، أنا أحمد بن أحمد بن سيف ، نا الربيع بن سليمان ، قال الشافعي : أبان الله تعالى لخلقه انه أنزل كتابه بلسان نبيه وهو لسان قومه العرب فخاطبهم عز وجل بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وكانوا يعرفون من معاني كلامهم إنهم يلفظون بالشيء عاماً يريدون به العام ، وعامًّا يريدون به الخاص ، ثم دلهم على ما أراد من ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه ، وأبان لهم ان ما قبلوا عن نبيه فعنه عز وجل قبلوا بما فرض الله من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه منها : ( { من يطع الرسول فقد أطاع الله } ) [46] وقوله : ( { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ) [47] الآية .

قال الشافعي : مما نزل عام الظاهر مما دل الكتاب على أن الله أراد به الخاص قول الله تعالى : ( { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } ) [48] إلى : ( { فخلوا سبيلهم } ) وقال تعالى : ( { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ) [49] الآية فكان ظاهر مخرج هذا عاماً على كل مشرك فأنزل الله تعال : ( { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } ) [50] إلى : ( { صاغرون } ) فدل أمر الله تعالى بقتال المشركين من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية على انه إنما أراد بالآيتين اللتين ذكر فيهما قتال المشركين حيث وجدوا حتى يقيموا الصلاة وأن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله من خالف أهل الكتاب من المشركين . وكذلك دلت سنة رسول الله في قتال أهل الأوثان حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، قال فهذا من العام الذي دل الله على انه أراد به الخاص لا أن واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى بأن لا عمل لهما معاً وجهاً بان كان أهل الشرك صنفين : صنف أهل كتاب ، وصنف غير أهل كتاب ، ولهذا في القرآن نظائر وفي السنن مثل هذا .

أنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أبو العباس أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال الشافعي : قال الله تعالى : ( { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ) [51] قال الشافعي : فخرج اللفظ عاماً على الناس كلهم وبين أهل العلم بلسان العرب منهم انه إنما يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض لأنه لا يخاطب بهذا إلا من يدعون من دون الله إلهاً ، تعالى الله عما يشركون علواً كبيراً لأن فيهم من المؤمنين والمغلوبين على عقولهم وغير البالغين من لا يدعو معه إلهاً .

أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن الآية إذا جاءت تحتمل أن تكون عامة وتحتمل أن تكون خاصة ما السبيل فيها ؟ قال : إذا كان للآية ظاهر ينظر ما عملت به السنّة فهو دليل على ظاهرها ومنه قول الله تعالى : ( { يوصيكم الله في أولادكم } ) [52] فلو كانت على ظاهرها لزم كل من قال بالظاهر أن يورث كل من وقع عليه اسم ولد وإن كان قاتلاً أو يهودياً أو نصرانياً أو عبداً ، فلما قال رسول الله : ( { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } ) كان ذلك معنى الآية . قلت لأبي : إذا لم يكن عن النبي في ذلك شيء مشروح يخبر فيه عن خصوص أو عموم ؟ قال أبي ينظر ما عمل به أصحابه فيكون ذلك معنى الآية ، فإن اختلفوا ينظر أي القولين أشبه بقول رسول الله يكون العمل عليه ، وقال عبد الله سألت أبي قلت : أتقول في السنّة تقضي على الكتاب ؟ قال : قد قال ذلك قوم منهم مكحول والزهري

أرى قلت لأبي : فما تقول أنت ؟ قال : أقول أن السنّة تدل على معنى الكتاب .

حدثني أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري ، أنا الخصيب بن عبد الله القاضي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي ، نا عبد الله بن علي البزار ، يقول : سمعت جعفر بن محمد بن عيسى بن نوح ، يقول : سمعت أبا إسحاق محمد بن عيسى الطباع ، يقول : سمعت حماد بن زيد ، يقول : إنما هو الكتاب والسنّة والكتاب أحوج إلى السنّة من السنة إلى الكتاب . سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول : ويجوز التخصيص في جميع ألفاظ العموم من الأمر والنهي والخبر ، وقال بعض الناس : لا يجوز التخصيص في الخبر ، كما لا يجوز النسخ فيه وهذا خطأ لأنا قد ذكرنا أن التخصيص بيان ما لم يرد باللفظ العام ، وهذا يصح في الخبر كما يصح في الأمر والنهي .

باب القول في المبين والمجمل

أما المبين : فهو ما استقل بنفسه في الكشف عن المراد ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره ، وذلك على ضربين : ضرب يفيد بنطقه ، وضرب يفيد بمفهومه . فالذي يفيد بنطقه هو : النص والظاهر والعموم .

فالنص : كل لفظ دل على الحكم بصريحه على وجه لا احتمال فيه مثل قوله تعالى : ( { ولا تقربوا الزنا } ) [53] : ( { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } ) [54] ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام .

والظاهر كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها .

والعموم : ما عم شيئين فصاعداً ، والفرق بين العموم والظاهر ، أن العموم ليس بعض ما يتناوله اللفظ بأظهر فيه من بعض وتناوله للجميع على لفظ واحد فيجب حمله على عمومه إلا أن يختصه دليل أقوى منه . وإما الظاهر فإنه يحتمل معنيين إلا أن أحدهما أظهر وأحق باللفظ من الآخر فيجب حمله على أظهرهما ولا يجوز صرفه عنه إلا بما هو أقوى منه فكل عموم ظاهر وليس كل ظاهر عموماً .

فأما الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو : فحوى الخطاب لحن الخطاب ، ودليل الخطاب .

ففحوى الخطاب : ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه كقوله تعالى : ( { فلا تقل لهما أف} ) [55] فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبهما لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف وكذلك قوله تعالى : ( { ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك } ) [56] فيه تنبيه على أن يؤدي ما كان دون القنطار ففي هذه الآية نبه بالأعلى على الأدنى ، وفي الآية الأولى نبه بالأدنى على الأعلى .

وزعم بعض أهل اللغة أن فحوى الخطاب اشتق من تسميتهم الابزار فحا ، يقال : فح قدرك يا هذا فسمي فحوى لأنه يظهر اللفظ كما يظهر الابزار طعم الطبيخ ورائحته .

وأما لحن الخطاب : فهو ما دل عليه اللفظ لاضمار الذي لا يتم الكلام إلا به مثل قوله تعالى : ( { أن أضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } ) [57] ومعناه فضرب فانفجرت ومن ذلك أيضاً حذف المضاف إقامة المضاف إليه مقامه كقوله تعالى : ( { واسأل القرية } ) [58] ومعناه اسأل أهل القرية ، ولا خلاف أن هذا كالمنطوق به في الإفادة والبيان .

وأما دليل الخطاب : فهو أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء فيدل على أن ما عداها بخلافه كقوله تعالى : ( { ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة } ) [59] فيه دلالة على أن العدل ان جاء بنبأ لم يتبين وكذلك قوله تعالى : ( { وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ) [60] فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق .

وأما المجمل : فهو ما لا يعقل معناه من لفظته ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره مثال ذلك ان الله تعالى قال : ( { وآتوا حقه يوم حصاده } ) [61] وقال رسول الله ﷺ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها » . قالحق المذكور في الآية والمذكور في الحديث كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر فيحتاج إلى البيان .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، أنا علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبيد القاسم بن سلام : السنّة هي المفسرة للتنزيل ، والموضحة لحدوده وشرائعه ألا ترى أن الله تعالى أنزل في كتابه حين ذكر الحدود فقال : ( { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ) [62] فجعله حكماً عاماً في الظاهر على كل من زنا ، ثم حكم رسول الله في الثيبين بالرجم فليس هذا بخلاف الكتاب ، ولكنه لما فعل ذلك علم ان الله تعالى إنما عنى بالآية البكرين دون غيرهما ، وكذلك لما ذكر الفرائض فقال : ( { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين } ) [63] فكانت الآية شاملة لكل أحد ، فلما قال رسول الله : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم » لم يكن هذا بخلاف التنزيل ، ولكن علم ان الله تعالى إنما عنى بالموارثة أهل الدين الواحد دون أهل الدينين المختلفين . وكذلك لما ذكر الوضوء فقال : ( { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } ) [64] ثم مسح رسول الله على الخفين وأمر به تبين لنا ان الله إنما عنى بغسل الأرجل إذا كانت الأقدام بادية لا خفاف عليها .

وكذلك شرائع القرآن كلها إنما نزلت جملاً حتى فسرتها السنّة .

أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا أبو عبد الله الحسين بن يحيى ابن عياش المتوثي ، نا علي بن مسلم ، نا أبو داود ، نا شعبة وهمام عن قتادة ، أن عكرمة أنكر مسح الخفين فقلت له أن ابن عباس بلغني انه كان يمسح ؟ قال : ابن عباس إذا خالف القرآن لم يؤخذ عنه ، قال همام في هذا الحديث عن قتادة قال قلت لعكرمة : لولا ابن عباس ما سألك أحد عن شيء .

قلت : كان ابن عباس أعلم بكتاب الله من عكرمة ، وإنما مسح على الخفين لثبوت ذلك عنده أن رسول الله فعله وحمل الآية التي أشار إليها عكرمة على ما ذكر أبو عبيد ، ان المراد بغسل الأرجل إذا لم تكن مستورة بالخفاف وإن سنة رسول الله فسرت ذلك .

أنا الحسن ابن أبي بكر وعثمان بن محمد العلاف ، قالا : نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي نا محمد بن الفرج الأزرق ، نا الواقدي ، نا معمر عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين انهم تذاكروا عنده الأحاديث عن رسول الله ، فقال رجل عند عمران بن حصين رضي الله عنه دعونا من الحديث وهاتوا كتاب الله تعالى فقال عمران بن حصين : إنك لأحمق أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة ؟ أتجد في كتاب الله الصيام مفسراً ؟ الكتاب أحكمه والسنة فسرته .

أنا أحمد بن محمد العتيقي وعبد الوهاب بن الحسين الغزال ، قالا : أخبرنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، نا جدي ، نا حبان بن موسى ، أنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن عمران بن حصين : أن رجلاً أتاه فسأله عن شيء فحدثه ، فقال الرجل : حدثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره فقال : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله ان صلاة الظهر أربع لا يجهر فيها ؟ وعد الصلوات وعد الزكاة ونحوها ثم قال : أتجد هذا مفسراً في كتاب الله ؟ ان كتاب الله قد أحكم ذلك والسنة تفسر ذلك .

أنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي بدمشق ، أنا يوسف بن القاسم الميانجي أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا عمار بن خالد ، نا عبد الوهاب الثقفي عن عنبسة الغنوي عن الحسن ، ان رجلاً قال لعمران بن حصين : يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث الله تعالى أعلم بها حدثونا بالقرآن ، قال : القرآن والله نعم ، أرأيت لو رفعنا إليه وقد وجدت في القرآن : ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) [65] ثم لم تر رسول الله كيف بين لنا كيف كنا نركع ، كيف كنا نسجد كيف كنا نعطي زكاة أموالنا ، قال : فأفحم الرجل .

أنا الحسين بن أبي بكر ، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني ، نا الفضل بن الحباب نا مسلم بن إبراهيم ، نا عقبة بن خالد عن الحسن ، قال : بينما نحن عند عمران بن حصين قال له رجل : يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن قال : أليس تقرأ : ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) أكنتم تعرفون ما فيها وما ركوعها وسجودها وحدودها وما فيها ؟ أكنت تدري كم الزكاة في الورق والذهب والإبل والبقر وأصناف المال ؟ شهدت ووعيت فرض رسول الله في الزكاة كذا وكذا ، قال الرجل : أحييتني يا أبا نجيد أحياك الله كما أحييتني ، قال : فما مات ذلك الرجل حتى كان من فقهاء المسلمين .

انتهى الجزء الثاني يتلوه ان شاء الله باب القول في الناسخ والمنسوح والحمد لله حق حمده وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل .

هامش

[ الرعد : 14 ]

[ التحريم : 6 ]

[ الزمر : 9 ]

[الرعد : 91]

[ الأعراف : 157 ]

[ الأعراف : 167 ]

[ المائدة : 36 ]

[ آل عمران : 97 ]

[ البقرة : 171 ]

[ الإسراء : 44 ]

[ البقرة : 269 ]

[ التوبة : 122 ]

[ فصلت : 24 ]

[ إبراهيم : 1 ]

[ النحل : 44 ]

[ النحل : 98 ]

[ الشورى : 25 ]

[ الكهف : 123 ]

[ يوسف : 2 ]

[ آل عمران : 7 ]

[ الأنعام : 151 ]

[ المؤمنون : 101 ]

[ الصافات : 72 ]

[ النساء : 24 ]

[ النازعات : 82 ]

[ فصلت : 9 ]

[ النساء : 24 ]

[ آل عمران : 7 ]

[ الكهف : 77 ]

[ الأعراف : 154 ]

[ محمد : 12 ]

[ يوسف : 28 ]

[ الدخان : 92 ]

[ محمد : 4 ]

[ فصلت : 4 ]

[ هود : 31 ]

[ المائدة : 2 ]

[ النور : 36 ]

[ الأنفال : 42 ]

[ البقرة : 196 ]

[ المائدة : 33 ]

[ التوبة : 5 ]

[ الأنبياء : 89 ]

[ الأنبياء : 101 ]

[ البقرة : 196 ]

[ النساء : 08 ]

[ النساء : 56 ]

[ التوبة : 15 ]

[ البقرة : 193 ]

[ التوبة : 92 ]

[ الحج : 37 ]

[ النساء : 11 ]

[ الاسراء : 23 ]

[ الأنعام : 151 ]

[الاسراء : 32 ]

[ آل عمران : 57 ]

[ الأعراف : 061 ]

[ يوسف :28 ]

[ الحجرات : 6 ]

[ الطلاق : 6 ]

[ الأنعام : 141 ]

[ النور : 2 ]

[ النساء : 11 ]

[ المائدة : 6 ]

[ البقرة : 34 ]

========ج3.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الثالث

باب القول في الناسخ والمنسوخ

أخبرنا أبو الحسن محدم بن أحمد بن رزق وأبو علي الحسن بن أبي بكر بن شاذان ، قالا : أنا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا حفص بن عمر ، نا شعبة ، قال : أبو داود ، ونا ابن كثير ، أنا شعبة عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : مر علي بقاصٍّ يقص ، فقال : تعلم الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت .

سمعت أنا أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول : النسخ في اللغة يستعمل في الرفع والإزالة ، يقال : نسخت الشمس الظل ، ونسخت الرياح الآثار ، إذا أزالتها . ويستعمل في النقل يقال : نسخت الكتاب ، إذا نقلت ما فيه وإن لم تزد شيئاً عن موضعه .

وأما في الشرع فهو على الوجه الأول في اللغة وهو الإزالة وحده الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً به مع تراخيه عنه ، ولا يلزم ما سقط عن الإنسان بالموت ، فإن ذلك ليس بنسخ لأنه ليس بخطاب ، ولا يلزم رفع ما كانوا عليه كشرب الخمر وغيره ، فإنه ليس بنسخ لأنه لم يثبت بخطاب ، ولا يلزم ما أسقطه بكلام فإنه ليس بنسخ لأنه لم يثبت بخطاب متصل كالاستثناء والغاية ، كقوله تعالى : ( { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ) [1] فإنه ليس بنسخ لأنه غير متراخ عنه .

قلت : والنسخ في القرآن على ثلاثة أضرب : نسخ الحكم دون الرسم ، ونسخ الرسم دون الحكم ، ونسخ الرسم والحكم معاً .

فأما نسخ الحكم دون الرسم . فمثل الوصية للوالدين والأقربين ومثل عدة الوفاة فإن حكم ذلك منسوخ ولفظه ثابت في القرآن .

أنا محمد بن أحمد بن رزق والحسن بن أبي بكر ، قالا : أنا أحمد بن سلمان ، نا أبو داود ، نا أحمد ابن محمد هو المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس : ( { ان ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } )

فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .

أنا طلحة بن علي بن الصقر الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر بن محمد المؤدب ، أنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال : فإن عبد الله بن صالح حدثنا عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : ( { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير اخراج } ) [2] قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت في بيته سنة ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله تعالى : ( { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ) [3] قال : فهذه عدة المتوفي عنها زوجها إلا أن تكون حاملاً ، فعدتها أن تضع .

وأما نسخ الرسم دون الحكم : فمثل آية الرجم ، أنا الحسن بن علي التميمي والحسن بن علي الجوهري ، قالا : أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي عبد الرحمن هو ابن مهدي نا مالك عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس ، قال : قال عمر : إن الله تعالى بعث محمداً وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها فأخشى أن يطول بالناس عهد فيقولون إنا لا نجد آية الرجم فتترك فريضة أنزلها الله ، وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والإعتراف .

أنا علي ابن عبد الله المعدل ، أنا عثمان ابن أحمد الدقاق ، نا الحسن بن سلام السواق ، نا أبو نعيم الفضل بن دكين ، نا خالد بن محمد الأنصاري ، حدثني أبو رجاء العطاردي ، قال : قال عمر رضي الله عنه : إياكم أن تخدعوا عن آية الرجم فإن نبيكم قد رجم ورجم أبو بكر ورجمت ، ولولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها إني قرأتها في كتاب الله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما .

وأما نسخ الرسم والحكم معاً : فمثل ما ، أنا أبو القاسم الأزهري والتنوخي ، قالا : أنا علي بن محمد ابن لؤلؤ الوراق ، نا هيثم بن خلف الدوري ، نا إسحاق بن موسى الأنصاري ، نا معن بن عيسى ، نا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها انها قالت : كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهي مما يقرأ من القرآن . قلت وكانت العشر منسوخة الرسم والحكم .

بيان وجوه النسخ

يجوز النسخ إلى غير بدل كعدة المتوفي عنها زوجها فإنها كانت سنة ثم نسخ منها ما زاد على أربعة أشهر وعشر إلى غير بدل .

ويجوز النسخ إلى بدل كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة .

أنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، أنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، نا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد بن فروخ التميمي ، نا أبي عمرو بن خالد نا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : أول ما نسخ من القرآن كما ذكر لنا والله أعلم شأن : ( { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ) [4] فاستقبل رسول الله فصلى نحو بيت المقدس ، وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق ، فقال السفهاء من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعنون بيت المقدس فنسخها وصرفه إلى البيت العتيق فقال : ( { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ) [5] .

ويجوز النسخ إلى أخف من المنسوخ كنسخ وجوب مصابرة الواحد من المسلمين العشرة من المشركين في الجهاد لما علم الله تعالى من ضعف المسلمين فنسخ ذلك بأن ألزم كل مسلم لقاء رجلين من أهل الشرك .

أنا طلحة بن علي الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم ، أنا جعفر بن محمد المؤدب ، نا أبو عبيد نا حجاج عن ابن جريح وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى : ( { أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا } ) [6] قال نسخها قوله : ( { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً } ) [7] إلى قوله : ( { والله مع الصابرن } ) .

ويجوز النسخ إلى ما هو أغلظ من المنسوخ كصوم شهر رمضان ، كان الإنسان مخيراً فيه بينه وبين الفطر والافتداء ثم نسخ إلى انحتام الصوم لمن قدر عليه .

أنا ابن رزقويه وابن شاذان ، قالا : أنا أحمد بن سلمان ، نا أبو داود ، نا قتيبة ، نا بكر يعني ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير يعني ابن الأشج عن يزيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع ، قال :لما نزلت هذه الآية : ( { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ) [8] كان منا من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية التي بعدها .

ويجوز النسخ من الحظر إلى الإباحة كما كان الله تعالى حرم عليهم في شهر رمضان المباشرة بالليل بعد صلاة العشاء وبعد النوم ثم أباحها لهم .

أنا عبد الله بن يحيى السكري أنا جعفر الخلدي أنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد ، نا أبي ، نا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } ) [9] يعني بذلك أهل الكتاب فكان كتابه على أصحاب محمد ، ان الرجل كان يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلي العتمة أو يرقد فإذا صلى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها من القابلة فنسختها هذه الآية : ( { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ) [10] .

أنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان ، نا أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد الحافظ لفظاً ، نا أبو عبد الله محمد بن حمدان بن سفيان الطرائفي ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : ان الله جل ثناءه خلق الخلق لما سبق في علمه بما أراد أن يخلقهم وبهم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فأنزل عليهم الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وفرض فيه فرائض أثبتها ، وأخرى نسخها رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم وبالتوسعة عليهم ، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه .

وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه ، فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ . فلله الحمد على نعمه ، وأبان لهم انه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ، وإن السنّة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب ، بمثل ما نزل به نصاً ، ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملاً ، قال الله تعالى : ( { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم } ) [11] قال الشافعي : فأخبر الله ، انه فرض على نبيه اتباع ما يوحي إليه ، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه . وفي قوله : ( { ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } ) [12] وبيان ما وصفت من انه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه ، كما كان المبتدي لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه ، جل ثناؤه ولا يكون ذلك لأحد من خلقه .

وكذلك قال : ( { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } ) [13] قلت : قد بين الشافعي أن الكتاب لا ينسخ إلا بالكتاب ، وأما السنّة هل يجوز أن تنسخ بالكتاب ؟ في ذلك قولان :

أحدهما : انه لا يجوز لأن الله تعالى جعل السنّة بياناً للقرآن فقال تعالى : ( { لتبين للناس ما نزل إليهم } ) [14] فلو جوز نسخ السنّة بالقرآن لم يجعل القرآن بياناً للسنّة .

أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أحمد ابن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : فإن قيل هل تنسخ السنّة بالقرآن قيل : لو نسخت السنّة بالقرآن كانت للنبي فيه سنّة تبين أن سنّته الأولى منسوخة بسنّته الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله .

والقول الثاني : انه يجوز نسخ السنة بالقرآن وهو الصحيح والدليل عليه ما أنا الحسن بن علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا أبي ، نا يحيى هو ابن سعيد القطان نا ابن أبي ذئب ، حدثني سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلوات حتى كان بعد المغرب هوياً ، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل فلما كفينا القتال وذلك قوله تعالى : ( { وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً } ) [15] أمر النبي بلالاً فأقام الصلاة فصلاها كما يصليها في وقتها .

وقال عبد الله : نا أبي ، نا أبو خالد الأحمر عن ابن أبي ذئب فذكره بإسناده ومعناه وزاد فيه ، قال : وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف : ( { فرجالاً أو ركبانا } ) .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن حازم الغفاري ، أنا جعفر يعني ابن عون عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري

قال : يوم الخندق حين حبسوا النبي عن الصلاة قبل أن ينزل : ( { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ) [16] .

أنا القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الاستوائي ، نا علي بن عمر بن أحمد الحافظ ، نا أحمد بن محمد بن سعيد ، نا إبراهيم بن الوليد بن حماد ، نا محمد بن سعيد بن حماد ، نا حفص بن عمر بن سعيد عمه سفيان الثوري ، قال : حدثني الحسن يعني ابن عمارة عن الحكم عن مجاهد ومقسم الثوري قال حدثني الحسن يعني ابن عمارة عن الحكم عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس انه ذكر عنده قول النبي لضباعة ﷺ : «حجي واشترطي » فقال ابن عباس : هذا منسوخ . قيل له وما نسخ هذا ؟ قال : قول الله تعالى : ( { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ) [17] .

والنسخ لا يجوز إلا فيما يصح وقوعه على وجهين كالصوم والصلاة وغيرهما من العبادات الشرعية ، وأما ما لا يجوز أن يكون إلا على وجه واحد مثل التوحيد وصفات الله تعالى الذاتية كعلمه وقدرته وما عدا ذلك من صفاته ، فلا يصح فيه النسخ . وكذلك ما أخبر الله عنه من أخبار القرون الماضية والأمم السالفة

فلا يجوز فيها النسخ . وهكذا ما أخبر عن وقوعه في المستقبل كخروج الدجال وياجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم إلى الأرض ونحو ذلك ، فإن النسخ فيه لا يجوز . ولا يجوز نسخ إجماع المسلمين لأن الإجماع لا يكون إلا بعد موت رسول الله ، والنسخ لا يجوز بعد موته . ولا يجوز نسخ القياس لأن القياس تابع لأصول ثابتة فلا يجوز نسخ تابعها .

الكلام في الأصل الثاني من أصول الفقه

وهو سنة رسول الله :

السنّة : ما رُسِم ليحتذى ولهذا قال النبي رضي الله عنه : «من سن في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها » . ولا فرق بين أن يكون هذا المرسوم واجباً أو غير واجب . يدل عليه ما روي عن ابن عباس انه صلى على جنازة فجهر فيها بفاتحة الكتاب وقال : إنما فعلت هذا لتعلموا انها سنّة ، يعني قراءة الفاتحة ، وهي واجبة في صلاة الجنازة وقد غلب على ألسنة الفقهاء انهم يطلقون السنّة فيما ليس بواجب ، فينبغي أن يقال في حد السنّة : إنها ما رسم ليحتذى إستحبابا .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش ، نا محمد بن علي الصائغ ، نا محمد ابن معاوية ، نا ابن أبي لهيعة ، نا عطاء هو ابن دينار عن سعيد بن جبير وسئل عن السنّة ، فقال : السنة ، ما سن النبي في الدين ما لم ينزل به كتاب ، فأما ما بين في الكتاب فذلك أمر الله وقضاؤه ، فهذا كتاب الله وسنّة نبيه ، قلت : والسنّة ما شرعه النبي لأمته فيلزم اتباعه فيه لأن الله أوجب طاعته على الخلق فقال تعالى : ( { واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } ) [18] وقال تعالى : ( { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } ) [19] وقال : ( { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين } ) [20] وقال : ( { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً } ) [21] وقال : ( { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } ) [22] .

أنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز الهمذاني ، نا صالح بن أحمد الحافظ ، نا محمد بن حمدان الطرائفي ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه : ( { وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم } ) [23] وقال : ( { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } ) [24] وقال : ( { لقد مَنّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } ) [25] وقال تعالى : ( { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } ) [26] وقال الله : ( { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً } ) [27] وقال تعالى : ( { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ) [28] الآية ، قال الشافعي : فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنّة رسول الله . قال الشافعي : وهذا يشبه ما قال والله أعلم .

لأن القرآن ذكر وأتبعه الحكمة وذكر الله تعالى منه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز والله أعلم أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنّة رسول الله وذلك انها مقرونة مع كتاب الله عز وجل .

أنا أبو الطيب عبد العزيز بن علي بن محمد القرشي ، أنا عمر بن أحمد بن هارون المقري ، أنا عثمان بن عبدويه بن عمرو ، نا الحسن بن علي بن عفان ، نا إسباط بن محمد عن أبي بكر يعني الهذلي عن الحسن في قوله تعالى : ( { ويعلمهم الكتاب والحكمة } ) [29] قال : الكتاب : القرآن ، والحكمة : السنّة .

أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرحمن أبو معمر عن قتادة : ( { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ) [30] قال : القرآن والسنّة .

أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن سلم ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : وقد سن رسول الله مع كتاب الله ، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب ، وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته ، وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقاً ، ولم يجعل له من ترك اتباع سنن رسول الله مخرجاً ، وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنّه وكذلك أخبرنا الله في قوله : ( { وانك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله } ) .

أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي ، قالا : نا سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن رسول الله ﷺ : «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه » .

أنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا أبو يزيد القراطيسي ، نا أسد بن موسى ، نا معاوية بن صالح حدثني الحسن بن جابر ( وأنا ) أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف واللفظ له ، نا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد إملاءً ، نا محمد بن إسماعيل السلمي ، نا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، حدثني ابن جابر انه سمع المقدام صاحب النبي يقول : حرم رسول الله أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وقال : يوشك بالرجل متكيء على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدناه فيه من حلال أحللناه ، وما وجدناه فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله عز وجل .

أنا الحسين بن عمر بن برهان الغزال وعبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، قال : أنا إسماعيل ابن محمد الصفار ، نا عباس بن عبد الله الترقفي ، نا محمد بن المبارك ، قال : نا وفي حديث السكري حدثني يحيى بن حمزة ، قال : حدثني محمد بن الوليد الزبيدي عن مروان بن رؤبة انه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه ، عن النبي قال ﷺ : «أوتيت الكتاب وما يعدله يعني مثله يوشك شبعان على أريكته يقول بيننا وبينكم هذا الكتاب فما كان فيه من حلال أحللناه وما كان من حرام حرمناه ، ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي ولا اللقطة من مال معاهد ، إلا أن يستغنى عنها وأيما رجل أضاف قوماً فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه » .

أنا عبد السلام بن عبد الوهاب ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة نا أبو المغيرة قال سليمان : ونا أبو زرعة هو الدمشقي ، نا أبو اليمان وعلي بن عياش قال ( وأنا ) بشر بن موسى ، نا الحسن بن موسى الأشيب ، قالوا : نا حريز بن عثمان ( وأنا ) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ، نا أحمد بن سلمان النجاد ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا عبد الوهاب بن نجده ، نا أبو عمرو هو ابن كثير بن دينار عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب ، عن النبي قال ﷺ : «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله مغه » زاد الطبراني : «ألا إني أوتيت ومثله معه » ، ثم اتفقا : «لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد » وقال الطبراني : لقطة مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يطالبهم » وقال النجاد رضي الله عنه : «أن يعقبهم » وقالا حميعاً بمثل قراه .

أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبيد الله النجار ، أنا عبيد الله بن محمد بن سليمان المخرمي ، نا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب الدقاق ، وأنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق ، نا عمر بن أيوب السقطي ، قالا : نا داود بن رشيد ، نا بقية بن الوليد عن محفوظ بن ميسور النميري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : «يوشك أحدكم أن يقول هذا كتاب الله ما كان فيه حلالاً أحللناه ، وما كان من حرام حرمناه ألا من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة : كذب الله ورسوله وكذب الذي جاء به » .

لفظ حديث النجار ، حدثني مسعود ابن ناصر السجزي ، أنا علي بن بشرى السجستاني ، نا محمد ابن الحسين الآبري ، أخبرني أحمد بن محمد بن الأزهر ، قال : سمعت أبا موسى يعني الزمن يقول سمعت المعتمر بن سليمان يقول سمعت أبي يقول : أحاديث رسول الله والتنزيل وقال ابن الأزهر : سمعت أبا موسى يقول : سنن رسول الله عندنا مثل كلام الله عز وجل .

باب القول في سنن رسول الله

التي ليس فيها نص كتاب هل سنها بوحي أم بغير وحي :

قال بعض أهل العلم : لم يسن رسول الله سنّة إلا بوحي ، واحتج من قال هذا بظاهر قول الله تعالى : ( { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ) [31] .

أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع ابن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه : ان عنده كتاباً من العقول نزل به الوحي ، وما فرض رسول الله من صدقة وعقول ، فإنما نزل به الوحي .

وقيل : لم يسن رسول الله شيئاً قط إلا بوحي الله ، فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحياً إلى رسوله فيسن به .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا عبد الله بن أبي مسلم الحراني ، نا علي بن المديني ، نا عيسى بن يونس ، نا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال : كان جبريل ينزل على النبي بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن .

أخبرني أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفراء الحنبلي ، نا عيسى بن علي بن عيسى الوزير نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا عبد الرحمن بن صالح ، نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن حسان بن عطية ، قال : كان جبريل ينزل على النبي بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن يعلمه إياها كما يعلمه القرآن .

أخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن نصر الستوري ، نا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البزار ، نا إسحاق بن إبراهيم بن سنين الختلي ، نا عمران بن هارون ، نا رواد بن الجراح أبو عاصم العسقلاني قال سمعت الأوزاعي يقول : كان جبريل ينزل على النبي بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن . ومنهم من قال جعل الله لرسوله أن يسن ما يرى انه مصلحة للخلق واستدل بقوله تعالى : ( { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين ا لناس بما أراك الله } ) [32] قال وإنما خصه الله بأن يحكم برأيه لأنه معصوم وأن معه التوفيق واستدل من السنة بما أنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله ابن الحسين بن إسماعيل المحاملي ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطان ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا علي هو ابن المديني نا الوليد بن مسلم ، نا الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : لما فتح الله على رسول الله مكة قام رسول الله فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدو وإما أن يقتل ، فقام رجل يقال له أبو شاه من أهل اليمن فقال : يا رسول الله اكتبوا لي فقال رسول الله ﷺ : «اكتبوا لأبي شاه » . قال فقام عباس أو قال : يا رسول الله إلا الاذخر فإنه لقبورنا ولبيوتنا فقال رسول الله ﷺ : «الا الاذخر » ، قال الوليد فقلت للأوزاعي ما قوله : «اكتبوا لأبي شاه » ؟ قال : يقول اكتبوا له خطبته التي سمعها من النبي . قال فرأى النبي من المصلحة إجابة العباس إلى إباحة قطع الأذخر ، وأبى من ذهب إلى القول الأول هذا المذهب وقال انه إنما أمر أن يحكم بما أراه الله تعالى من الوجوه المنزلة عليه في الكتاب فهذا معنى الآية .

وأما قصة العباس فإنه إنما سأل رسول الله مراجعة ربه في الأذخر كما طلب موسى عليه السلام من النبي ليلة المعراج مراجعة ربه في تخفيف الصلاة عن أمته فردت من خمسين إلى خمس ، وكما أمر النبي أن يقرأ على حرف فراجع فيه مرة بعد مرة حتى رد إلى سبعة أحرف . قال فإنه قيل : قد كان من النبي جواب العباس في الحال بلا زمان بين السؤال وبين الجواب يكون فيه الوحي بذلك الجواب ؟ فانا نقول يحتمل أن يكون في لطيف قدرة الله تعالى مجيء الوحي بالجواب في ذلك الوقت ، ويحتمل أن يكون جبريل حاضراً فألقى جبريل إليه في الحال كما قال النبي للذي سأله فقال : يا رسول الله أرأيت ان قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي ؟ قال رسول الله ﷺ : «نعم » ، فلما ولى دعاه قال له ﷺ : «إلا أن يكون عليك دين كذلك ذكر جبريل » .

وروي أن النبي قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه في هجائه المشركين : اهجهم وجبريل معك ، فإذا كان جبريل مع حسان لمهاجاته قريشاً فلأن يكون مع النبي في خطبته التي يخبر فيها عن الله تعالى بشرائع الدين أولى .

وقال بعض أهل العلم ألقي في روع النبي كل ما سنّه واحتج بالحديث الذي أناه القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب ، أن رسول الله قال ﷺ : «ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلاّ وقد أمرتكم به ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه وان الروح الأمين قد نفث في روعي انه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فأجملوا في الطلب » .

وقال آخرون : ما سن رسول الله من سنّة إلاّ ولها أصل في كتاب الله فسنته فيما لم يرد فيه بعينه نص الكتاب بيان للكتاب .

أنا محمد بن عيسى الهمذاني ، نا صالح بن أحمد الحافظ ، نا محمد بن حمدان الطرائفي نا الربيع ابن سليمان ، قال : قال الشافعي : فلم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سنن رسول الله من ثلاثة وجوه فاجتمعوا منها على وجهين ، والوجهان يجتمعان ويتفرعان : أحدهما : ما أنزل الله فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب . والآخر : ما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله تعالى معنى ما أراد . وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما . والوجه الثالث : ما سن رسول الله مما ليس فيه نص كتاب ، فمنهم من قال : جعل الله له بما افترض من طاعته ، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب .

ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنّته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة ، وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع ، لأن الله تعالى قال : ( { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ) [33] وقال : ( { وأحل الله البيع وحرم الربا } ) [34] فما أحل وحرم فإنما بين فيه عن الله كما بين الصلاة ، ومنهم من قال : بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله .

ومنهم من قال : ألقي في روعه كل ما سن ، وسنّته الحكمة الذي ألقي في روعه عن الله .

قال الشافعي : وأي هذا كان فقد بين الله انه فرض فيه طاعة رسوله ولم يجعل لأحد من خلقه عذراً بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله .

ذكر الخبر عن رسول الله بأن سنّته لا تفارق كتاب الله عز وجل

أنا أبو الحسين علي وأبو القاسم عبد الملك ابنا محمد بن عبد الله بن بشران ، قالا : أنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن العباس ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا العباس بن الهيثم ، نا صالح بن موسى الطلحي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما كتاب الله وسنّتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » .

أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا أبو قبيصة محمد بن عبد الرحمن بن عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي ، نا داود بن عمرو ، نا صالح بن موسى الطلحي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنّتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » .

أنا أبو طالب محمد بن علي بن إبراهيم البيضاوي ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، نا أبو بكر بن المجلد ، نا عبد الله بن عمر ، حدثني شعيب هو ابن إبراهيم التميمي نا سيف يعني ابن عمر عن إبان بن إسحاق الأسدي عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : خرج رسول الله علينا في مرضه الذي توفي فيه ونحن في صلاة الغداة ، فذهب أبو بكر ليتأخر فأشار إليه مكانك وصلى مع الناس ، فلما انصرف حمد الله وأثنى عليه ثم قال ﷺ : «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي فاستنطقوا القرآن بسنتي ولا تعسفوه فإنه لن تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما » .

باب القول في السنّة المسموعة من النبي والمسموعة من غيره عنه

السنّة على ضربين : ضرب يؤخذ من النبي مشافهة وسماعاً ، فهذا يجب على كل أحد من المسلمين قبوله واعتقاده على ما جاء به من وجوب وندب وإباحة وحظر ومن لم يقبله فقد كفر لانه كذبه في خبره ، ومن كذب رسول الله فيما أخبر به فقد ارتد وتجب استتابته فإن تاب وإلا قتل . وضرب يؤخذ خبراً عنه والكلام فيه في موضعين : أحدهما في إسناده ، والآخر في متنه . فأما الإسناد فضربان : تواتر ، وآحاد . فأما التواتر فضربان : أحدهما : تواتر من طريق اللفظ ، والآخر : تواتر من طريق المعنى .

فأما التواتر من طريق اللفظ : فهو مثل الخبر بخروج النبي من مكة إلى المدينة ، ووفاته بها ودفنه فيها ، ومسجده ، ومنبره ، وما روي من تعظيمه الصحابة وموالاته لهم ومباينته لأبي جهل وسائر المشركين ، وتعظيمه القرآن وتحديهم به واحتجاجه بنزول ، وما روي من عدد الصلوات وركعاتها وأركانها وترتيبها ، وفرض الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك .

وأما التواتر من طريق المعنى : فهو أن يروي جماعة كثيرون يقع العلم بخبرهم كل واحد منهم حكماً غير الذي يرويه صاحبه إلا أن الجميع يتضمن معنى واحداً فيكون ذلك المعنى بمنزلة ما تواتر به الخبر لفظاً ، مثال ذلك ما روى جماعة كثيرون من عمل الصحابة بحبر الواحد والأحكام مختلفة والأحاديث متغايرة ولكن جميعها تتضمن العمل بخبر الواحد العدل ، وهذا أحد طرق معجزات رسول الله فإنه روي عنه تسبيح الحصى في يديه ، وحنين الجذع إليه ، ونبع الماء بين أصابعه ، وجعله الطعام القليل كثيراً ، ومجه الماء من فمه في المزاده فلم ينقصه الاستعمال ، وكلام البهائم له ، وما أشبه ذلك مما يكثر تعداده .

إذا ثبت هذا فإن عدد الجماعة الذين يقع العلم بخبرهم غير معلوم ، ولا دليل على عددهم من طريق العقل ولا من طريق الشرع . لكنا نعلم أن العدد القليل لا يوجب خبرهم العلم وخبر العدد الكثير يوجبه ، ويجب أن يكونوا قد علموا ما أخبروا به ضرورة ، وأن يكونوا على صفة لا يقع منهم الكذب اتفاقاً ، ولا تواطؤا بتراسل أو حمل حامل برغبة أو رهبة لأنا نعلم أن العلم لا يقع بخبر جماعة يجوز عليهم ذلك .

وخبر الآحاد ما انحط عن حد التواتر وهو ضربان : مسند ومرسل .

فأما المسند : فضربان . أحدهما : يوجب العلم وهو على أوجه منها : خبر الله سبحانه وخبر رسوله ، ومنها : أن يحكي رجل بحضرة رسول الله شيئاً ويدعي علمه فلا ينكره عليه فيقطع به على صدقه ، ومنها : أن يحكي رجل شيئاً بحضرة جماعة كثيرة ويدعي علمهم فلا ينكرونه فيعلم بذلك صدقه ، ومنها : خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول فيقطع بصدقه سواء عمل به الكل أو عمل به البعض وتأوله البعض ، فهذه الأخبار توجب العمل ويقع بها العلم استدلالاً .

وأما الضرب الثاني من المسند : فمثل الأخبار المروية في كتب السنن الصحاح فإنها توجب العمل ولا توجب العلم وقال قوم من أهل البدع : لا يجوز العمل بها ، ونحن نذكر الحجة عليهم وفساد مقالتهم بمشيئة الله ومعونته .

باب القول في وجوب العمل بخبر الواحد العدل

قال الله سبحانه : ( { فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ) [35] .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد ابن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا معاوية ابن عمر عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس ( وأنا ) طلحة بن علي بن الصقر ، نا أبو محمد جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر بن محمد المؤدب ، نا أبو عبيد ، نا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى : ( { فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً } ) [36] وفي قوله : ( { انفروا خفافاً وثقالاً } ) [37] قال ويقال : نسختهما : ( { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ) [38] قال : تنفر طائفة وتمكث طائفة مع النبي قال : فالماكثون هم الذين يتفقهون في الدين وينذروا إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو بما نزل من قضاء الله وكتابه وحدوده . واللفظ لحديث أبي عبيد .

أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا دعلج بن أحمد ، أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ أن سعيد بن منصور حدثهم ، قال : نا سفيان عن سليمان الأحول عن عكرمة ، قال : سمعته يقول : لما نزلت : ( { ألا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم } ) [39] قال المنافقون : قد بقي من الناس ناس لم ينفروا فهلكوا ، : ( { وكان قوم تخلفوا ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ) [40] فنزل العذر لأؤلئك : ( { فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم } ) [41] وأنزل الله في أولئك : ( { الذين يحاجون في الله من بعدما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم } ) [42] قلت ذكر الله الطائفة في هذه الآية واسم الطائفة يقع على القليل وعلى الكثير فوجب أن يثبت الحكم بمن وقع عليه هذا الاسم . وقرن الله تعالى الحذر بالانذار في قوله : ( { لعلهم يحذرون } ) ومعناه واجب أن يحذروا كما قال : ( { لعلهم يتقون } ) [43] و : ( { لعلهم يفقهون } ) [44] : ( { ولعلهم يهتدون } ) [45] إيجاباً عليهم أن يتقوا وأن يفقهوا وأن يهتدوا . وقال سبحانه : ( { يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ) [46] فأمر الله بالتثبت في خبر الفاسق وبين أن ذلك لئلا يصاب قوم بجهالة فيصبح من قضى بخبر الفاسق نادماً ، وفي ذلك دلالة واضحة على امضاء خبر العدل والفرق بينه وبين خبر الفاسق فلو كانا سيين في التثبت لبيَّنَهُ عز وجل .

أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الفتح الجيلي قال : حدثني أبو ذر الخضر بن أحمد الطبري ، قال : قال أبي أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص : لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد إذا عدلت نقلته وسلم من النسخ حكمه وإن كانوا متنازعين في شرط ذلك وإنما دفع خبرالآحاد بعض أهل الكلام لعجزه والله أعلم عن علم السنن زعم أنه لا يقبل منها إلاّ ما تواترت به أخبار من لا يجوز عليه الغلط والنسيان وهذا عندنا منه ذريعة إلى إبطال سنن المصطفى لوجهين : أحدهما : إن ما شرط من ذلك صفة الأمة المعصومة والأمة إذا تطابقت على شيء وجب القول به وإن لم يأت خبر ، والثاني : انه لو طولب بسنّة يتحاكم إليها المتنازعان تواترت عليها أخبار نقلتها وسلمت من خوف النسيان طرقها لم يجد إليها سبيلاً وكانت شبهته في ذلك انه وجد أخبار السنن آخرها عن من لا يجوز عليه الغلط والنسيان وهو النبي وكذلك يجب أن يكون أولها وأوسطها عن قوم لا يجوز عليهم الغلط والنسيان ، قال أبو العباس وكان ما اعتذر به ثانياً أفسد من جزمه أولاً وأقبح ، وذلك أن آخر هذه الأخبار عن من صحت نبوته وصدقت المعجزات قوله فيلزمه على قوة اعتلاله أن لا يقبل من الأخبار إلا ما روت الأنبياء عن الأنبياء وقد نطق الكتاب بتصديق ما اجتبيناه من تصديق خبر الآحاد قال الله تعالى : ( { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ) [47] واسم الطائفة عند العرب قد يقع على ما دون العدد المعصوم من الزلل وقد يلزم الواحد فأكثر قال الله تعالى : ( { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ) [48] : ( { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ) [49] فصح أن هذا الاسم واقع على العدد القليل وفيما تلونا وجهان من الحجة : أحدهما إن أمر الله إياهم بذلك دليل أن على المنذرين قبوله كما قال الله تعالى : ( { واشهدوا ذوي عدل منكم } ) [50] : ( { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ) [51] فكان ذلك دليلاً على قبول قولهما .

والوجه الثاني : قوله : ( { لعلهم يحذرون } ) [52] فلولا قيام الحجة عليهم ما استوجبوا الحذر ومعنى قوله لعلهم يحذرون إيجاب للحذر به والله أعلم نظير قوله : ( { بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون } ) [53] إيجاباً للاهتداء عليهم بذلك وقال تعالى : ( { انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون } ) [54] فوجب على العباد أن يعقلوا عن القرآن خطابه حجة لله عليهم . وحجة أخرى قول الله تعالى : ( { يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ) [55] الآية فكان في أمر الله بالتثبت في خبر الفاسق دلالة واضحة من فحوى الكلام على امضاء خبر العدل والفرق بينه وبين خبر الفاسق فلو كانا سيين في التوقف عنهما لأمر بالتثبت في خبرهما وحد التواتر الذي يجب عند المخالفين القول به على مذهبهم كما رتبت في الشهادات وفصل بينهما بأن جعل الشهادات منوطة بأعدادها وأطلق الأخبار اطلاقاً .

وقوله : ( { أن تصيبوا قوماً بجهالة } ) [56] دليل على أن إنفاذنا لقبوله في خبر العدل إصابة بعلم لا بجهل له ولئلا نصبح على ما فعلنا نادمين والله أعلم .

أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعيد السجستاني ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : فإن قال قائل : فأين الدلالة على قبول خبر الواحد عن رسول الله ؟ قيل له ان شاء الله : كان الناس مستقبلي بيت ا لمقدس ثم حولهم الله إلى البيت الحرام فأتى أهل قباء آتٍ وهم في الصلاة فأخبرهم أن الله أنزل على رسوله كتاباً وإن القبلة قد حولت إلى البيت الحرام فاستداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة .

وأن أبا طلحة وجماعة كانوا يشربون الشراب فضيخ بسر ولم يحرم يومئذ من الأشربة شيء فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت فأمروا أناساً فكسروا جرار شرابهم ذلك ولا أشك إنهم لا يحدثون مثل هذا إلا ذكروه لرسول الله إن شاء الله ويشبه إن لو كان قبول خبر من أخبرهم وهو صادق عندهم مما لا يجوز لهم قبوله أن يقول لهم رسول الله قد كنتم على قبلة لم يكن لكم أن تتحولوا عنها إذ كنت حاضراً معكم حتى أعلمكم أو يعلمكم جماعة أو عدد يسميهم لهم ويخبرهم أن الحجة تقوم عليهم بمثلها لا بأقل منها إن كانت لا تثبت عنده بواحد والفساد لا يجوز عند رسول الله ولا عند عالم ، وهراقةُ حلالٍ فساد .

ولو لم تكن الحجة أيضاً تقوم عليهم بخبر من أخبرهم بتحريم الخمر لأشبه أن يقول لهم قد كان لكم حلالاً ولم يكن عليكم إفساده حتى أعلمكم ان الله حرمه أو يأتيكم عدد يحدهم لهم بخبر عني بتحريمه .

وأمر رسول الله أم سلمة أن تعلم امرأة أن تعلم زوجها ان قبلها وهو صائم لا يحرم عليه ، ولو لم ير الحجة تقوم عليه بخبرها إذا صدقها لم يأمرها ان شاء الله به . وأمر رسول الله أنيساً الأسلمي أن يغدو على امرأة رجل فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها وفي ذلك إماتة نفسها باعترافها عند أنيس وهو واحد . وأمر عمرو بن أمية الضمري أن يقتل أبا سفيان وقد سن عليه أن علمه أسلم لم يحل له قتله وقد يحدث الإسلام قبل أن يأتيه عمرو بن أمية . وأمر أنيساً أو عبد الله بن أنيس أن يقتل خالد بن سفيان الهذلي فقتله ومن سنة رسول الله ألا يقتله ، وكل هؤلاء في معاني ولاته وهم واحد واحد يمضون الحكم باخبارهم .

قال الشافعي : وبعث رسول الله عماله واحداً واحداً ورسله واحداً واحداً . وإنما بعث عماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله من شرائع دينهم ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليهم ويعطوهم ما لهم ويقيموا عليهم الحدود وينفذوا فيهم الأحكام ولم يبعث منهم واحداً إلا مشهوراً بالصدق عند من بعثه إليه ولو لم تقم الحجة عليهم بهم إذ كانوا في كل ناحية وجههم إليها أهل صدق عندهم ما بعثهم ان شاء الله .

وبعث أبا بكر والياً على الحج فكان في معنى عماله ثم بعث علياً بعده بأول سورة براءة فقراها في مجمع الناس الموسم وأبو بكر واحد وعلي واحد وكلاهما بعثه بغير الذي بعث به صاحبه ، فلو لم تكن الحجة تقوم عليهم ببعث كل واحد منهما إذ كانا مشهورين عند عوامهم بالصدق وكان من جهلها من عوامهم يجد من يثق به من أصحابه يعرف صدقهما ما بعث واحداً منهما .

فقد بعث علياً بعظيم نقضِ مددٍ ، واعطاءِ مددٍ ، ونبذٍ إلى قومٍ ، ونهيٍ عن أمورٍ ، وأمرٍ بأخرى ، وما كان لأحد من المسلمين بَلَّغَهُ عليٌّ ان له مدة أربعة أشهر أن يعرض لهم في مدتهم ، ولا مأمور بشيء ولا منهي عنه برسالة علي أن يقول له : أنت واحد ولا تقوم على الحجة بأن رسول الله بعثك إلي بنقض شيء جعله لي ولا بإحداث شيء لم يكن لي ولا لغيري ولا بنهيي عن أمر لم أعلم رسول الله نهى عنه ولا باحداث أمر لم أعلم رسول الله أحدثه . وما يجوز هذا لأحد في شيء قطعه عليه علي برسالة النبي ولا أعطاه إياه ولا أمره به ولا نهاه عنه بأن يقول : لم أسمعه من رسول الله ، أو لم ينقله إلي عدد ، أولا أقبل فيه خبرك وأنت واحد . ولا كان لأحد وجه إليه رسول الله عاملاً يعرفه أو يعرفه له من يصدقه فصدقه أن يقول له العامل : عليك أن تعطي كذا وكذا أو تفعل كذا وكذا أو نفعل بك كذا وكذا ، فيقول : لا أقبل هذا منك لأنك واحد حتى ألقى رسول الله فيخبرني أن علي ما قلت انه علي فأفعله عن أمر رسول الله لا عن خبرك وقد يمكن أن تغلط أو يحدثنيه عامة يتشرط في عددهم وإجماعهم على الخبر عن رسول الله وشهادتهم معاً أو متفرقين ثم لا يذكر أحد من خبر العامة عدداً أبداً إلا وفي العامة عدد أكثر منه ولا من اجتماعهم حين يخبرون وتفرقهم شيئاً إلا أمكن في زمان النبي أو بعض زمانه حين كثر أهل الإسلام فلا يكون لتثبيت الأخبار غاية أبداً ينتهى إليها . ثم لا يكون هذا لأحد من الناس أجوز منه لمن قال هذا ورسول الله بين ظهرانيه لأنه قد يدرك لقاء رسول الله ويدرك ذلك له أبوه وولده وإخوته وقرابته ومن يصدقه في نفسه ويفصل صدقه بالنظر له فإن الكاذب قد يصدق من نظر له وإذا لم يجز هذا لأحد يدرك لقاء رسول الله ويدركه من يصدق من أهله والعامة عنه كان لمن جاء بعد رسول الله ممن لا يلقاه في الدنيا أولى أن لا يجوز .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل ، قال : حدثني ابن أبي ذيب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه ، أن رسول الله قال عام الفتح ﷺ : «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : ( ان أحب أخذ العقل ، وإن أحب فله القود » فقال أبو حنيفة : فقلت لابن أبي ذيب : أتأخذ بهذا يا أبا الحارث ؟ فضرب صدري وصاح علي صياحاً منكراً ونال مني ، وقال : أحدثك عن رسول الله وتقول تأخذ به ؟ وذلك الفرض علي وعلى من سمعه ، ان الله اختار محمداً من الناس ، فهداهم به وعلى يديه ، واختار لهم ما اختار له على لسانه ، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين ، لا مخرج لمسلم من ذلك . قال : وما سكت عني حتى تمنيت أن يسكت .

أنا الجوهري ، أنا عمر بن أحمد الواعظ نا يحيى بن محمد بن صاعد نا الحسين ابن الحسن المروزي نا عبد الله يعني ابن المبارك أنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : بلغنا عن رجال من أهل عن رجال من أهل العلم إنهم كانوا يقولون : الاعتصام بالسنن نجاة .

أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن بكران العوي بالبصرة ، نا أبو علي الحسن بن محمد ابن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني يونس عن ابن شهاب ، قال : بلغنا عن رجال من أهل العلم إنهم كانوا يقولون : الاعتصام بالسنن نجاة . والعلم يقبض قبضاً سريعاً ففي العلم ثبات الدين والدنيا وذهاب ذلك كله في ذهاب العلم .

أخبرني عبد العزيز بن علي الوراق ومحمد بن يحيى بن محمد الشولي ، قالا : نا عمر بن أحمد الواعظ ، نا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، نا الفضل بن زياد ، قال : سمعت أبا عبد الله وهو أحمد بن حنبل يقول : من رد حديث رسول الله فهو على شفا هلكه .

حدثني أبو سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجزى ، أنا علي بن بشرى السجستاني ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الآبري ، قال : سمعت الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه ، يقول ما لا أحصي من مرة : أنا عبد لأخبار رسول الله .

وصف الخبر الذي يلزم قبوله ويجب العمل به

لا يقبل خبر الواحد حتى تثبت عدالة رجاله ، واتصال إسناده . وثبوت العدالة أن يكون الراوي بعد بلوغه وصحة عقله ، ثقة مأموناً جميل الاعتقاد ، غير مبتدع مجتنباً للكبائر متنزهاً عن كل ما يسقط المروءة من المجون والسخف والأفعال الدنيئة . وينبغي أن لا يكون مدلساً في روايته ، ويكون ضابطاً حال الرواية محصلاً لما يرويه ، ويكون شيخه الذي سمع منه على هذه الصفة . وكذلك حال شيخ شيخه ومن بعده من رجال الاسناد إلى الصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله . فإن كان في الإسناد رجل ثبت فسقه أو جهل حاله فلم يعرف بالعدالة ولا بالفسق لم يصح الاحتجاج بذلك الحديث .

هذا الكلام في الحديث الذي اتصل سنده ، واما المرسل فهو ما انقطع إسناده وهو أن يروي المحدث عن من لم يسمع منه ، أو يروي عن من سمع منه ما لم يسمع منه ويترك اسم الذي حدثه به فلا يذكره . فلا يخلو من أحد أمرين : اما أن يكون من مراسيل الصحابة أو غيرهم ، فإن كان من مراسيل الصحابة قبل وجب العمل به ، لأن الصحابة مقطوع بعدالتهم فارسال بعضهم عن بعض صحيح .

وإن كان من مراسيل غير الصحابة لم يقبل لأن العدالة شرط في صحة الخبر والذي ترك تسميته يجوز أن يكون عدلاً ويجوز أن لا يكون عدلاً فلا يحتج بخبره حتى يعلم .

أنا الجوهري ، أنا محمد بن العباس ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : لا يقبل إلا حديث ثابت كما لا يقبل من الشهود إلا من عرفنا عدله . فإذا كان الحديث مجهولاً أو مرغوباً عمن حمله كان كما لم يأت لأنه ليس بثابت .

باب أوصاف وجوه السنن ونعوتها

قد مضى الكلام في الإسناد والكلام هاهنا في المتن وجملته ان في سنن رسول الله مثلما في كتاب الله من الحقيقة والمجاز ، والخاص والعام ، والمجمل والمبين ، والناسخ والمنسوخ ، ونحن نورد من كل معنى ذكرناه شيئاً يستدل به على ما سواه ان شاء الله .

فمن المجاز : ما أنا أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السميساطي بدمشق ، أنا عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي ، أنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا ، نا يونس بن عبد الأعلى أنا عبد الله بن وهب ، ان مالكاً أخبره قال ابن جوصا ( ونا ) عيسى بن إبراهيم الغافقي ، قال : أنا عبد الرحمن بن القاسم ، حدثني مالك عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله ﷺ : «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفى الكير خبث الحديد » .

قال يونس قال لنا ابن وهي قلت لمالك ما : «تأكل القرى » ؟ قال : تفتح القرى .

أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ : «أمرت بقرية تأكل القرى » .

قال : تفسيره والله أعلم تفتح القرى فتحت مكة بالمدينة وما حول المدينة بها لا انها تأكل أكلا إنما تفتح القرى بالمدينة .

قلت : قوله : «أمرت بقرية » على معنى أمرت بالهجرة إلى قرية وقوله : «تأكل القرى » بمعنى يأكل أهلها القرى كما قال الله تعالى : ( { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان } ) [57] الآية يعني قرية كان أهلها مطمئنين فكان ذكر القرية في هذا كناية عن أهلها وأهلها هم المرادون بها لا هي والدليل على ذلك قوله تعالى : ( { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } ) والقرية لا صنع لها وقوله : ( { فكفرت بأنعم الله } ) والقرية لا كفر لها . وقوله : «تأكل القرى » بمعنى تقدر عليها كقوله تعالى : ( { ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً } ) [58] ليس يعني بذلك أكلتها دون محتجبيها عن اليتامى لا بأكل لها ، وكقوله تعالى : ( { ولا تأكلوها اسرافاً وبداراً أن يكبروا } ) [59] يعني تغلبوا عليها إسرافاً على أنفسكم وبداراً أن يكبروا فيقيموا الحجة عليكم بها فينزعوها منكم لأنفسهم فكان الأكل فيما ذكرنا يراد به الغلبة على شيء فكذلك في الحديث .

وحديث آخر ، أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي ، نا أبو المغيرة ، قال : حدثني عبد الله بن سالم ، حدثني العلاء ابن عتبة عن عمر بن هانىء العنسي ، قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : كنا قعوداً عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الاحلاس فقال قائل يا رسول الله ما فتنة الأحلاس ؟ قال ﷺ : «هي هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم انه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويسمي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده » .

قوله ﷺ : «فتنة الأحلاس » الأحلاس : جمع حلس وإنما شبهها بالحلس لظلمتها والتباسها أو لأنها تركد وتدوم فلا تقلع يقال فلان حلس بيته إذا كان يلازم قعر بيته لا يبرح ويقال : هم أحلاس الخيل إذا كانوا يلزمون ظهورها والدخن الدخان يريد انه سبب إثارتها وهيجها . وقوله : «كورك على ضلع » يريد والله أعلم إنهم يجتمعون على رجل غير خليق للملك ولا مستقل به لأن الورك لا يستقل على الضلع ولا يلائمها وإنما يقال في باب المشاكلة هو كرأس على جدار أو كف في ذراع ونحوها من الكلام . والدهيماء : تصغير الدهماء ولعله صغرها على طريق المذمة والله أعلم .

وحديث آخر ، أخبرنيه علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، نا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا القرى علي بن الحسن بن مكرم ( وأنا ) أسمع ، قال : قرأنا على قيس بن محمد البصري عن سفيان الثوري عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : «تدور رحا الإسلام في خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من يهلك وأن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً » قلت : يا رسول الله مما مضى أو مما بقي ؟ قال رضي الله عنه : «مما بقي » .

قوله ( ( تدور رحا الإسلام » مثل يريد أن هذه المدة إذا انتهت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف لذلك على أهله الهلاك يقال للأمر إذا تغير واستحال قد دارت رحاه وهذا والله أعلم إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة . وقوله ( ( يقم لهم دينهم » أي ملكهم وسلطانهم والدين الملك والسلطان ، ومنه قول الله تعالى : ( { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } ) [60] وكان بين مبايعة الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان إلى انقضاء ملك بني أمية من المشرق نحو من سبعين سنة .

باب من العام والخاص

إذا تعارض لفظان عن رسول الله وكان أحدهما عاماً والآخر خاصاً مثل ما :

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، نا الحسن بن عفان العامري الكوفي ، نا يحيى بن آدم ، نا أبو بكر بن عياش عن ابان عن أنس رضي الله عنه ، قال : فرض رسول الله فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بالدوالي والسواني والغرب والناضح نصف العشر .

ثم أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الحسين بن عفان العامري ، نا يحيى بن آدم ، نا سفيان بن سعيد عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي قال ﷺ : «لا صدقة في حب ولا ثمر دون خمسة أوسق » .

فحديث أنس عام يوجب الصدقة في قليل ما ينبت الأرض من الزرع والثمر وفي كثيره ، وحديث أبي سعيد خاص في أن الصدقة إنما تجب فيما تجب فيما بلغ خمسة أوسق فصاعداً وأما ما قصر عن ذلك فلا صدقة فيه ، والواجب في مثل هذا أن يقضي بالخاص على العام لقوته فإن الخاص يتناول الحكم بلفظ لا احتمال فيه والعام يتناوله بلفظ محتمل فوجب أن يقضي بالخاص عليه .

وأما إذا كان كل واحد من اللفظين عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيمكن أن يخص بكل واحد منهما عموم الآخر مثل ما :

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة ، أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس .

وأنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن وإسماعيل بن إسحاق ، قالا : نا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله قال ﷺ : «لا يتحر أحدكم فيلصي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها » .

وأنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، أنا أبو بكر محمد بن عريب البزار ، أنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشاء ، نا سويد بن سعيد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «أن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، وإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها فإذا تدلت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها » .

ونهى رسول الله عن الصلاة في تلك الساعات

فكان النهي في هذه الأحاديث ظاهره العموم وانه لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة من الصلوات في هذه الأوقات . ثم جاء لفظ عن النبي يعارض ما ذكرنا في حديث .

أناه أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على عبد العزيز بن جعفر الحرقي وأنا أسمع ، حدثكم القاسم بن زكريا ، قال ابن المثنى : نا عبد الأعلى ، قال قاسم : وأنا بندار ، نا ابن أبي عدي قال ( ونا ) عبد الله بن سعيد ، نا عقبة بن خالد ، قال : ( ونا ) هارون ، نا عبدة ، قال : ( ونا ) يوسف ، نا أبو أسامة ، قالوا : نا سعيد ابن أبي عروية عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها » .

فكان ظاهر هذا الحديث يدل على أن من ذكر صلاة كان نسيها أو نام عنها فإن عليه أن يصليها في أي وقت كان ، واحتمل أن يكون المراد بالنهي عن الصلاة في الأوقات المقدم ذكرها ما لا سبب له من الصلوات بدليل حديث أنس .

واحتمل أن يكون المراد بحديث أنس أن من ذكر أن عليه صلاة نسيها أو نام عنها فليصلها في غير الأوقات التي جاء النهي عن الصلاة فيها فالواجب في مثل هذا أن لا يقدم على الأمر إلا بدليل شرعي من غيرهما يدل على الخصوص فيهما أو ترجيح يثبت لأحدهما على الآخر ، فإنا نظرنا في الأحاديث فوجدنا فيها ما يحصل به الحكم الفاصل فيما قدمنا .

أنا القاضي أبو بكر الحيري نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا سفيان عن عبد الله عن أبي الوليد ، قال : سمعت أبا سلمة قال : قدم معاوية المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال يا كثير ابن الصلت اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فاسألها عن صلاة النبي الركعتين بعد العصر ، قال أبو سلمة : فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فقال : اذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين ، قال : فجاءها فسألها ، فقالت له عائشة : لا علم لي ولكن اذهب إلى أم سلمة فاسألها ، قال : فذهبت معه إلى أم سلمة ، فقالت : دخل علي رسول الله ذات يوم بعد العصر وصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها ؟ فقال : إني كنت أصلي الركعتين بعد الظهر وانه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنها فهما هاتان الركعتان .

أنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا عثمان بن أبي شيبة ، نا ابن نمير عن سعد بن سعيد ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو ، قال : رأى رسول الله رجلاً يصلي بعد صلاة الغداة ركعتين فقال رسول الله ﷺ : «صلاة الصبح ركعتان » فقال الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت رسول الله .

أنا علي بن أحمد بن إبراهيم البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان نا أبو بكر الحميدي والحماني وعبد الله بن مسلمة ، قالوا : نا سفيان ، نا أبو الزبير ، انه سمع عبد الله بن باباه يحدث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «يا بني عبد المطلب ، أو يا بني عبد مناف أن وليتم من هذا الأمر شيئاً فلا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة من ليل أو نهار » .

قيل للحميدي : ان شاء ، قال : لا أعرف شاء . أنا أبو القاسم الأزهري والتنوخي ، قالا : أنا علي بن محمد ابن لؤلؤ الوراق ، نا هيثم بن خلف ، نا إسحاق بن موسى الأنصاري ، نا معن ، نا مالك عن عامر بن عبد الله ابن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة السلمي رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع قبل أن يجلس » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان عن عمرو يعني ابن دينار عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي قال : كان رسول الله في سفر فعرس فقال ﷺ : «ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة » ؟ فقال بلال : أنا يا رسول الله ، قال : فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول الله ﷺ : «يا بلال » ، فقال بلال : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، قال : فتوضأ رسول الله ثم صلى ركعتين الفجر ثم اقتادوا رواحلهم شيئاً قال : ثم صلى الفجر .

فدلت هذه الأحاديث أن النهي عن الصلوات في الأوقات التي تقدم ذكرها منصرف إلى الصلوات التي لا أسباب لها ، فأما صلاة وجبت على الأنسان فنسيها ، أو نام عنها ، أو جنازة حضرت لم يصل عليها ، أو ركعتا الطواف بالبيت الحرام ، أو ركعتا الدخول إلى المسجد ، أو غير ذلك من الأسباب التي نسبت الصلاة إليها وعلقت عليها ، فلا تكره في أي وقت فعلت بدليل ما ذكرناه عن رسول الله .

أنا أحمد بن جعفر القطيعي وعلي بن أبي علي البصري ، قالا : أنا علي بن عبد العزيز البردعي ، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، نا الربيع بن سليمان المصري ، قال : قلت للشافعي إن علي بن معبد أخبرنا بإسناده ، عن النبي أنه أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض ، فقال : أما هذا فغرر لأنه يحول دونه فلا يرى . فإن ثبت الخبر عن النبي قلنا به وكان خاصاً مستخرجاً من عام ، كما أجزنا بيع الصبرة بعضها فوق بعض لأنه غرر ، فلما أجازها النبي أجزناها كما أجازها وكان خاصاً مستخرجاً من عام لأن رسول الله نهى عن بيع الغرر وأجاز هذا ، وكذلك أجاز بيع الشقص من الدار وجعل لصاحبه الشفعة وإن كان الأساس منها مغيباً لا يرى وخشباً في الحائط لا يرى فلما أجاز ذلك أجزناه كما أجازه وان كان فيه غرر وكان خاصاً مستخرجاً من عام .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، نا إسحاق بن بكر عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن محمد بن مسلم بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة ، ان رجلاً أتى رسول الله فأخبره انه وقع بامرأته في رمضان فقال ﷺ : «هل تجد رقبة » ؟ قال : لا ، قال ﷺ : «هل تستطيع صيام شهرين » ؟ قال : لا . قال ﷺ : «فأطعم ستين مسكيناً » ، قال : ولا أجد ، قال فأعطاه رسول الله تمراً فأمره أن يتصدق به قال : فذكر لرسول الله حاجته فأمره أن يأخذه هو .

هذا الحديث يشتمل على حكمين : أحدهما : عام وهو وجوب الكفارة على من وطىء امرأته في رمضان ووجوبها على الترتيب الذي ذكر . والثاني : خاص وهو إذن النبي للرجل في أخذ ذلك وليس يجوز ذلك لأحد غيره .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا أبو عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا ابن نمير وعبد الله بن مسلمة ، قالا : نا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم ، قال : إني لأسمع الحديث فآخذ بما يؤخذ به وأدع سائره .

ذكر ما يجوز التخصيص به وما لا يجوز

الأدلة التي يجوز التخصيص بها ضربان : متصل ومنفصل . فأما المتصل : فهو الاستثناء ، والشرط ، والتقييد بالصفة ، فأما الاستثناء : فلا يصح إلا أن يكون متصلاً بالمستثنى منه . وأما الشرط : فهو ما لا يصح المشروط إلا به وقد ثبت بدليل منفصل كاشتراط القدرة في العبادات ، واشتراط الطهارة في الصلاة ، وقد يكون متصلاً بالكلام كقول الله تعالى : ( { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } ) [61] : ( { فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً } ) [62] ، وقد يكون بلفظ الغاية كقوله تعالى : ( { حتى يعطوا الجزية } ) [63] . وأما تقييد العام بالصفة : فمثل قوله تعالى : ( { فتحرير رقبة مؤمنة } ) [64] ولو أطلق الرقبة لعمت المؤمنة والكافرة فلما قال : ( { مؤمنة } ) [65] وجب التخصيص . فإن ورد الخطاب مطلقاً حمل على اطلاقه ، وإن ورد في موضع مطلقاً وفي موضع مقيداً فإن كان ذلك في حكمين مختلفين مثل أن يقيد الصيام بالتتابع ويطلق الاطعام لم يحمل أحدهما على الآخر بل يقيد كل واحد منهما بنفسه لأنهما لا يشتركان في لفظ ولا معنى . وإن كان ذلك في حكم واحد وسبب واحد مثل أن يذكر الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان ثم يعيد ذكرها في القتل مطلقة كان الحكم للمقيد لأن ذلك حكم واحد استوفى بيانه في أحد الموضعين ولم يستوفه في الموضع الآخر .

واما المنفصل من الأدلة التي يجوز التخصيص بها فضربان : أحدهما : من جهة العقل ، والآخر : من قبل الشرع . فأما الذي من جهة العقل فضربان أيضاً : أحدهما : ما يجوز ورود الشرع بخلافه ، وهو ما يقتضيه العقل من براءة الذمة ، فهذا لا يجوز التخصيص به لأن ذلك إنما يستدل به لعدم الشرع فإذا ورد الشرع سقط الاستدلال به وصار الحكم للشرع ؛ والثاني : ما لا يجوز ورود الشرع بخلافه مثل ما دل عليه العقل من نفي الخلق عن صفات الله تعالى فيجوز التخصيص بهذا ولأجل ذلك خصصنا قوله تعالى : ( { خالق كل شيء } ) [66] وقلنا المراد به ما خلا الصفات لأن العقل قد دل على انه تعالى لا يجوز أن يخلق صفاته فخصصنا العموم به .

وأما الأدلة التي يجوز التخصيص بها من جهة الشرع فوجوه : نطق الكتاب والسنّة ، ومفهومهما ، وأفعال رسول الله واقراره ، وإجماع الأمة ، والقياس .

فأما الكتاب فيجوز تخصيص الكتاب به كقوله تعالى : ( { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ) [67] خص به قوله تعالى : ( ولا تنكحوا الشركات حتى يؤمن )

ويجوز تخصيص السنه به ، وقال بعض الناس لا يجوز ذلك ، والدليل على جوازه هو أن الكتاب مقطوع بصحة طريقه والسنة غير مقطوع بطريقها ، فإذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب وتخصيص السنة بها أولى ، فيجوز تخصيص الكتاب بها ، الكتاب والسنة دليلان أحدهما خاص والآخر عام فقضي بالخاص منهما على العام كما لو كانا من الكتاب ويجوز تخصيص السنة بالسنة من لفظ النبي وفعله .

ويجوز التخصيص باقراره كما رأى المصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فأقره عليه ولا يجوز أن يرى منكراً من أحد فيقره عليه ، ويجوز التخصيص بإجماع الأمة لأنه أقوى من كثير من الظواهر ، فإذا جاز التخصيص بالظواهر فالإجماع بذلك أولى ، ويجوز التخصيص بالقياس لأن القياس يتناول الحكم فيما يخصه بلفظ غير مجمل فخص به العموم كلفظ الخاص ، ولا يجوز تخصيص العموم بالعرف والعاده لأن الشرع لم يوضع على العادة وإنما وضع في قول بعض الناس على حسب المصلحة وفي قول الباقين على ما أراد الله عز وجل وذلك لا يقف على العادة .

ذكر القول في اللفظ الوارد على سبب

اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج السبب منه لانه يؤدي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وذلك لا يجوز . وهل يدخل فيه غيره أم لا ؟ ينظر ، فإن كان في اللفظ لا يستقل بنفسه كان ذلك مقصوراً على ما فيه من السبب ويصير الحكم مع السبب كالجملة الواحدة ، فإن كان لفظ السائل عاماً مثل ان قال : أفطرت وذلك في رمضان ، فأجابه بأن قال : أعتق ، حمل الجواب على العموم في كل مفطر بأي سبب كان الفطر كأنه قال : من أفطر فعليه العتق ، من جهة المعنى لا من جهة اللفظ وذلك انه لما لم يستفصل دل على أنه لا يختلف الحكم ، ولما نقل السبب وهو الفطر فحكم فيه بالعتق صار كأنه علل بذلك لأن السبب في الحكم تعليل . وإن كان لفظ السائل خاصاً مثل أن قال : جامعت ، فأجابه بأن قال : أعتق ، حمل الجواب على الخصوص في المجامع لا يتعدى إلى غيره من المفطرين فكأنه قال : من جامع في رمضان فعليه العتق .

واما إذا كان الجواب يستقل بنفسه وهو مخالف للسؤال اعتبر حكم اللفظ فإن كان خاصاً حمل على خصوصه ، وإن كان عاماً حمل على عمومه ، ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه .

مثال ذلك في عمومه : ما أنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا محمد بن العلاء والحسن بن علي ومحمد بن سليمان الأنباري ، قالوا : نا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قيل لرسول الله : أتتوضأ من بئر بضاعة ، وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن ؟ فقال رسول الله ﷺ : «الماء طهور لا ينجسه شيء » .

وإنما وجب أن يحمل هذا على العموم في المياه كلها لأن الحجة في قول رسول الله دون السبب فوجب أن يعتبر عمومه .

وأما خصوص اللفظ فمثاله أن يسأل عن قتل النساء الكوافر فيقول : اقتلوا المرتدات ، فيجب قتل المرتدات باللفظ . ولا يجوز قتل غير المرتدات من الحربيات لجهتين ، احداهما من طريق دليل الخطاب ، والثانية ان النبي لما عدل عن الاسم العام إلى الاسم الخاص دل على أنه قصد المخالفة بين المرتدات وبين الحربيات وهذا كما قلنا في حديث حذيفة بن اليمان الذي :

أنا القاضي أبو الطيب الطبري وأبو بكر محمد بن عبد الملك القرشي ، قالا : أنا علي بن عمر الحافظ ، نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا خلف بن هشام ، نا أبو عوانة عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «جعلت الأرض كلها لنا مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً ، وجعلت صفوفنا مثل صفوف الملائكة » .

إن التيمم بغير التراب لا يجوز لأن النبي علق على عموم اسم الأرض كونها مسجداً وعلق على نوع منها خاص كونه طهوراً فدل على أنه قصد المخالفة بين المسجد والطهور والله أعلم .

باب من المجمل والمبين

أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأنا على أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي حدثكم عبد الله هو ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة عن سماك عن مصعب بن سعد ، قال : مرض ابن عامر ، قال : فجعلوا يثنون عليه وابن عمر ساكت فقال : أما إني لست بأغشهم لك لكن رسول الله قال ﷺ : «ان الله لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » .

أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه الأرموي بنيسابور ، أنا عبد الله بن أحمد الفقيه بنسا ، أنا الحسن بن سفيان ، نا أمية بن بسطام ، نا يزيد بن زريع ، نا روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن سيفي عن أبي معبد عن ابن عباس ، أن رسول الله لما بعث معاذاً إلى اليمن قال ﷺ : «انك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله . فإذا عرفوا الله فأخبرهم ان الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم ان الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم ، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذيب عن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه ، أن رسول الله قال رضي الله عنه : «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فلهم العقل ، وان أحبوا فلهم القود » .

هذه الأحاديث الثلاثة مجملة لأن الطهور والزكاة والعقل وهو الدية أمور لا تعقل ولا تعرف أحكامها من لفظ الأحاديث التي ذكرناها بل تحتاج في بيانها إلى غيرها .

أنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ، نا أبومحمد علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : البيان ترجمان القلوب وصقيل العقول ، ومجلي الشبهة ، وموجب الحجة ، والحاكم عند اختصام الظنون ، والفاروق بين الشك واليقين ، وهو من سلطان الرسل الذي انقاد به المستصعب ، واستقام الأصيد ، وبهت الكافر ، وسلم الممتنع حتى أثبت الحق بأنصاره ، وخلا ربع الباطل من غمازه ، وخير البيان ما كان مصرحاً عن المعنى ليسرع الفهم تلقفه ، وموجزاً ليخف عن الحفظ حمله .

سمعت أبا إسحاق الفيروز آبادي يقول : البيان هو الدليل الذي يتوصل بصحيح النظر فيه إلى ما هو دليل عليه ، قال : وقال بعض أصحابنا : هو إخراج الشيء من حيز الأشكال إلى حيز التجلي .

قلت : ويقع البيان بالقول ، وبمفهوم القول ، وبالفعل ، وبالاقرار ، وبالإشارة ، وبالكتابة ، وبالقياس .

فأما البيان بالقول فنحو ما : أنا علي بن القاسم البصري ، نا علي ابن إسحاق بن محمد بن البحتري المادرائي ، نا محمد بن عبيد الله المنادي ، نا أبو بدر شجاع بن الوليد ، نا زهير ، نا أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه ، أن النبي قال ﷺ : «هاتوا صدقة ربع العشور من كل أربعين درهماً درهماً وليس عليكم حتى تتم مائتي درهم فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم » .

انتهى الجزء الثالث من كتاب الفقيه والمتفقه ويتلوه ان شاء الله الجزء الرابع وأوله ( واما البيان بمفهوم القول ) والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم .

هامش

[ البقرة : 186 ]

[ البقرة : 042 ]

[ البقرة : 234 ]

[ البقرة : 115 ]

[ البقرة : 051 ]

[ الأنفال : 56 ]

[ الأنفال : 66 ]

[ البقرة : 184 ]

[ البقرة : 183 ]

[ البقرة : 187 ]

[ يونس : 51 ]

[ النحل : 44 ]

[ الرعد : 93 ]

[ النحل : 44 ]

[ الأحزاب : 53 ]

[ البقرة : 239]

[ البقرة : 196 ]

[ آل عمران : 131 ]

[ النساء : 96 ]

[ المائدة : 29 ]

[ النساء : 08 ]

[ الحشر : 7 ]

[ البقرة : 129 ]

[ البقرة : 151 ]

[ آل عمران : 164 ]

[ فاطر : 3 ]

[ النساء : 113 ]

[ الأحزاب : 43 ]

[ البقرة : 129 ]

[ الأحزاب : 43 ]

[ النجم : 3 ]

[ النساء : 105 ]

[ النساء : 92 ]

[ البقرة : 275 ]

[ التوبة : 221 ]

[ النساء : 17 ]

[ التوبة : 14 ]

[ التوبة : 221 ]

[ التوبة : 93 ]

[ التوبة : 221 ]

[ التوبة : 221 ]

[ الشورى : 61 ]

[ البقرة : 187 ]

[ الأنعام : 56 ]

[ الأنبياء : 13 ]

[ الحجرات : 6 ]

[ التوبة : 221 ]

[ الحجرات : 9 ]

[ النور : 2 ]

[ الطلاق : 2 ]

[ البقرة : 282 ]

[ التوبة : 221 ]

[ السجدة : 3 ]

[ الزخرف : 3 ]

[ الحجرات : 6 ]

[ الحجرات : 6 ]

[ النحل ]

[ النساء : 01 ]

[ النساء : 6 ]

[ يوسف : 67 ]

[ النساء : 29 ]

[ المجادلة : 4 ]

[ التوبة : 92 ]

[ النساء : 29 ]

[ النساء : 29 ]

[ الأنعام : 201 ]

[ المائدة : 5 ]

=======ج4.

الفقيه والمتفقه

الجزءالرابع

الخطيب البغدادي الجزءالخامس

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الرابع

وأما البيان بمفهوم القول فقد يكون تنبيهاً كقول الله تعالى : ( { فلا تقل لهما أف } ) [1] فيدل على أن الضرب أولى بالمنع ، وقد يكون دليلاً كما :

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا محمد بن عبيد الله بن المنادي ، نا يونس بن محمد المؤدب ، نا حماد بن سلمة ، قال : أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله ابن أنس بن مالك ، ان أبا بكر رضي الله عنه ، كتب له : ان هذه فرائض الصدقة التي فرض الله على المسلمين التي أمر الله بها رسوله وذكر الحديث إلى أن قال رضي الله عنه : «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة » .

وقوله ( في سائمتها ) دليل على أنه لا زكاة في المعلوفة ، وهذا هو دليل الخطاب . وذهب قوم إلى أن مثل هذا القول لا يدل على أن ما عداه بخلافه والدليل على صحة ما ذكرناه ما .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا أحمد ابن عبد الجبار العطاردي ، نا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن ابن أبي عمارة عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية ، قال : قلت لعمر بن الخطاب : ( { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ) [2] قد أمن الناس ؟ فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله فقال ﷺ : «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته » .

وأنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا شعبة عن الأعمش قال : سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله ، قال : قال رسول الله كلمة وقلت أخرى قال رسول الله ﷺ : «من مات وهو يجعل لله نداً دخل النار » . قال عبد الله وأنا أقول : من مات وهو لا يجعل لله نداً أدخله الله الجنة .

ولم يقل عبد الله هذا إلا من ناحية دليل الخطاب وكذلك تعجب عمر بن الخطاب وسؤاله رسول الله عن الآية إنما هو من ناحية دليل الخطاب فدل على أنه لغة العرب ، ولأن تقييد الحكم بالصفة يوجب تخصيص الخطاب فاقتضى باطلاقه النفي والاثبات كالاستثناء .

هذا الكلام فيه إذا كان الحكم معلقاً على صفة في جنس فإما إذا علق الحكم على مجرد الاسم مثل أن تقول : في الغنم زكاة ، فإن ذلك لا يدل على نفي الزكاة عما عدا الغنم .

وأما البيان بالفعل فمثل ما : أنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي نا موسى بن الحسن ، نا أبو نعيم ، نا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس على مثل قدر الشراك ، ثم صلى بي العصر حين كان كل شيء قدر ظله ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق ، ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، ثم صلى بي الظهر من الغد حين كان كل شيء بقدر ظله ، ثم صلى بي العصر حين كان كل شيء مثلي ظله ، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم لوقت واحد ، ثم صلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول ، ثم صلى بي الفجر قال أبو نعيم لا أحفظ ما قال في الفجر ثم التفت إلي فقال : يا محمد ان هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين » .

وبمثابة ما ذكرنا مناسك الحج فإن النبي بينها بفعله .

وأما البيان بالاقرار فنحو ما أنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن قيس جد سعد رضي الله عنه ، قال : رآني رسول الله وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال ﷺ : «ما هاتان الركعتان يا قيس » ؟ قلت : يا رسول الله إني لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان فسكت رسول الله .

وهذا فيه بيان أن الصلاة التي لها سبب جائزة بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس .

وأما البيان بالإشارة فنحو ما : أنا الحسن بن أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عبد الله القطان ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا أبو مصعب ، نا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر ، انه قال : رأيت رسول الله يشير إلى المشرق ويقول ﷺ : «ها إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان » .

وأما البيان بالكتابة فنحو ما : أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عبد الله بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، نا عبد الله بن مصعب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال قرأت كتاب رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فكتب رسول الله فيه ﷺ : «هذا بيان من الله ورسوله : ( { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ) [3] وكتب الآيات حتى بلغ : ( { ان الله سريع الحساب } ) [4] ثم كتب رضي الله عنه : «هذا كتاب الجراح ، في النفس مائة من الإبل ، وفي الأنف إذا أوعي جدعه مائة من الإبل ، وفي العين خمسون من الإبل ، وفي الأذن خمسون من الإبل ، وفي الرجل خمسون من الإبل ، وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل ، وفي المأمومة ثلث النفس ، وفي الجائفة كثلث النفس ، وفي المنقلة خمس عشرة ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وفي السن خمس من الإبل » .

قال ابن شهاب : فهذا الذي كتبه رسول الله عند أبي بكر بن حزم .

وأما البيان بالقياس فنحو ما : أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على الحسين بن علي التميمي النيسابوري وأنا أسمع ، أخبركم أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، نا إسحاق بن راهوية ، أنا سفيان عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان ، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله ﷺ : «الورق بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والذهب بالذهب ربا الا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء » . وأنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعوقب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا عبد الوهاب يعني ابن عبد المجيد الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ، ورجل آخر عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ، ان رسول الله قال ﷺ : «لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ، ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ، ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء ، عيناً بعين ، يداً بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، والتمر بالملح ، والملح بالتمر كيف شئتم ونقص أحدهما الملح أو التمر وزاد أحدهما من زاد أو اتزداد فقد أربى » .

فنص رسول الله على هذه الأعيان من المطعومات في الربا ودل القياس على أن غيرها من المطعومات مثلها . ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنه لا يمكن امتثال الأمر من غير بيان ولهذا قلنا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه الذي :

أناه القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا محمد بن كثير ، أنا همام قال : سمعت عطاء ، قال : أنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ، أن رجلاً أتى النبي وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق أو قال صفرة وعليه جبة فقال : يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ فأنزل الله على النبي الوحي فلما سري عنه قال : أين السائل عن العمرة » ؟ قال رضي الله عنه : «أغسل عنك أثر الخلوق أو قال أثر الصفرة ، واخلع الجبة عنك واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك » . ان الفدية غير واجبة لأن النبي إذا حكم بحكم لسبب ذكر له يجب أن يكون الحكم جميع موجبه ولا يجوز أن يزاد فيه بغير دليل .

وأما تأخير البيان عن وقت الخطاب فإنه يجوز في النسخ خاصة ، لأن الله تعالى لما أمر بالتوجه إلى بيت المقدس في كل صلاة كان ذلك عاماً في كل زمان وأراد به بعض الأزمان فأخر بيانه إلى وقت الحاجة ، وأما تأخيره في غير النسخ ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : انه يجوز ، والثاني : انه لا يجوز ، والثالث : انه يجوز تأخير بيان المجمل ولا يجوز تأخير بيان العموم ، ومن الناس من قال : يجوز ذلك في الأخبار دون الأمر والنهي ، ومنهم من قال : يجوز في الأمر والنهي دون الأخبار . وسمعت أبا إسحاق الفيروز آبادي يقول : والصحيح انه يجوز في جميع ما ذكرناه لأن تأخيره لا يخل بالامتثال فجاز كتأخير بيان النسخ .

باب من الناسخ والمنسوخ

أنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن إسماعيل الداودي ، أنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، نا الحسن بن أحمد بن الربيع الأنماطي ، نا عمر بن شبة ، نا محمد بن الحارث يعني الحارثي نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان أحاديثي ينسخ بعضها بعضاً كنسخ القرآن » .

أخبرني أبو الفرج الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري ، نا محمد بن علي بن الحسن بن سويد المؤدب ، نا محمد بن حصن الألوسي ، نا هارون بن إسحاق ، نا معتمر عن أبيه عن أبي العلاء بن الشخير ، قال : كان حديث رسول الله ينسخ بعضه بعضاً كما أن القرآن ينسخ بعضه بعضاً أنا أبو سعيد : محمد بن موسى الصيرفي ، . . . . . كلام الرجال أحق أن ينسخ بعضه يعضا والنسخ جائز في الشرع وقالت اليهود لا يجوز ، وحكى ذلك عن شرذمة من المسلمين وهو خطأ لأن التكليف في قول بعض الناس إلى الله تعالى يفعل ما يشاء ، وعلى قول بعضهم التكليف على سبيل المصلحة فإن كان إلى مشيئته تعالى فيجوز أن يشاء في وقت تكليف فرض ووجوب أمر في وقت آخر في غيره فلا وجه للمنع .

ونسخ الفعل قبل دخول وقته يجوز وليس ذلك بداء ، والدليل عليه أن الله تعالى أمر إبراهيم الخليل عليه السلام بذبح ابنه ثم نسخه قبل وقت الفعل فدل على جوازه .

والبداء : هو ظهور ما كان خفياً عنه وليس في النسخ قبل الوقت ذلك المعنى .

ويجوز نسخ السنّة بالسنّة كما يجوز نسخ الكتاب بالكتاب الآحاد بالآحاد والمتواتر بالمتواتر . فأما نسخ المتواتر بالآحاد فلا يجوز ، لأن التواتر يوجب العلم فلا يجوز نسخه بما يوجب الظن . ويجوز نسخ القول بالقول ، ونسخ الفعل بالقول ، ونسخ الفعل بالفعل ، ونسخ القول بالفعل لأن الفعل كالقول في البيان فكما جاز النسخ بالقول جاز بالفعل . ويجوز النسخ بدليل الخطاب لأنه في معنى النطق ، ولا يجوز النسخ بالاجماع لأن الاجماع حادث بعد موت النبي فلا يجوز أن ينسخ ما تقرر في شرعه ولكن يستدل بالاجماع على النسخ ، فإذا رأيناهم قد أجمعوا على خلاف ما ورد به الشرع دلنا ذلك على أنه منسوخ ، ولا يجوز النسخ بالقياس لأن القياس إنما يصح إذا لم يعارضه نص فإذا كان هناك نص مخالف للقياس لم يكن للقياس حكم فلا يجوز النسخ به .

ولا يجوز النسخ بأدلة العقل لأن دليل العقل ضربان : ضرب لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه ، فلا يتصور نسخ الشرع به ، وضرب يجوز أن يرد الشرع بخلافه والبقاء على حكم الأصل وذلك إنما يجب العمل به عند عدم الشرع فإذا وجدالشرع بطلب دلالته فلا يجوز النسخ به .

فمن نسخ القول بالقول ما : أنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الداودي : أنا عمر بن أحمد الواعظ نا إبراهيم بن عبد الله الزينبي بالعسكر ، نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، نا خالد يعني ابن الحارث حدثني ابن جريج ، قال : حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة ، حدثه عن أبيه رضي الله عنه ، قال : حججنا مع النبي حتى إذا كنا بعسفان قال ﷺ : «استمتعوا بهذه النساء » قال : فجئت أنا وابن عم لي ببردين إلى امرأة فإذا برد ابن عمي خير من بردي وأنا أشب منه فقالت : برد كبرد ، قال : فاستمتعت منها على ذلك البرد وذكر آجلاً حتى إذا كان يوم التروية قام رسول الله فقال ﷺ : «إني كنت أمرتكم بهذه المتعة وإن الله حرمها إلى يوم القيامة فمن كان استمتع من امرأة فلا يرجع إليها وإن كان بقي من أجله شيء ، فلا يأخذ منها مما أعطاها شيئاً » .

ومن نسخ الفعل بالقول ما : أنا الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، أنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، نا عبد الله بن محمد البغوي ، نا هدبة بن خالد ، نا همام ، نا قتادة عن أنس رضي الله عنه ، قال : أتى النبي رهط من عرينة فقالوا : يا رسول الله قد اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا فأمرهم النبي أن يلحقوا براعي الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها قال : فلحقوا براعي الإبل فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت بطونهم فارتدوا وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل فبلغ ذلك النبي فبعث في طلبهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم .

أنا طلحة بن علي الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر بن محمد المؤدب قال : قال أبو عبيد : وقد ذكرت العلماء أن هذا قد نسخ وانه كان في أول الإسلام ، وقال أبو عبيد : نا عبد الرحمن بن مهدي عن همام بن يحيى عن قتادة عن ابن سيرين ، قال : كان أمر العرينين قبل أن تنزل الحدود .

قلت : سمل العينين مثلة وليس حد المرتد والقاتل إلا القتل ، وقد نهى رسول الله عن المثلة فنسخ بنهيه ما كان تقدمه .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا أبو عامر صالح رستم عن كثير بن شنظير عن الحسن عن عمران بن حصين ، قال : قلما قام فينا رسول الله إلا حثنا على الصدقة ونهانا عن المثلة . ومن نسخ الفعل بالفعل ما : أنا علي بن أبي علي النصري ، نا عبيد الله بن محمد بن إسحاق البزار ، نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى ، قال : كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بباب القادسية فمرت بهما جنازة فقاما فقيل : إنما هو من أهل الأرض فقالا : ان رسول الله مرت به جنازة فقام فقيل إنما هي جنازة يهودي فقال : «أليست نفساً » .

وأنا علي بن القاسم البصري ، نا علي بن إسحاق المادرايي ، نا ابن الجنيد ، نا الحميدي ، نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن واقد يعني ابن عمرو بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إن رسول الله إنما قام مرة واحدة ثم لم يعد .

ومن نسخ القول بالفعل ما : أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبد الله النجار وأبو طاهر عبد الغفار بن محمد بن عبد الغفار الأموي ، قالا : أنا يعقوب بن إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، نا جدي ، نا هدبة بن خالد ، نا همام عن قتادة عن شهر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن النبي قال ﷺ : «من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن شربها فاجلدوه ، فإن شربها الثالثة فاجلدوه ، فإن شربها الرابعة فاقتلوه » .

وأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزار بعكبرا وأبو الحسن علي بن أحمد بن هارون المعدل بالنهروان ، قالا : نا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي ، نا علي بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إذا شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إذا شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إذا شرب الخمر فاقتلوه » ، فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده فرفع القتل عن الناس وثبت الحد فكانت رخصة .

القول فيما يعرف به الناسخ من المنسوخ

إعلم ان النسخ قد يعلم بصريح النطق كما ذكرنا في حديث تحريم المتعة ، وقد يعلم بالاجماع وهو أن تجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر فيستدل بذلك على أنه منسوخ لئلا تجتمع على الخطأ .

مثال ذلك ما : أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا موسى بن إسماعيل ، نا حماد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، نا أبو قتادة رضي الله عنه أن النبي كان في سفر له فمال رسول الله وملت معه ، فقال ﷺ : «أنظر » فقلت : هذا راكب ، هذان راكبان ، هؤلاء ثلاثة ، حتى صرنا سبعة ، فقال ﷺ : «احفظوا علينا صلاتنا » . يعني صلاة الفجر ، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنية ثم نزلوا فتوضؤا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ، ثم صلوا الفجر وركبوا ، فقال بعضهم لبعض : قد فرطنا في صلاتنا ، فقال النبي ﷺ : «إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة ، فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت » .

والأمر بإعادة الصلاة المنسية بعد قضائها حال الذكر من غد ذلك الوقت منسوخ لإجماع المسلمين إن ذلك غير واجب ولا مستحب ، ما أنا الحسن بن علي التميمي ، أنا أبو بكر بن بابا ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، قال : قلت لحذيفة : أي ساعة تسحرتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ' هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ' .

وأجمع المسلمون على أن سطوع الفجر يحرم الطعام والشراب على الصائم ، مع بيان ذلك في قول الله تعالى : ( وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِن الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِيّامَ ) [5] . وقد يعلم المنسوخ بتأخر أحد الأمرين عن الآخر مع التعارض .

مثال ذلك ما أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمذان ، حدثكم عبد الله بن محمد بن شيرويه ، نا محمد بن بشار ، نا معاذ بن هشام ، حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن حطان ابن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، أن النبي كان إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه ونكس أصحابه رؤوسهم فلما سري عنه رفع رأسه فقال ﷺ : «قد جعل الله لهن سبيلاً الثيب بالثيب والبكر بالبكر أما الثيب فيجلد ثم يرجم ، وإما البكر فيجلد ثم ينفى » .

وأنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا أبو كامل ، نا يزيد بن زريع ، نا خالد يعني الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس ، ان ماعز بن مالك رضي الله عنه ، أتى النبي فقال : إنه زنى فأعرض عنه ، فأعاد عليه مراراً فأعرض عنه ، فسأل قومه ﷺ : «أمجنون هو » ؟ قالوا : ليس به بأس قال ﷺ : «أفعلت بها » ؟ قال : نعم ، فأمر به أن يرجم فانطلق به فرجم ولم يصلِّ عليه .

قلت : رجم النبي ماعزاً من غير أن يجلده دل على أن الجلد المذكور في حديث عبادة منسوخ . فإن قال قائل : ما الدليل على أن قصة ماعز متأخرة عن حديث عبادة ؟ قلنا : دلنا على ذلك ما .

أنا طلحة بن علي الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر بن محمد المؤدب نا أبو عبيد ، نا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى : ( { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً } ) [6] قال : وقال في المطلقات : ( { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ) [7] قال : هؤلاء الآيات قبل تنزيل سورة النور في الجلد فنسختها هذه الآية : ( { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ) [8] قال : والسبيل الذي جعله الله لهن الجلد والرجم فإذا جاءت اليوم بفاحشة مبينة فإنها تخرج وترجم بالحجارة . فقول رسول الله : «قد جعل الله لهن سبيلا » إلى آخر اللفظ هو أول بما نسخ من الحبس والأذى عن الزانيين ، فلما رجم رسول الله ماعزاً ولم يجلده دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم عليهما ، لأن كل شيء بعد أول فهو آخر .

فيعلم التأخر في الأخبار بضبط تواريخ القصص ، ويعلم أيضاً بأخبار الصحابي أن هذا ورد بعد هذا كما : أنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أبو زرعة الدمشقي ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره أن أباه زيد بن ثابت رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «توضؤا مما مست النار » .

وأنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا عبد الله بن مسلمة ، نا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ .

أنا أبو الفرج محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أبو زرعة الدمشقي ، نا علي بن عياش الحمصي ، نا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه ، قال : كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار .

أنا أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الروياني ، أنا عبد العزيز بن عبد الله الداركي ، نا جدي ، نا عبد الرحمن بن عمر يعني رسته نا عبد الوهاب الثقفي ، نا محمد بن عمرو ، قال : سمعت الزهري يقول : يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله .

أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، أنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا يزيد بن هارون ، نا سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف ، قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : نهى رسول الله أن يحتبسوا لحوم الأضاحي بعد ثلاث .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن واقد بن عبد الله أنه قال : نهى رسول الله عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث .

قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت : صدق سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله فقال رسول الله : «ادخروا لثلاث ، وتصدقوا بما بقي » قالت : فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله : لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية ، فقال رسول الله ﷺ : «وما ذاك » ؟ أو كما قال ، قالوا : يا رسول الله نهيتنا عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله ﷺ : «إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا » .

أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : إنا لنذبح ما شاء الله من ضحايانا ثم نتزود بقيتها إلى البصرة .

قال الشافعي : فهذه الأحاديث تجمع معاني : منها أن حديث علي عن النبي في النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث وحديث عبد الله بن واقد موتفقان عن النبي ، وفيهما دلالة على أن عليا سمع النهي من النبي ، وإن النهي بلغ عبد الله بن واقد . ودلالة على أن الرخصة من النبي لم تبلغ علياً ولا عبد الله بن واقد ولو بلغتهما الرخصة ما حدثا بالنهي والنهي منسوخ ، وتركا الرخصة والرخصة ناسخة والنهي منسوخ لا يستغني سامعه عن علم ما نسخه .

وقول أنس بن مالك : كنا نهبط بلحوم الضحايا البصرة ، يحتمل أن يكون أنس سمع الرخصة ولم يسمع النهي قبلها فتزوذ بالرخصة ولم يسمع نهياً ، أو سمع الرخصة والنهي فكان النهي منسوخاً فلم يذكره فقال كل واحد من المختلفين بما علم .

وهكذا يجب على كل من سمع شيئاً من رسول الله ، أو ثبت له عنه أن يقول منه بما سمع حتى يعلم غيره . قال الشافعي : فلما حدثت عائشة عن رسول الله بالنهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم بالرخصة فيها بعد النهي ، وأن رسول الله أخبر أنه إنما نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدافة كان الحديث التام المحفوظ أوله وآخره وسبب التحريم والاحلال فيه حديث عائشة عن النبي ، وكان على من علمه أن يصير إليه .

وحديث عائشة من أبين ما يوجد في الناسخ والمنسوخ من السنن . وهذا يدل على أن بعض الحديث يختصر فيحفظ بعضه دون بعض ، فيحفظ منه شيء كان أولاً ولا يحفظ آخراً ، ويحفظ آخراً ولا يحفظ أولاً ، فيؤدي كل ما حفظ .

والرخصة بعدها في الإمساك والأكل والصدقة من لحوم الضحايا إنما هي لواحد من معنيين ، لاختلاف الحالين : فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ، وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار ، والصدقة .

ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخاً بكل حال ، فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء .

قلت : وإذا تعارض خبران من رواية صحابيين كان أحدهما أقدم صحبة كابن مسعود وابن عباس لم يجز أن ينسخ خبر الأقدم بالأحدث لأنهما عاشا إلى قبض رسول الله ، فيجوز أن يكون الأقدم سمع ما رواه بعد سماع الأحدث ، ولأنه يجوز أن يكون الأحدث أرسله عمن قدمت صحبته فلا تكون روايته متأخرة عن رواية الأقدم فلا يجوز النسخ مع الاحتمال .

باب القول في أفعال رسول الله

لا يخلو فعل رسول الله من أن يكون قربة ، أو ليس بقربة ، فإن لم يكن قربة فهو يدل على الإباحة كما :

أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، أنا بشر بن أحمد الاسفراييني ، أنا إبراهيم بن علي الدهلي ، نا يحيى بن يحيى ، نا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله يأكل القثاء بالرطب .

وليس تخلو سنة رويت عن رسول الله من فائدة أو فوائد ففي هذا الحديث من الفوائد ، أن قوماً ممن سلك طريق الصلاح والتزهد قالوا لا يحل للآكل تلذذ أو على سبيل التشهي والاعجاب ، ولا يأكل إلا ما لا بد منه لإقامة الرمق فلما جاء هذا الحديث سقط قول هذه الطائفة وصلح أن يأكل الأكل تشهياً وتفكها وتلذذاً .

وقالت طائفة من هؤلاء القوم أيضاً : انه ليس لأحد أن يجمع بين شيئين من الطعام ، ولا بين إدامين على خوان ، فكان هذا الحديث أيضاً يرد على صاحب هذا القول ويبيح أن يجمع الإنسان بين لونين وبين إدامين وأكثر . وكل ما روي عن النبي من الأفعال التي ليست قربات نحو الشرب واللباس والقعود والقيام فكل ذلك يدل على الإباحة .

وأما ان كان فعل قربة فلا يخلو من أن يكون بياناً لغيره ، أو ابتداءاً من غير سبب . فإن كان بياناً لغيره ، أو ابتداءاً من غير سبب . فإن كان بياناً لغيره فحكمه مأخوذ من المبين ، فإن كان المبين واجباً كان البيان واجباً ، وإن كان المبين ندباً كان البيان ندباً ، وإن كان فعلاً مبتدأ من غير سبب ففيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه على الوجوب إلا أن يدل الدليل على غيره ، والثاني : انه على الندب إلا أن يدل الدليل انه على الوجوب ، والثالث : انه على الوقف فلا يحمل على الوجوب ولا على الندب إلا بدليل وهو الأصح ، لأن الفعل لا يعلم على أي وجه أوقعه النبي فيحتمل أن يكون فعله واجباً ، ويحتمل أن يكون ندباً أو إباحة ، ويحتمل أن يكون مخصوصاً به دون أمته . وإذا لم يعلم على أي وجه أوقعه وجب التوقف فيه حتى يدل الدليل .

وإذا فعل رسول الله شيئاً وعرف أنه فعله على وجه الوجوب أو الندب كان ذلك شرعاً لنا إلا أن يدل الدليل على تخصيصه بذلك والحجة فيه قول الله تعالى : ( { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ) [9] ولأن الصحابة كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم إلى أفعاله فيقتدون به فيها ، فدل على أنها شرع في حق الجميع .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، نا أحمد بن سلمان ، النجاد إملاء ، نا الحسن بن مكرم ، نا أبو عمر الخوصي ، نا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : رأيت عمر قبل الحجر وقال : والله إني أعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك .

أنا علي بن القاسم بن الحسن البصري نا علي بن إسحاق المادارايي ، نا إسماعيل بن إسحاق ، نا بشر بن عبيس ، نا محمد بن إسماعيل بن فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : فيم الرملان والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا نترك شيئاً كنا نصنعه مع رسول الله .

ويقع بالفعل جميع أنواع البيان من بيان المجمل ، وتخصيص العموم ، والنسخ . وإن تعارض قول وفعل في البيان ففيه أوجه ثلاثة : أحدها : أن القول أولى ، والثاني : إن الفعل أولى ، والثالث : إنهما سواء . والأول أصح لأن الأصل في البيان هو القول ألا تراه يتعدى بصيغته ؟ والفعل لا يتعدى إلا بدليل فكان القول أولى .

باب القول فيما يرد به خبر الواحد

أنا أبو الحسن : محمد بن عبد الواحد بن محمد ، أنا عمر بن محمد بن علي الناقد ، نا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار ، نا داود بن عمرو ، نا صالح بن موسى ، نا عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' إنها ستأتيكم عني أحاديث مختلفة ، فما آتاكم موافقاً لكتاب الله ولسنتي فهو مني ، وما آتاكم مخالفا لكتاب الله وسنتي فليس مني '

حدثني أبو عبد الله محمد بن علي الصوري ، نا الخصيب بن عبد الله القاضي بمصر ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي ، نا عبد الله بن جابر بن عبد الله البزاز ، نا جعفر بن

محمد بن علي بن نوح قال : قال محمد بن عيسى بن الطباع : كل حديث جاءك عن النبي لم يبلغك أن أحداً من أصحابه فعله فدعه .

وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رد بأمور :

أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا .

والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنّة المتواترة فيعلم أنه لا أصل أو منسوخ .

والثالث : أن يخالف الاجماع فيستدل على انه منسوخ ، أو لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه ، وهذا هو الذي ذكره ابن الطباع في الخبر الذي سقناه عنه أول الباب .

والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم .

والخامس : أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية .

وأما إذا ورد مخالفاً لقياس أو انفرد الواحد برواية ما تعم به البلوى لم يرد ، وقال قوم ممن ينتحل مذهب مالك بن أنس : إذا كان مخالفاً للقياس لم يجز العمل به والقياس مقدم عليه . وقال قوم ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة النعمان بن ثابت : لا يجوز العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوى . فأما المالكيون فقد احتج من نصرهم بأن قال : قياس القائس يتعلق بفعله وهو استدلاله على صحة العلة في الأصل ، وصدق الراوي في خبره مغيب عنه غير متعلق بفعله ، وثقته بما هو متعلق بفعله أكثر منها بما هو متعلق بغيره فوجب أن يكون أولى .

وهذا عندنا خطأ والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاوس ، أن عمر قال : اذكر الله أمراً سمع من النبي في الجنين شيئاً ، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين جارتين لي يعني ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنيناً فقضى فيه رسول الله بغرة ، فقال عمر : لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا .

رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس موصولاً عن عمر .

كذلك أنا أبو نعيم الحافظ نا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس مثل حديث سفيان أو نحوه .

أنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز الهمذاني ، نا صالح بن أحمد الحافظ ، نا محمد بن حمدان الطرائفي ، نا الربيع بن سليمان الشافعي ، أنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاوس مثل حديث الأصم عن الربيع سواء ، وقال فيه : فقال عمر لو لم نسمع هذا لقضينا فيه غير هذا . وقال غيره : ان كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا .

قال الشافعي : فقد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك إلى أن خالف حكم نفسه وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى بغيره وقال : إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا ، قال الشافعي : يخبر والله أعلم إن السنّة إذا كانت موجودة بأن في النفس مائة من الإبل فلا يعدو الجنين أن يكون حياً فيكون فيه مائة من الإبل أو ميتاً فلا شيء فيه ، فلما أخبر بقضاء رسول الله فيه سلم له ولم يجعل لنفسه إلا اتباعه فيما مضى حكمه بخلافه فيما كان رأياً منه لم يبلغه عن رسول الله فيه شيء وترك حكم نفسه ، وكذلك كان في كل أمره رضي الله عنه ، وكذلك يلزم الناس أن يكونوا .

قلت : وقول عمر هذا كان بحضرة الصحابة الذين ذكرهم ولم ينكره منهم منكر ولا خالفه فيه مخالف فدل على أنه إجماع منهم .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان وعبد الوهاب القفي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمسة عشر ، وفي التي تليها بعشر ، وفي الوسطى بعشر ، وفي التي تلي الخنصر بتسع ، وفي الخنصر بست .

أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق وعلي بن محمد بن محمد الرزاز والحسن ابن أبي بكر ، قال محمد : أنا وقالا : نا علي بن الزبير الكوفي ، نا إبراهيم بن إسحاق هو ابن أبي العنبس الزهري القاضي نا جعفر بن عون ، انا يحيى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قضى عمر ابن الخطاب في الأصابع في الابهام بثلاثة عشر ، وفي التي تليها باثني عشر ، وفي الوسطى بعشر ، وفي التي تليها بتسع ، وفي الخنصر بست . حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم يذكرون أنه من رسول الله فيه ﷺ : «وفي ما هنالك من الأصابع عشراً عشراً » . قال سعيد : فصارت الأصابع إلى عشر عشر .

أنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي بدمشق ، أنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي ، أنا محمد بن سادل النيسابوري ، نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أنا محمد بن سلمة الخشرزي ، نا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب ، قال : كان عمر ابن الخطاب يجعل في الإبهام والتي تليها نصف دية الكف ، ويجعل في الإبهام خمسة عشر ، وفي التي تليها عشراً ، وفي الوسطى عشراً ، وفي التي تليها تسعاً ، وفي الآخرة ستاً حتى كان عثمان بن عفان فوجد كتاباً كتبه رسول الله لعمرو بن حزم فيه ﷺ : «وفي الأصابع عشراً عشرا » فصير عشراً عشرا .

أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن سلم ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : لما كان معروفاً والله أعلم مختلفة الجمال ( عند عمر أن النبي قضى في اليد بخمسين وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال ) والمنافع نزلها منازلها ، فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف ، وهذا قياس على الخبر ، قال الشافعي : فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله قال ﷺ : «وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل » صاروا إليه . قال : ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم والله أعلم حتى ثبت لهم انه كتاب رسول الله .

وفي هذا الحديث دلالتان وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبرالذي قبلوا ودلالة على أن لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة ثم وجد عن النبي خبر يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله ، ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده .

قال الشافعي : ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم ، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه . ولو بلغ عمر هذا صار إليه كما صار إلى غيره فيما بلغه عن سول الله بتقواه لله ، وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله وعلمه بأن ليس لاحد مع رسول الله أمر ، وإن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا بحر بن نصر ، نا ابن وهب ، نا مالك وأسامة بن زيد الليثي وسفيان الثوري عن ربيعة ، انه سأل سعيد بن المسيب : كم في أصبع المرأة ؟ قال : عشر ، قال : كم في اثنتين ؟ قال : عشرون قال كم في ثلاث ؟ قال : ثلاثون قال : كم في أربع ؟ قال : عشرون ، قال ربيعة : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال : أعراقي أنت ؟ قال ربيعة : عالم متثبت أو جاهل متعلم ، قال : يا ابن أخي إنها السنّة .

هذه المسألة مبنية على أصل لفقهاء أهل المدينة هو أن عقل جراحات المرأة مثل عقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية فصاعداً كانت على النصف من دية الرجل . وهذا قول روي عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وإليه ذهب ابن المسيب وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب الزهري وأهل المدينة إذا رأوا العمل بها على شيء ، قالوا : سنّة . يريدون ذلك العمل إنما تلقي من رسول الله لكونه بالمدينة إلى حين وفاته .

ونحن وإن كنا نذهب في هذه المسألة إلى غير قولهم فإن احتجاجنا من خبر ابن المسيب إنما هو بتركه ما يوجبه القياس من أن الجراحات كلما كثرت اقتصت الزيادة في العقل على ما نقص عنها وأن ابن المسيب ترك القياس لما تأتي به السنّة . ويدل على صحة ما ذكرناه أيضاً أن الخبر يدل على قصد صاحب الشرع بصريحه والقياس يدل على قصده بالاستدلال ، والتصريح أقوى فوجب أن يكون التقديم أولى ، وأيضاً فإن القياس يتفقر إلى الاجتهاد في موضعين : أحدهما : في ثبوت العلة في الأصل ،

والثاني : في الحكم في الفرع لأن من الناس من قال : إذا ثبتت العلة في الأصل لا يجب الحكم بها في الفرع إلا أن يحصل الأمر بالقياس ، والاحتهاد في خبر الواحد إنما هو في ثبوت صدق الراوي فإذا ثبت صدقه من طريق يوجب الظن لزم المصير إلى خبره ولم يبق موضع آخر يحتاج إلى الاجتهاد فيه ، ولأن طريق ثبوت صدقه في الظاهر أجلى من طريق ثبوت العلة لأن الذي يدل عليه عادته في الزمان الطويل في اتباع الطاعات ، وتحري الصدق ، وتجنب الاثم ، فتدل هذه العادة على أنه مختار للصدق فيما حدث به فيكون أولى من طريق ثبوت العلة .

فأما الجواب عما قاله المخالف أن القياس يتعلق باستدلال القائس وصدق الراوي مغيب عنه وهو أنهما سواء لأنه مستدل على صدق الراوي بما يعلم من أفعاله الدالة على صدقه كما أن القياس مستدل على أن صاحب الشريعة حكم في الأصل لمعنى من المعاني وقصده ، فيكون ثبوت قصد صاحب الشريعة بالنظر في الأمارات الدالة عليه كثبوت صدق الراوي ولا فرق بينهما .

فصل

فأما الحنفيون فقد قال من يحتج لهم : إذا عمّت البلوى كثر السؤال وإذا كثر السؤال كثر الجواب ويكون النقل على حسب البيان فإذا نقل خاصاً علم انه لا أصل له . وهذا عندنا غير صحيح والدليل على وجوب قبوله انه خبر عدل فيما يتعلق بالشرع بما لا طريقة فيه للعلم ولا يعارضه مثله فوجب العمل به قياساً على ما لا تعم به البلوى ، ولأن شروط البيوع والأنكحة وما يعرض في الوضوء مما خرج من غير السبيلين ، والمشي مع الجنازة ، وبيع رباع مكة وإيجارتها ، ووجوب الوتر ، وما أشبه ذلك قد أثبته المخالف بخبر الواحد وهو مما تعم به البلوى .

فأما قوله : ان السؤال يكثر عنه ، فالجواب عنه أن النقل لا يجب أن يكون على حسب البيان لأن الصحابة كانت دواعيهم مختلفة وكان بعضهم لا يرى الرواية ويؤثر عليها الاشتغال بالجهاد . وقال السائب بن يزيد : صحبت سعد بن أبي وقاص من المدينة إلى مكة فلم أسمعه يروي عن رسول الله حديثاً . وروي : إلا حديثاً حتى رجع ، وجواب آخر وهو أنه يجوز أن يتعبد الله تعالى فيما تعم البلوى بالظن ورجوع العامة إلى اجتهاد أهل العلم فيلقي الرسول الحكم ، إلقاء خاصاً فلا يظهر ويكون من بلغه خبره يلزمه حكمه ومن لم يبلغه خبره يكون مأموراً بالاجتهاد فطلب ذلك الحكم من جهة الخبر على أن ما ذكره المخالف يبطل بما وصفناه من الأحكام التي أثبتها من طريق الآحاد وكل جواب له عنها فهو جوابنا عما ذكره .

ذكر ما روي من رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي إذا سمعوها ووعوها

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا الزهري عن سعيد بن المسيب ( وأنا ) القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا أحمد بن صالح ، نا سفيان عن الزهري عن سعيد ، قال : كان عمر بن الخطاب يقول : الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً ، حتى قال الضحاك بن سفيان رضي الله عنه : كتب إلي رسول الله أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع عمر . زاد الحميدي عن قوله ( وقال أحمد ، نا عبد الرزاق بهذا الحديث عن معمر عن الزهري عن سعيد ، وقال فيه : وكان النبي استعمله على الأعراب ) أنا أبو علي أحمد بن محمد بن إبراهيم الصيدلاني بأصبهان ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا إسحاق الدبري ، أنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن ابن المسيب قال : قضى عمر بن الخطاب في الأصابع بقضاء ثم أخبر بكتاب كتبه النبي لابن حزم ﷺ : «في كل اصبع مما هنالك عشر من الإبل » فأخذ به وترك أمره الأول .

أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي ، أخبركم يوسف القاضي ، نا مسدد ، نا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة ، أخبرني أبي ، قال : أخبرني أبو أيوب ، قال : أخبرني أبي بن كعب انه قال : يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال ﷺ : «يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، نا غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري عن أبي بن كعب ، قال : قلت يا رسول الله إذا جامع أحدنا فأكسل ؟ فقال النبي ﷺ : «ليغسل ما مس المرأة منه وليتوضأ ثم ليصل » .

وقال : أنا الشافعي ، أنا إبراهيم بن محمد أخبرني إبراهيم بن محمد بن يحيى بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، انه كان يقول : ليس على من يترك غسل السنة ، ثم نزع عن ذلك أي قبل أن يموت .

أنا الحسن بن علي الجوهري ، انا محمد بن عباس الخزار ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، نا الربيع سليمان ، قال : قال الشافعي : وإنما بدأت بحديث أبي في قوله : «الماء من الماء » ونزوعه عنه انه سمع : «الماء من الماء » من النبي ولم يسمع خلافه فقال به ، ثم لا أحسبه تركه إلا لأنه ثبت له أن رسول الله قال بعده ما نسخه .

قلت : هذا الذي ظنه الشافعي قد روى سهل بن سعد ان أبي بن كعب وقفه عليه توقيفاً مبيناً .

أنا محمد بن أبي القاسم الأزرق ، أنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا جعفر بن محمد بن اليمان ، نا محمد بن مهران ، نا مبشر بن إسماعيل عن محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل بن سعد ، قال أبي بن كعب : ان الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله في الزمان الأول . رواه أبو داود السجستاني عن محمد بن مهران فزاد ، ثم أمر بالاغتسال بعد .

أنا أحمد بن محمد الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن سلم ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج ، أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس ، قال : كنت مع ابن عباس إذا قال له زيد بن ثابت : أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ فقال له ابن عباس : اما لا فسل فلانة الأنصارية : هل أمرها بذلك النبي ؟ فرجع زيد بن ثابت يضحك ويقول : ما أراك إلا قد صدقت .

قال الشافعي : سمع زيد النهي أن يصدر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ، وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي ، فلما أفتاها ابن عباس بالصدر إذا كانت قد زارت بعد يوم النحر أنكر عليه زيد ، فلما أخبره عن المرأة أن رسول الله أمرها بذلك فسألها فأخبرته صدق المرأة ورأى أن عليه أن يرجع عن خلاف ابن عباس ، وما لابن عباس حجة غير خبر المرأة .

أنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أنا أبو عبد الله محمد بن مخلد بن العطار ، نا حفص بن عمرو الرمالي ، نا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، نا هشام بن حسان عن محمد بن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكري أرض آل عمر فسأل رافع بن خديج فأخبره أن رسول الله نهى عن كرا الأرض فترك ذلك ابن عمر .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا محمد بن عبد الملك الدقيقي ، نا يزيد بن هارون ، أنا سليمان يعني ابن علي الربعي نا أبو الجوزاء غير مرة ، قال : سألت ابن عباس عن الصرف ، فقال : يداً بيد لا بأس به ، ثم حججت مرة أخرى والشيخ حي فأتيته فسألته عن الصرف ، فقال : وزنا بوزن . قلت : لا انك كنت أفتيتني اثنين بواحد ، فلم أزل أفتي به منذ أفتيتني ، قال : كان ذلك عن رأي . وهذا أبو سعيد الخدري يحدث عن النبي فتركت رأيي لحديث رسول الله .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا عبد الرحمن بن مرزوق أبو عوف ، نا خلف بن هشام ، نا حماد بن زيد عن المثنى بن سعيد ، قال : حدثني أبو الشعثاء مولى لابن معمر ، قال : سمعت ابن عباس يقول : أتوب إلى الله إنما كان ذلك رأياً رأيته وهو أبو سعيد الخدري يحدث عن رسول الله .

باب القول في الصحابي يروي حديثاً عن رسول الله ثم يعمل بخلافه

إذا روى الصحابي عن رسول الله حديثاً ، ثم روي عن ذلك الصحابي خلاف لما روى فإنه ينبغي الأخذ بروايته ، وترك ما روي عنه من فعله أو فتياه ، لأن الواجب علينا قبول نقله وروايته عن النبي لا قبول رأيه كما .

أنا أبو بكر أحمد بن عمر الدلال ، نا أحمد ابن سلمان النجاد ، نا هلال بن العلاء بالرقة ، نا عبد الله ابن جعفر المعتمر عن أبي شعيب البناني عن ابن سيرين ، قال : حدثني أفلح أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه كان يفتيهم بالمسح ويخلع ، فقيل له فقال رأيت رسول الله يمسح ولكن حبب إلي الغسل .

وقال النجاد : نا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قال : كتب إلي هلال بن العلاء ، قال عبد الله بن جعفر فذكر بإسناده مثله .

ولأن الصاحب قد ينسى ما روى وقت فتياه كما أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بقن أحمد بن حماد الواعظ ، نا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي املاء في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، نا عبد الله بن سعيد الزهري ، نا عمي ، نا أبي عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد عن المجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق بن الأجدع ، قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله فخطب الناس . فقال : أيها الناس ما اكثاركم في صدقات النساء فقد كان رسول الله وأصحابه فيما بين أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الاكثار في ذلك تقوى أو مكرمة لم تسبقوهم إليها ، فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين أنهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ؟ قال : وما ذاك . قالت : أو ما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ قال : فقالت أو ما سمعت الله تعالى يقول : ( { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً } ) [10] قال ، فقال : اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر ثم قال : أيها الناس إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل .

وكما أنا القاضي أبو بكر الحيري وأبو سعيد الصيرفي ، قالا : نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد ابن عبيد الله بن أبي داود ، نا يونس هو ابن محمد المؤدب نا حيان يعني ابن عبيد الله العدوي قال لاحق بن حميد أبو مجلز ، وأنا شاهد عن الصرف ، فقال : كان ابن عباس لا يرى به بأساً زماناً من عمره حتى لقيه أبو سعيد الخدري فقال له : يا ابن عباس لا تتقي الله ؟ حتى متى تؤكل الناس الربا ؟ اما بلغك ان رسول الله قال ذات يوم وهو عند أم سلمة زوجته ﷺ : «إني أشتهي تمر عجوة » . وانها بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل رجل من الأنصار فأوتيت بدلهما تمر عجوة فقدمته إلى رسول الله فأعجبه ، فتناول تمرة ثم أمسك ، فقال ﷺ : «من أين لكم هذا » ؟ . قالت : بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل فلان فأتينا بدلهما من هذا الصاع الواحد فألقى التمرة من يده وقال ﷺ : «ردوه ردوه لا حاجة فيه ، التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، يداً بيد مثلاً بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان ، فمن زاد أو نقص فقد أربا فكذلك ما يكال أو يوزن » فقال : ذكرتني يا أبا سعيد أمراً نسيته ، استغفر الله وأتوب إليه ؛ وكان ينهى بعد ذلك يعني عنه أشد النهي .

ولأن الصحابي قد يذكر ما روى إلا أنه يتأول فيه تأويلاً يصرفه عن ظاهره كما تأولت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في اتمام الصلاة في السفر وهي التي روت : «فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر » . ولأنه لا يحل أن يظن بالصاحب أن يكون عنده نسخ لما روى ، أو تخصيص فيسكت عنه ويبلغ إلينا المنسوخ والمخصوص دون البيان لأن الله تعالى يقول : ( { ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } ) [11] وقد نزه الله صحابة نبيه عن هذا .

باب تعظيم السنن والحث على التمسك بها والتسليم لها والانقياد إليها وترك الاعتراض عنها

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا محمد بن عبد الملك الدقيقي ، نا يزيد بن هارون ، أنا جويبر عن طلحة بن الشحاح ، قال : كتب عبيد الله بن معمر القرشي إلى عبد الله بن عمر وهو أمير فارس على جند : إنا قد استقررنا فلا نخاف عدواً وقد أتى علينا سبع سنين فقد ولدنا الأولاد فكم صلاتنا ؟ فكتب إليه عبد الله : إن صلاتكم ركعتان فأعاد إليه الكتاب فكتب إليه ابن عمر : إني كتبت إليك بسنة رسول الله فسمعته يقول ﷺ : «من أخذ بسنتي فهو مني ، ومن رغب عن سنتي فليس مني » .

أنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أنا أبو عبد الله محمد بن مخلد الدوري نا محمد بن الوليد البسري ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ : «من رغب عن سنتي فليس مني » .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا محمد بن كناسة ، نا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران في قوله تعالى : ( { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ) [12] قال : الرد إلى الله إلى كتابه والرد إلى الرسول إذا قبض إلى سنته .

أخبرنا أخبرني الجوهري ، أنا أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز ، نا أحمد بن عبد الله بن النيربي نا أبو سعيد الأشج ، نا وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران : ( { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله } ) قال : إلى كتابه وإلى الرسول مادام حياً فإذا قبض فإلى سنّته .

أخبرني أبو الحسن محمد بن عمر بن عيسى بن يحيى البلدي ، أنا محمد بن العباس بن الفضل الحناط بالموصل ، نا محمد بن أحمد بن أبي المثنى ، نا قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { فردوه إلى الله والرسول } ) قال : إلى كتاب الله وسنة نبيه .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن أبيه ، قال : قال عمر بن الخطاب إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب . قال سالم بن عبد الله : فقالت عائشة : أنا طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله بعد ما رمى الجمرة قبل أن يزور ، قال سالم : وسنة رسول الله أحق أن تتبع .

أنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي ، أنا أبو بكر يوسف بن القاسم القاضي الميانجي ، نا أبو يعلي أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، نا يحيى بن معين ، نا حجاج ، نا شريك عن الأعمش عن فضيل بن عمرو قال أراه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تمتع النبي فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة . فقال ابن عباس ما يقول عريه يريد ؟ قال يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، قال ابن عباس : أراهم سيهلكون ! ! أقول قال النبي : ويقولون نهى أبو بكر وعمر .

أنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر الأصبهاني ، أنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني ، نا أحمد بن مهدي ، نا أبو الربيع الزهراني ، نا حماد يعني ابن زيد نا أيوب عن ابن أبي مليكة ان عروة ابن الزبير قال لابن عباس : أضللت الناس قال : وما ذاك يا عرية ؟ قال تأمر بالعمرة في هؤلاء العشر وليست فيهن عمرة ، فقال : أو لا تسأل أمك عن ذلك ؟ . فقال عروة : فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك فقال ابن عباس : هذا الذي أهلككم والله ما أرى إلا سيعذبكم إني أحدثكم عن النبي وتجيئوني بأبي بكر وعمر . فقال عروة : هما والله كانا أعلما بسنة رسول الله واتبع لها منك .

قلت : قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة إلا أنه لا ينبغي أن يقلد أحد في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله .

أنا أبو نعيم ، نا محمد بن أحمد بن الحسن ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا عمرو بن دينار عن سلمة رجل من ولد أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن الزبير بن العوام خاصم رجلاً إلى رسول الله فقضى النبي للزبير ، فقال الرجل إنما قضى له لأنه ابن عمته ، فأنزل الله تعالى : ( { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } ) [13] .

أنا أبو الحسن علي بن طلحة بن محمد المقري وأبو القاسم علي بن أبي علي البصري ، قالا : أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري ، نا أبو عروبة الحراني ، نا جدي عمرو بن أبي عمرو ، نا أبو يوسف ، نا الحسن بن عمارة عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رجل : المسح حسن وما أمسح أو ما تطيب نفسي به . فقال له ناس من أصحاب رسول الله : والله ما لك ذلك حتى لا يكون في نفسك حرج مما قال وتسلم تسليماً .

أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا أحمد بن سعيد الحمال ، قال : سمعت محمد بن حاتم بن بزيع ، يقول : سمعت إسحاق بن الطباع ، يقول : جاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة فقال : قال رسول الله كذا ، قال : أرأيت ان كان كذا ؟ قال مالك فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقريء ، أنا أبو العباس أحمد بن يحيى ، قال : حدثني محمد بن عبيد بن ميمون ، قال : حدثني عبد الله بن إسحاق الجعفري ، قال : كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة ، قال : فتذاكروا يوماً السنن ، فقال رجل كان في المجلس : ليس العمل على هذا ، فقال عبد الله : أرأيت ان كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة ؟ قال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريح عن عامر بن مصعب ، ان طاوساً أخبره انه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما ، قال طاوس فقلت ما أدعهما ، فقال ابن عباس : ( { ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم } ) [14] الآية .

أنا أبو نعيم ، نا محمد بن أحمد بن الحسن ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا هشام بن حجين عن طاوس ، قال : رآني ابن عباس وأنا أصلي بعد العصر فنهاني ، فقلت

إنما كرهت أن تتخذ سلماً فقال ابن عباس : نهى رسول الله عن الصلاة بعد العصر ، وقال الله تعالى : ( { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } ) وما أدري تعذب عليها أم تؤجر .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو الاصبع القرقساني ، نا مخلد بن مالك الحراني ، نا عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن حرملة ، أن سعيد بن المسيب نظر إلى رجل صلى بعد النداء من صلاة الصبح فأكثر الصلاة فحصبه ، ثم قال : إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل ، انه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين ، فانصرف فقال : يا أبا محمد أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة ؟ قال : بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنّة .

أنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الأصبهاني ، نا عبد الله بن محمد بن علي ابن زيد الخشاب ، نا عبد الله بن محمد بن النعمان ، نا محمد بن سعيد بن سابق ، نا أبو جعفر .

وأخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا محمد بن أيوب ، قال : قرأت على محمد بن سعيد بن سابق عن أبي جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن عبد الله ابن مسعود ، قال وفي حديث ابن أيوب أنه قال : إنا نقتدي ولا نبتديء ، ونتبع ولا نبتدع ، وأن أفضل ما تمسكنا بالأثر .

أنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرفي ، أنا أحمد بن جعفر بن سلم الختلي ، أنا أحمد بن علي الآبار ، قال : نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي يقول : قال أبو حمزة : تدرون ما الأثر الأثر أفتى بالشيء فيقال لي يوم القيامة بم افتيت كذا وكذا ؟ فأقول ، أخبرني الأعمش فيؤتى بالأعمش فيقال حدثته بهذا ؟ فيحيل على إبراهيم ويحيل إبراهيم على علقمة حتى ينتهي إلى منتهاه .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، نا عبيد الله بن محمد بن حمدان العكبري ، نا علي بن يعقوب أبو القاسم ، نا أبو زرعة الدمشقي ، قال : نا ابن أبي أويس ، قال : سمعت مالك بن أنس يقول : ما قلت الآثار في قوم إلا كثرت فيهم الأهواء ، وإذا قلت العلماء ظهر في الناس الجفاء .

أنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب الواسطي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ابن مالك القطيعي ، نا بشر بن موسى ، نا معاوية بن عمرو ، نا أبو إسحاق عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : القصد في السنّة خير من اجتهاد في بدعة . وقال أبو إسحاق : عن الأوزاعي ، انه بلغه ان عمر بن الخطاب قال : يا أيها الناس لا عذر لأحد بعد السنّة في ضلالة ركبها حسبها هدى ، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة ، قد بينت الأمور ، وثبتت الحجة ، وانقطع العذر .

أنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع بن الحسن بن موسى الصوفي وأبو القاسم علي بن محمد بن علي الأيادي ، قالا : أنا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ، نا الحارث بن محمد التميمي ، نا يزيد بن هارون أنا أبو نعامة العدوي عن حميد بن هلال عن بشير بن كعب عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله ﷺ : «الحياء خير كله » . قال بشير فقلت : ان منه ضعفاً وإن منه عجزاً ، فقال : أحدثك عن رسول الله وتجيئني بالمعاريض ؟ لا أحدثك بحديث ما عرفتك ، فقيل يا أبا نجيد انه طيب الهوى ، وإنه وإنه فلم يزالوا به حتى سكن وحدث .

أنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن مسلمة ، نا يزيد بن هارون ، أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «توضؤا مما مست النار ولو من ثور من أقط » . فقال له ابن عباس : يا أبا هريرة إنا لنتوضأ بالحميم وقد أغلي على النار وانا لندهن بالدهن وقد طبخ على النار ، فقال أبو هريرة : يا ابن أخي إذا سمعت بالحديث يحدث به عن رسول الله فلا تضرب له الأمثال .

أنا علي بن أحمد الرزاز نا جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم الواسطي ، نا أحمد بن علي الآبار ، نا يحيى بن أيوب الزاهد ، نا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس ، قال : سمعت ابن شهاب يقول : سلموا للسنة ولا تعارضوها .

أنا البرقاني ، قال : قريء على أبي العباس بن حمدان وأنا أسمع ، حدثكم محمد بن أيوب أنا أبو الربيع ، نا حماد ، نا أيوب ، قال : سأل الحكم ابن عتيبة الزهري وأنا شاهد ، عن عدة أم الولد ، فقال : السنّة أربعة أشهر وعشراً ، فقال الحكم : ما يقول ذلك أصحابنا قال فغضب وقال : يأتيكم الحديث عن رسول الله ثم تعرضون له برأيكم ؟ قال : ان بريرة أعتقت ، فأمرها رسول الله أن تعتد عدة الحرة .

أنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أنا الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة المروزي ، نا محمد بن أحمد بن محبوب ، نا أبو عيسى الترمذي ، قال : سمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع فقال لرجل ممن عنده ممن ينظر في الرأي : أشعر رسول الله يعني هديه ويقول أبو حنيفة هو مثلة ؟ قال الرجل : فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي انه قال : الأشعار مثلة ، قال فرأيت وكيعاً غضب غضباً شديداً ، فقال : أقول لك قال رسول الله وتقول قال إبراهيم ؟ ما أحقك أن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا .

أنا محمد بن عبد الرحمن بنت عثمان الدمشقي ، أنا يوسف بن القاسم الميانجي حدثني الحسين ابن الفتح على المذاكرة ، قال : نا أبو محمد بن صاعد ، نا بحر ، نا الشافعي ، قال : لقد ضل من ترك رسول الله لقول من بعده .

أنا محمد بن عيسى الهمذاني ، نا صالح بن أحمد بن التميمي ، نا محمد بن عبد الله بلبل ، نا أبو حاتم ، ثم قال : سمعت نعيم بن حماد يقول : من ترك حديثاً معروفاً فلم يعمل ورأى أن عليه أن يطرحه فهو مبتدع .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطان ، نا عبد الكريم بن الهيثم نا أبو عثمان الصياد سعيد بن المغيرة ، نا مخلد بن الحسين ، قال : قال لي الأوزاعي : يا أبا محمد إذا بلغك عن رسول الله حديث فلا تظنن غيره ، ولا تقولن غيره ، فإن محمداً إنما كان مبلغاً عن ربه .

أنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقيقي ببغداد ، نا إسحاق يعني ابن أبي إسرائيل قال سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده حماد بن زيد فجعل يعظم من أمره ثم قال : يرحمه الله إن كان لمتبعاً لسنة نبيه ، قال سفيان : ملاك الأمر الاتباع . أنا أبو الحسن : علي بن أبي بكر الطرازي بنيسابور ، أنا أبو حامد : أحمد بن محمد بن حسنويه السري ، أنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي قال : سمعت وكيع بن الجراح ، يقول : قال الأعمش : ' لولا الشهرة لصليت ، ثم تسحرت اتباعا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ' .

أنا أبو الحسن طاهر بن عبد العزيز بن عيسى الدعاء ، أنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، قال : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : سمعت محمد بن يحيى الأزدي ، قال : سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول : والله لو بلغنا ان القوم لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم لما زدنا عليه ، قال أبو بكر بن خزيمة : يريد أن الدين الاتباع .

أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا محمد بن إسماعيل الرقي ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة ، فقال : يروى فيها كذا وكذا عن النبي ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله ما تقول فيه ؟ فرأيت الشافعي أرعد وأنتفض فقال : ما هذا ؟ أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن النبي حديثاً فلم أقل به ؟ نعم على السمع والبصر . نعم على السمع والبصر .

وقال أنا الربيع ، قال : سمعت الشافعي وقد روى حديثاً فقال له بعض من حضر تأخذ بهذا ؟ فقال إذا رويت عن النبي حديثاً صحيحاً فلم آخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب ومد يديه .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، قال : سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت .

أنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرني جعفر الخلدي في كتابه ، قال : سمعت الجنيد يقول : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه .

ما جاء في ترك المخاطبة لمن عارض السنة بالمخالفة

أنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا محمد بن غالب بن مالك ، نا سلام أبو المنذر عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : نهى رسول الله عن الخذف وقال ﷺ : «انه لا يصيد صيداً ، ولا ينكأ العدو ، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين » ، فقام رجل من جلسائه فنقد حصاة وقال أنهى رسول الله عن هذا ؟ أو قال : ما تقول في هذا ؟ قال عبد الله : أحدثك عن رسول الله وتخذف ، والله لا أكلمك أبداً .

أنا إبنا بشر أن علي وعبد الملك قالا : أنا حمزة بن محمد بن العباس ( وأنا ) هلال بن محمد الجفار ومحمد بن أحمد الصياد ، قالا : أنا أحمد بن يوسف بن خلاد ، قال : أنا الحارث بن محمد ، نا عثمان ابن الهيثم ، حدثني أبي عن خزاعي بن زياد ، عن جده عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله ﷺ : «لا تخذفوا فإنه لا يصاد به الصيد ، ولا ينكأ به العدو ولكن يفقأ العين ويكسر السن » فقال رجل من بني عمه سبحان الله ما هذا ؟ فقال : أحدثك عن رسول الله وتقول ما هذا وما هذا ؟ والله لا أكلمك من رأسي ما عرفتك هكذا ، قال الحارث عن خزاعي عن جده .

وأنا الحسن ابن أبي بكر ، أنا أبو سهل بن زياد القطان ، نا محمد بن غالب ، حدثني عثمان بن الهيثم حدثني أبي عن خزاعي بن زياد عن أبيه عن جده عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله ﷺ : «لا تخذفوا فإنه لا يصاد به الصيد ، ولا ينكأ به العدو ، ولكنه يفقأ العين ويكسر السن » فقال رجل من بني عمي : سبحان الله ما هذا ؟ ونقد به فقال : أحدثك عن رسول الله وتقول ما هذا مرتين ؟ والله لا أكلمك بكلمة من رأسي ما عرفتك .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا يحيى بن جعفر انا الضحاك بن مخلد ، أخبرني خالد بن رباح ، حدثني أبو السوار ، قال : سمعت عمران بن حصين يقول : قال رسول الله ﷺ : «الحياء خير كله » ، فقال رجل من القوم في الحكمة مكتوب ان منه وقاراً وإن منه ضعفاً . فقال : أحدثك عن رسول الله وتحدثني عن الصحف والله لا أحدثكم اليوم بحديث .

أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن نجيب الدقاق ، نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري ، نا أبو بكر الأثرم ، نا عيسى بن ميناء المدني ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، قال : ان السنن لا تخاصم ، ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي والتفكير ، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين ، ولكنه ينبغي للسنن أن تلزم ويتمسك بها على ما وافق الرأي وخالفه ، ولعمري ان السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي ومجانبته خلافاً بعيداً ، فما يرى المسلمون بدا من اتباعها والانقياد لها ولمثل ذلك ورع أهل العلم والدين فكفهم عن الرأي ، ودلهم على غوره وغوره . إنه يأتي الحق على خلافه في وجوه غير واحدة ، من ذلك ان قطع أصابع اليد مثل قطع اليد من المنكب أي ذلك أصيب ففيه ستة آلاف ، ومن ذلك ان قطع الرجل في قلة ضررها مثل قطع الرجل من الورك أي ذلك أصيب ففيه سنة آلاف ، ومن ذلك أن في العينين إذا فقئتا مثل ما في قطع اشراف الأذنين في قلة ضررها أي ذلك أصيب ففيه اثنا عشر ألفاً ، ومن ذلك أن في شجتين موضحتين صغيرتين مائتي دينار وما بينهما صحيح فإن جرح ما بينهما حتى تقام إحداهما إلى الأخرى كان أعظم للجرح بكثير ولم يكن فيها حينئذ إلا خمسون ديناراً . ومن ذلك ان المرأة الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة . ومن ذلك رجلان قطعت إذنا أحدهما جميعاً يكون له اثنا عشر ألفاً وقتل الآخر فذهبت إذناه وعيناه ويداه ورجلاه وذهبت نفسه

ليس ذلك له إلا اثنا عشر ألفاً مثل ذلك لم يصب الاشراف أذنيه في أشباه هذا غير واحدة فهل وجد المسلمون بداً من لزوم هذا ؟ وأي هذه الوجوه يستقيم على الرأي أو يخرج في التفكير ؟ ولكن السنن من الإسلام بحيث جعلها الله هي ملاك الدين ، وقوامه الذي بني عليه الإسلام .

وأي قول أجسم وأعظم خطراً مما قال رسول الله في حجة الوداع حين خطب الناس فقال ﷺ : «وقد تركت فيكم أيها الناس ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بينا كتاب الله وسنة نبيه » فقرن رسول الله بينهما ، وايْمُ الله إن كنا لنلتقط السنن من أهل الفقه والتفقه ونتعلمها شبيهاً بتعلمنا آي القرآن وما برح من أدركنا من أهل الفضل والفقه من خيار الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب وأخذ برأي أشد العيبة ، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم ، ويحذروننا مقاربتهم أشد التحذير ، ويخبروننا أنهم أهل ضلال وتحريف بتأويل كتاب الله وسنن رسول الله وما توفي رسول الله حتى كره المسائل وناحية التنقيب والبحث عن الأمور وزجر عن ذلك وحذره المسلمين في غير موطن ، حتى كان من قوله كراهية ذلك ان قال : «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » .

فأي أمر أكف لمن يعقل عن التنقيب من هذا ؟ ولم يبلغ الناس يوم قيل لهم هذا القول من الكشف عن الأمور جزءاً من مائة جزء مما بلغوا اليوم . وهل هلك أهل الأهواء وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل والتفكير في دينهم . فهم كل يوم على دين ضلال وشبهة جديدة لا يقيمون على دين وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل والتفكر إلى دين سواه ، ولو لزموا السنن وأمر المسلمين وتركوا الجدل لقطعوا عنهم الشك ، وأخذوا بالأمر الذي حضهم عليه رسول الله ورضيه لهم ، ولكنهم تكلفوا ما قد كفوا مؤنته وحملوا على عقولهم من النظر في أمر الله ما قصرت عنه عقولهم ، وحق لها أن تقصر عنه وتحسر دونه ، فهنالك تورطوا وأين ما أعطى الله العباد من العلم في قلته وزهادته مما تناولوا قال الله تعالى : ( { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ) [15] وقد قص الله تعالى ما غير أو غير هذه الكلمة به موسى عليه السلام من أمر الرجل الذي لقيه فقال : ( { فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا علمناه من لدنا علماً } ) [16] فكان منه في خرقه السفينة وقتله الغلام وبنائه الجدار ما قد قال الله تعالى في كتابه فأنكر موسى ذلك عليه وجاء ذلك في ظاهر الأمر منكراً لا تعرفه القلوب ، ولا يهتدي له التفكير ، حتى كشف الله ذلك لموسى فعرفه .

وكذلك ما جاء من سنن الإسلام وشرائع الدين التي لا توافق الرأي ، ولا تهتدي لها العقول ، ولو كشف للناس عن أصولها لجاءت للناس واضحة بينة غير مشكلة على ما جاء عليه أمر السفينة وأمر الغلام وأمر الجدار . فإن ما جاء به محمد كالذي جاء به موسى يعتبر بعضه ببعض ويشبه بعضه بعضاً ومن أجهل وأضل وأقل معرفة بحق الله وحق رسوله ونور الإسلام وبرهانه ممن قال : لا أقبل سنة ولا أمراً مضى من أمر المسلمين حتى يكشف لي غيبه وأعرف أصوله ؟ أو لم يقل ذلك بلسان وكان عليه رأيه وفعله ويقول الله تعالى : ( { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } ) [17] .

الكلام في الأصل الثالث من أصول الفقه وهو إجماع المجتهدين

إجماع أهل الاجتهاد في كل عصر حجه من حجج الشرع ودليل من أدلة الأحكام مقطوع على مغيبه ، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ ، وذهب إبراهيم بن سيار النظام إلى انه يجوز إجماع الأمة على الخطأ ، وقالت الرافضة الاجماع ليس بحجة وإنما الحجة قول الإمام وحده واحتج من نصرهم بما :

أنا الحسن بن أبي بكر وعثمان بن محمد العلاف ، قالا : أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي نا جعفر يعني ابن محمد بن شاكر الصائغ ، نا عفان ، نا شعبة ، أخبرني ابن عون ، قال : سمعت الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص ، عن معاذ رضي الله عنه ، أن النبي قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : كيف تقضي أن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : بسنة رسول الله قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : اجتهد رأيي ولا آلوا قال : فضرب صدري وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله .

قالوا فذكر الأدلة ولم يذكر فيها الإجماع ولو كان صحيحاً لذكره .

وأنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا شعبة عن علي بن مدرك ، قال : سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير يحدث عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ، قال : قال : رسول الله ﷺ : «يا جرير استنصت الناس » يعني في حجة الوداع ثم قال ﷺ : «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » .

وأنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الحنائي ، نا أحمد بن سلمان النجاد إملاء ، نا أبو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد القاضي ، نا ابن أبي مريم ، نا أبو غسان يعني محمد بن مطرف قال : حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، ان رسول الله قال ﷺ : «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه » قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال ﷺ : «فمن ؟ » .

قالوا وما ذكر في هذين الحديثين يدل على أن الاجماع على الخطأ جائز على الأمة . قالوا : ولأن كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ بانفراده فإذا اجتمع مع غيره كان بمنزلة التفرد ، لانه يجتهد برأيه المعرض للخطأ . قالوا : ولأن الأمة لا يحصون ولا يمكن سماع أقاويلهم وما لا سبيل إلى معرفته فلا يجوز أن يجعله صاحب الشريعة دليلاً على شريعته .

وهذا عندنا غير صحيح وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى : ( { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً [18]

ووجه الدليل من هذه الآية ان الله تعالى توعد اتباع غير سبيل المؤمنين فدل على أن اتباع سبيلهم واجب ومخالفتهم حرام .

فإن قال المخالف : هذا استدلال بدليل الخطاب وليس بحجة عندنا ؟ فالجواب : انه دليل عندنا كالعموم والظاهر وقد دللنا عليه فيما تقدم وعلى أن هذا ليس بدليل الخطاب ، وإنما هو احتجاج بتقسيم عقلي لانه ليس بين اتباع سبيل المؤمنين وبين اتباع غير سبيلهم قسم ثالث ، وإذا حرم الله اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم ، وهذا واضح لا يشتبه .

فإن قال : توعد الله على مشاقة الرسول وهي مخالفته وعلى اتباع غير سبيل المؤمنين فلا يجوز أن يحمل التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين بانفراده ؟ فالجواب : ان مشاقة الرسول محرمة بانفرادها وإن لم يكن هناك مؤمن ، فدل على أن الوعيد على كل واحد منهما بانفراده . ولأن اتباع غير سبيل المؤمنين لو لم يكن محرماً بانفراده لم يحرم مع مشاقة الرسول كسائر المناجاة .

فإن قال : أهل العصر هم بعض المؤمنين ، والظاهر من الآية جميع المؤمنين إلى يوم القيامة ؟

فالجواب انه لا يجوز أن يريد به جميعهم لأن التكليف في ذلك يكون يوم القيامة ولا تكليف في الآخرة وإذا كان المراد بعض المؤمنين وأجمعوا على أنه لم يرد ما زاد على أهل العصر ، كان المراد به أهل العصر لأن من يقع عليه اسم المؤمنين حقيقة هم الموحدون في العصر ، لأن من لم يخلق لا يسمى مؤمناً . ومن خلق ومات لا يسمى مؤمناً حقيقة وإنما كان مؤمناً .

انتهى الجزء الرابع من كتاب الفقيه والمتفقه ويتلوه ان شاء الله الجزء الخامس وأوله ( ومن الدليل أيضاً على أصل المسألة ) والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً .

وفرغ من كتبه عبد العزيز بن علي يوم الأحد وقت الأولى في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، وحسبي الله وحده .

هامش

[ الاسراء : 32 ]

[ النساء : 101 ]

[ المائدة : 1 ]

[ آل عمران : 199]

[ البقرة : 178 ]

[ النساء : 51 ]

[ الطلاق : 1 ]

[ النور : 2 ]

[ الأحزاب : 12 ]

[ النساء : 02 ]

[ البقرة : 159 ]

[ النساء : 95 ]

[ النساء : 56 ]

[ الأحزاب : 63 ]

[ الاسراء : 58 ]

[ الكهف : 56 ]

[ النساء : 56 ]

[ النساء : 115]

======

ج5.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الخامس

الحمد لله حق حمده وصلى الله على محمد وآله .

ومن الدليل أيضاً على أصل المسألة قول الله تعالى : ( { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } ) [1] والوسط العدل ، كذلك أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : في قول الله تعالى في كتابه : ( { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } ) قال رضي الله عنه : «عدلا » .

قلت : وهذا كما قال الله تعالى في آية أخرى : ( { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } ) [2] .

أنا علي بن محمد بن الحسن الحربي ، أنا عمر بن هارون المقريء ، نا عبيد الله بن أحمد بن بكر قال : سمعت عبد الله بن مسلم بن قتيبة يقول في قوله تعالى : : ( { قال أوسطهم } ) أي خيرهم وأعدلهم قولا . وإذا أخبر الله تعالى ان الأمة عدل لم تجز عليهم الضلالة لأنه لا عدالة مع الضلالة .

ويدل عليه قول الله تعالى : ( { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ) [3] فدل على أن الرد يجب في حال الاختلاف ولا يجب في حال الإجماع .

ويدل عليه من السنة ما أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي نا أبو داود ، نا محمد بن عوف الطائي ، نا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني أبي قال ابن عوف : وقرأت في أصل إسماعيل قال : حدثني ضمضم عن شريح عن أبي مالك يعني الأشعري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله رضي الله عنه : «ان الله أجاركم من ثلاث خلال : ان لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً ، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق ، وأن لا تجتمعوا على ضلالة » .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ ، أنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة ، نا أحمد بن الهيثم بن خالد ، ) : ( نا خالد بن يزيد عن معتمر بن سليمان عن سلم ( وأنا ) عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، أنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري ، نا خالد القرّي ، نا المعتمر عن سلم بن أبي الذيال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله وفي حديث عبد الملك ، قال نبي الله ﷺ : «لا يجمع الله الأمة » وقال عبد الملك ﷺ : «هذه الأمة » ثم اتفقا ، أو قال : «أمتي على ضلالة أبداً ويد الله » وقال عبد الملك : «إن يد الله على الجماعة واتبعوا السواد الاعظم فإن من شذ » وقال عبد الملك : «فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار » .

أنا أبو بكر البرقاني ، أنا أبو الحسين محمد بن محمد الحجاجي ، نا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، نا علي بن الحسين الدرهمي ، نا معتمر عن سفيان أو أبي سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «لن يجمع الله أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة هكذا » ورفع يديه ، : «فإنه من شذ شذ في النار » .

أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ، نا عصام بن خالد الحضرمي ، نا معان بن رفاعة عن حازم ابن عطاء أبي خلف عن أنس ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «لا تجتمع أمتي على ضلالة ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم » .

وهكذا رواه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسوي وأبو بشر محمد بن أحمد الدولابي عن سعيد بن عثمان .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عتبة أحمد بن الفرج ، نا بقية ، نا معان بن رفاعة عن أبي خلف المكفوف ، انه سمعه يقول : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله ﷺ : «ان أمتي لا تجتمع على ضلالة ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم » .

أنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، أنا أحمد بن أبي يحيى الحضرمي ، نا محمد بن أيوب بن عافية ، نا جدي ، نا معاوية بن صالح ، حدثني حميد بن عقبة عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان أمتي لا يجتمعون على ضلالة » .

أنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ وأبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد وأبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني وأبو علي الحسن بن أبي بكر بن شاذان ، قالوا : أنا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ، نا الحارث بن محمد التميمي ، نا إسماعيل بن أبي إسماعيل المؤدب ، نا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان الله أجاركم أن تجتمعوا على ضلالة كلكم » .

أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، نا محمد ابن عبد الله بن أيوب القطان ، وأنا علي بن المحسن التنوخي ، نا محمد بن المظفر الحافظ بلفظه ، قالا : نا أبو نصر أحمد بن محمد بن حامد البلخي زاد ابن المظفر قدم للحج ثم اتفقا ، قال : نا حام بن نوح زاد ابن أيوب ( أبو محمد ) ثم اتفقا ، نا أبو معاذ خالد بن سليمان ، قال : نا نوح بن أبي مريم عن داود بن أبي هند عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إن الله أجاركم ان تجتمعوا على ضلالة كلكم ، أو أن يظهر أهل الباطل على أهل الحق » .

أنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار نا محمد بن زنجويه ، نا عبد الرزاق ، نا إبراهيم بن الصغاني عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، أنه سمع النبي يقول ﷺ : «يد الله على الجماعة » .

أنا الحسين بن على الطناجيري ، أنا محمد بن زيد بن علي بن مروان الأنصاري بالكوفة ، نا إسحاق ابن محمد بن مروان ، نا أبي ، نا أبو يحيى الحماني عن يحيى بن أيوب الجزيري عن زياد بن علاقة عن عرفجة بن صريح الأشجعي ، قال : سمعت النبي يقول ﷺ : «إن يد الله مع الجماعة ، والشيطان مع من فارق الجماعة يركض » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عتبة أحمد بن الفرج ، نا بقية ، نا عمر ابن خثعم ، قال : حدثني أبو ذويد عن عاصم بن حميد ، انه سمع عمر بن الخطاب يقول : ان سول الله قال ﷺ : «من أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة ، وإياكم والوحدة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد » .

( وأنا ) القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا سفيان عن عبد الله بن أبي الوليد عن ابن سليمان بن يسار عن أبيه ، ان عمر بن الخطاب قام بالجابية خطيباً فقال : ان رسول الله قام فينا كقيامي فيكم فقال ﷺ : «أكرموا أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ، ويشهد ولا يستشهد ، ألا فمن سره بحبحة الجنة فيلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن » .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا يحيى بن جعفر بن البرزقان ، أنا علي بن عاصم ، حدثني مطرف بن طريف . ( وأنا ) الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقريء ، نا الحسين بن عمر الثقفي ، نا أحمد بن عبد الله بن يونس ، نا أبو بكر محمد بن عياش وزهير ومندل عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من فارق الجماعة شبراً خلع » . وفي حديث علي بن عاصم . : «فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو أمية الطرسوسي ، نا حجاج بن محمد المصيصي ، قال : قال ابن جريج : أخبرني عاصم بن عبد الله أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة يخبره عامر ، عن النبي قال ﷺ : «من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ومن نكث العهد فمات ناكثاً في العهد جاء يوم القيامة لا حجة له » .

أنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن حبان ، نا محمد بن الحسن بن علي بن بحر ، نا محمد بن عبد الأعلى ، نا معتمر عن أبيه عن حنش عن عطاء عن ابن عمر قال : رأيت رسول الله وهو قائل بكفيه هكذا كأنه يشبر شيئاً وقال ﷺ : «من فارق الجماعة شبراً أخرج من عنقه ربقة الإسلام » .

أنا الحسن بن الحسن بن علي بن المنذر القاضي والحسن بن أبي بكر ، قالا : أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا إبراهيم بن الهيثم ، نا أبو صالح كاتب الليث ، قال : حدثني الليث ، قال : قال يحيى ابن سعيد : كتب إلي خالد بن أبي عمران ، ) : ( قال : حدثني نافع عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله قال ﷺ : «من خرج من الجماعة قاد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه » .

أنا الحسن بن علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ، نا علي بن إسحاق ، أنا عبد الله ، أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن رجل من أصحاب النبي قال : أراه أبا مالك الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ : «من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه » .

نا أبو نعيم الحافظ إملاء ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا إسماعيل بن عبد الله هو العبدي نا محمد بن عثمان التنوخي ، نا تليد بن دعلج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ : «من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه » .

أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي وأبو الحسين محمد بن محمد بن المظفر ابن عبد الله الدقاق ، قال محمد : أنا وقال الآخر : نا علي بن عمر بن محمد الختلي نا أبو نصر عزيز بن نصر بن الليث قدم علينا ، وقال الصيرفي عزيز بن نصر ابن الليث بن أبي ليث الأشروسني ، نا بكران بن عبد الرحمن البغدادي زاد الصيرفي أبو القاسم ثم اتفقا ، قال : نا عبد الحميد بن نهشل عن الفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من فارق الجماعة فاقتلوه » .

أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم نا العباس بن محمد الدوري ، نا أبو النضر ، نا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن ابن عمر ، عن رسول الله قال ﷺ : «من مات مفارقاً للجماعة فقد مات ميتة الجاهلية » .

أنا أبو نعيم الحافظ إملاء ، نا محمد بن جعفر بن الهيثم ، نا محمد بن أبي العوام ، نا أبي ، نا أبو أحمد بن خوز الخراساني عن زيد العمي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من عمل في الجماعة فإن أصاب تقبل منه وان أخطأ غفر له ، ومن عمل في الفرقة فإن أصاب لم يقبل منه وان أخطأ فليتبوء مقعده من النار »

أنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري ، أنا موسى بن جعفر بن محمد بن عرفة مولى بني هاشم ، نا محمد بن ذريح العكبري ( وأنا ) الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن أحمد بن يحيى العطشي ، نا محمد بن صالح بن ذريح ، نا محمد بن عبد المجيد ، نا سلم بن سالم عن نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من عمل في الجماعة فأصاب تقبل الله منه ، ومن أخطأ غفر الله له ، ومن عمل في الفرقة فأصاب لم يقبل الله منه ، ومن أخطأ فليتبوء مقعده من النار » .

أنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا بشر بن موسى ، نا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي ، قال : حدثني يزيد الرقاضي عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة ، وان أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ، قال : وهي الجماعة » . أنا أبو الطيب عبد العزيز بن علي بن محمد القرشي ، أنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، نا عمي ، أخبرني عمرو بن الحارث ، ان عبد الله بن غزوان الحمصي حدثه ، ان عمرو بن سعد مولى غفار حدثه ، أن يزيد الرقاضي حدثه ، أن أنس بن مالك حدثه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان بني إسرائيل تفرقت على واحدة وثمانين ملة ، وستفترق أمتي على اثنتين وثمانين ملة كلها في النار غير واحدة » قالوا : وأية ملة هي يا رسول الله ؟ قال ﷺ : «الجماعة » .

ومن روى إحدى وسبعين ملة أكثر .

أنا البرقاني ، قال : قرأت على أحمد بن محمد بن حسنويه أخبركم الحسين بن إدريس ، نا عثمان هو ابن أبي شيبة نا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويكره لكم ثلاثاً يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وتناصحوا من ولاه الله أمركم . ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال » .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجاري ، نا بقية عن معان بن رفاعة ، قال : حدثني عبد الوهاب بن بخت عن أنس بن مالك ، عن رسول الله قال ﷺ : «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن ، اخلاص العمل لله ، ومناصحة أولى الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم » .

أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا أبو العباس محمد بن أحمد بن حماد الأثرم في سنة ثلاثين وثلاثمائة ، نا العباس بن عبد الله الترقفي ، نا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن سليمان وهو الشيباني عن الشعبي ، قال : كتب عمر إلى شريح : أن أقض بما في كتاب الله ، فإن أتاك أمر ليس في كتاب الله فاقض بما سن رسول الله فإن أتاك أمر ليس في كتاب الله ولم يسنه رسلو الله فأنظر له الذي اجتمع عليه الناس ، فإن جاءك أمر لم يتكلم فيه أحد فأي الأمرين شئت فخذ به ، إن شئت فتقدم ، وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيراً لك .

أنا أبو عبد الله الحسين بن الحسين بن محمد القاسم المخزومي ، نا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي إملاء ، نا عمر بن حفص السدوسي ، نا عاصم بن علي ، نا المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود ، قال : أن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمداً ، فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ، ثم نظر في قلوب الناس فاختار أصحابه ، فجعلهم وزراء نبيه وأنصار دينه ، فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا صالح بن محمد الأزاذ واري نا يحيى بن يحيى ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : ما رأى المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآى المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيء .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا سعيد بن منصور ، نا أبو معاوية ، نا أبو إسحاق الشيباني عن بشير بن عمرو عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، قال : قال له : أوصني ، حين أراد الخروج إلى المدينة فقال : أوصيك بتقوى الله ولزوم الجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة .

أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عتبة ، نا بقية ، نا سعيد بن عبد العزيز عن ابن حليس ، قال : قال بشير بن أبي مسعود وكان من أصحاب النبي : اتقوا الله وعليكم بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة قلت : يعني أن أبا مسعود كان من أصحاب النبي فإن قال قائل هذه كلها أخبار آحاد فلا يجوز الاحتجاج بها في هذه المسألة قيل له هذه مسألة شرعية فطريقها . القول انه يوجب القطع فإذا كان كذلك سقط هذا القول .

وجواب آخر وهو انها أحاديث تواتر من طريق المعنى لأن الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى ومعناها واحد لم يجز أن يكون جميعها كذباً ، ولم يكن بد من أن يكون بعضها صحيحا . ألا ترى أن الجمع الكثير إذا أخبروا بإسلامهم وجب أن يكون فيهم صادق قطعا ، ولهذا نقول : انه لا يجوز أن يقال ان جميع ما روي عن النبي من أخبار الآحاد يجوز أن يكون كذباً موضوعاً وجواب آخر هو انها إن كانت من أخبار الآحاد وقد قامت الحجة لصحتها وثبوتها وذلك انها تروى في كل عصر ويحتج بها في هذه المسألة ولم ينقل عن أحد انه ردها وأنكرها ولو لم تقم الحجة عندهم بصحتها لوجب أن يختلفوا فيها فيقبلها قوم ويردها آخرون لأن العادة جارية بذلك في خبر الواحد الذي لم تقم الحجة بصحته عندهم فكان ما ذكرناه موجباً لصحتها علماً وقطعاً .

فأما الجواب عن احتجاج المخالف بحديث معاذ وان الاجماع لم يذكر فيما ذكر من الأدلة ، فهو أن الاجماع إنما يعتبر بعد النبي لأنه لا يجوز أن ينعقد الاجماع في حياته دونه وقوله بانفراده حجة لا يفتقر إلى قول غيره فلم يكن في عصره اعتبار بالإجماع .

وأما الجواب عن احتجاجه بقوله ﷺ : «لا ترجعوا بعدي كفاراً » وبقوله ﷺ : «لتركبن سنن من كان قبلكم » فهو انه خطاب لبعض الأمة والبعض يجوز عليه الخطأ ولأن قوله ﷺ : «لا تجتمع أمتي على ضلالة » خاص في حال الإجماع والخاص يقضى به على العام .

وأما الجواب عن قوله إنهم في حال الإجماع بمنزلتهم في حال الانفراد فهو أن عصمة الأمة في حال الإجماع أثبتناها بالشرع دون العقل فلا يمتنع أن يعلم الله أنهم لا يختارون الخطأ في حال الإجماع ولا يقع ذلك منهم فإذا أخبر بذلك وجب المصير إليه والعمل به .

فأما الجواب عن قوله انه لا طريق إلى معرفة الإجماع لكثرة المسلمين فهو أن الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء إذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم ، ويمكن معرفة اتفاق أهل العلم لأن من اشتغل بالعلم حتى صار من أهل الاجتهاد فيه لم يخف أمره على أهل بلده وجيرانه ، ولم يخف حضوره وغيبته ويمكن الإمام أن يبعث إلى البلاد ويتعرف أقاويل الجميع .

فإن قال : يجوز أن يكون في الغزو رجل من أهل العلم وحصل في أيدي المشركين غير مقدور عليه . فالجواب أن مثل هذا لا يخفى ، وإذا جرى مثل ذلك لم ينعقد الإجماع إلا بالوقوف على مذهبه فيه .

باب القول في أن إجماع كل عصر حجة وأنه لا يقف على الصحابة خاصة

إذا أجمع أهل عصر على شيء كان إجماعهم حجة ولا يجوز إجماعهم على الخطأ . وقال داود بن علي : الإجماع إجماع الصحابة دون غيرهم واحتج بقوله تعالى : ( { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } ) [4] وبقوله : ( { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } ) [5] قال : وهذا خطاب مواجهة للصحابة دون غيرهم فلا مدخل فيه لمن سواهم . قال : ولأن العقل يجوز الخطأ على العدد الكثير وإنما وجبت العصمة من طريق الشرع وقد ثبت الشرع بعصمة الصحابة في إجماعهم ولم يثبت بعصمة غيرهم فمن ادعى عصمة غيرهم فعليه إقامة الدليل .

وهذا غير صحيح لقوله تعالى : ( { ويتبع غير سبيل المؤمنين } ) [6] ولم يفرق بين الصحابة وبين غيرهم فهو على عمومه .

وأيضاً ما روي عن النبي أنه قال ﷺ : «لا تجتمع أمتي على ضلالة » وقوله ﷺ : «إن يد الله على الجماعة » وقوله ﷺ : «من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية » وما أشبه ذلك من الأحاديث التي قدمناها وهي عامة في الصحابة وفي غيرهم .

فأما الجواب عن الآيتين فهو ان ذلك خطاب لجميع الأمة كما قال تعالى : ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) [7] : ( { وقاتلوا في سبيل الله } ) [8] : ( { فأنكحوا ما طاب لكم من النساء } ) [9] وكل ذلك خطاب لجميع الأمة فكذلك ههنا .

ويدل عليه أن صغار الصحابة الذين بلغوا وصاروا من أهل الاجتهاد بعد نزول الآيتين داخلون فيهما فدل على ما قلناه .

وأما قوله : ان الشرع خص الصحابة بالعصمة ؟ فالجواب عنه ان كل شرع أثبتنا به حجة الإجماع فهو عام في الصحابة وغيرهم فلم يصح ما قاله .

باب القول فيما يعرف به الإجماع ومن يعتبر قوله ومن لا يعتبر

إعلم أن الاجماع يعرف بقول ، وبفعل ، وبقول واقرار ، وبفعل واقرار . فأما القول : فهو أن يتفق قول الجميع على الحكم بأن يقولوا كلهم : هذا حلال ، أو حرام . وأما الفعل : فهو أن يفعلوا كلهم الشيء . وأما القول والاقرار : فهو أن يقول بعضهم قولاً وينتشر في الباقي فيسكت عن مخالفته . وأما الفعل والاقرار : فهو أن يفعل بعضهم شيئاً ويتصل بالباقين فيسكتوا عن إنكاره .

ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء كان مدرساً مشهوراً ، أو خاملاً مستوراً ، ولا فرق بين أن يكون المجتهد من أهل عصرهم أو لحق بهم من أهل العصر الذي بعدهم وصار من أهل الاجتهاد عند الحادثة كالتابعي إذا أدرك الصحابة في وقت حدوث الحادثة وهو من أهل الاجتهاد . وقال بعض الناس : لا يعتد بقول التابعي مع الصحابة والدليل على ما قلناه أن سعيد ابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن وأصحاب عبد الله بن مسعود كشريح وغيره كانوا يجتهدون في زمن الصحابة ولم ينكر عليهم أحد . ولأن التابعي من أهل الاجتهاد عند حدوث الحادثة فوجب أن يعتد بقوله كأصاغر الصحابة .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه الأصبهاني ، نا يعقوب ابن سفيان ، نا عبد العزيز بن عمران ، نا عبد الله بن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد ، أن نافعاً حدثه أن سعيد بن المسيب سئل عن مسألة ؟ فأجاب فيها فأخبر ابن عمر بجوابه فأعجب ابن عمر فتيا ابن المسيب ثم قال ابن عمر : أليس قد أخبرتكم عن هذا الرجل ؟ يريد ابن المسيب هو والله أحد المفتين .

( وأنا ) ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا أبو صالح ، حدثني الليث عن يحيى بن سعيد ، قال : كان عبد الله بن عمر إذا سئل عن الشيء يشكل عليه قال : سلوا سعيد بن المسيب فإنه قد جالس الصالحين .

أنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله الحماني ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير الكوفي ، نا الحسن بن علي بن عفان ، نا جعفر بن عون ، انا يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ، أخبرني أبو سلمة قال : كنت مع أبي هريرة وابن عباس في امرأة توفي عنها زوجها وهي حامل فلم تلبث بعد وفاته إلا قليلاً حتى وضعت ؟ فقال ابن عباس : تعتد آخر الأجلين ، وقال أبو سلمة : إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت وانقضت عدتها ، قال أبو هريرة : فإني أقول كما قال ابن أخي قال فبعث كريباً مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ؟ فجاءنا من عندها قال : توفي زوج سبيعة الأسلمية وهي حامل فلما وضعت ما في بطنها ذكرت ذلك لرسول الله فأمرها أن تزوج .

أنا أبو الحسن علي ابن القاسم الشاهد بالبصرة ، نا علي بن إسحاق المادرائي ، نا أبو قلابة ، نا سعيد ابن عامر ، نا شعبة عن سيار عن الشعبي ، أن عمر ساوم رجلاً بفرس فأخذه فعطب ، فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين أعطني ثمن فرسي ؟ فقال له عمر : بمن ترضى بيني وبينك ؟ قال بشريح العراقي ؟ فقال : يا أمير المؤمنين انك أخذته على سوم وقد لزمك ثمنه ، فأعطى عمر ثمن الفرس . وقال القول قول شريح العراق أو قال الكوفة .

( وأنا ) علي ، نا علي ، نا أبو قلابة ، نا حذيفة ، نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم ، قال : قال علي بن أبي طالب : اجمعوا لي القراء وجعل يسألهم رجلاً رجلاً حتى انتهى إلى شريح فساءله طويلاً ؟ ثم قال اذهب فأنت من أقضى العرب أو أقضى الناس .

انا محمد بن عيسى بن عبد الله الهمذاني ، نا صالح بن أحمد بن محمد الحافظ ، قال : سمعت القاسم بن أبي صالح يقول : سمعت أبا حاتم الرازي يقول : العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق ناسخ غير منسوخ ، وما صحت به الأخبار عن رسول الله مما لا معارض له ، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه ، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم ، فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين ، فإذا لم يوجد عن التابعين فعن أئمة الهدى من اتباعهم مثل أيوب السختياني ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وسفيان ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح ، ثم من بعد ما لم يوجد عن أمثالهم فمن مثل عبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله بن مبارك ، وعبد الله بن إدريس ، ويحيى بن آدم وسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، ومن بعدهم محمد بن إدريس الشافعي ويزيد بن هارون والحميدي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، وأبي عبيد القاسم بن سلام . قلت : قصد أبو حاتم إلى تسمية هؤلاء لأنهم كانوا مشهورين من أئمة أهل الأثر في اعصارهم ولهم نظراء كثيرون من أهل كل عصر أولوا نظر واجتهاد ، فما أجمعوا عليه فهو الحجة ، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم . فكذلك إذا اختلفوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث وسنوضح هذا فيما بعد إن نشاء الله .

القول فيمن رد الإجماع

الإجماع على ضربين أحدهما : إجماع الخاصة والعامة وهو مثل إجماعهم على القبلة إنها الكعبة ، وعلى صوم رمضان ، ووجوب الحج ، والوضوء والصلوات وعددها وأوقاتها ، وفرض الزكاة وأشباه ذلك . والضرب الآخر : هو إجماع الخاصة دون العامة مثل ما أجمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج ، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم ، وإن البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه ، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وأن لا وصية لوارث ، وأن لا يقتل السيد بعبده ، وأشباه ذلك . فمن جحد الإجماع الأول استتيب فإن تاب وإلا قتل ، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل ذلك ، فإذا علمه ثم رده بعد العلم قيل له : أنت رجل معاند للحق وأهله .

باب القول في انه يجب اتباع ما سنّه أئمة السلف

من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج عنه :

إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين وانقرض العصر عليه لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين ، فإن فعلوا ذلك لم يترك خلاف الصحابة . والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين ، وعلى بطلان ما عدا ذلك . فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما لم يجز ذلك وكان خرقاً للإجماع ، وهذا بمثابة لو اختلف الصحابة بمسألة على قولين وانقرض العصر عليه فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواه فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه عى قول لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين .

أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن بكران القوي بالبصرة ، أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا سعد بن أبي مريم ، نا رشد بن سعد ، قال : حدثني عقيل بن شهاب عن عمر ابن عبد العزيز ، قال : سن رسول الله وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعته ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها ، فمن اقتدى بما سنّوا اهتدى ، ومن استبصر بها مبصر ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا أحمد بن أبي الطيب ، نا عيسى بن يونس عن زمعة بن صالح عن عثمان بن حاضر الأزدي ، قال : دخلت على ابن عباس فقلت : أوصني فقال : عليك بالإستقامة ، إتبع ولا تبتدع .

أنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا نصر بن القاسم الفرائضي ، نا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : سمعت سفيان يقول : إذا كان يأتم بمن قبله فهو إمام لمن بعده .

باب ما جاء في قول الواحد من الصحابة

إذا قال بعض الصحابة قولاً ولم ينتشر في علماء الصحابة ولم يعرف له مخالف لم يكن ذلك إجماعاً . وهل هو حجة أم لا ؟ فيه قولان : أحدهما : أنه حجة ، والقول الثاني : انه ليس بحجة .

فمن ذهب إلى القول الأول احتج بأن الصحابي لا يخلو من أن يكون قوله توقيفاً من النبي ، أو يكون اجتهاداً منه ، فإن كان توقيفاً وجب أن يكون مقدماً على القياس لأن خبر الواحد أقوى من القياس والاستدلال ، وإن كان اجتهاداً منه وجب أن يكون اجتهاده أقوى من اجتهاد غيره لأنه شاهد النبي ، وسمع كلامه ، والسامع أعرف بمقاصد المتكلم معاني كلامه ممن لم يسمعه ، فوجب أن يكون اجتهاده مقدماً عن اجتهاد من لم يسمع منه .

ولهذا قال أيوب السختياني وخالد الحذاء : ما أنا ابن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن أيوب ، قال : إذا بلغك اختلاف عن النبي فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر فشد يدك به فإنه الحق وهو السنّة .

وقال يعقوب ، نا أبو النعمان ، نا حماد عن خالد ، قال : إنا لنرى الناسخ من قول رسول الله ما كان عليه أبو بكمر وعمر ( وأنا ) القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن خالد بن خلي الحمصي ، نا أحمد بن خالد الوهبي ، نا إسرائيل عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله انه قال : لا تقلدوا دينكم الرجال ، فإن أبيتم فبالأموات لا بأحياء . قرأت على أبي القاسم الأزجي ، عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي ، قال : أنا أبو بكر الخلال ، أنا سليمان بن الأشعث ، قال : سمعت أبا عبد الله - يعني : أحمد بن حنبل - يقول : ' الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه ، ثم هو بعد في التابعين مخير ' .

ومن قال انه ليس بحجة استدل بأن الله تعالى إنما أمر باتباع جميع المؤمنين فدل على أن اتباع بعضهم لا يجب ، ولأنه قول عالم يجوز إقراره على الخطأ فلم يكن حجة كقول التابعين . والدليل على إنه ليس بتوقيف أنه لو كان كذلك لنقل في وقت من الأوقات عن رسول الله فلما لم ينقل دل على انه ليس بتوقيف .

قالوا : واعتلال من قال إنه حجة ، بأن الصحابي أعلم بمعاني كلام الرسول ومقاصده إنما يصح إذا علم بأنه قاس على ما سمعه واضطر إلى قصده ، فأما إذا احتمل أن يكون قاس على ما في القرآن ، أو على ما سمع غيره يرويه عن النبي ، أو قاس على ما سمعه ولم يضطر إلى قصده فإنه ليس كل سامع الكلام يجب أن يضطر إلى قصد المتكلم وإنما هو على حسب قيام دلالة الحال ، وإذا كان كذلك لم يصح ما قال .

فإذا قلنا بالقول الأول وانه حجة قدم على القياس ويلزم التابعي العمل به ولا يجوز له مخالفته ، وإذا قلنا انه ليس بحجة فالقياس مقدم عليه ويسوغ للتابعي مخالفته

فأما فإذا اختلفت الصحابة على قولين لم يكن قول بعضهم حجة على بعض ولم يجز تقليد واحد من الفريقين بل يجب الرجوع إلى الدليل .

أنا أحمد بن جعفر القطيعي ، أنا علي بن عبد العزيز بن مدرك البرذعي ، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول : إذا جاء عن أصحاب النبي أقاويل مختلفة ينظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به .

قلت : فإن تعذر ذلك من نص الكتاب والسنّة أو أحدهما اعتبرت أقاويلهم من جهة القياس فمن شابه قولهم أصلاً من الأصول ألحق به .

أنا علي بن أبي علي البصري ، أنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال الشافعي : إذا اختلفوا يعني أصحاب النبي نظر أتبعهم للقياس إذا لم يوجد أصل يخالفهم اتبع أتبعهم للقياس . قد اختلف عمر وعلي في ثلاث مسائل القياس فيها مع علي ، وبقوله أخذ منها المفقود قال : يضرب له أجل أربع سنين ثم تعتد أربعة وعشراً ثم تنكح .

وقال علي مبتلاة لا تنكح أبداً وقد اختلف فيه عن علي حتى يصح موت أو فراق .

وقال عمر في الرجل يطلق امرأته في سفر ثم يرتجعها فيبلغها الطلاق ولا تبلغها الرجعة حتى تحل وتنكح أن زوجها الآخر أولى بها إذا دخل بها وقال علي : هي للأول أبداً وهو أحق بها . وقال عمر في الذي ينكح المرأة في العدة ويدخل بها : إنه يفرق بينهما ثم لا ينكحها أبداً . وقال علي : ينكحها بعد .

واختلفوا في الاقراء ، وأصح ذلك ان الاقراء الاطهار لقول النبي لعمر ﷺ : «مره يعني ابن عمر يطلقها في طهر لم يمسها فيه ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء » . فلا سماها النبي الله عدة كان أصح القول فيها لأن النبي سمى الأطهار العدة .

أنا علي بن يحيى بن جعفر الأصبهاني ، أنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني ، نا أحمد بن مهدي ، نا ابن عائشة ، نا سفيان عن عبد الكريم عن مجاهد ، قال : ليس أحد بعد رسول الله إلا وأنت آخذ من قوله وتارك ، فإن استوى دليل القولين المختلفين من أقاويل الصحابة رجح أحد القولين عن الآخر بكثرة العدد فإن كان على أحد القولين أكثر الصحابة وعلى القول الآخر أقلهم قدم الأكثر لقول النبي ﷺ : «عليكم بالسواد الأعظم » .

فإن استويا في العدد وكان على أحدهما إمام وليس على الآخر إمام قدم الذي عليه الإمام ، لما حدثنا أبو نعيم الحافظ املاء ، نا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا محمد ابن عمر الواقدي ، قال أبو نعيم : ونا سليمان بن أحمد هو الطبراني نا أبو يزيد القراطيسي ، نا أسد بن موسى ، قالا : نا معاوية بن صالح حدثني ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، انه سمع العرباض بن سارية رضي الله عنه يقول : وعظنا رسول الله موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قلنا يا رسول الله : انها لموعظة مودع فما تعهد إلينا ؟ قال رضي الله عنه : «قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ » .

قال أبو نعيم : سياق حديث أسد فإن كان على أحدهما أكثر الصحابة وعلى الآخر أقلهم إلا أن مع الأقل إماماً فهما سواء لأن مع أحدهما زيادة عدد ومع الآخر إماماً . وإن استويا في العدد والأئمة إلا أن في أحدهما أبا بكر وعمر أو أحدهما ففي ذلك وجهان : أحدهما : إنهما سواء ، لما أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، نا أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن الواثق الهاشمي ، انا حمزة بن محمد الكاتب أبو علي ، نا نعيم بن حماد ، نا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر ابن الخطاب ، قال : قال رسول الله ﷺ : «سألت ربي تعالى فيما اختلف أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى » .

والوجه الثاني : ان الفريق الذي فيه أبو بكر وعمر أو أحدهما أولى لما .

أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزار بعكبرا وأبو الحسن علي بن أحمد بن هارون المعدل بنهاوند ، قالا : نا محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي ، نا علي بن حرب ، نا سفيان اغبن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة ، قال : قال النبي ﷺ : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » .

فأذكرني هذا الحديث خبراً حسناً أخبرناه أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، نا إبراهيم بن أحمد القرميسيسي ، نا عبد الله بن وهب الدينوري حدثني أبو الحسن عبيد بن هارون الفريابي ببيت المقدس ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي بمكة يقول : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنّة رسول الله قال : فقلت في نفسي هذا الرجل جريء قال : قلت له : يا أبا عبد الله ما تقول في محرم قتل زنبورا ؟ قال فقال : نعم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى : ( { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ) [10] .

( وأنا ) سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ﷺ : «إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » .

( وأنا ) سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب ، أنه أمر محرماً بقتل الزنبور .

قد انتهى كلامنا في أصول الفقه ، ونحن نبتديء بالكلام في القياس وما يتعلق به إن شاء الله .

ذكر الكلام في القياس

إعلم أن القياس فعل القائس وهو حمل فرع على أصل في بعض أحكامه لمعنى يجمع بينهما ، وقيل هو الاجتهاد والأول أجمع لحد لأن الاجتهاد هو بذل المجهود في طلب العلم فيدخل فيه حمل المطلق على المقيد ، وترتيب الخاص على العام ، وجميع الوجوه التي يطلب منها الحكم ، وليس شيء من ذلك بقياس .

والقياس مثاله مثال الميزان أن يوزن به الشيء من الفروع ليعلم ما يوازنه من الأصول فيعلم انه نظيره ، أو لا يوازنه فيعلم أنه مخالفه . والاجتهاد أعم من القياس والقياس داخل فيه . والقياس حجة في إثبات الأحكام العقلية وطريق من طرقها مثل حدوث العالم ، واثبات الصانع والتوحيد ، وما أشبهه . ومن الناس من أنكر ذلك والدليل على فساد قوله أن إثبات هذه الأحكام لا يخلو إما أن يكون بالضرورة ، أو بالاستدلال والقياس ، ولا يجوز أن يكون بالضرورة لأنه لو كان كذلك لم يختلف العقلاء فيها فثبت أن إثباتها بالقياس والاستدلال بالشاهد على الغائب . وكذلك هو حجة في الشرعيات ، وطريق لمعرفة الأحكام ، ودليل من أدلتها من جهة الشرع . وذهب إبراهيم النظام والرافضة إلى إنه ليس بطريق للأحكام الشرعية ولا يجوز ورود التعبد به من جهة العقل ، وقال داود بن علي وأهل الظاهر : يجوز أن يرد التعبد به من جهة العقل إلا أن الشرع ورد بحظره والمنع منه .

فأما الدليل على جواز ورود التعبد به من جهة العقل فهو إنه إذا جاز الحكم في شيء بحكم لعلة منصوص عليها جاز أن يحكم فيه لعلة غير منصوص عليها وينصب عليها دليل يتوصل به إليها ، ألا ترى انه لما جاز أن يؤمر من عاين الكعبة بالتوجه إليها في صلاته جاز أيضاً أن يؤمر من غاب عنها أن يتوصل بالدليل إليها .

وأما داود ومن تابعه فقد احتجوا بأن الله تعالى حرم علينا القول بما لا نعلم ، فقال الله عز وجل : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن ) إلى قوله : ( وأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمون ) [11] ، والعلم إنما يدرك بالكتاب والسنة ، وقال الله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إِلَى اللهِ والرَسُولِ ) [12] معناه ، فردوه إلى الكتاب والسنة ، وهذا يمنع من القياس .

قالوا : ولأن القصد بالقياس طلب الحكم فيما لا نص فيه ، ولا توقيف ، وليس عندنا حكم إلا وقد تناوله نص وتوقيف ، فلم يكن للقياس معنى مع أن الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد جاءت بالمنع منه ، والصحابة والتابعون قد أنكروه ، فدل على أن هذا إجماع منهم .

ذكر الأحاديث الواردة في ذم القياس وتحريمه والمنع منه

أنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا غندر محمد بن حاتم ، نا جبارة بن مغلس ( وأنا ) الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن أحمد ابن يحيى العطشي ، نا محمد بن صالح بن ذريح ، نا جبارة ، نا حماد بن يحيى ، قال : حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله ، ثم تعمل برهة بسنّة رسول الله ، ثم تعمل برهة بعد ذلك بالرأي ، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا » .

أنا أبو عبيد محمد بن أبي نصر النيسابوري ، أنا أبو عمر محمد بن أحمد بن حمدان الحيري ، أنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، نا هذيل بن أحمد بن إبراهيم الحماني ، نا عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «تعمل هذه الأمة برهة بسنّة رسول الله ، ثم تعمل بالرأي ، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا وأضلوا » .

أنا عبد السلام بن عبد الوهاب الأصبهاني ، انا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا يحيى بن عثمان بن صالح ، نا نعيم بن حماد ، نا عيسى بن يونس عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم ، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال » .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، أنا المسيبي ، نا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله قال ﷺ : «ما هلكت بنو إسرائيل حتى كثر فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأخذوا في دينهم بالمقاييس فهلكوا وأهلكوا »

أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ؛ أن أبا الحسن بن البراء حدثهم ، قال : نا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن ابن أبي داود ؛ وأنا أبو جعفر محمد بن جعفر بن علان الشروطي ، أنا الحسين بن أحمد بن محمد الهروي ، نا أحمد بن علي بن رزين الباشاني ، نا عبد الرحيم بن حبيب ، نا إسحاق بن نجيح عن الأوزاعي وابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه » .

أخبرني أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري ، نا أبو يعلى عبد الله بن مسلم الدباس ، نا الحسين بن إسماعيل ، نا أحمد بن عثمان بن حكيم ، نا عبد الرحمن بن شريك ، نا أبي عن مجالد عن الشعبي عن عمرو بن حريث عن عمر بن الخطاب ، قال : وإياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا .

أنا القاضي أبو التنوخي ، أنا علي بن عمر بن محمد الحربي ، نا أبو علي محمد بن علي بن إسماعيل المروزي ، نا صالح بن عبيد المروزي ، نا عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده ، قال : قال عمر بن الخطاب على المنبر : ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا ، ألا وإنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتبع ولا نبتدع ، ما نضل ما تمسكنا بالأثر .

أخبرني الجوهري ، أنا محمد بن عبد الله بن أيوب القطان ، نا أبو العباس إسحاق بن محمد بن مروان ، نا أبي ، أنا عصمة بن عبد الله الأسدي ، قال : نا محمد بن عبد الله عن أبي بكر عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ، قال : إياكم ومجالسة أصحاب الرأي فانهم أعداء السنّة أعيتهم السنّة أن يحفظوها ، ونسوا الأحاديث أن يعوها ، وسئلوا عما لا يعلمون فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم ، فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه الله بالوحي عن الرأي ، ولو كان الرأي أولى من السنّة لكان باطن الخفين أولى بالمسح من ظاهرهما .

أنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز الهمذاني ، نا صالح بن أحمد الحافظ ، نا محمد بن عبد الله بلبل ، نا علي بن الحسين بن إشكاب ، نا عمر بن يونس اليمامي ، نا عكرمة بن عمار عن يحيى وحمزة المديني وغيرهما قالا : قد سمعنا من الفقهاء أن عمر بن الخطاب قال : إن أصحاب الرأي أعداء السنن عميت عليهم فلم يعوها ، وتفلتت منهم فلم يحفظوها ، سئلوا فاستحيوا أن يقولوا لا ندري فعارضوها بالرأي ، فإياكم وإياهم ، فإن الله لم يقبض نبيه فانقطع وحيه حتى أغنى بالسنّة عن الرأي ، ولو كان الدين على الرأي لكان باطن الخف أحق أن يمسح من ظاهره ، فإياكم وإياهم .

أنا أبو بكر محمد بن عمر بن بكير النجار ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن حامد المؤدب ، نا الحسن بن علوية القطان ، قال : نا إسماعيل بن عيسى ، نا داود بن الزبرقان عن محمد العرزمي عن عطاء بن أبي رباح ، أن عمر بن الخطاب قال : أصحاب الرأي أعداء السنّة ، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أحق بمسحه من أعلاه .

أنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، أنا عمر بن إبراهيم المقريء ، انا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا أبو خيثمة ، نا جرير عن ليث عن مجاهد ، ان عمر نهى عن المكايلة يعني المقايسة أنا إبراهيم ابن عمر البرمكي ، أنا محمد بن عبد الله بن خلف بن نجيب الدقاق ، نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري ، نا أبو بكر الأثرم ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا حفص بن غياث عن ليث عن مجاهد ، قال : قال عمر : إياي والمكايلة . يعني المقايسة .

أنا علي بن أحمد بن محمد بن بكران الفوي ، أنا الحسن بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان نا أبو بكر الحميدي . ( وأنا ) أبو نعيم الحافظ ، نا محمد بن أحمد بن الحسن ، نا بشر بن موسى ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ، انه قال : ليس عام بأمطر وقال الفوي : أمطر من عام ولا أمير بخير وقال الفوي : خيراً من أمير ولكن ذهاب فقهائكم وعلمائكم ، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم .

أنا البرمكي ، أنا محمد بن عبد الله بن بخيت ، نا عمر بن محمد الجوهري ، نا أبو بكر الأثرم ، نا أبو نعيم ، نا عبدة بن سليمان ، نا مجالد عن الشعبي ، قال : قال عبد الله : لا يأتي على الناس يوم إلا والذي بعده أشد منه ، أما إني لا أعني أن يوماً خير من يوم ولا شهراً خير من شهر ، ولا عاماً خير من عام ، ولا أميراً خير من أمير ، ولكن ذهاب قرائكم وعلمائكم ثم يبقى قوم يقيسون الأمور برأيهم .

وقال الأثرم : نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا حفص بن غياث عن الأعمش عن حبيب عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : قال عبد الله : أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثاً فعليكم بالأمر الأول .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، نا سعدان بن نصر نا معتمر بن سليمان عن سعد بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عبد العزيز بن المطلب عن ابن مسعود ، قال : إنكم إن عملتم في دينكم بالقياس أحللتم كثيراً مما حرم عليكم ، وحرمتم كثيراً مما أحل لكم .

أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي ، نا جعفر بن محمد الرازي ، نا محمد بن عبد العزيز الخراساني ، نا الفضل بن موسى عن يزيد بن عقبة عن الضحاك الضبي ، قال : لقي ابن عمر جابر بن يزيد فقال له : يا جابر انك ستستفتي فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنّة ماضية فإنك إن فعلت غير هذا هلكت وأهلكت .

أنا البرمكي ، أنا ابن بخيت ، نا عمر بن محمد الجوهري ، نا أبو بكر الأثرم ، نا علي بن بحر ومحمد ابن الصباح ، قالا : نا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عباس ، قال : من أحدث رأياً ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة رسول الله لم يدر على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل .

وقال الأثرم : نا قبيصة ، نا سفيان عن جابر عن الشعبي عن مسروق ، قال : لا أقيس شيئاً بشيء ، قلت لم ؟ قال : أخشى أن تزل رجلي .

أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا سعدان بن نصر ، قال : نا معمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر ، أن مسروق بن الأجدع سئل عن مسألة فقال : لا أدري ، فقالوا : قس لنا برأيك ؟ قال : أخاف أن تزل قدمي .

وقال سعدان : نا معمر عن عبيد الله بن بشر ، أن مسروق بن الأجدع كان يقول : إياكم والقياس والرأي فإن الرأي قد يزل .

أنا أبو الفتح هلال بن جعفر الحفار ، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عياش القطان ، نا إبراهيم ابن محشر ، نا وكيع ، نا عيسى الحناط عن الشعبي ، قال : لأن أبغي بغية أحب إلي من أن أقول مسألة برأيي .

قال أبو محمد بن قتيبة أن العنية أخلاط تنقع في أبوال الإبل وتترك حيناً حتى تطلى بها الإبل من الجرب .

أنا محمد بن عبيد الله الحنائي ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا جعفر بن كزال ، نا أحمد بن إبراهيم ، وعباس بن طالب ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن زيد ، قال : قيل لأيوب : لو نظرت في الرأي ، قال أيوب : ' قيل للحمار لو اجتررت ، قال : إني أكره مضغَ الباطل ' .

أنا أبو الطيب عبد العزيز بن علي بن محمد القرشي ، أنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، نا أحمد ابن عيسى بن السكين البلدي ، نا أبو عمر عبد الحميد بن محمد بن المستام الحراني ، نا مخلد بن يزيد ، نا عيسى بن أبي عيسى الحناط ، قال : كان الشعبي يقول : إياكم والمقايسة ، والذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقاييس لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله فاعملوا به .

أنا محمد بن عمر بن بكير المقريء ، أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن حامد المؤدب ، نا الحسن بن علويه القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا داود بن الزبرقان عن مجالد بن سعيد ، قال : نا الشعبي يوماً ، قال : يوشك أن يصير الجهل علماً ويصير العلم جهلاً ، قال : وكيف يكون هذا يا أبا عمرو ؟ قال : كنا نتبع الآثار وما جاء عن الصحابة فأخذ الناس في غير ذلك القياس .

أنا محمد بن عيسى الهمذاني ، نا صالح بن أحمد الحافظ ، نا القاسم بن أبي صالح ، نا أبو حاتم الرازي ، نا علي بن عبد الحميد المعنى ، نا سليمان بن المغيرة عن أبي حمزة ، قال : سئل الشعبي عن مسألة فقال : لا أدري ولكن احفظ عني ثلاثاً ، لا تقل لما لا تعلم إنك تعلم ، ولا تقولن لشيء قد كان لو لم يكن ، ولا تجالس أصحاب القياس فتحل حراماً أو تحرم حلالاً .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، نا الحسن بن علي بن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا وكيع عن عيسى الحناط عن الشعبي ، قال : سمعته يقول : والله لئن أخذتم بالقياس لتحلن الحرام وتحرمن الحلال .

وقال أبو نعيم : نا جعفر بن عون عن ابن أبي ليلى ، قال : كان الشعبي لا يقيس .

أخبرني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ، نا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، نا عبد الله بن محمد البغوي ، نا يحيى بن أيوب العابد ، نا ابن علية ، نا صالح بن مسلم ، قال : كنت عند الشعبي ونحن ثلاثة وأربعة فقال من غير أن يسأله أحد منا عن شيء : إنما هلكتم حين تركتم الآثار ، وأخذتم المقاييس يعلم الله لقد بغضوا إلي هذا المسجد حتى لهو أبغض إلي من كناسة داري هؤلاء الصعافقة .

أنا البرمكي ، أنا ابن بخيت ، نا عمر بن محمد الجوهري ، نا الأثرم ، نا محمد بن كناسة ، نا صالح بن مسلم عن الشعبي ، قال : لقد بغض إلي هؤلاء القوم هذا المسجد حتى لهو أبغض إلي من كناسة داري قلت من هم يا أبا عمرو ؟ قال هؤلاء الآرائيون أرأيت أرأيت .

وقال الأثرم : نا يحيى بن محمد بن سابق ، نا زيد بن جابر عن حماد بن زيد عن مطر الوراق ، قال : ترك أصحاب الرأي الآثار والله .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا الحسن بن علي بن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا حفص عن الأشعث ، قال : كان محمد بن سيرين لا يكاد يقول في شيء برأيه .

أنا علي بن طلحة المقريء ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، نا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله ، قال : حدثني أبو زكريا يحيى بن زكريا المعروف بالسني ، حدثني أبو الحسن أحمد بن خاقان بن موسى ، قال : سمعت أخي محمد بن خاقان يقول : شيعنا ابن المبارك في آخر خرجة خرج ، فقلنا له : أوصنا ، فقال : لا تتخذوا الرأي إماماً .

أنا محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزقويه ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، نا أحمد بن علي الأبار ، نا هشام بن عمار الدمشقي عن محمد بن عبد الله القرشي عن ابن شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة ( وأنا ) عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ واللفظ له ، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الجمحي بمكة ، نا علي بن عبد العزيز ، نا أبو الوليد القرشي ، نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي ، حدثني سليمان بن جعفر ، نا محمد بن يحيى الربعي ، قال : قال ابن شبرمة : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي وسلمت عليه وكنت له صديقاً ، ثم أقبلت على جعفر وقلت : أمتع الله بك هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل ، فقال لي جعفر : لعله الذي يقيس الدين برأيه ، ثم أقبل علي فقال : أهو النعمان ؟ قال محمد بن يحيى الربعي ولم أعرف اسمه إلا ذلك اليوم ، فقال له أبو حنيفة : نعم أصلحك الله ، فقال له جعفر : اتق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس إذ أمره الله بالسجود لآدم فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، ثم قال له جعفر : هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك ؟ فقال له : لا وفي حديث ابن رزقويه : نعم فقال له : أخبرني عن الملوحة في العينين ، وعن المرارة في الأذنين ، وعن الماء في المنخرين وعن العذوبة في الشفتين ، لأي شيء جعل ذلك ؟ قال : لا أدري . قال له جعفر : إن الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين وجعل الملوحة فيهما منّاً منه على ابن آدم ولولا ذلك لذابتا فذهبتا ، وجعل المرارة في الأذنين منّاً منه عليه ولولا ذلك لهجمت الدواب وأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ويجد من الريح الطيبة ومن الريح الرديئة ، وجعل العذوبة في الشفتين ليعلم ابن آدم مطعمه ومشربه ، ثم قال لأبي حنيفة : أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان ؟ قال : لا أدري . فقال جعفر ( لا إله إلا الله ) فلو قال لا إله ثم أمسك كان مشركا ، فهذه كلمة أولها شرك وآخرها الإيمان ، ثم قال له : ويحك أيهما أعظم عند الله قتل النفس التي حرم الله أو الزنا ؟ قال بل قتل النفس ، قال له جعفر ان الله قد رضي في قتل النفس بشاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربع فكيف يقوم لك القياس ؟ ثم قال : أيهما أعظم عند الله الصوم أم الصلاة ؟ قال : بل الصلاة . قال فما بال المرأة تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ اتق الله يا عبد الله ولا تقس فأنا نقف غداً نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله تبارك وتعالى فنقول قال الله عز وجل وقال رسول الله ، وتقول أنت وأصحابك : سمعنا ورأينا . فيفعل تعالى بنا وبكم ما يشاء .

أنا ابن الفضل القطان ، أنا أحمد بن عبد الله بن زياد ، أنا الحسن بن العباس بن أبي مهران الحمال الرازي ، نا محمود بن غيلان ، نا عبد الرزاق عن معمر عن أبي شبرمة ، قال : ما عبدت الشمس والقمر إلا بالقياس .

باب القول في الاحتجاج بصحيح القياس ولزوم العمل به

قال الله سبحانه : ( { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا ا لصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم } ) [13] . فنص الله على وجوب الجزاء من النعم في المقتول من الصيد ولم ينص على ما يعتبر من المماثلة فكان ما نص عليه أنه من النعم لا إجتهاد فيه وكان المرجع في الوجه الذي به تعلم مماثلته فيه لا طريق له غير الاجتهاد والاعتبار .

وكذلك لما أمر برد شهادة الفاسق لم ينص على ما تعتبر به عدالته ، وليس أحد من المسلمين ينفك من الاهتمام بشيء ، من الطاعات ولا يعتصم أحد من أن يمتحن ببعض معاصي فلم يكن لمعرفتنا العدل من الفاسق طريق غير موازنة أحواله وترجيح بعضها على بعض . فإن رجحت معاصيه صار بذلك فاسقاً وإن رجحت طاعته صار بذلك عدلاً . وفي معنى ما ذكرناه قول الله تعالى : ( { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ) [14] وقوله تعالى : ( { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } ) [15] فجعل الحكم للأرجح من الطاعات أو المعاصي فكذلك معرفة العدالة والفسق .

وقال الله تعالى : ( { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ) [16] وقال : ( { أيحب الإنسان أن يترك سدى } ) [17] وقال : ( { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ) [18] فلا يجوز بعد أن أخبر الله بكمال دينه أن يكون ناقصاً ، وكذلك قوله : ( { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ) [19] لا يجوز أن بعده ما لا يوقف على حكمه ، والوقوف على الحكم بالاسم أو بالاستخراج لا ثالث لهما ، فإذا بطل أن يكون في الكتاب بيان كل شيء باسمه علم انه أراد ببيانه بيان معناه .

وقوله : ( { تبياناً لكل شيء } ) [20] أراد به الأوامر والنواهي والحظر والإباحة وما كان من طريق الشرع مما بالأمة إليه الحاجة لا أنه أراد ذلك على الاطلاق إذ كان بيان ذلك من جهة الاسم متعذراً فعلم انه أراد ذلك من جهة التشبيه ، وقال الله تعالى : ( فَإِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فرُدُّوهُ إِلَى اللهِ والرَّسُولَ ) [21] .

أنا ابن الفضل القطان ، أنا دعلج بن أحمد ، أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، أن سعيد بن منصور ، حدثهم قال : نا إسماعيل بن زكريا ، عن ليث ، عن مجاهد ( فإنْ تَنازَعْتُم في شَيءٍ فرُدُّوهُ إلى الله ) قال : ' إلى كتاب الله ( والرسول ) قال : إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلمن ثم قرأ ( وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإِلَى أُوْلي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِين يَسْتَنْبَطُونهَ منهم ) [22] .

أنا أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن هشام الفارسي ، نا أبي ، نا أحمد بن سهل الأشناني ، نا الحسين - يعني : ابن علي بن الأسود العجلي - ، نا يحيى بن أدم ، نا مندل العنزي ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( فِإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ والرَّسُولِ ) قال : ' إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ' .

أنا الحسن بن أبي بكر ومحمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز ، قالا : أنا محمد بن عبد الله ابن إبراهيم الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن الحربي ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان عن ليث عن مجاهد : ( { فردوه إلى الله والرسول } ) قال إلى كتاب الله وسنة نبيه . ليس يخلو أمر الله تعالى بالرد إلى كتابه وسنة نبيه عند التنازع من أحد ثلاثة معاني : اما أن يكون أمر برد التنازع فيه إلى ما نص الله عليه في كتابه ورسوله في سنته لا إلى غير ذلك فأي منازعة وأي اختلاف يقع فيما قد تولى الله ورسوله الحكم فيه نصاً فهذا لا معنى له . أو يكون أمر برده إلى ما ليس له بنظير ولا شبيه ولا خلاف أن ذلك لا يجوز . أو يكون أمر برده إلى جنسه ونظيره مما قد تولى الله ورسوله الحكم فيه نصاً فيستدل بحكمه على حكمه ولا وجه للرد إلى غير هذا المعنى لفساد القسمين الأولين وأنه لا رابع لما ذكرناه .

ويدل على ذلك أيضاً من جهة السنّة ما : أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا شعبة ، أخبرني أبو عون الثقفي ، قال : سمعت الحارث بن عمرو يحدث عن أصحاب معاذ من أهل حمص ، قال : وقال مرة عن معاذ أن رسول الله لما بعث معاذا إلى اليمن قال له ﷺ : «كيف تقضي أن عرض لك قضاء » ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال ﷺ : «فإن لم تجده في كتاب الله » ! قال : أقضي بسنة رسول الله ، قال ﷺ : «فإن لم تجده في سنة رسول الله » ؟ قال اجتهد رأيي ولا آلو ، قال : فضرب بيده في صدري وقال ﷺ : «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله » .

أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا دعلج بن أحمد ، نا الحسن بن المثنى العنبري بالبصرة ، نا عفان ، نا شعبة أخبرني أبو عون ، قال : سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أناس من أصحاب معاذ عن معاذ ، أن رسول الله قال له حين بعثه إلى اليمن ﷺ : «كيف تقضي أن عرض لك قضاء » ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في كتاب الله » ؟ قال : ففي سنة رسول الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في سنة رسول الله » ؟ قال اجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب يعني صدره وقال ﷺ : «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله » .

وأنا الحسن بن أبي بكر ، أنا دعلج ، نا الحسن بن سفيان ، أنا حبان ، أنا حبان ، نا ابن المبارك ، أنا شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن رجال من أهل حمص من أصحاب معاذ ، قالوا : قال معاذ رضي الله عنه : بعثني رسول الله إلى اليمن فقال ﷺ : «إذا عرض لك قضاء كيف تقضي » ؟ قلت : أقضي بكتاب الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في كتاب الله » ؟ قال : فبسنة رسول الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في سنة رسول الله » ؟ قال : اجتهد رأيي لا آلو ، فضرب صدره وقال ﷺ : «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله » .

أنا الحسين بن علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص ، عن معاذ أن رسول الله حين بعثه إلى اليمن قال ﷺ : «كيف تصنع أن عرض لك قضاء » ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في كتاب الله » ؟ قال : فبسنة رسول الله ، قال ﷺ : «فإن لم يكن في سنة رسول الله » ؟ قال : اجتهد رأيي لا آلو ، قال فضرب رسول الله صدري ثم قال ﷺ : «الحمد الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله » .

أنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا مسدد ، نا يحيى عن شعبة قال : حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله لما بعثه إلى اليمن فذكر معناه .

فإن اعترض المخالف بأن قال لا يصح هذا الخبر لأنه لا يروى إلا عن أناس من أهل حمص لم يسموا فهم مجاهيل فالجواب أن قول الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ ، يدل على شهرة الحديث وكثرة رواته وقد عرف فضل معاذ وزهده والظاهر من حال أصحابه الدين والتفقه والزهد والصلاح . وقد قيل أن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة ، على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله رضي الله عنه : «لا وصية لوارث » ، وقوله في البحر رضي الله عنه : «هوالطهور ماؤه الحل ميتته » ، وقوله رضي الله عنه : «إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع » وقوله رضي الله عنه : «الدية على العاقلة » وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد له .

فإن قال : هذا من أخبار الآحاد لا يصح الاحتجاج به في هذه المسألة فالجواب أن هذا أشهر وأثبت من قوله : «لا تجتمع أمتي على ضلالة » فإذا احتج المخالف بذلك في صحة الإجماع كان هذا أولى .

وجواب آخر وهو أن خبر الواحد جائز في هذه المسألة لأنه إذا جاز تثبيت الأحكام الشرعية بخبر الواحد مثل تحليل ، وتحريم ، وإيجاب ، وإسقاط ، وتصحيح ، وابطال ، وإقامة حد بضرب ، وقطع ، وقتل ، واستباحة فرج وما أشبه ذلك ، وكان القياس أولى لأن القياس طريق لهذه الأحكام وهي المقصودة دون الطريق وهذا واضح لا إشكال فيه .

ويدل على ثبوت القياس أيضاً ما : أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش المتوثي ، نا علي بن مسلم ، نا أبو عامر عن أبي مصعب عن يزيد ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، انه سمع رسول الله يقول ﷺ : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فأخطأ فله أجر » .

أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم : قال : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص انه سمع رسول الله يقول ﷺ : «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر » .

قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، فقال : هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة .

فإن قيل : كيف يجوز أن يكون للمخطيء فيما أخطأ فيه أجر وهو إلى أن يكون عليه في ذلك إثم أقرب لتوانيه وتفريطه في الاجتهاد حتى أخطأ ؟ فالجواب : أن هذا غلط ، لأن النبي لم يجعل للمخطيء أجراً على خطئه وإنما جعل له أجراً على اجتهاده وعفا عن خطئه لأنه لم يقصده . وأما المصيب فله أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته .

فإن قال المخالف : إنما يكون الاجتهاد في تأويل لفظ وبناء لفظ على لفظ دون القياس قلنا والقياس من جملة الاجتهاد فيحمل الخبر على الجميع .

أنا أبو القاسم علي بن محمد بن موسى البزار وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، قالا : أنا أبو الحسن علي بن محمد ين أحمد المصري ، نا محمد بن الربيع بن بلال هو العامري نا إبراهيم بن أبي الفياض ، نا سليمان بن بزيع عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب عن علي بن أبي طالب ، قال : قلت يا رسول الله : الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء ؟ قال ﷺ : «إجمعوا له العابدين من أمتي ، واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد » .

أنا أبو طالب محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير التاجر ، أنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الموصلي ، نا علي بن إبراهيم بن الهيثم البلدي ، نا أحمد بن محمد الكندي بالفسطاط ، نا أسد بن موسى ، نا شعبة عن زبيد اليامي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله : كل قوم على بينة من أمرهم ومصلحة في أنفسهم يروزون على من سواهم ويعرف الحق بالمقايسة ذووا الألباب .

أنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، نا جدي ، قال : حدثني أبو الوليد هشام بن عبد الملك ( ونا ) أبو النضر هاشم بن القاسم ( ونا ) موسى بن داود ، قالوا : نا الليث بن سعد عن بكر بن الأشج وقال أبو النضر بكر بن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب قال : هششت فقبلت وأنا صائم فجئت رسول الله ، فقلت : لقد صنعت اليوم أمراً عظيماً قال ﷺ : «وما » قال : قبلت وأنا صائم ، فقال ﷺ : «أرأيت لو مضمضت من الماء » ؟ فقلت : إذ لا يضرني .

وقال موسى بن داود فقلت : لا بأس به ففيم . وقال أبو النضر : لا بأس بها

قد تبين في هذا الخبر إن عمر لم يكن يشك أن القبلة محرمة في الصوم ولذلك استعظم فعله إياها ولم يأت رسول الله يسأل أذلك مباح أم محظور ، وإنما جاء يسأله عما يجب عليه من فعله ، ولم يكن تقدم في القبلة نص كتاب ولا سنة فلم يكن تحريمها عند عمر إلا الاجتهاد بأن جعلها في معنى الوطء المحظور في الصيام لأن القبلة التذاذ بالمرأة كما أن الجماع إلتذاذ بها ، فلما كانت إحدى اللذتين محرمة نصاً في الصوم جعل عمر حكم اللذة الثانية حكم المنصوص عليها ، فعرفه النبي غلطه في اجتهاده وأن القبلة مباحة وأوضح له المعنى بتشبيهها بالمضمضة لأن شرب الصائم الماء حرام وهو وصول إلى باطن بدنه والمضمضة مباحة لأن ذلك ظاهر البدن فلم يكن لظاهر البدن قياس باطنه . كذلك الجماع المحظور إنما هو مباشرة بدنه لما ظهر من بدنها بلذة وليس مباشرته لها بظاهر بدنها قياس ذلك ، كما لم يكن ذلك في وصول الماء ، غير أن أمر المضمضة أوضح في مفارقة الشرب من القبلة ، ألا ترى انه قد جمع بين القبلة والجماع في الحج والاعتكاف ولم يجمع بين تحريم المضمضة وبين الشرب في موضع من المواضع فعرف عمر الأوضح منهما وهو المضمضة .

أنا القاضي أبو عمر الهاشمي نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا محمد بن سليمان الإنباري ، نا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه ، وبمن معه من المسلمين خيراً . وساق الحديث إلى أن قال ﷺ : «وإذا حاصرت أهل حصن فارادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم ، فإنكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم ، ولكن أنزلوهم على حكمكم ، ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم » . فقد أمر رسول الله الأمير بأن ينزل العدو على حكمه وعلم ان ذلك إنما يكون من جهة الاجتهاد لا من جهة النص والتوقيف .

أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، أنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا أبو عبد الله المخزومي ، نا سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت : لما ماتت ابنة رسول الله قال لنا رسول الله ﷺ : «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك ، ان رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا فرغتن فاذنني » ، فلما فرغن آذناه فأعطانا حقوه فقال ﷺ : «اشعرنها إياه » .

قلت : وغسل الميت فرض وقد جعل النبي الأمر فيه إلى إجتهاد من ولي الغسل ورأيه .

وقد حكم جماعة من الصحابة باجتهادهم في وقت النبي فلم ينكر ذلك عليهم ولا عنف أحداً منهم .

أنا أبو عثمان سعيد بن العباس بن محمد الهروي ، أنا أبو الحسين محمد بن النصر بن محمد الموصلي ببغداد ، نا أبو يعلى الموصلي ، نا عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد بن مخارق الضبعي ابن أخي جويرية ، نا جويرية عن نافع عن ابن عمر ، قال : نادى فينا رسول الله يوم انصرف من الأحزاب ﷺ : «لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة » . قال : فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة ، وقال الآخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله وإن فات الوقت ، قال : فما عنف واحداً من الفريقين .

وممن حكم باجتهاده في وقت النبي علي بن أبي طالب .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الحسن بن علي بن عفان العامري الكوفي ، نا عبد الله يعني : ابن موسى أنا داود الأودي عن الشعبي عن أبي جحيفة السوائي ، قال : لما كان علي باليمن أتاه ثلاثة نفر يختلفون أو قال يختصمون في غلام ، فقال كل واحد منهم : هو ابني ، فأقرع علي بينهم فجعل الولد للقارع وجعل عليه لرجلين ثلثي الدية ، قال : فبلغ ذلك رسول الله فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي .

أنا علي بن القاسم البصري ، نا علي بن إسحاق عن محمد بن البختري المادرائي ، نا أحمد بن حازم الغفاري أبو عمرو ، نا بكر بن عبد الرحمن ، نا قيس ، نا الأجلح عن الشعبي وعن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم ، قال : قضى علي بن أبي طالب باليمن في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فجعل يخبرهم واحداً واحداً أترضى أن يكون الولد لهذا فأبوا ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون ، فأقرع بينهم وجعل الولد للذي قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين فبلغ رسول الله فضحك حتى بدت أضراسه .

ورجلان من الأنصار .

أنا بقضيتهما القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا محمد بن إسحاق المسيبي ، نا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ، فتيمما صعيداً طيباً فصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الصلاة ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله فذكرا ذلك ، فقال للذي لم يعد ﷺ : «أصبت السنّة واجزأتك صلاتك » . وقال للذي توضأ وأعاد ﷺ : «لك الأجر مرتين » .

وسعد بن معاذ حكم في بني قريظة بحضرة النبي :

أنا أبو بكر البرقاني قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان غير مرة ، حدثكم محمد بن أيوب ، أنا أبو الوليد الطيالسي ، نا شعبة بن الحجاج ، قال : أنبأني سعد بن إبراهيم ، قال : أنا إمامة بن سهل بن حنيف يحدث عن أبي سعيد الخدري ، إن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل إليه رسول الله فقال ﷺ : «قوموا إلى سيدكم أو خيركم » فقعد عند رسول الله فقال ﷺ : «ان هؤلاء قد نزلوا على حكمك » . فقال : فإني أحكم أن يقتل مقاتلتهم ويسبى ذراريهم . فقال ﷺ : «لقد حكمت بما حكم به الملك » .

قلت : وفي حديث آخر ان النبي قال له ﷺ : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة » .

ومجزز المدلجي القائف :

أنا البرقاني قال : قرأت على عمر بن بشران ، أخبركم حامد بن محمد بن شعيب ، نا منصور بن أبي مزاحم ، نا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : دخل قائف ورسول الله شاهد ، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان ، فقال : ان هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي وأعجبه وأخبر به عائشة .

قلت : كان زيد أبيض وابنه أسامة أسود فكان فرح النبي وسروره إذ شبه القائف قدم أسامة بقدم زيد ، وألحق الفرع بنظيره من الأصل فأصاب في اجتهاده ، والنبي لا يسر إلا بالحق وقد ثبت عن رسول الله انه أخبر عن حكم بعض أنبياء الله بالاجتهاد .

أنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزار ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن الصفار ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب ، نا أبو الزناد ، أن الأعرج حدثه انه سمع أبا هريرة انه سمع رسول الله يقول : بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنك . وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود النبي عليه السلام فقضى به للكبرى ، فخرجتا إلى سليمان عليه السلام فأخبرتاه ، فقال : إيتوني بالسكين أشقه بينكما ، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله هو ابنها ، فقضى به للصغرى ، قال أبو هريرة : والله ان سمعت بالسكين قط إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية .

قلت : إنما قالت الصغرى : هو ابن الكبرى ، إشفاقاً على الطفل أن يقتل وكان ولدها فأدركتها الرأفة عليه ، فقضى به سليمان لها ، وقال للكبرى : لو كان ابنك لم تطب نفسك بشقه .

وفي هذا الخبر دليل ان داود وسليمان لم يحكما إلا من جهة الاجتهاد لأنه لو كان ما حكم به داود نصاً لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه ، ولو كان ما حكم به سليمان أيضاً نصاً لم يخف على داود . وفيه دليل أيضاً أن الحق في واحد لأن سليمان لو وجد مساغاً أن لا ينقض على داود حكمه لفعل . ويشبه أن يكون المعنى الذي ذهب إليه داود ان المرأتين لما تساوتا في اليد ولإحداهما فضل السن قدمها لأجل ذلك ، وذهب سليمان إلى أن سنها ليس بدليل على أن الولد لها والله أعلم .

وهذا الحديث أجمع أهل النقل على ثبوته وصحته ، وذهب خلق من أهل العلم إلى أن حكم الأنبياء المتقدمين يجب علينا اتباعه إلا أن يأتي في شريعتنا ما يمنع من استعماله ، والاجماع من أهل ملتنا قد حصل على أن هذا الحكم لا يصح أن يحكم بمثله في شريعتنا فتركناه للإجماع . وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن حكم داود وسليمان في الحرث لما نفشت فيه غنم القوم وأنهما اختلفا في الحكومة ، وقصتهما في ذلك شبيهة بالقصة المذكورة في حديث أبي هريرة عن النبي الذي سقناه آنفاً ، في أن حكمهما كان من طريق الاجتهاد دون النص والتوقيف والله أعلم .

انتهى الجزء الخامس من كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ويتلوه ان شاء الله الجزء السادس وأوله ( ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين في الحكم بالاجتهاد وطريق القياس ) والحمد لله حق حمده والصلاة على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم تسليما .

======

ج6.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء السادس

ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين في الحكم بالاجتهاد وطريق القياس

حدثنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي قال : أخبرني محمد ابن أحمد بن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم الأحول عن الشعبي ، قال : سئل أبو بكر عن الكلالة ، فقال : إني سأقول فيها برأيي ، فإن يك صواباً فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلما استخلف عمر قال : إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر .

أخبرنا علي بن أبي البصري ، أخبرنا موسى بن عيسى بن عبد الله السراج ، حدثنا محمد بن سليمان الباغندي ، حدثنا عبد الرحمن بن يونس ، حدثنا عمر بن أيوب ، أخبرنا عيسى بن المسيب عن عامر عن شريح القاضي ، قال : قال لي عمر بن الخطاب أن أقض بما استبان لك من كتاب الله ، فإن لم تعلم كل كتاب الله فأقض بما استبان لك من قضاء رسول الله ، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين ، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، حدثنا أبو أحمد بن عبدوس ، حدثنا علي ابن الجعد ، أخبرنا شعبة عن سيار عن الشعبي ، قال : أخذ عمر فرساً من رجل على سوم ، فحمل عليه فعطب ، فخاصمه الرجل ، فقال عمر : إجعل بيني وبينك رجلاً ، فقال الرجل : فإني أرضى بشريح العراقي ، فقال شريح : أخذته صحيحاً مسلماً فأنت له ضامن حتى ترده صحيحاً مسلماً ، قال : فكأنه أعجبه فبعثه قاضياً وقال : ما استبان لك في كتاب الله فلا تسأل عنه ، فإن لم يستبن في كتاب الله فمن السنّة ، فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الشيباني عن الشعبي ، قال : كتب عمر إلى شريح : إذا حضرك أمر لا بد منه فانظر ما في كتاب الله فاقض به ، فإن لم يكن فبما قضى به الرسول ، فإن لم يكن فبما قضى به الصالحون وأئمة العدل ، فإن لم يكن فأنت بالخيار فإن شئت أن تجتهد رأيك فاجتهد رأيك ، وإن شئت أن توامرني فآمرني ولا أرى مؤامرتك إياي إلا خيراً لك والسلام .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا إدريس أبو عبد الله بن إدريس ، قال : أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري ، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة فأخرج إلي كتباً فرأيت في كتاب منها : اما بعد فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ، آس بين الاثنين في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس وضيع

وربما قال ضعيف من عدل ، الفهم الفهم فيما ينخلج في صدرك وربما قال في نفسك ويشكل عليك ما لم ينزل به كتاب ولم تجربه سنّة ، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور بعضها ببعض وأنظر أقربها إلى الله وأشبهها بالحق فاتبعه .

أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : كثر الناس على عبد الله بن مسعود يسألونه فقال : يا أيها الناس أنه قد أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هناك ، وأنه قد قدر أن بلغنا من الأمر ما ترون ، فمن ابتلي منكم بقضاء فليقض بما في كتاب الله ، فإن لم يكن في كتاب الله فليقض بما قضى به النبي ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في قضاء رسول الله فليقض بما قضى به الصالحون ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في قضاء رسول الله ولا فيما قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ، ولا يقولن أحدكم إني أخاف وإني أرى ، فإن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن ، وشبهات بين ذلك فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على عبد الله بن الحسن بن سليمان النحاس ، أخبركم محمد ابن إسماعيل البصلاني ، حدثنا بندار ، حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان هو الأعمش عن عمارة بن عمير ، قال سليمان عن حريث بن طهير أحسب قال : قال عبد الله : لقد أتى علينا حين وما نحن هناك ، وإن الله قضى أن نبلغ ما ترون فمن عرض له قضاء فليقض بما في كتاب الله ، فإن لم يكن في كتاب الله ففي سنّة رسول الله ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ففيما استنّ الصالحون ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا فيما استنّ الصالحون فليجتهد رأيه ، ولا يقولن أخاف وأخشى ، فإن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن ، وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير الكوفي ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، حدثنا جعفر بن عون عن عبد الرحمن المسعودي .

وأخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان عن المسعودي عن القاسم هو ابن عبد الرحمن قال : قال عبد الله زاد أبو نعيم ابن مسعود ثم إتفقا : إذا حضرك أمر لا بد منه فاقض بما في كتاب الله ، فإن عييت فبما قضى به رسول الله وقال أبو نعيم : الرسول فإن عييت فبما قضى به الصالحون وقال أبو نعيم : أئمة العدل ، ثم اتفقا فإن عييت فاجتهد وقال أبو نعيم : قالا جميعاً : فإن عييت فأقرر زاد أبو نعيم ولا تستح .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، أن سعيد ابن منصور حدثهم ، قال : حدثنا هشيم ، أخبرنا مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود ، انه أتي في رجل تزوج امرأة ولم يفرص لها صداقاً فمات قبل أن يدخل بها فأتوا ابن مسعود فقال : التمسوا فلعلكم أن تجدوا في ذلك أثراً ، فأتوا ابن مسعود فقالوا : قد التمسنا فلم نجد ، فقال ابن مسعود : أقول فيها برأيي ، فإن كان صواباً فمن الله ، أرى لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط . وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام أبو سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله في إمرأة منا يقال لها بروع بنت واشق بمثل ما قلت

ففرح عبد الله بموافقته قضاء رسول الله . وقال سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم : أخبرنا سيار وإسماعيل ابن أبي خالد وداود كلهم عن الشعبي عن عبد الله بمثل ذلك ، إلا أنهم قالوا : قام معقل بن سنان الأشجعي فقال : أشهد على النبي الأمي انه قضا بمثل ما قضيت قال هشيم : وبه نأخذ .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ويزيد ، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة ، قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ، فقال : للزوج النصف ، وللأم ثلث ما بقي ، قال زيد : للأب بقية المال .

فقال ابن عباس : للأم الثلث كاملاً ، قال عبد الرحمن قال : تجده في كتاب الله أو تقوله برأيك ؟ قال : أقوله برأيي ولا أفضل أماً على أب .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي ، أخبرنا الحسين ابن إدريس ، حدثنا ابن عمار ، حدثنا سفيان ، وحدثنا أبو طالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري بجلوان لفظاً ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن حمويه النيسابوري ، أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : كان ابن عباس إذا سئل عن الشيء فإن كان في القرآن أخبر به ، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله أخبر به ، وإن لم يكن عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به ، وإن لم يكن عن أبي بكر وعمر اجتهد فيه رأيه . هذا لفظ الدسكري والآخر بمعناه .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا إبراهيم بن صالح الشيرازي ( وأخبرنا ) أبو نعيم الحافظ ، قالا : واللفظ له ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : سمعت ابن عباس إذا سئل عن الشيء فإن كان في كتاب الله قال به ، فإن لم يكن في كتاب الله وكان عن رسول الله قال به ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر قال به ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله ولا عن أبي بكر وعمر اجتهد رأيه .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا ابن نمير ( وأخبرنا ) أبو بشر محمد بن عمر الوكيل واللفظ لحديثه ، أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حية ، حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثني الحسن بن عبيد الله النخعي ، قال : قلت لإبراهيم : أكل ما أسمعك تفتي به سمعته ؟ فقال : لا فقلت : تفتي بما لم تسمع ؟ فقال : سمعت الذي سمعت ، وجاءني ما لم أسمع فقسته بالذي سمعت .

أخبرنا البرقاني ، أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه ، أخبرنا الحسين بن إدريس ، حدثنا ابن عمار حدثنا أبو بكر بن عياش عن حسن بن عبيد الله ، قال : قيل لإبراهيم تفتي بما لم تسمع ؟ قال : نفتي بما سمعنا ، ونقيس ما لم نسمع بما سمعنا .

كتب إلي عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي ، وحدثنا نجيب بن عمار العنوي ، قال : أخبرنا عمي أبو علي محمد بن القاسم بن معروف ، أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد المروزي ، حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا أبو عوانة عن رقبة عن حماد ، قال : كنت أسائل إبراهيم عن الشيء فيعرف في وجهي إني لم أعرف فيقيسه لي حتى أفهمه ، وأسأله عن الشيء فيعرف في وجهي إني لم أفهمه فيقول : ليس في كل شيء يجيء القياس .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، قال : قال ابن شبرمة :

اقض بما في كتاب الله مفترضا........... وبالنظائر فاقض والمقاييس

أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف ، حدثنا عمر بن محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : إنما هو السنّة والاتباع ، وإنما القياس أن تقيس على أصل ، فأما أن تجيء إلى أصل فتهدمه ثم تقول هذا قياس فعلى أي شيء كان هذا القياس ؟ قيل لأبي عبد الله فلا ينبغي أن يقيس إلا رجل عالم كبير يعرف كيف يشبه الشيء بالشيء ؟ فقال : أجل لا ينبغي .

قرأت على أبي القاسم الأزجي ، عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي ، أنا أبو بكر الخلال ، أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الحميد ، نا بكر بن محمد ، أنه سأل أبا عبد الله : عن الرجل من أهل العلم يحتج بالحديث ، فيرد علينا بالشيء يحتاج فيه إلى القياس ؟ ، قال : ' لا يستغني أحد عن القياس ' .

وأنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، نا محمد بن أحمد بن موسى البابسيري ، حدثنا أبو أمية القاضي ، نا أبي نا سعيد بن أبي زنبر ، عن مالك بن أنس قال : سمعت ربيعة يقول : ' أنزل الله كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك فيه موضعاً لسنة نبيه ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنن وترك فيها موضعاً للرأي ' .

قد أوردنا من الأخبار عن رسول الله وعن أصحابه ما يدل على صحة الحكم بالقياس ، وفساد قول داود بن علي ومن وافقه . فأما احتجاجه بقول الله تعالى : ( { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ) [1] فالجواب عنه أن الحكم بالقياس معلوم ، وهو بمنزلة الحكم بشهادة الشاهدين إذا غلب على ظن الحاكم عدالتهما وصدقهما ، وبمنزلة التوجه إلى الكعبة إذ غلب على ظنه إنها في وجهه فإن وجوب الحكم بها وفعل الصلاة إليها معلوم ، على إن ما ذكرناه من السنّة أخص من ذلك فوجب أن يقضى به عليه .

وأما الجواب عن حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ : «فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا » وحديث ابن عمر عن النبي ﷺ : «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه » فهو ان المراد به الرأي المخالف لكتاب الله أو سنّة رسول الله ومن فعل ذلك فقد ضل . وكذلك الجواب عن حديث عوف بن مالك وعائشة أم المؤمنين في القياس فإن المراد به القياس المخالف للكتاب أو السنّة .

اما الجواب عن حديث عمر فهو أن المراد به الرأي المخالف للحديث لأنه قال ﷺ : «أعيتهم السنة أن يحفظوها ، ونسوا الأحاديث أن يعوها » وقال ﷺ : «هم أعداء السنن » وليست هذه صفة من جعل السنن أصلاً يقيس عليها . وكذلك قول علي : «لو كان الدين بالقياس » المراد به مع مخالفة السنّة ومثله قول ابن مسعود وابن عباس ، والدليل على ذلك ما قدمنا روايته عنهم في القول بالرأي والعمل به وعلى هذا يحمل قول مسروق والشعبي وغيرهما ممن ذم الرأي بدليل ما رويناه من إجازته وتصحيح العمل به .

وقول جعفر بن محمد أن أول من قاس إبليس صحيح ، وذلك إن الله تعالى أمره بالسجود لآدم فقاس ليدفع بقياسه ما أمره الله به نصاً فقال : انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . فجعل قوة النار على الطين دليل على أن الأضعف حكمه أن يخضع للأقوى وأن آدم أولى بالسجود له فوضع القياس في غير موضعه فكان ذلك فاسداً لمخالفة النص ومفارقة الدلالة .

وأما قول داود أن المقصود بالقياس إثبات الحكم فيما لا نص فيه ، وكل حكم قد تناوله النص عندنا . فالجواب عنه انا نعلم خطأ هذا القول ضرورة لوجود أحكام كثيرة لا نص فيها . فإن قال أذكر بعضها قيل له ، من ترك الصلاة متعمداً وجب عليه قضاؤها ولا نص فيه وإنما قيس على من نسيها أو نام عنها ، وقتل الزنبور في الحل والحرم ليس فيه نص وإنما قيس على العقرب ، وإذا مات سنور في السمن ليس فيه نص وإنما قيس على الفارة تموت في السمن ، وما أشبه ذلك كثير ، وأما المسائل الغامضة فأكثر من أن تحصى ويطول ذكرها في هذا الكتاب . على أنه ليس من شرط القياس أن يكون النص معدوماً وإنما من شرطه أن يكون مخالفاً للنص فإذا لم يكن مخالفاً للنص صح القياس مع وجود النص ومع عدمه .

باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، قال : أنبأنا هشام بن حسان ، قال : حدثني عكرمة عن ابن عباس ، أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي بشريك بن سحماء ، فقال النبي ﷺ : «البينة وإلا فحدٌ في ظهرك » . فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة ؟ فجعل النبي يقول ﷺ : «البينة وإلا فحد في ظهرك » . فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله في أمري ما يبريء ظهري من الحد فنزلت : ( { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } ) فقرأ حتى بلغ : ( { من الصادقين } ) [2] فانصرف النبي ، فأرسل إليهما فجاءا ، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي يقول ﷺ : «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ؟ » ثم قامت فشهدت ، فلما كان عند الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقالوا لها إنها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا انها سترجع ، فقالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبي : «أبصروها . فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الآليتين ، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء » ، فجاءت به كذلك فقال النبي ﷺ : «لو لا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن » .

قلت : عني رسول الله بما مضى من كتاب الله قوله : ( { ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات }) [3] إلى آخر القصة وأراد بقوله رضي الله عنه : «لكان لي ولها شأن » إقامة الحد عليها لمشابهة ولدها الرجل الذي رميت به والله أعلم .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه ، قال : أرسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة كان يسكن دارنا فذهب معه إلى عمر ، فسأله عن ولاد من أولاد الجاهلية ، فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان ، فقال يعني ابن الخطاب : صدقت ولكن رسول الله قضى بالفراش

( وأخبرنا ) الحيري ، حدثنا الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرني من لا أتهم عن ابن أبي ذيب ، قال : أخبرني مخلد بن خفاف ، قال : ابتعت غلاماً فاستغللته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فقضا لي برده وقضا علي برد غلته ، فأتيت عروة فأخبرته ، فقال : أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان ، فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عن رسول الله ، فقال عمر : فما أيسر علي من قضاء قضيته ، الله يعلم إني لم أرد فيه إلا الحق فبلغتني فيه سنّة عن رسول الله فأرد قضاء عمر ، وأنفذ سنّة رسول الله ، فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به علي له .

أخبرنا محمد بن عيسى الهمذاني ، حدثنا صالح بن أحمد الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن حمدان الطرائفي ، حدثنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرني من لا اتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذيب قال : قضى سعد بن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فأخبرته عن النبي بخلاف ما قضى به ، فقال سعد لربيعة هذا ابن أبي ذيب وهو عندي ثقة يخبرني عن النبي بخلاف ما قضيت به ، فقال له ربيعة : قد اجتهدت ومضى حكمك . فقال سعد واعجبا أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأرد قضاء رسول الله ؟ بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله ، ودعا سعد بكتاب القضية فشقه وقضا للمقضي عليه .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا الحسن بن مكرم ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن راشد عن عبدة بن أبي لبابة عن هشام بن يحيى المخزومي ، أن رجلاً من ثقيف أتى عمر بن الخطاب ، فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر ألها أن تنفر قبل أن تطهر ؟ فقال عمر : لا . فقال له الثقفي : فإن رسول الله أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت ، قال فقام إليه عمر يضربه بالدرة ، ويقول : لمم تستفتيني في شيء قد أفتى فيه رسول الله .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي فيما أجاز لنا ، قال : حدثنا ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي ، حدثنا سفيان بن عامر عن عتاب بن منصور ، قال : قال عمر بن عبد العزيز : لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول الله .

أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا جعفر بن محمد بن الأزهر ، حدثنا ابن الغلابي ، حدثنا حبان هو ابن هلال حدثنا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن حماد ، قال : كنت أسأل إبراهيم عن الشيء أهتم به ، قال : فيقيسه لي ، ويجيء الشيء فلا أعرفه فيقول ليس في كل شيء يجري القياس .

قلت : وهذا صحيح مثاله أن رسول الله قضى في الجنين يجنى على أمه فتسقطه ميتاً أن فيه غرة ، فوّمها أهل العلم خمساً من الإبل سواء كان الجنين ذكراً أو أنثى ، ولو أسقطت الجنين أمه حياً ثم مات نظر ، فإن كان ذكراً جعل فيه مائة من الإبل ، وإن كان أنثى جعل فيه خمسون فلم يجز أن يقاس على الجنين غيره .

أخبرنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسماعيل بن الفضل ، حدثنا يحيى بن السري ، حدثنا عمر بن شبيب ، قال : سمعت خالد بن سلمة يقول لأبي حنيفة : إنما نحتاج إلى قولك إذا لم نجد أثراً ، فإذا وجدنا أثراً ضربنا بقولك الحائط .

قلت : وقد قال أبو حنيفة في عيب القياس قولاً يحمل على انه أراد به القياس المخالف للنص والله أعلم وهو ما :

أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ( وأخبرنا ) محمد بن الحسين بن الفضل ، أخبرنا دعلج ، أخبرنا الأبار ، حدثنا أبو عمار المروزي عن وكيع ، قال : قال أبو حنيفة ، وفي حديث ابن الفضل ، حدثنا أبو عمار ، قال : سمعت وكيعاً يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : البول في المسجد أحسن من بعض القياس . قال وكيع : هذا عليه زاد ابن رزقويه ، ولا له .

كتب إلي عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي ، وحدثني عبد العزيز بن أبي طاهر عنه ، قال : أخبرنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي ، حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثني يزيد ابن عبد ربه ، قال : سمعت وكيع بن الجراح يقول ليحيى بن صالح الوحاظي : يا أبا زكريا احذر الرأي فإني سمعت أبا حنيفة يقول : البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي ، أخبرنا أبو الفرج محمد بن الطيب البلوطي بالأهواز ، أخبرنا أبو الحسن علي بن الفضل بن طاهر البلخي ، حدثنا عبد الله بن عبد الصمد أبو يحيى البلخي ، حدثنا شداد بن حكيم عن زفر بن الهذيل ، قال : إنما نأخذ بالرأي ما لم يجيء الأثر ، فإذا جاء الأثر تركنا الرأي وأخذنا بالأثر .

ذكر القياس المحمود والقياس المذموم

القياس على ضربين : ضرب منه في التوحيد ، وضرب في أحكام الشريعة ، فالقياس في التوحيد على ضربين : ضرب هو القياس الصحيح : وهو ما استدل به على معرفة الصانع تعالى وتوحيده ، والإيمان بالغيب ، والكتب وتصديق الرسل ، فهذا قياس محمود فاعله مذموم تاركه ، والضرب الثاني من القياس في التوحيد : هو القياس المذموم الذي يؤدي إلى البدعة والالحاد نحو تشبيه الخالق بالخلق ، وتشبيه صفاته بصفات المخلوقين ، ودفع قايسه ما أثبت الله تعالى لنفسه ووصفته به رسله مما ينفيه القياس بفعله .

وأما الضرب الثاني من الأصل وهو المتعلق بأحكام الشريعة فهو على وجهين أيضاً : أحدهما : قياس الشيء على نظيره وشبيهه فذلك محمود ، والآخر : قياس على غير نظيره وشبيهه فذلك مذموم .

باب الكلام في ذكر ما يشتمل القياس عليه

القياس يشتمل على أربعة أشياء : على الفرع ، والأصل ، والعلة ، والحكم . فأما الفرع : فهو ما ثبت حكمه بغيره ، وأما الأصل : فهو ما عرف حكمه بلفظ تناوله أو ما عرف حكمه بنفسه ، ويستعمل الفقهاء هذا الاسم ، أعني الأصل ، في أمرين : أحدهما : في أصول الأدلة التي هي الكتاب والسنة والإجماع فيقولون هي الأصل ، وما سوى ذلك من القياس ودليل الخطاب وفحوى الخطاب فهو معقول الأصل ، ويستعملونه في الشيء الذي يقاس عليه كالخمر أصل للنبيذ في التحريم ، والبر أصل للأرز في الربا . وأما العلة : فهي المعنى الذي يقتضي الحكم فيوجد الحكم بوجوده ويزول بزواله . وأما الحكم : فهو الذي يعلق على العلة من التحليل ، والتحريم ، والإيجاب ، والإسقاط .

باب بيان ما يدل على صحة العلة

إعلم إن العلة الشرعية إمارة على الحكم ودلالة عليه ، ولا بد في رد الفرع إلى الأصل من علة تجمع بينهما ويلزم أن يدل على صحتها لأن العلة شرعية كما أن الحكم شرعي ، فكما لا بد من الدلالة على الحكم فكذلك لا بد من الدلالة على العلة . والذي يدل على صحة العلة شيئان أصل واستنباط فأما الأصل فهو قول الله تعالى ، وقول رسوله ، وأفعاله وإجماع الأمة .

فأما قول الله وقول رسوله فدلالتهما من وجهين : أحدهما : من جهة النطق ، والثاني : من جهة الفحوى والمفهوم ، فأما دلالتهما من جهة النطق فمن وجوه بعضها أجلى من بعض . فأجلاها ما صرح فيه بلفظ التعليل كقول الله تعالى : ( { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً } ) [4] .

ومن السنّة ، ما أخبرنا أبو الصهباء ولاد بن علي الكوفي ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا الفضل بن دكين ، حدثنا مالك بن أنس ، حدثنا عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش ، قال : سألنا سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فكرهه ، وزعم أن رسول الله سئل عن الرطب بالتمر فقال ﷺ : «أينقص إذا جف » قالوا : نعم ، فنهى عنه .

قد علم رسول الله أن الرطب ينقص إذ أجف وليس في ذلك اشكال عليه ولا على غيره وإنما أراد بالسؤال عنه تنبيههم على المعنى في التحريم ليعلموا إن كل مأكول رطب يجف فلا خير فيه بشيء من جنسه رطباً ولا يابساً .

ومثل ذلك ، ما أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق ابن الحسن ، قال : حدثنا القعنبي ، قال الشافعي ، وحدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه ، انه أهدى لرسول الله وهو بودان أو بالأبواء حماراً وحشياً فرده عليه رسول الله قال فلما رأى رسول الله ما بوجهه قال : «إنا لم نرده عليك إلا اننا حرم » .

بين النبي للصعب بهذا القول المعنى الذي لأجله رده ليعلم إن إصطياد المحرم وما صيد له وأهدي إليه بمنزلة واحدة .

ومثله ، ما أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا بشر بن عمر حدثنا مالك يعني ابن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله قال ﷺ : «أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لأنه أعطى عطاءًا وقعت فيه المواريث » .

في هذا اللفظ بيان المعنى الذي من أجله ليس للمعمر الرجوع فيما أعمره .

ومثله ، ما أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل المدائني ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن سهل ابن سعد الساعدي رضي الله عنه ، أن رجلاً اطلع على النبي من ستر الحجرة ، وفي يد النبي مدرى ، فقال ﷺ : «لو أعلم أن هذا ينتظرني حتى آتيه لطعنت بالمدرى في عينيه ، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر » .

فهذه الألفاظ كلها صريحة في التعليل .

ويليها في البيان أن يعلق الحكم على عين موصوفة بصفة وقد يكون هذا بلفظ الشرط ، كقول الله تعالى : ( { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ) [5] .

ومن السنة ، كما أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري ، أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم الواسطي ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله هو ابن عمر قال حدثني نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله قال ﷺ : «من اشترى نخلاً قد أبرت فثمرتها للذي أبرّها إلا أن يشترط الذي اشترى » .

فالظاهر أن حمل المرأة علة لوجوب النفقة وأن تأبير النخلة علة لكون الثمرة للبائع .

وقد يكون بغير لفظ الشرط كقول الله تعالى : ( { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ) [6] ظاهره أن السرقة علة لوجوب القطع .

وأما دلالتهما من جهة الفحوى والمفهوم فمن وجوه بعضها أجلى من بعض أيضاً فأوضحها ما دل عليه بالتنبيه كقول الله تعالى : ( { ولا تقل لهما أفٍ } ) [7] ومن السنّة نحو ما أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن مولى بني أسد ، قال : سمعت عبيد بن فيروز مولى بني شيبان ، قال : سألت البراء بن عازب ما كره رسول الله أو قال ما نهى عنه من الأضاحي ، قال : قال رسول الله ويدي أقصر من يده ﷺ : «أربع لا تجزي ، العوراء البيِّن عورها ، والعرجاء البيِّن ضلعها ، والمريضة البيِّن مرضها ، والكسيرة التي لا تنقي » ، فقلت : فإني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في السن نقص ، أو في القرن نقص . قال : إن كرهت شيئاً فدعه ولا تحرمه على أحد . لفظ الآية يدل بالتنبيه عند سماعه على أن الضرب أولى بالمنع من التأفيف ، ولفظ الحديث يدل على أن العمى في الأضحية أولى بالمنع من العجوز ، ويلي ما ذكرناه في البيان أن يذكر صفة فيفهم من ذكرها المعنى الذي تتضمنه تلك الصفة من غير وجه التنبيه كما .

أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز بعكبرا وأبو الحسن علي بن أحمد بن هارون المعدل بالنهروان ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي ، حدثنا علي بن حرب حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة رضي الله عنه ، عن النبي قال : «لا ينبغي للقاضي يقضي بين إثنين وهو غضبان » .

وكما أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن صالح والحسن بن علي واللفظ للحسن ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعاً فلا تقربوه » .

المفهوم بضرب من الفكر في هذين الحديثين أن النبي إنما منع الغضبان من القضاء لاشتغال قلبه في تلك وإن حكم الجائع والعطشان مثله ، وأنه إنما أمر بالقاء ما حول الفارة من السمن إن كان جامداً لينتفع بما سواه إذا لم تخالطه النجاسة ، ومنع من ذلك إذا كان السمن مائعاً لئلا ينتفع بشيء منه إذ النجاسة قد خالطته ، وان الشبرج والزيت مثله في الحكم .

وأما دلالة أفعال رسول الله فهو أن يفعل شيئاً عند وقوع معنى من جهته أو من جهة غيره فيعلم انه لم يفعل ذلك إلا لما ظهر من المعنى فيصير علة فيه . وهذا مثل ما روي أن رسول الله سهى فسجد ، فيعلم أن السهو علة للسجود ، وإن اعرابياً جامع في نهار رمضان فأوجب عليه عتق رقبة فيعلم إن الجماع علة لإيجاب الكفارة .

وأما دلالة الإجماع فهو أن تجمع الأمة على التعليل به كما أخبرنا البرقاني ، قال : قرأت على أبي بكر الإسماعيلي ، أخبرك الحسن بن سفيان ، حدثنا محمد بن المنهال ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي جلد في الخمر بالجريد والنعال ، فلما قام عمر بن الخطاب دنا الناس من الريف والقرى فاستشار عمر الناس في حد الخمر ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين من شربها يهجر ، ومتى ما هجر يقذف فنرى أن تجعله كأخف الحدود ، قال : وكان أول من جلد في الخمر ثمانين .

وهذا التعليل أجمع الناس على صحته فلم يخالف قائله فيه أحد .

وأما الضرب الثاني من الدليل على صحة العلة فهو : الاستنباط ، وذلك من وجهين : أحدهما : التأثير ، والثاني : شهادة الأصول . فأما التأثير : فهو أن يوجد الحكم لوجود معنى فيغلب على الظن أنه لأجله ثبت الحكم ، وذلك مثل قولنا في تعليل الخمر انه شراب فيه شدة مطربة فإنه قبل حدوث الشدة فيه وهو عصير كان حلالاً ثم حدثت الشدة فيه فحرم ثم زادت الشدة فحل فعلم أن الشدة هي العلة في تحريمه .

وأما شهادة الوصول : فتختص بقياس الدلالة مثل أن يقول في أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء ، ما لا ينقض الطهر خارج الصلاة لا ينقضه داخل الصلاة كالكلام فيدل عليها بأن الأصول تشهد بالتسوية بين داخل الصلاة وخارجها في هذا المعنى ، ألا ترى أن ما نقض الوضوء داخل الصلاة نقضه خارجها كالأحداث كلها ؟ وما لا ينقض الوضوء خارج الصلاة لا ينقضه داخلها فيجب أن تكون القهقهة مثلها .

بيان ما يفسد العلة

يفسد العلة أشياء منها أن لا يكون على صحتها دليل فيدل ذلك على فسادها لأنا قد بينا فيما تقدم أن العلة شرعية ، فإذا لم يكن على صحتها دليل من قبل الشرع دل على أنها ليست بعلة ووجب الحكم بفسادها ، ومنها أن تكون منتزعة من أصل لا يجوز انتزاع العلة منه مثل أن يقيس القايس على أصل غير ثابت اما لأنه منسوخ أو لعدم ثبوت الحكم فيه ، لأن الفرع لا يثبت إلا بأصل فإذا لم يثبت الأصل لم يجز اثبات الفرع من جهته .

وهكذا لو كان الأصل قد ورد الشرع بتخصيصه منع القياس من جهته ، مثل قياس أصحاب أبي حنيفة غير رسول الله على رسول الله في جواز النكاح بلفظ الهبة ، وقد ورد الشرع بأنه مخصوص بذلك ، فهذا لا يجوز القياس عليه لأن القياس إنما يجوز على ما لم يرد الشرع بالمنع منه ، فأما إذا ورد الشرع بالمنع منه فلا يجوز ، ولهذا لا يجوز القياس إذا منع منه نص أو اجماع . ومنها أن تكون العلة منتقضة وهو أن توجد ولا حكم معها . الدليل على ذلك إنها علة مستنبطة فإذا وجدت من غير حكم ، حكم بفسادها . أصل ذلك العلل العقلية ، ومنها أن يعارضها ما هو أقوى منها من نص كتاب ، أو سنّة ، أو إجماع فيدل ذلك على فسادها لأن هذه الأدلة مقطوع بصحتها فلا يثبت القياس معها .

باب القول في تعرض العلتين وترجيح إحداهما على الأخرى

إعلم أن الترجيح لا يقع بين دليلين موجبين للعلم لأن العلم لا يتزايد وإن كان بعضه أقوى من بعض ، وكذلك لا يقع الترجيح بين دليل موجب للعلم أو علة موجبة له ، وبين دليل أو علة يوجب كل واحد منهما الظن لما ذكرناه ولأن المقتضي للظن لا يبلغ رتبة الموجب للعلم ولو رجح بما رجح لكان الموجب للعلم مقدماً عليه فلا معنى للترجيح . فمتى تعارضت علتان واحتيج فيهما إلى الترجيح رجحت إحداهما على الأخرى بوجه من الترجيح .

فمن ذلك أن تكون إحداهما منتزعة من أصل مقطوع به والأخرى من أصل غير مقطوع به ، فالمنتزعة من المقطوع به أولى لأن أصلها أقوى .

ومنها أن يكون أصل إحداهما مع الإجماع عليه قد عرف دليله على التفصيل لأن ما عرف دليله يمكن النظر في معناه وترجيحه على غيره ، ومنها أن يكون أصل إحداهما قد عرف بنطق وأصل الأخرى

قد عرف بمفهوم أو استنباط ، فما عرف بالنطق أولى والمنتزع منه يكون أقوى .

ومنها أن يكون أصل إحداهما من جنس الفرع فقياسه عليه أولى من قياسه على ما ليس من جنسه .

ومنها أن تكون إحداهما مردودة إلى أصل والأخرى مردودة إلى أصول ، فالمردودة إلى أصول أولى لأن ما كثرت أصوله أقوى . و منها أن تكون إحداهما منصوصاً عليها والأخرى غير منصوص عليها فالعلة المنصوص عليها أولى لأن النص أقوى من الاستنباط . ومنها أن تكون إحداهما تقتضي احتياطاً في فرض والأخرى ليست كذلك فالتي تقتضي الاحتياط أولى لأنها أسلم في الموجب . ومنها أن يكون مع إحداهما قول صحابي فهي أولى لأن قول الصحابي حجة في مذهب بعض العلماء فإذا انضم إلى القياس قواه .

باب الكلام في استصحاب الحال

استصحاب الحال ضربان : أحدهما : استصحاب حال العقل ، والثاني : استصحاب حال الاجماع . فأما استصحاب حال العقل فهو : الرجوع إلى براءة الذمة في الأصل وذلك طريق يفزع المجتهد إليه عند عدم أدلة الشرع . مثاله أن يسأل شافعي عن الوتر فيقول ليس بواجب ، فإذا طولب بدليل يقول لأن طريق وجوبه الشرع وقد طلبت الدليل الموجب من جهة الشرع فلم أجد فوجب أن لا يكون واجباً وأن تكون ذمته بريئة منه كما كانت قبل . فإن قال السائل : ما ننكر أن يكون الدليل موجوداً وأنت مخطيء في الطلب وتارك للدليل الموجب ، قال له : لا يجب علي أكثر من الطلب وإذا لم أجد لزمني تبقية الذمة على البراءة كما كانت .

وهذا كلام صحيح ليس يلزمه الانتقال عن استصحاب الحال إلا بدليل شرعي ينقله عنه فإن وجد دليلاً من أدلة الشرع انتقل عنه سواء كان ذلك الدليل نطقاً أو مفهوم نص أو ظاهراً ، لأن هذه الحال إنما استصحبها لعدم دليل شرعي فأي دليل ظهر من جهة الشرع حرم عليه استصحاب الحال بعده .

والضرب الثاني : استصحاب حال الإجماع ، مثل أن يقول الشافعي في المتيمم إذا رأى الماء في اثناء صلاته انه يمضي فيها لأنهم أجمعوا قبل رؤية الماء على انعقاد صلاته فيجب أن تستصحب هذه الحال بعد رؤية الماء حتى يقوم دليل ينتقل عنه لأجله . وقد اختلف أهل العلم في هذا فمنهم من قال هو دليل كما أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث ، أو تيقن الحدث ثم شك في الطهارة ، أو تيقن النكاح وشك في الطلاق ، أو تيقن الملك وشك في العتق أن اليقين لا يزول بالشك ويكون حكم السابق مستداماً في حال الشك فكذلك هاهنا ، ومنهم من قال ليس بدليل لأن الدليل هو الإجماع والإجماع إنما حصل قبل رؤية الماء فإذا رأى الماء فقد زال الإجماع فلا يجوز أن يستصحب حكم الإجماع في موضع الخلاف من غير علة تجمع بينهما .

باب القول في حكم الأشياء قبل الشرع

اختلف أهل العلم في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع ، فمنهم من قال : هي على الحظر فلا يحل الانتفاع بها ولا التصرف فيها ، ومنهم من قال : هي على الإباحة فمن رأى شيئاً جاز له تناوله وتملكه . ومنهم من قال : إنها على الوقف لا يقضي فيها بحظر ولا إباحة .

فأما من قال هي على الحظر فاحتج بأن جميع المخلوقات ملك لله عز وجل لأنه خلقها وأنشأها ولا يجوز الانتفاع بملك الغير من غير إذنه ، والذي يدل على ذلك أن أملاك الآدميين لا يجوز لأحد منهم أن ينتفع بملك غيره بغير إذنه . واحتج من قال هي على الإباحة بأن الله تعالى خلقها وأوجدها فلا يخلو من أن يكون خلقها لغرض أو لغير غرض ، فلا يجوز أن يكون لغير غرض لأنه يكون عبثاً والله لا يجوز أن يكون عابثاً في أفعاله فوجب أن يكون خلقها لغرض . ولا يخلو من أن يكون ليضر بها أو لينفع ، ولا يجوز أن يكون ليضر بها لأنه حكيم لا يبتدي بالضرر فوجب أن يكون للنفع . ولا يخلو أن يكون لنفع نفسه أو لنفع عباده فلا يجوز أن يكون لنفع نفسه لأنه غني غير محتاج إلى الانتفاع فوجب أن يكون خلقها لينفع بها عبادة ووجب أن يكون تصرفهم فيها مباحاً وأن يكون خلقها اذناً لهم في الانتفاع بها .

وأما من قال إنها على الوقف وهو القول الصحيح فاحتج بقول الله تعالى : ( { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله أذن لكم أم على الله تفترون } ) [8] فأوقع جل ذكره اللائمة على المحلل منهم والمحرم لها وسوى بينهما في تحليل ما لم يأذن الله فيه وتحريم ما لم ينه الله عنه فوجب بذلك المساواة بين الزاعمين إنها في الأصل على الإباحة وبين القائلين إنها في الأصل على التحريم ، ولهذا قال الربيع بن خثيم ما :

أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن زاميق الاستاراباذي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن أبي توبة الصوفي بشيراز ، حدثنا علي بن الحسين بن معدان ، حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عطاء بن السائب ، قال : قال الربيع بن خثيم : أيها المفتون أنظروا كيف تفتون لا يقل أحدكم ان الله أحل كذا وكذا وأمر به فيقول الله كذبت لم أحلله ولم آمر به ، ولا يقل أحدكم ان الله حرم كذا وكذا ونهى عنه فيقول الله كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه .

قلت : ولأن المباح ما أعلم صاحب الشرع انه لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه ، والمحظور ما أعلم ان في فعله عقاباً ، فإذا لم يرد الشرع بواحد منهما وجب أن لا يكون محظوراً ولا مباحاً ، ويكون حكمه موقوفاً على ورود الشرع فيحكم بما يرد الشرع فيه .

وأما الجواب عن قول من حظرها بأنها ملك لله ، فهو انه إن أراد انه لا يجوز التصرف في ملك الغير إلا بإذنه من طريق العقل لم يسلم له ذلك ، وهل وقعت المنازعة إلا فيه . وإن أراد به من طريق الشرع فهو صحيح ولهذا قلنا ولهذا قلنا إنه موقوف على مجيئ الشرع ، وأما أملاك الأدميين فإنما حرم التصرف فيها من غير إذن مالكها بالشرع دون العقل ، ولم يكن له فيما ذكره حجة .

وأما الجواب : عما احتج به من أباحها فهو أنه غير صحيح ، لأنا لا نعلل أفعال الله ، وعلى أن ما ذكروه ينقلب عليهم فيما خلقه الله وحرمه على عباده مثل الخمر والخنزير ، ويقسم عليهم مثل تقسيمهم حرفا بحرف ، مع أنا نقول يجوز أن يكون الله تعالى خلقها ليمتحنهم بالكف عنها ، ويثيبهم على ذلك ، أو ليستدلوا بها على خالقها ، وهذا وجه يخرجه من حد العبث فسقط ما قالوه .

وفائدة هذه المسألة أن من حرم شيئاً أو أباحه فسئل عن حجته ، فقال : طلبت دليل الشرع فلم أجد فبقيت على حكم العقل من تحريم أو إباحة . هل يصح ذلك أم لا ؟

وهل يلزم خصمه احتجاجه بهذا القول أم لا ؟ وهذا مما يحتاج الفقيه إلى معرفته والوقوف على حقيقته .

باب ترتيب استعمال الأدلة واستخراجها

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، حدثنا أبو الحسن علي بن إسحاق المادارايي ، أخبرنا الحسن بن علي المعمري ، وأخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ أخبرنا أبو سهل أحمد بن عبد الله القطان ، حدثنا الحسن بن علي بن شبيب ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني روح بن جناح عن منصور عن أبي وائل ، انه أخبره عن عبد الله انه خرج عليهم وهو عامل لعمر على الكوفة وقد حضر أناس كثير فمنهم المستفتي ومنهم المخاصم ، فلما رأى كثرة من حضره حمد الله وأثنى عليه ثم قال قد كنا : وفي حديث القطان : إنا كنا ولسنا بشيء ثم بلغ الله بنا ما ترون مما يحتاج إلينا فيه ، فمن عرض له منكم قضاء فليعرضه على كتاب الله ، فإن كان مما أحكم الكتاب فليمضه ، وإن لم يكن مما أحكم الكتاب فليعرضه وقال المادرايي : فليعرض القضاء على سنّة نبي الله فإن كان مما أحكمته السنّة فليمضه ، وإن لم يكن من محكم الكتاب ولا مضت فيه سنة نبي الله فما اجتمع عليه الرجال وقال القطان : فما أجمع عليه الرضا من أصحاب رسول الله ، فإن كان مما اجتمعوا عليه فليمضه ، وإن لم يكن مما اجتمعوا عليه فليقل برأيه تيمماً للكتاب والسنة ، ولا يقولن أحدكم : أخاف ولا أدري ، إن الحلال بَيِّن ، والحرام بَيِّن ، وشبهات بين ذلك من توقاهن كان أقرب وقال القطان : كان أوقر لدينه وعرضه .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي وعلي بن أبي علي البصري ، قالا : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، قال : قال محمد بن إدريس الشافعي : الأصل قرآن أو سنّة فإن لم يكن فقياس عليهما ، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله وصح الإسناد به فهو سنة ، والإجماع أكثر من الخبر المنفرد ، والحديث على ظاهره ، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به ، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها ، وليس المنقطع بشيء ما عدى منقطع ابن المسيب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري نفسه ، قال سمعت الشافعي يقول : لا يقاس أصل على أصل ، ولا يقاس على خاص ، ولا يقال لأصل لم ؟ وكيف ؟

زاد أبي في حديثه عن يونس عن الشافي ، إنما يقال للفرع : لم ؟ فإذا صح قياسه على الأصل صح وقامت به الحجة .

أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق ، حدثنا عمر بن محمد ابن عيسى الجوهري ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : رأيت أباعبد الله أحمد بن حنبل فيما سمعنا منه من المسائل إذا كان في المسألة عن النبي حديث لم يأخذ فيها بقول أحد من الصحابة ولا من بعده خلافه ، وإذا كان في المسألة عن أصحاب النبي قول مختلف تخير من أقاويلهم ولم يخرج من أقاويلهم إلى قول من بعدهم ، وإذا لم يكن فيها عن النبي ولا عن أصحابه قول تخير من أقاويل التابعين وربما كان الحديث عن النبي وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب ومثل حديث إبراهيم الهجري ، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه .

قلت : الذي ذكره الشافعي أصل جامع لاستعمال أدلة الشريعة ، وكيف ترتب طرقها وتستنبط أحكامها ، فيجب على العالم إذا نزلت به نازلة أن يطلب حكمها في كتاب الله وسنة نبيه ، فينظر في منطوق النصوص والظواهر ومفهومها ، وفي أفعال الرسول واقراره ، وليس في نص القرآن ولا نص الحديث عن رسول الله تعارض ، قال الله تعالى : ( { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } ) [9] وقال مخبراً عن نبيه : ( { وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى } ) [10] فأخبر أنه لا اختلاف في شيء من القرآن وأن كلام نبيه وحي من عنده فدل ذلك على أنه كله متفق وان جميعه مضاف بعضه إلى بعض ، ومبني بعضه على بعض اما بعطف أو استثناء ، أو غير ذلك مما قدمناه .

وقد بيّن ذلك رسول الله في الحديث الذي أخبرناه الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا عمر ابن محمد بن علي الناقد ، أخبرنا جعفر بن محمد الفيريابي ، حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر قال : وجد عمر حلة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله ، فقال يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد ، فقال رسول الله ﷺ : «إنما يلبس هذه من لا خلاق له » . أو قال ﷺ : «إنما هذه لباس من لا خلاق له قال فلبث عمر ما شاء الله ثم أرسل إليه رسول الله بجبة ديباج فأقبل بها عمر حتى أتى بها رسول الله فقال : يا رسول الله ، قلت رضي الله عنه : «إنما هذه لباس من لا خلاق له » . ( ثم أرسلت إلي بهذه ؟ فقال رسول الله: «تبيعها أو تصيب بها حاجتك أو نحو هذا » .

ففي هذا الحديث تعليم لاستعمال السنن والأخذ بها كلها لأنه عليه السلام أباح ملك الحلة من الحرير وبيعها وهبتها وكسوتها للنساء ، وأمر عمر أن يستثني من ذلك اللباس المذكور في حديث النهي فقط ولا يتعداه إلى غيره .

قرأت على أبي القاسم الأزجي ، عن عبد العزيز بن جعفر ، قال : أنا أبو بكر الخلال ، قال : حدثني يوسف بن موسى ، قال : قلت لأبي عبد الله - يعني : أحمد بن حنبل - ما تقول في الخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، تستعمله قال : ' نعم ؛ إذا صح الخبر ولم يخالفه أحد غيره ' .

أخبرني القاضي أبو العلاء الواسطي وأبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الواحد المروروذي ، قال أحمد : نا ، وقال أبو العلاء : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : ليس لأحد مع رسول الله قول إذا صح الخبر عنه .

( وسمعت ) أبا هشام الرفاعي يقول : سمعت يحيى بن آدم يقول : لا يحتاج مع قول النبي إلى قول أحد ، وإنما كان يقال : سنة النبي وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي مات عليها .

ويجب أن يحمل حديث رسول الله على عمومه وظاهره إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير ذلك فيعدل إلى ما دل الدليل عليه .

أخبرنا الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، نا أحمد بن عبد الله بن سيف ، حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : ولو جاز في الحديث أن يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عدداً من المعاني ، فلا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره ، ولكن الحق فيها واحد انها على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله ، أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام ، أو باطن دون ظاهر إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه .

وسمعت عدداً من مقدمي أصحابنا وبلغني عن عدد من مقدمي أهل البلدان في الفقه معنى هذا القول ولا يخالفه .

قال الشافعي : وكلما احتمل حديثان أن يستعملا معاً استعملا معاً ولم يعطل واحد منهما الآخر .

قلت : وهذا القول صحيح وأنا أذكر بعض الأحاديث التي يظن إنها متضادة لتعارضها في الظاهر وليست متضادة وأبين كيف وجه استعمال جميعها ليستدل به على ما عداه من هذا الفن ان شاء الله .

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الحذاء المقريء وأبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، قال : أخبرنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ، أن النبي سجد في النجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والأنس

وأخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أخبرنا الربيع بن سلميان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ديب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، انه قرأ عند رسول الله بالنجم فلم يسجد فيها .

ليس في هذين الحديثين تضاد ، ولا أحدهما ناسخ للآخر ، وفيهما دليل على أن سجود التلاوة ليس بحتم لأن النبي سجد في النجم تارة وترك السجود فيها تارة أخرى والمستحب أن لا يترك وهذا اختلاف من جهة المباح .

ومن ذلك : حديث أخبرناه أبو بكر الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري ، أن النبي نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا ، قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل .

ثم أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي ، قال : حدثني جدي لأمي القاضي أبو الحسن علي ابن أحمد بن محمد بن يوسف السامري بسامراء ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا أبو مصعب الزهري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر ، انه كان يقول : إن ناساً يقولون إذا قعدت لحاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس ، فقال عبد الله بن عمر : لقد ارتقيت على ظهر بيتنا فرأيت رسول الله مستقبلاً بيت المقدس لحاجته .

وليس في هذين الحديثين خلاف ولا نسخ .

أما حديث أبي أيوب فإنه محمول على النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء ، وكان القوم عرباً يخرجون لقضاء الحاجة إلى الصحاري ولم يكن عليهم ضرورة في أن ينحرفوا عن جهة القبلة شرقاً أو غرباً وحديث ابن عمر خاص في المنازل لأنها متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء ، فلما ذكر ابن عمر انه رأى رسول الله مستقبلاً بيت المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل ذلك على أن النهي منصرف إلى استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون المنازل ، وسمع أبو أيوب النهي من رسول الله ولم يعلم ما علمه ابن عمر فخاف المأثم في أن يجلس لقضاء حاجته مستقبل الكعبة فتحرف عن جهتها ، وهكذا يجب على كل من سمع شيئاً أن يعمل به إذا لم يعرف غيره .

أخبرنا البرقاني ، قال : قرأت على أبي الفضل بن خميرويه ، أخبركم أحمد بن نجدة ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، أن أبا حصين قال : كنت عند سعيد بن جبير ، قال : أيكم رأى الكوكب الذي انقص البارحة ؟ قلت : أنا اما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، قال : فما فعلت ؟ قلت : أسترقيت ، قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي قال : وما حدثكم الشعبي ، قلت : حدثنا الشعبي ، عن بريدة بن حصيب الأسلمي انه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة . قال سعيد : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع .

وقد كان عبد الله بن عمر علم نهي رسول الله عن استقبال القبلة أو استدبارها لقضاء الحاجة ، فحمل ذلك على انه قصد به في الفضاء دون المنازل عندما رأى من رسول الله .

أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، حدثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر ، قال : رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن هذا ؟ قال : بلى ، إنما نهى عن ذلك في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبل شيء يسترك فلا بأس . ومن ذلك حديث أخبرناه عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي ، انه أهدى لرسول الله وهو بودان أو بالأبواء حماراً وحشياً ، فرده عليه رسول الله قال فلما رأى رسول الله ما في وجهي قال ﷺ : «إنا لم نرده عليك إلا انا حرم » .

وأخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله ابن مسلمة عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة رضي الله عنه ، انه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم ، فرأى حماراً وحشياً فاستوى على فرسه قال : فسأل أصحابه أن يناولوه سوله فأبوا ، فسألهم رمحه فأبوا ، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله ، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله وأبى بعضهم ، فلما أدركوا رسول الله سألوه عن ذلك فقال ﷺ : «إنما هي طعمة أطعمكموها الله عز وجل » .

وليس يخالف أحد هذين الحديثين الآخر . أما الأول فعلم رسول الله ان الحمار صيد من أجله وأهدي إليه وليس للمحرم ذبح حمار وحشي حي فلذلك رده . وأما الحديث الثاني فإن النبي أمر أصحاب أبي قتادة أن يأكلوا مما صاده وهو رفيقهم لعلمه انه لم يصده لهم ولا بأمرهم فحل لهم أكله . وقد روي عن جابر بن عبد الله عن النبي نص في هذا :

أخبرناه القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، قال : أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمر بن أبي عمر مولى المطلب عن المطلب عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم » .

وأما قول الشافعي : وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها ، فمثال ذلك ما .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، أن رسول الله قال ﷺ : «لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب » .

( وأخبرنا ) أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الأصبهاني بها ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عيسى بن مزيد الخشاب ، حدثنا أحمد بن مهدي ، حدثنا محمد بن سماعة ، أخبرنا محمد يعني ابن الحسن أخبرنا أبو حنيفة ، حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن جابر بن عبد الله ، قال : صلى رسول الله ورجل خلفه ، فجعل رجل من أصحاب النبي ينهاه عن القراءة في الصلاة ، قال فقال : اتنهاني عن القراءة خلف نبي الله فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي فقال ﷺ : «من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة » .

فإن حديث عبادة هو الصحيح واما حديث جابر فتفرد بوصل إسناده عن موسى بن أبي عائشة أبو حنيفة وقيل عن الحسن بن عمارة كذلك ، والحسن ضعيف جداً والمحفوظ ان أبا حنيفة تفرد بوصله وخالفه الثقات الحفاظ منهم سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاح ، وزائدة بن قدامة ، وأبو عوانة الوضاح ، وأبو الأحوص سلام بن سليم ، وشريك بن عبد الله ، وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد وأبو إسحاق الفزاري ، ووكيع بن الجراح فرووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي لم يذكروا فيه جابراً والقول قولهم فلا تثبت بالحديث حجة لأنه مرسل . أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الواحد المنكدري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ بنيسابور ، أخبرنا عبد الله بن محمد الكعبي ، حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسحاق بن منصور عن هريم بن سفيان عن مطرف عن سوادة بن أبي الجعد عن أبي جعفر وهو محمد بن علي قال : من فقه الرجل بصره بالحديث .

وأما قول الشافعي : وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن الميب ، فقد ذكر بعض الفقهاء أن الشافعي جعل مرسل ابن المسيب حجة لأن مراسيله كلها اعتبرت فوجدت متصلات من غير حديثه . وهذا القول ليس بشيء لأن من مراسيل سعيد ما لم يوجد متصلاً من وجه بتة ، والذي يقتضي مذهب الشافعي أنه جعل لسعيد مزية في الترجيح لمراسيله خاصة لأن أكثرها وجد متصلاً من غير حديثه لا انه جعلها أصلاً يحتج به والله أعلم .

وقول الشافعي : ولا يقاس أصل على أصل مثاله ، ان فرض الزكاة في الإبل في كل خمس منها شاة إلى أن تبلغ أربعاً وعشرين ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين ، فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر ، وإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة .

وفرض زكاة البقر بخلاف ذلك فإن النصاب الذي تجب فيها الزكاة ببلوغه ثلاثون ، فإذا بلغته وجب فيها تبيع منها ، ولا شيء فيما زاد على ذلك حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة منها وعلى هذا الحساب أبداً في كل ثلاثين منها تبيع وفي كل أربعين مسنة . فلا يقاس الإبل على البقر لأن كل واحد منهما أصل بنفسه .

وقول الشافعي : ولا يقاس على خاص ، مثاله ما .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : «لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، أن رضيها أمسكها ، وأن سخطها ردها وصاعاً من تمر » .

المصراة من الإبل والغنم هي التي قد جمع لبنها في خلفها وضرعها فمن ابتاعها فهو مبتاع لناقة أو شاة فيها لبن ظاهر ، وهو غيرها كالثمرة في النخلة التي إذا شاء قطعها ، وكذلك اللبن إذا شاء حلبه فإذا أراد رد المصراة بعيب التصرية ردها ورد معها صاعاً من تمر كثر اللبن أو قل ، وسواء كان الصاع قيمة اللبن أو أكثر من قيمته أو أقل ، والعلم محيط بأن ألبان الإبل والغنم مختلفة المقادير والقيم فلم يكن فيها غير الصاع لنص رسول الله عليه ، وهذا الأصل خاص فلا يقاس عليه .

أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : حاكياً عمن سأله فقال : كيف يرد صاعاً من تمر ولا يرد ثمن اللبن ؟ قلت : أثبت هذا عن النبي ؟ قال : نعم ، قلت ما ثبت عنه فليس فيه إلا التسليم ، وقولك وقول غيرك فيه لم ؟ وكيف خطأ ؟ وكيف إنما يكون لأقاويل الآدميين الذين قولهم تبع لا متبوع ، ولو جاز في القول اللازم : «كيف » حتى يحمل على قياس أو فطرة عقل لم يكن للقول غاية ينتهي إليها ، وإذا لم يكن له غاية ينتهي سقط القياس .

قلت : التعبد من الله تعالى لعباده على معنيين : أحدهما : التعبد في الشيء بعينه لا لعلة معقولة فما كان من هذا النوع لم يجز أن يقاس عليه . والمعنى الثاني : التعبد لعلل مقرونة به وهي الأصول التي جعلها الله تعالى اعلاماً للفقهاء فردوا إليها ما حدث من أمر دينهم مما ليس فيه نص بالتشبيه والتمثيل عند تساوي العلل من الفروع بالأصول ، وليس يجب أن يشارك الفرع الأصل في جميع المعاني ، ولو كان ذلك واجباً لكان الأصل هو الفرع ، ولما كان يتهيأ قياس شيء على غيره وإنما القياس تشبيه الشيء بأقرب الأصول به شبهاً ، ألا ترى أن الله تعالى حكم في الصيد بالمثل من النعم ؟ وحكموا في النعامة بالبدنة ؟ وإنما يتفقان في بعض المعاني ، وكذلك الحكم بالقيم والأمثال في الأشياء المتلفة والله أعلم .

وإذا ورد عن النبي خطاب يتضمن كلمتين معناهما في ا لظاهر واحد وأمكن حمل كل كلمة على فائدة فعل ذلك .

مثاله : ما أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن عن طلحة اليامي عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى النبي فقال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ قال : «لئن قصرت في الخطبة لقد عوصت المسألة ، أعتق النسمة ، وفك الرقبة » ، قال : يا رسول الله أو ما هما سُوىً ؟ قال ﷺ : «لا . عتق النسمة أن تفرد ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها » .

في هذا الحديث من الفقه أن الكلمة من صاحب الشريعة إذا أمكن حملها على الإفادة لم تحمل على التكرار والإعادة وكذلك طالبه الأعرابي بالفرق بينهما وراجعه الكلام فيهما . فينبغي أنعام النظر في الآثار والسنن ، والتفتيش عن معانيها ، والفكر في غوامضها ، واستنباط ما خفي منها ، فمن فعل ذلك كان جديراً بلحاق من سبقه من العلماء والتبريز على المعاصرين له من الفقهاء .

أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الواحد المروروذي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ بنيسابور ، قال : سمعت أبا الطيب الكرابيسي يقول : سمعت إبراهيم بن محمد المروزي يقول : سمعت علي بن خشرم يقول : كنا في مجلس سفيان بن عيينة فقال : يا أصحاب الحديث تعلموا فقه الحديث لا يقهركم أهل الرأي ، ما قال أبو حنيفة شيئاً إلا ونحن نروي فيه حديثاً أو حديثين ، قال فتركوه وقالوا : عمرو بن دينار عن من ؟ .

ذكر الكلام في النظر والجدل

النظر ضربان : ضرب : هو النظر بالعين فهذا حده الإدراك بالبصر . والثاني : النظر بالقلب ، فهذا حده الفكر في حال المنظور فيه ، والمنظور فيه : هو الأدلة والإمارات الموصلة إلى المطلوب ، والمنظور له هو : الحكم لأنه ينظر لطلب الحكم ، والناظر هو : الفاعل للفكر .

وأما الجدل فهو : تردد الكلام بين الخصمين إذا قصد كل واحد منهما أحكام قوله ليدفع به قول صاحبه ، فهو مأخوذ من الإحكام . يقال : درع مجدولة إذا كانت محكمة النسج ، وحبل مجدول إذا كان محكم الفتل ، والجدالة : وجه الأرض إذا كان صلباً .

ولا يصح الجدال إلا من اثنين ويصح النظر من واحد . والجدل كله سؤال وجواب ، فالسؤال هو : الاستخبار ، والجواب هو : الأخبار . وأما الرأي فهو : استخراج صواب العاقبة ، فمن وضع الرأي في حقه واستعمل النظر في موضعه سدد إلى الحق المطلوب ، كمن قصد المسجد الجامع فسلك طريقه ولم يعدل عنه أداه إليه وأورده عليه . وقد ذهب قوم قصرت علومهم وبعدت أفهامهم إلى إنكار المناظرة وابطال المجادلة وتعلقوا في ذلك بما سنذكره ونجيب عنه ان شاء الله .

باب ذكر ما تعلق به من أنكر المجادلة وابطاله

احتج من ذهب إلى ابطال الجدال بقول الله تعالى : ( { الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } ) [11] وبقوله تعالى : ( { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني } ) [12] ومن السنّة ، بما أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا حجاج بن دينار ( وأخبرنا ) الحسن بن أبو بكر أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقري ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن القاضي ، قال : حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أخبرنا عيسى بن يونس ، حدثنا الحجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي إمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ، وفي حديث ابن راهويه عن النبي قال ﷺ : «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل » ثم قرأ : ( { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } ) [13] .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي ، حدثنا بقية ، حدثنا قيس بن الربيع عن الحجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة قال قال رسول الله ﷺ : «ما ضل قوم بعد هداهم إلا أوتوا الجدال » ثم قرأ هذه الآية : ( { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } ) .

( وأخبرنا ) القاضي أبو بكر الحيري وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا أبو عتبة ، حدثنا بقية ، حدثنا الصباح بن مجالد عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري ، قال قال رسول الله ﷺ : «إذا كان سنة خمس وثلاثين ومائة خرج مردة الشياطين ، كان حبسهم سليمان بن داود في جزائر البحور فذهب منهم تسعة أعشارهم إلى العراق يجادلونهم وعشر بالشام » .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقريء والحسن بن أبي بكر ، قالا : أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا مسلمة بن علي ، قال : سمعت الأوزاعي يحدث عن حسان بن عطية ، قال : إذا أراد الله بقوم شراً ألقى بينهم الجدل وخزن العلم .

أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي بالله الخطيب أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون ، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا نصر بن علي ، أخبرنا الأصمعي ، حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : ما كان جدل قط إلا أتى بعده جدل يبطله .

أخبرنا أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي الخطبي ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع ، قال : رأيت مالك ابن أنس يعيب الجدال والمراء في الدين ، قال : أفكلّما كان رجل أجدل من رجل أردنا أن يرد ما جاء به جبريل إلى النبي .

( وقال ) عبد الله حدثني أبي ، قال : حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع ، قال : رأيت رجلاً من أهل المغرب جاء مالكاً فقال : إن الأهواء كثرت قبلنا فجعلت على نفسي ان أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني ، فوصف له مالك شرائع الإسلام الزكاة والصلاة والصوم والحج ، ثم قال : خذ بهذا ولا تخاصم أحداً في شيء .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البزاز بالبصرة ، حدثنا أبو بكر يزيد بن إسماعيل الخلال ، حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي ، حدثني أبو عبد الله الأزدي ، قال : حدثني عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بهذه الرسالة وقرأها علي : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله ، والاختصار في أمره ، واتباع سنة رسول الله ، وترك ما أحدث المحدثون في دينهم مما قد كفوا مؤونته وجرت فيهم سنته ، ثم اعلم انه لم تكن بدعة قط إلا وقد مضى قبلها دليل عليها ، فعليك بتقوى الله ، ولزوم السنّة فإنها لك بإذن الله عصمة ، وإنما جعلت السنة ليستن بها ويعتمد عليها ، وإنما سنّها من علم ما في خلافها من الزلل والخلاف والتعمق فارض لنفسك ما رضوا لأنفسهم ، فإنهم بعلم وقفوا ، وببصر ما كفوا ، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل لو كان فيها أحرى ، وإنهم لهم السابقون ، فإن كان الهدى ما أحدثتم وما أنتم فيه لقد سبقتموهم ، ولئن قلتم حدث حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيله ورغب بنفسه عنهم ، ولقد وضعوا ما يكفي ، وتكلموا بما يشفي ، فما دونهم مقصر ، ولا فوقهم محسن ، وإنهم لذلك لعلى هدى مستقيم ، فارجعوا إلى معالم الهدى وقولوا كما قالوا ، ولا تفرقوا بينما جمعوا ، ولا تجمعوا بينما فرقوا ، فإنهم جعلوا لكم أئمة وقادة ، هم حملوا إليكم كتاب الله وسنّة نبيه ، فهم على ما حملوا إليكم من ذلك أمناء وعليكم فيه شهداء ، واحذروا الجدل فإنه يقربكم إلى كل مؤبقة ولا يسلمكم إلى ثقة .

فنظرنا في كتاب الله تعالى وإذا فيه ما يدل على الجدال والحجاج فمن ذلك قوله تبارك وتعالى : ( { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } ) [14] فأمر الله رسوله في هذه الآية بالجدال وعلمه منها جميع آدابه من الرفق والبيان والتزام الحق والرجوع إلى ما أوجبته الحجة . وقال تعالى : ( { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } ) [15] وقال تعالى : ( { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } ) [16] الآية وقال تعالى : ( { ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم } ) وكتاب الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف فتضمن الكتاب ذم الجدال والأمر به فعلمنا علماً يقيناً أن الذي ذمه غير الذي أمر به ، وإن من الجدال ما هو محمود مأمور به ومنه ما هو مذموم منهي عنه ، فطلبنا البيان لكل واحد من الأمرين فوجدناه تعالى قد قال : ( { وجادلوا الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق } ) [17] وقال : ( { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا } ) فبين الله في هاتين الآيتين الجدال المذموم وأعلمنا انه الجدال بغير حجة ، والجدال في الباطل .

فالجدال المذموم وجهان : أحدهما : الجدال بغير علم ، والثاني : الجدال بالشغب والتمويه نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه قال الله تعالى : ( { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب } ) [18] وأما جدال المحقين فمن النصيحة في الدين ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا : ( { يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } ) [19] وجوابه لهم : ( { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } ) [20] .

وعلى هذا جرت سنة رسول الله ، فقال ما أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد عن حميد عن أنس ، أن النبي قال ﷺ : «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم » .

فأوجب المناظرة للمشركين . كما أوجب النفقة والجهاد في سبيل الله .

وعلمنا رسول الله وضع السؤال موضعه وكيفية المحاجة في الحديث الذي ذكر فيه محاجة آدم موسى عليهما السلام .

أخبرنا أبو بكر ، حدثنا عمر بن محمد بن علي بن الزيات لفظاً ، أخبرنا هارون بن يوسف بن أبي عبيد ، حدثنا سفيان عن عمرو عن طاووس ، قال : سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي ﷺ : «احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة ، فقال له آدم : يا موسى اصطفاك الله برسالته ، وكتب لك التوراة بيده ، لم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ قال رسول الله فحج آدم موسى » . يعني أن آدم هو حج موسى .

قلت : وضع موسى الملامة في غير موضعها فصار محجوجا ، وذلك انه لام آدم على أمر لم يفعله وهو خروج الناس من الجنة وإنما هو فعل الله تعالى ، ولو أن موسى لام آدم على خطيئته الموجبة لذلك لكان واضعاً الملامة موضعها ، ولكان آدم محجوجا ، وليس أحذ ملوماً إلا على ما يفعله لا على ما تولد من فعله مما فعله غيره ، والكافر إنما يلام على فعل الكفر لا على دخول النار ، والقاتل إنما يلام على فعله لا على موت مقتوله ولا على أخذ القصاص منه .

فعلمنا رسول الله في هذا الحديث كيف نسأل عند المحاجة ، وبين لنا أن المحاجة جائزة وأن من أخطأ موضع السؤال كان محجوجاً ، وظهر بذلك قول الله تعالى : ( { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } ) [21] وليس هذا الحديث الذي ذكرناه من باب اثبات القدر في شيء وإنما هو وارد فيما وصفناه من محاجة آدم وموسى وإثبات القدر إنما صح في آيات وأحاديث أخر .

أخبرنا أبو الحسن علي بن طلحة المقريء ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ابن أيوب بن ماسي ، حدثنا يحيى بن محمد الحنائي ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن سليمان عن الشعبي ، قال : قال عمر لزياد ابن حدير : أتدري ما يهدم الإسلام ؟ فلا أدري ما أجابه ، قال فقال عمر : زلة عالم ، وجدال منافق ، وأئمة مضلون .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمد بن الحسن بن مقسم المقريء ، حدثنا أبو بكر محمد ابن يحيى المروزي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا ليث بن سعد عن يزيد عن عمر بن عبد الله بن الأشج ان عمر بن الخطاب قال : إنه سيأتي قوم يجادلونكم أحسبه قال : بالمشتبه من القرآن فجادلوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى .

أنا القاضي أبو القاسم : علي بن محسن التنوخي ، أنا أبو سعيد : الحسن بن جعفر السمسار ، نا أبو شعيب الحراني ، حدثني يحيى بن عبد الله البابلتي ، نا الأوزاعي ، قال : خاصم نفر من أهل الأهواء علي بن أبي طالب ، فقال له ابن عباس : ' يا أبا الحسن : إن القرآن ذلول حمول ذو وجوه ، تقول ويقولون ، خاصمهم بالسنة ، فإنهم لا يستطيعون أن يكذبوا على السنة ' .

حدثني محمد بن علي الصوري ، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المصري ، حدثنا علي بن أبي مطر القاضي ، حدثنا محمد بن إبراهيم الكثيري ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا مالك ، انه بلغه ان الزبير بن العوام رضي الله عنه قال لابنه : لا تجادل الناس بالقرآن فإنك لا تستطيعهم ولكن عليك بالسنة .

وقد تحاج المهاجرون والأنصار ، وحاج عبد الله بن عباس الخوارج بأمر علي بن أبي طالب ، وما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب الحق . وأما التابعون ومن بعدهم فتوسعوا في ذلك وثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحق ونصره ، واظهار الباطل وبيان فساده ، وإن الخصام بالباطل هو اللدد الذي قال النبي ﷺ : «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم » .

أخبرنا ذلك أحمد بن محمد بن غالب الفقيه ، قال : قرأت على أبي بكر الإسماعيلي ، أخبركم هارون بن يوسف ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله ابن أبي ملكية عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي قال ﷺ : «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم » .

وجميع ما حكينا أنه تعلق به من أنكر المجادلة ، محمول على انه أريد به الجدال المذموم الذي وصفناه على أن مالك بن أنس قد بينه وأنه الجدل يقصد به رد ما جاء به جبريل إلى النبي ، وكذلك قول الخليل ( ما كان جدل قط إلا أتى بعده جدل يبطله ) أراد به الجدال الذي ينصر به الباطل لأن ما تقدم وكان حقاً لا يأتي بعده شيء يبطله ، وهو في معنى قول عمر بن عبد العزيز الذي أخبرناه علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد ، قال : قال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل .

انتهى الجزء السادس من كتاب الفقيه والمتفقه ويتلوه إن شاء الله الجزء السابع وأوله ( ويقال لمن أنكر ما ذكرناه ) والحمد لله وحده والصلاة على نبيه وصفيه محمد وآله وسلم تسليما

=======

ج7.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء السابع

ويقال لمن أنكر ما ذكرناه : خبرنا عن نفيك المحاجة ودعاءك إلى ترك المناظرة أقلت ذلك بدليل وبرهان أم بغير حجة ولا بيان ؟ فإن قال : قلته بحجة ، فقد التزم ما بقي وكفى به حاكماً على نفسه لخصمه ، وإن قال : قلته بغير برهان ولا حجة ، كفى الخصم مؤنته بتحكيمه الهوى على نفسه وكان له عليه إثبات ما بقي من المناظرة مثل دعواه من غير حجة ولا برهان : ( { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } ) [1] والله تبارك وتعالى يقول : ( { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } ) [2] وكفى بقول يقود إلى هذا قبحاً .

أنا أبو عبد الله : الحسين بن محمد بن القاسم المخزومي ، نا أبو بكر : محمد بن يحيى بن العباس الصولي ، نا الغلابي ، نا ابن عائشة ، قال : قال ابن المقفع ، لعمرو بن عبيد : نظرت في مقاييسكم فوجدتها باطلة .

قال : أبالقياس أبطلتها ، أم بالمجازفة ؟

قال : بالقياس

قال : فأراك قد أثبت ما نفيت ! .

أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الأصبهاني ، قال : حدثني أبو أحمد محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبو الحسن علي الترمذي قال : وجدت في كتاب الحكمة العلم ميت إحياؤه الطلب ، فإذا حيي بالطلب فهو ضيف قوته الدرس ، فإذا قوي بالدرس فهو محتجب إظهاره بالمناظرة ، فإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم نتاجه العمل .

أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفوارس الحافظ ، أخبرنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : لولا الخطأ ما أشرق نور الصواب ، وبالتعب وطيء فرش الراحة ، وبالبحث والنظر تستخرج دقائق العلوم ، ولا فرق بين جاهل يقلد وبهيمة تنقاد .

أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الفتح ابن عبد الله الجيلي ، قال : قال بعض المتأخرين في ابتداء علم النظر : وما زال هذا العلم إذا وقف الإنسان منه على بعضه انفتح له ما وراء ذلك ، كالإنسان الذي يرى قصراً على بعد فيأتيه فيرى من قربه ما لم يكن يرى من بعده ، وكذلك أن تهيأ له الدخول إليه ، وكالإنسان الذي يكون على الأرض المستوية لا يرى شيئاً إلا ما قاربه وما هو حذاءه غير بعيد منه خاصة إذا كان بين يديه نشز من الأرض أو جبل فإذا علا على ذلك كان كلما ارتفع وارتقى أشرف على ما لم يكن مشرفاً عليه طولاً وعرضاً ، فإذا تكلف الصعود إلى أعلى رأس الجبل انكشفت له الأرض والمواضع التي لم يكن يراها قبل ذلك ولم يكن يقدر على رؤيتها إلا بهذا التعب والتكلف الذي صار إليه فيبدو له في كل خطوة من الأشياء ما لم يكن يبدو له قبل ذلك ، فكلما زاد ارتقاءاً ازداد معرفة بما لم يكن قبل ذلك رآه . وكذلك العلم كلما تعلم المرء منه أصلاً انكشف له ما فيه وشاكله وما في بابه وطريقه واستدل به على ما سواه إذا كان فهيماً ووفقه الله .

وقد شبه صاحب الأدب الجدل قبل هذا النظر والكلام بالنخل يؤبره ويقوم عليه فينال من ثمرته ما لا ينال عند ترك ذلك ، وكذلك الحديد والحجر ما لم يستعملها لم تخرج النار ولم يوجد ما ينفع لما احتيج إلى طبخ وتسخين ، فإذا أوري خرجت النار فإذا وقعت في الحداق وتركت انطفأت ، وإن أمدت بنفخ وكبريت وحطب وغير ذلك كثرت وكثر نفعها ، والعلم إذا لم يستعمل ولم يذاكر به كالمسك إذا طال مكثه في الوعاء ذهب ريحه ، وكالماء الصافي إذا طال مكثه نشفته الأوعية والهواء وغيرته وذهبت بأكثره أو بكله وتغير ريحه وطعمه ، وكالبئر تحفر فتجري فيها عين فإن حصل له طريق حتى ينتشر صار نهراً وكثر ونفع وعاش به الحيوان ، وإن حبس وترك قل نفعه وربما غار . فكذلك العلم إذا لم يذاكر به ولم يبحث عنه ، وإذا ذاكرت بالعلم ونشرته صار كالنهر الجاري دائم النفع غزير الماء إن قل مرة لعارض زاد أخرى وإن تكدر وقت العلة صفا في ثان وتحي به الأرض والزرع والحيوان .

حدثني أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأديب ، قال : حدثني علي بن يوسف الهمذاني المقريء ، قال : دخلت على أبي بكر الخوارزمي فلزمت السكوت وجعلت أسمع كلامه ، فقال لي : تكلم فإن أصبت كنت مفيداً ، وإن أخطأت كنت مستفيداً ، كالغازي إن قتل كان حميداً ، وإن قتل كان شهيداً .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : ومباح النظر والجدل فيما نزل وفيما لم ينزل حتى يعرف حكم ما لم ينزل فإذا نزل عمل به ، وذهب قوم إلى كراهة القول فيما لم يكن ومنعوا من ذلك وتعلقوا فيه بما نحن ذاكروه ان شاء الله .

باب القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله قال ﷺ : «ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فانتهوا » .

أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقريء ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي حدثنا مالك عن الزهري عن سهل بن سعد رضي الله عنه ، قال : كره رسول الله المسائل وعابها .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا يعلى بن عبيد ، نا أبو سنان عن عمرو بن مرة ، قال : خرج عمر على الناس فقال : أحرج عليكم ان تسألونا عن ما لم يكن ، فإن لنا فيما كان شغلا .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن علي الابار ، حدثنا مسروق بن المرزبان ، حدثنا شريك عن ليث عن نافع عن ابن عمر ، قال : لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن .

أخبرنا محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا عمر بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر ، قال : يا أيها الناس لا تسألوا عما لم يكن فإن عمر كان يلعن أو يسب من سأل عما لم يكن .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ، حدثنا طاهر بن خالد بن نزار ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد ، قال : كان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سئل عن الشيء يقول : كان هذا ؟ فإن قالوا لا قال : دعوه حتى يكون .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا عبد الكريم ابن الهيثم ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب عن الزهري ، قال : بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر : أكان هذا ؟ فإن قالوا نعم كان حدث فيه بالذي يعلم ، وإن قالوا لم يكن قال : فذروه حتى يكون .

أخبرنا أخبرنا ابن الفتح ، أخبرنا عمر بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا موسى بن علي عن أبيه ، قال : كان زيد بن ثابت إذا سأله رجل عن شيء قال : آلله لكان هذا ؟ فإن قال نعم تكلم فيه ، وإلا لم يتكلم .

( وقال ) أبو خيثمة : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الملك بن أبجر عن الشعبي عن مسروق ، قال : سألت أبي بن كعب عن شيء فقال : أكان بعد ؟ قلت : لا ، قال : فاجمنا حتى يكون ، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا .

أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، حدثنا جدي حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن داود عن عامر ، قال : سئل عمار رضي الله عنه عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا ، قال : فدعونا حتى يكون فإذا كان تجشمناه لكم .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا زيد بن بشر وعبد العزيز بن عمران ، قالا : أخبرنا ابن وهب عن موسى بن علي ، أنه سأل ابن شهاب عن شيء فقال ابن شهاب : ما سمعت فيه بشيء وما نزل بنا . فقلت : انه قد نزل ببعض اخوانك ، فقال : ما سمعت فيه بشيء فقلت : انه قد نزل ببعض اخوانك ، فقال : ما سمعت فيه بشيء وما نزل بنا ، وما أنا بقائل فيه شيئاً .

أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا محمد بن مخلد ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب ، قال : حدث مالك قال : أدركت هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الاكثار الذي فيه اليوم يريد المسائل .

فهذا ما تعلق به من متع من الكلام في الحوادث قبل نزولها ونحن نجيب عنه بمشيئة الله وعونه . أما كراهية رسول الله المسائل فإنما كان ذلك إشفاقاً على أمته ورأفة بها وتحننا عليها وتخوفاً أن يحرم الله عند سؤال سائل أمراً كان مباحاً قبل سؤاله عنه فيكون السؤال سبباً في حظر ما كان للأمة منفعة في إباحته فتدخل بذلك المشقة عليهم والأضرار بهم ، ولهذا قال النبي ما :

أخبرناه أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ، حدثنا أبو يعلى هو الموصلي حدثنا المقدمي ، حدثنا زهير بن إسحاق عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، عن النبي قال ﷺ : «ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم حرمات فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء من غير نسيان رحمة لكم فلا تبحثوا عنها » .

وأخبرنا علي بن القاسم البصري ، حدثنا علي بن إسحاق المادرايي ، حدثنا محمد بن داود النسائي نا موسى بن إسماعيل ، نا سلام بن أبي مطيع عن معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «ان أعظم المسلمين في المسلمين جرماً رجل سأل عما لم يحرم فحرم من أجل مسألته » .

وهذا المعنى قد ارتفع بموت رسول الله واستقرت أحكام الشريعة فلا حاظر ولا مبيح بعده .

ويدل على جواز السؤال عما لم يكن الحديث الذي أخبرناه عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله انا نخاف أن نلقى العدو غداً وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ فقال رسول الله ﷺ : «ما أنهر الدم وذكرت عليه اسم الله فكل ما خلا السن والظفر » .

فلم يعب رسول الله مسألة رافع عما لم ينزل به لأنه قال : «غدا » ولم يقل له : لم سألت عن شيء لم يكن بعد .

وكذلك الحديث الآخر الذي أخبرناه الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الصمد بن علي الطستي أخبرنا السري بن سهل الجند يسابوري ، نا عبد الله بن رشيد ، نا أبو عبيدة مجاعة بن الزبير عن يونس الواسطي عن سماك بن حرب عن يزيد بن سلمة عن أبيه ، أن رجلاً قام إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت لو كان علينا أمراء يسألونا الحق ويمنعونا حقنا فنقاتلهم ؟ فقام الأشعث بن قيس فقال : تسأل رسول الله عن أمر لم يحدث بعد ؟ فقال لأسألنه حتى يمنعني ، فقال : يا رسول الله أرأيت لو كان علينا أمراء يسألونا عن الحق ويمنعونا أنقاتلهم ؟ قال ﷺ : «لا ، عليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا » .

فلم يمنع رسول الله هذا الرجل عن مسألته ولا أنكرها عليه ، بل أجابه عنها من غير كراهة . وفي الآثار نظائر كثيرة لما ذكرناه .

وأما تحريج عمر في السؤال عما لم يكن ولعنه من فعل ذلك ، فيحتمل أن يكون قصد به السؤال على سبيل التعنت والمغالطة لا على سبيل التفقه وابتغاء الفائدة ، ولهذا ضرب صبيغ بن عسل ونفاه وحرمه رزقه وعطاءه لما سأله عن حروف من مشكل القرآن فخشي عمر أن يكون قصد بمسألته ضعفاء المسلمين في العلم ليوقع في قلوبهم التشكيك والتضليل بتحريف القرآن عن نهج التنزيل ، وصرفه عن صواب القول فيه إلى فاسد التأويل . ومثل هذا قد ورد عن رسول الله النهي عنه والذم لفاعله .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا عبد الملك ابن عبد الحميد الرقي ، نا روح بن عبادة ، قال : حدثنا الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن رجل من أصحاب النبي قد سماه قال : نهى رسول الله عن الأغلوطات . قال الأوزاعي : شداد المسائل .

أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار ومحمد بن عمر بن بكير النجار ومحمد بن محمد بن عثمان السواق ، قال السواق : أخبرنا ، وقالا : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن صالح البروجردي ، نا إبراهيم بن الحسين الهمداني ، حدثنا نعيم بن حماد ، نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن معاوية ، قال : نهى رسول الله عن الغلوطات يعني دقيق المسائل .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، نا جعفر الصندلي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد بن الزعفراني ، نا علي بن بحر القطان ، نا عيسى بن يونس ، نا الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابجي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، أن النبي نهى عن الأغلوطات ، قال عيسى : والأغلوطات ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي ، نا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم ، نا يزيد بن ربيعة ، قال : سمعت أبا الأشعث يحدث عن ثوبان رضي الله عنه ، عن رسول الله قال ﷺ : «سيكون أقوام من أمتي يغلطون فقهاءهم بعضل المسائل أولئك شرار أمتي » .

أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا أبو النضر نا المستلم بن سعيد عن منصور بن زاذان عن الحسن ، قال : شرار عباد الله يتتبعون شواذ المسائل يعمون بها عباد الله .

وقد روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما من الصحابة أنهم تكلموا في أحكام الحوادث قبل نزولها ، وتناظروا في علم الفرائض والمواريث ، وتبعهم على هذه السبيل التابعون ومن بعدهم من فقهاء الأمصار ، فكان ذلك اجماعاً منهم على أنه جائز غير مكروه ومباح غير محظور .

وأما حديث زيد بن ثابت وأبي بن كعب وعمار بن ياسر ، فإنه محمول على أنهم توقوا القول برأيهم خوفاً من الزلل وهيبة لما في الاجتهاد من الخطر ، ورأوا ان لهم عن ذلك مندوحة فيما لم يحدث من النوازل وان كلامهم فيها إذا حدثت تدعوا إليه الحاجة ، فيوفق الله في تلك الحالة من قصد إصابة الحق .

وقد روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه نحو هذا القول . أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقريء ، أخبرنا محمد بن الحسين الآجري ، نا ابن عبد الحميد الواسطي ، نا زهير يعني ابن محمد بن قمير أخبرنا منصور بن سعيد ، نا حماد بن زيد ، نا الصلت بن راشد ، قال : سألت طاوساً عن شيء فانتهرني ، وقال : أكان هذا ؟ قلت : نعم ، قال آلله ، قلت : آلله ، قال : إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل انه قال : أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم هاهنا وهاهنا فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله ، لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد ، أو قال : وفق .

وهذا فعل أهل الورع والمشفقين على دينهم ولأجل ما ذكرناه كان خلق من الصحابة والتابعين إذا سئل أحدهم عن حكم حادثة حاد عن الجواب وأحال على غيره .

أخبرنا أبو الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو بكر الحميدي نا سفيان ، نا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، قال : أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، حتى ترجع إلى الأول .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا حنبل بن إسحاق ، حدثنا قبيصة ، وأخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البزاز بالبصرة واللفظ له ، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو نعيم ، قالا : نا سفيان عن عطاء بن السائب ، قال : سمعت سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله ما أحد منهم يحدث حديثاً إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا يسأل عن فتيا إلاّ وَدّ أن أخاه كفاه الفتيا .

أخبرنا علي بن أحمد المقريء ، أخبرنا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني ، نا الحسين بن الأسود العجلي ، نا يحيى بن آدم ، نا حماد بن شعيب عن حجاج عن عمير بن سعيد ، قال : سألت علقمة عن مسألة فقال : إئت عبيدة فسله ، فأتيت عبيدة فقال : إيت علقمة ، فقلت : علقمة أرسلني إليك فقال : أيت مسروق فسله ، فأتيت مسروقاً فسألته ، فقال : إيت علقمة فسله ، فقلت : علقمة أرسلني إلى عبيدة وعبيدة أرسلني إليك ، قال : فأت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فأتيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فسألته فكرهه ، ثم رجعت إلى علقمة فأخبرته قال : كان يقال اجرأ القوم على الفتيا أدناهم علماً .

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا ابن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا قبيصة ، نا سفيان عن أبي حصين قال سألت إبراهيم عن شيء فقال : اما وجدت أحداً تسأله فيما بيني وبينك غيري .

وهكذا كان إمساك ابن شهاب عن الكلام في حادثة لم تنزل به وإن كانت نزلت بغيره . وما حكى مالك عن أهل المدينة من الاكثار في المسائل كل ذلك خوف الزلل في الرأي ، ورأوا أن الناس يقتدون بهم ويقلدونهم أمر دينهم ويحتجون بأقوالهم ، فإذا علم الواحد منهم أن جوابه ينفذ فيما سئل عنه بالتحليل أوالتحريم حمل نفسه في المسألة التي سئل عنها من شدة معالجتها والاستقصاء في ادراك حقيقتها على ما كان غير خائف منه لو قصر فيه قبل نزولها والسؤال عنها ، ومن قلد أمر الدين واستفتي من المجتهدين فخطر ذلك عظيم وهو الذي تخوفه رسول الله على أمته .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بنهارون بن الصلت الأهوازي ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي ، نا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا أبو غسان ، نا مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أشد ما أتخوف على أمتي ثلاثة : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، أو دنيا تقطع رقابكم فاتهموها على أنفسكم » .

قال أبو غسان : قال لي ابن أبي شيبة : لو رحل في هذا الحديث إلى خراسان كان قليلاً .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أخبرنا ابن المبارك ، نا ابن لهيعة ، قال : حدثني عبد الله بن أبي جعفر ، قال : قيل لعيسى ابن مريم : يا روح الله وكلمته من أشد الناس فتنة ؟ قال : زلة العالِم ، إذا زل العالِم زل بزلته عالَمٌ كثير .

أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : زلة العالم كانكسار السفينة ، تغرق ويغرق معها خلق كثير .

وأخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي ( وأخبرنا ) الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق ومحمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الله ابن هارون ، قال : نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا حماد بن زيد عن المثنى بن سعيد ، قال إسحاق : وقد قال مرة أخرى عن المثنى بن سعد ، وفي حديث الأزجي : وقال إسحاق مرة أخرى عن المثنى بن سعد عن أبي العالية عن ابن عباس ، قال : ويل للأتباع من عثرات العالِم ، قيل : وكيف ذاك ؟ قال : يقول العالِم برأيه فيبلغه الشيء عن النبي خلافه فيرجع ويمضي الاتباع بما سمعوا . واللفظ لحديث إسحاق .

أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي ، نا عمر بن أحمد الواعظ ، قال : حدثنا مكرم بن أحمد ، نا أحمد بن عطية ، نا بشر يعني ابن الوليد وابن سماعة عن أبي يوسف ، قال : كان أبو حنيفة إذا عمل القول من أبواب الفقه راضه سنة لا يخرجه إلى أحد من أصحابه ، فإذا كان بعد سنة وأحكمه خرج إلى أصحابه ، وإذا تكلم في الاستحسان همه مناظرة نفسه .

أخبرنا علي بن أحمد المقريء ، أخبرنا محمد بن الحسين الآجري ، نا جعفر بن محمد الصندلي أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : سمعت بشر بن الحارث يقول سمعت المعافى بن عمران يذكر عن سفيان قال : أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا حتى لا يجدوا بدا من أن يفتوا .

وقال المعافى : سألت سفيان فقال : أدركت الناس ممن أدركت من العلماء والفقهاء وهم يترادون المسائل ، يكرهون أن يجيبوا فيها ، فإذا أعفوا منها كان ذلك أحب إليهم .

أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق ، نا عمر بن محمد الجوهري ، نا أبو بكر الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تجيء الضرورة .

قال الحسن : ان تركناهم وكلناهم إلى عي شديد فإنما تكلم القوم على هذا ، كان قوم يرون أنهم أكثر من غيرهم فتكلموا ، قيل لأبي عبد الله : فأيما أفضل الكلام أو الامساك ؟ قال : الامساك أحب إلي لا شك ، قيل له : فإذا كانت الضرورة ؟ فجعل يقول : الضرورة الضرورة . وقال : الامساك أسلم له . قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : الامساك أقرب إلى السلامة ، لكن ما يحوزه المجتهد إذا نصح وبذل مجهوده في طلب الحق من الفضل وعظيم الثواب والأجر أولى ما رغب فيه الراغبون ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : كان يقال ، من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب .

ولأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني كلام مستقصى فيمن أنكر السؤال عما لم يكن أنا أسوقه لما يتضمن من الفوائد الكثيرة والمنافع الغزيرة .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر الصابوني ، أخبرنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني ، أخبرنا أبو علي أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني ، قال : قال المزني : يقال لمن أنكر السؤال في البحث عما لم يكن ، لم أنكرتم ذلك ؟ . فإن قالوا : لأن رسول الله كره المسألة ، قيل : وكذلك كرهها بعد أن كانت ترفع إليه لما كره من افتراض الله الفرائض بمساءلته وثقلها على أمته لرأفته بها وشفقته عليها فقد ارتفع ذلك برفع رسول الله فلا فرض بعده يحدث أبداً . وإن قالوا : لأن عمر أنكر السؤال عما لم يكن ، قيل : فقد يحتمل انكاره ذلك على وجه التعنت والمغالطة ، لا على التفقه والفائدة ، وقد روي أنه قال لابن عباس : سل عما بدا لك فإن كان عندنا وإلا سألنا عنه غيرنا من أصحاب رسول الله . وكما روي عن علي من انكاره على ابن الكوَّاء أن يسأل تعنتا ، وأمره أن يسأل تفقهاً .

وقد روي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم في الرجل يخير امرأته فقال عمرو ابن مسعود : ان اختارت زوجها فلا شيء ، وان اختارت نفسها فواحدة يملك الرجعة . وقال علي : ان اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة ، وان اختارت نفسها فواحدة بائن . وقال زيد بن ثابت : ان اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائن .

فأجابوا جميعاً في أمرين أحدهما لم يكن ، ولو كان الجواب فيما لم يكن مكروهاً لما أجابوا إلا فيما كان ولسكتوا عما لم يكن .

وعن زيد أنه قال لعلي في المكاتب : أكنت راجمه لو زنا ؟ قال : لا . قال : أفكنت تقبل شهادته لو شهد ؟ قال : لا .

فقد سأله زيد وإجابه علي فيما لم يكن على التفقه والتفطن .

وعن ابن مسعود في مساءلته عبيدة السلماني : أرأيت أرأيت . وقد ذكرنا فيما مضى ما روي من قول عمر لابن عباس : سلني ، وقول علي : سلوني ، وقول أبي الدرداء : ذاكروا هذه المسائل ، ولو كان هذا السؤال لا يجوز إلا عما كان ، لما تعرض أصحاب النبي جواباً لا يجوز أبداً ان شاء الله . ويقال له : أليس على كل مسلم أن يطلب الفرائض في الطهارة والصلاة والزكاة والصيام ونحو ذلك من الكتاب والسنة قبل أن ينزل ذلك وهو دين ؟ فإذا : قال نعم ، قيل : فكيف يجوز طلب ذلك في بعض الدين والجواب فيه ولا يجوز في بعض ، وكل ذلك دين ؟ ويقال له هل تخلو المسألة التي أنكرتم جوابها قبل أن تكون من أن يكون لها حكم خفي حتى لا يوصل إليه إلا بالنظر والاستنباط أو لا يكون لها حكم ، فإن لم يكن لها حكم فلا وجه لذلك ما وجه المسألة فيها كانت أو لم تكن . وإن كان لها حكم لا يوصل إليه إلا بالمناظرة والاستنباط فالتقدم يكشف الخفي ومعرفته واعداده للمسألة قبل نزولها أولاً فإذا نزلت كان حكمها معروفاً فوصل بذلك الحق إلى أهله ومنع به الظالم من ظلمه وكان خيراً أو أفضل من أن يتوقفوا إلى أن يصح النظر في المسألة عند المناظرة ، وقد يبطيء ذلك ويكون في التوقف ضرر يمنع الخصم من حقه والفرج من حله وترك الظالم على ظلمه .

وشبهوا أو بعضهم النازلة فيما بلغني إذا كانت بالضرورة والجواب فيها بأكل الميتة ، فأحلوا الجواب في النازلة كما أحلوا الميتة بالضرورة ، فيقال لهم : أفتزعمون أن الذين ذكرنا روايتكم عنهم من أصحاب رسول الله فيما أجابوا فيه مما لم يكن وتعرضهم جواب ما لم يسألوا عنه قد صاروا بذلك في معنى من أكل الميتة على غير ضرورة ؟ ويقال لهم : ما يشبه خوف المرء على نفسه الموت فأمر باحيائها من أكل الميتة من المجيب إلا مما حل لصاحب المسألة ، ولو كان هذا التشبيه لكان إذا حل برجل ضرورة حل لغيره أكل الميتة كما إذا حلت برجل مسألة حل لغيره جواب المسألة ، وكان أولى التشبيهين ان جاز أن يقاس على الميتة أن يكون الجاهل المنزول به المسألة أحق بالجواب الذي يدفع به عن نفسه مكروه المسألة ، كما كان بضرورة المضرور تحل له الميتة يدفع بها عن نفسه مكروه الضرورة .

قال المزني وان قالوا أو بعضهم : إنما زعمنا ان المسألة إذا نزلت فسئل عنها العالِم كان كالمضطر فعليه أن يجيب كما كان على المضطر أن يأكل الميتة ، قيل لهم فروايتكم عن عشرين ومائة من أصحاب رسول الله إذا سئلوا رد المسألة هذا إلى هذا حتى تدور المسألة فترجع إلى الأول يوجب في قولكم إنهم تركوا ما فرض الله عليهم لأن على المضطر فرضاً أن يحيي نفسه بالميتة ولا يقتلها بترك أكل الميتة ، قد ترك أصحاب رسول الله ما فرض عليهم في معنى قولكم .

ويقال لهم : أليس إنما يجب عليهم جواب المنزول به ليدفع به جهله ، وليعلم بالجواب ما حرم عليه وحل له ؟ فإذا قال : نعم ، قيل له فقد رجعت المسألة إلى أن الضرورة بغيره أوجبت الجواب عليه ، فكذلك لضرورة المضطر بغيره يجب أكل الميتة عليه ، وإلا فهما مفترقان لا يشبه الجواب في المسألة الميتة .

ويقال له : أليس إذا نزلت المسألة فسئل عنها العالِم حل له الجواب بالسؤال كما إذا نزلت به ضرورة حل له أكل الميتة بالاضطرار ؟ فإذا قالوا : بلى ، قيل : وكذلك إذا ارتفع السؤال رجع الجواب حراماً ، فإذا قالوا : نعم ، قيل : لهم لم سألتم عن جواب الماضي وملأتم منها الكتب وهي حرام عليكم وإنما حلت للعالِم بالسؤال ثم حرمت بارتفاع السؤال كما حلت للمضطرين الميتة بالاضطرار ثم حرمت بارتفاع الاضطرار .

فإن قالوا : لأن ذلك السؤال والجواب قد كان ، قيل : فكذلك الاضطرار وأكل الميتة بالاضطرار قد كان ، فما الفرق بين ذلك أن كان الجواب عندكم نظيراً للميتة ؟ فإن قيل : إنما ذلك حكاية وليس سؤالاً ولا جواباً قيل لهم فلا معنى فيما رويتم يستدل به على الفقه والعلم فيما لم ينزل . فإن قالوا : نعم ، أقاموا الحكاية مقام الجواب ولزمهم تحريم السؤال والجواب عما لم يكن وهو نقض قولهم . وإن قالوا : لا معنى أكثر من الحكاية ، قيل : فلا فرق بين حكاية ما لا يضر وما لا ينفع وبينما حكيتم من جوابات أصحاب رسول الله ، فما معنى ما روى الفقهاء والعلماء عن السابقين عن التابعين واقتدائهم بجوابات أصحاب الرسول ؟ .

ويقال لهم : أرأيتم مجوسياً أتاكم من بلده راغباً في الإسلام محباً لمحمد فقال علموني الدخول في الإسلام فعلمتموه إياه فدخل فيه ثم قال : إني راجع إلى بلدي فما علينا من الطهارة لا كون منها على علم قبل دخول وقت الصلاة ؟ وما الذي يوجب الغسل وينقض الطهور ؟ وما الصلاة وما الذي يفسدها ؟ وما حكم الزيادة فيها والنقصان منها والسهو فيها ؟ وما في عشرة دنانير ومائة درهم من الزكاة ؟ وما الصوم ؟ وما حكم الأكل فيه عامداً أو ساهياً ؟ وما على من كان منا مريضاً أو كبيراً أو ضعيفاً ؟ وهل بأس بدرهم بدرهمين ؟ وما فيه القصاص من الدماء والجراح وحكم الخطأ ؟ وهل في ذلك الرجال والنساء سواء ؟ فإني أرجع إلى بلدي وأهلي وعشيرتي ، ينتظرون بإسلامهم رجوعي فأكون ويكونون من ديننا على علم فنعمل بذلك ونتقرب إلى الله تؤجرون عليه وذلك كله عندكم واضح لا تشكون فيه ، أيجوز أن يعلموه ذلك ؟ أم يقولون لا نخبرك حتى تنزل بك نازلة فتكسرون بذلك نشاطه وتخبثون نفسه على حديث عهده بكفره وتدعونه على جهله ؟ أم تغتنمون رغبته في الإسلام ، وإسلام من ينتظره ، وتعليم الجهال ما يحسنونه من العلم . وقد روي عن النبي ﷺ : «من سئل عن علم فكتمه جيء به يوم القيامة ملجماً بلجام من نار » ؟ فإن قالوا : نعلمه ذلك قبل نزوله ، تركوا قولهم لأن بعض ذلك أصل وبعضه قياس . وإن قالوا : نعلمه بعضاً وإن لم ينزل ونترك بعضا حتى ينزل ، قيل : فما الفرق بين ذلك وكل ذلك دين ؟ فانظروا رحمكم الله على ما أحاديثكم التي جمعتموها واطلبوا العلم عند أهل الفقه تكونوا فقهاء إن شاء الله .

ذكر ما لا بد للمتجادلين من معرفته

أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، أنا إبراهيم بن محمد الجيلي ، قال : حدثني أبو ذر الخضر ابن أحمد الطبري ، قال : قال أبي أبو العباس أحمد بن أحمد المعروف بابن القاص رحمه الله : الأصول سبعة : الحس ، والعقل ، ومعرفة الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، واللغة ، والعبرة ، فلا بد للمتناظرين من معرفة جمل ذلك .

فالحواس خمس : السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس . والعقل على ضربين فغريزي ومستجلب . والكتاب والسنّة على ضربين : فمجمل ومفسر ، وطريق السنّة على ضربين : فمتواتر وآحاد . والاجماع على ضربين : فاجماع الأمة وإجماع الحجة . واللغة على ضربين : فمجاز وحقيقة . والعبرة على ضربين : فأحدهما في معنى الأصل لا يعذر عالم بجهله ، والثاني ذات وجوه وشعب .

فمن أنكر الحس أنكر نفسه ، ومن أنكر العقل أنكر صانعه ، ومن أنكر عموم القرآن أنكر حكمه ، ومن أنكر خبر الآحاد أنكر الشريعة ، ومن أنكر اجماع الأمة أنكر نبيه ، ومن أنكر اللغة سقطت محاورته لأن اللغات للمسميات سمات ، ومن أنكر العبرة أنكر أباه وأمه .

قال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب رحمه الله : قلت : أما الحس : فيدرك به العلم الواقع عن الحواس وهو علم ضروري غير مكتسب لأن دخول الشك عليه غير جائز ، واما العقل : فهو ضرب من العلوم الضرورية محله القلب ، وقيل انه نور وبصيرة منزلته من القلوب منزلة البصر من العيون ، وقيل : هو قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات ، وقيل : هو العلم الذي يمتنع به من فعل القبيح ، وقيل : هو ما حسن معه التكليف والمعنى في هذه العبارات كلها متقارب .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، أنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ح ( وأخبرنا ) أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد وأبو طاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب ، قال : انا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد الجوهري ح ( وأخبرنا ) الحسن بن أبي بكر أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن مالك الاسكافي ، قالوا : نا الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي نا داود بن المحبر ، نا غياث بن إبراهيم عن الربيع بن لوط الأنصاري عن أبيه عن جده عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : كثرت المسائل على عهد رسول الله ذات يوم فقال ﷺ : «يا أيها الناس ان لكل سبيل مطية وثيقة ، ومحجة واضحة ، وأوثق الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالحجة الواضحة أفضلهم عقلاً » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال : قال بعض الحكماء : إذا وقع في القلب نور الحكمة ، رده القلب إلى العقل فيرده العقل إلى المعرفة فتبصره المعرفة المنفعة من المضرة .

أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي ، نا عمر بن محمد بن عمر ابن الفياض ، نا أبو طلحة أحمد بن عبد الكريم الوساوسي ، نا عبد الله بن حبيق ، قال : نا يوسف بن إسباط قال : العقل سراج ما بطن ، وملاك ما علن ، وسائس الجسد ، وزينة كل أحد ، ولا تصلح الحياة إلاّ به ، ولا تدور الأمور إلا عليه .

أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : العقل كشجرة ، أصلها غريزة ، وفرعها تجربة ، وثمرتها حمد العاقبة ، والاختيار يدل على العقل كما يدل توريق الشجرة على حسنها ، وما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدها الهوى .

أخبرنا الجوهري ، أنا محمد بن عمران المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، قال : أنشدنا محمد بن القاسم بن خلاد .

العقل رأس خصاله....... والعقل يجمع كل خير

والعقل يجلب فضله....... والعقل يدفع كل ضير

وأما الكتاب والسنة فهما الأصلان اللذان يقوم الاحتجاج بهما في أحكام الشرع على ما سواهما ، ويتلوهما الإجماع وليس يعرفه إلا من عرف الاختلاف .

أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، حدثني أبي ، قال : نا محمد بن القاسم الشطوي ، نا عيسى بن عبد الله بن سليمان ، نا رواد بن الجراح عن سعيد بن بشير عن قتادة ، قال : من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على إسحاق النعالي ، حدثكم عبد الله بن إسحاق المدائني ، نا عباس بن محمد ، قال : سمعت قبيصة يقول : لا يفلح من لا يعرف إختلاف الناس .

كتب إلى عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي ، وحدثنا محمد بن يوسف القطان النيسابوري عنه ، انا أبو الميمون بن راشد البجلي ، أنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو ، قال : حدثني عبد الله بن زكوان ، نا بقية قال سمعت الأوزاعي يقول : تعلم ما لا يؤخذ به كما تتعلم ما يؤخذ به .

وأما اللغة فبابها واسع ونزل القرآن بلغة العرب لأنها أوسع اللغات وأفصحها ، وفي كتاب الله تعالى آيات مخرجها أمر ومعانيها وجوه متغايرة . فمنها تهديد ، ومنها إعجاز ، ومنها إيجاب ، ومنها إرشاد ، ومنها إطلاق ولا تدرك معرفة ذلك إلا من جهة اللغة .

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن أيوب العكبري إجازة ، أنا علي بن أحمد بن أبي غسان البصري ، نا زكريا بن يحيى الساجي ح ( وأخبرنا ) محمد بن عبد الله القرشي قراءة ، أنا عياش بن الحسن البندار ، نا محمد بن الحسين الزعفراني ، قال : أخبرني زكريا الساجي ، قال : حدثني ابن بنت الشافعي رحمه الله ، قال : سمعت أبي يقول : أقام الشافعي علم العربية وأيام الناس عشرين سنة فقلنا له في هذا فقال : ما أردت بها إلاّ الاستعانة للفقه .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن المظفر الدقاق ، أنا القاضي أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الفرضي المعروف بابن الدقاق ، قال : سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد يقول : سمعت إبراهيم الحربي يقول : من تكلم في الفقه بغير لغة تكلم بلسان قصير .

وأما العبرة التي في معنى الأصل فهي نحو قول الله تعالى : ( { ولا تقل لهما أف } ) [3] فكان ما هو أضر منه حراماً اعتباراً به وهذا ونحوه لم يتنازع الناس فيه ولا يعذر أحد بجهله .

والضرب الثاني من العبرة هو المعاني المتسعة التي تدرك بدقيق النظر وقياس بعضها على بعض وحكم الغائبات يعلم بالاستدلال بالمشاهدات قال الله تعالى : ( { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } ) [4] فأقام الله سبحانه حجته على المنكرين ربوبيته الدافعين قدرته على إحياء الأموات وبعث الأنام بما تلونا ليعتبروا أن القادر على انشاء المعدوم ونقله من حال إلى حال واعدامه بعد الوجود ومحي الأرض الهامدة قادر على احياء النفوس فقال : ( { ذلك بأن الله هو الحق وإنه يحيي الموتى وانه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور } ) [5] .

ثم عرى من العلم الدافع لما وصفنا من العبرة وضلله وأوعده فقال تعالى : ( { ومن الناس من يجادلك في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } ) [6] فيجب على من كملت فيه المعرفة بهذه الأصول التي تقدم ذكرها وأراد المناظرة أن يكون نظره في دليل لا في شبهة ، ويستوفي شروط الدليل ويرتبه على حقه فإن حجته تفلح بعون الله تعالى وتوفيقه .

ذكر الدليل ومعناه

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا معاذ بن المثنى ، قال : سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول : أصول الإيمان ثلاثة : دال ، ودليل ، ومستدل . فالدال الله عز وجل ، والدليل القرآن ، والمستدل المؤمن ، فمن طعن على الله وعلى كتابه وعلى رسوله فقد كفر .

سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي رحمه الله يقول : الدليل هو المرشد إلى المطلوب ، ولا فرق بينما يقطع به من الأحكام وبين ما لا يقطع به ، واما الدال فهو الناصب للدليل وهو الله عز وجل ، وقيل هو والدليل واحد كالعالم والعليم وإن كان أحدهما أبلغ ، والمستدل هو الطالب للدليل ويقع ذلك على السائل لأنه يطلب الدليل من المسؤول وعلى المسؤول لانه يطلب الدليل من الأصول ، والمستدل عليه هو الحكم الذي هو التحليل والتحريم ، والمستدل له يقع على الحكم لأن الدليل يطلب له ويقع على السائل لأن الدليل يطلب له ، والاستدلال هو طلب الدليل وقد يكون ذلك من السائل للمسؤول وقد يكون من المسؤول في الأصول .

قال الحافظ أبو بكر الخطيب رضي الله عنه قلت : والفقهاء يسمون أخبار الآحاد دلائل والقياس وكل ما أدى إلى غلبة الظن سموه : حجة ودليلاً . والمحققون من المتكلمين وأهل النظر يعيبونهم في ذلك ويقولون : الحجة والدليل ما أكسب المحتج والمستدل علماً بالمدلول عليه وأفضى إلى يقين فأما ما يفضى عليه بغلبة الظن فليس بدليل في الحقيقة وإنما هو إمارة .

قال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله ، قلت : وما غلط الفقهاء ولا المتكلمون . أما المتكلمون فقد حكوا الحقيقة في الدليل والحجة ، وإما الفقهاء فسموا ما كلفوا المصير إليه بأخبار الآحاد وبالقياس وغيره مما لا يكسب علماً وإنما يفضي إلى غلبة الظن دليلاً لأن الله تعالى أوجب عليهم الحكم بما أدى إليه غلبة الظن من طريق النظر فسموه حجة ودليلاً للانقياد بحكم الشرع إلى موجبه . وقد قيل : إنما سموا ما أفضى إلى غلبة الظن دليلاً وحجة في أعيان المسائل لأنه في الجملة معلوم أعني أخبار الآحاد والقياس وإنما يتعلق بغلبة الظن أعيان المسائل .

فأما الأصل فإنه متيقن مقطوع به وقد ورد القرآن بتسمية ما ليس بحجة في الحقيقة حجة قال الله تعالى : ( { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ) [7] وقال تعالى : ( { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } ) فأما الآية الأولى فإن تقديرها بعثت الرسل وأزحت العلل حتى لا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ولا تقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً فأزاح الله العلل بالرسل حتى لا يكون لهم حجة فيما ارتكبوه من المخالفة .

ويجب أن تعلم ان الله لو ابتدأ الخلق بالعذاب لم يخرج بذلك عن الحكمة ولا كانت عليه حجة وله أن يفعل ذلك لأنه قسم من أقسام التصرف في ملكه فبان أن ما يقولونه ليس بحجة إذ ليس ذلك من شرط عذابه وإنما سماه حجة لأنه يصدر من قائله مصدر الحجاج والاستدلال .

وأما الآية الأخرى فإنها نزلت في اليهود وذلك انهم قالوا لو لم يعلم محمد أن ديننا حق ما صلى إلى بيت المقدس فأنزل عز وجل : ( { لئلا يكون للناس عليكم حجة } ) يعني اليهود في قولهم هذا وإن لم يكن حجة في الحقيقة ، وليس تفرق العرب بين ما يؤدي إلى العلم أو الظن أن تسميه حجة ودليلاً وبرهاناً .

أخبرنا أبو علي الحسن بن الحسين بن العباس بن دوما النعالي ، أنا أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدارع بالنهروان ، قال : سئل ثعلب ، وأنا أسمع ، عن البرهان فقال : الحجة . قال الله تعالى : ( { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ) [8] أي حجتكم .

باب أدب الجدل

ينبغي للمحادل أن يقدم على جداله تقوى الله تعالى لقوله سبحانه : ( { فاتقوا الله ما استطعتم } ) [9] ولقوله : ( { ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ) [10] .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا الحسين بن صفوان البردعي ، نا عبد الله بن محمد ابن عبيد القرشي ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا جرير عن ليث عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب ، قال : قال معاذ بن جبل : يا رسول الله أوصيني قال ﷺ : «اتق الله حيث ما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن » .

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد الواعظ ، نا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأنباري إملاء ، قال : نا الحسن بن عرفة ، نا النضر بن إسماعيل عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال قيل له : من أفقه أهل المدينة ؟ قال : أتقاهم لربه عز وجل

أخبرنا أخبرنا علي بن محمد المعدل ، أنا الحسين بن صفوان ، نا عبد الله بن محمد بن عبيد ، نا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز عن الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن وهب بن منبه ، قال : الإيمان عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وجماله الفقه . ويخلص النية في جداله بأن يبتغي به وجه الله تعالى .

فقد أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، قال : انا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني الحافظ ، أنا إبراهيم بن عبد الله السعدي ، انا يزيد بن هارون ، انا يحيى بن سعيد ان محمد ابن إبراهيم أخبره ، انه سمع علقمة بن وقاص يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله يقول ﷺ : «إنما الأعمال بالنية وإنما لامرىء ما نوى » .

وليكن قصده في نظره إيضاح الحق وتثبيته دون المغالبة للخصم .

فقد أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي ، نا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد هو السكوني انا وكيع ، نا علي بن اشكاب ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا يوسف يقول : يا قوم أريدوا بعلمكم الله عز وجل فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى افتضح .

أخبرنا أحمد بن علي بن أيوب العكبري إجازة ، انا علي بن أحمد بن أبي غسان البصري بها ، نا زكريا بن يحيى الساجي ح ( وأخبرنا ) محمد بن عبد الملك القرشي قراءة عليه ، انا عياش بن الحسن ، قال : نا محمد بن الحسين الزعفراني ، قال : أخبرني زكريا الساجي ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت الحسين الكرابيسي يقول ، قال الشافعي رضي الله عنه : ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان وتكون عليه رعاية من الله وحفظ ، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه .

ويبني أمره على النصيحة لدين الله والذي يجادله لأنه أخوه في الدين مع أن النصيحة واجبة لجميع المسلمين .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي ، نا سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة ، سمع جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول : بايعت رسول الله على النصح لكل مسلم .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر وعلي بن أبي علي ، قالا : أنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : أخبرني أبو محمد قريب الشافعي فيما كتب إلي ، قال : سمعت الزعفراني يعني الحسن بن محمد الصباح وأبا الوليد بن أبي الجارود ، قال أحدهما : سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وهو يحلف ويقول : ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة . قال : وقال الآخر : سمعت الشافعي قال : والله ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطىء .

أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، نا عمر بن أحمد بن عثمان ، قال : سمعت عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري يقول : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطيء .

وليرغب إلى الله في توفيقه لطلب الحق فإنه تعالى يقول : ( { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } ) [11] ويستشعر في مجلسه الوقار ويستعمل الهدى وحسن السمت وطول الصمت إلا عند الحاجة إلى الكلام .

فقد أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا محمد بن أحمد أبو عبد الله القاضي البركاني ، نا نصر بن علي ، نا نوح بن قيس عن عبد الله بن عمران الحداني عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد والتؤدة جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة » .

أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس ، نا علي بن عبد الله بن المغيرة ، قال : نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : إذا تم العقل نقص الكلام ، وإن ندرت من خصمه في جداله كلمة كرهها أغضى عليها ولم يجازيه بمثلها فإن الله تعالى يقول : ( { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } ) [12] وقال تعالى : ( { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } ) [13] .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، أنا الحسين بن صفوان البرذعي ، نا عبد الله ابن محمد بن أبي الدنيا ، قال : حدثني عبد الرحمن بن صالح ، نا يونس بن بكير عن رجل من قريش عن الزهري عن سالم عن أبيه ، قال : قال رجل لعمر بن الخطاب : والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل ، فغضب عمر حتى عرف في وجهه فقال له رجل إلى جنبه : يا أمير المؤمنين ألم تسمع ان الله تعالى يقول : ( { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ) [14] فهذا من الجاهلين ، فقال عمر : صدقت صدقت . فكأنما كانت ناراً فأطفئت .

أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق ، نا محمد بن صالح بن ذريح العكبري ، نا هناد بن السري ، نا وكيع عن مبارك زاد غيره عن الحسن : ( { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } ) قال : حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا .

وينبغي أن لا يتكلم بحضرة من يشهد لخصمه بالزور أو عند من إذا وضحت لديه الحجة دفنها ولم يتمكن من إقامتها فإنه لا يقدر على نصرة الحق إلا مع الانصاف وترك التعنت والاجحاف .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أنا محمد بن مخلد العطار ، نا أحمد ابن منصور هو الرمادي قال : نا حرملة بن وهب ، قال : سمعت مالكاً يقول : ذل وإهانة للعلم إذا تكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه .

ويكون كلامه يسيراً جامعاً بليغاً فإن التحفظ من الزلل مع الاقلال دون الاكثار وفي الاكثار أيضاً ما يخفي الفائدة ، ويضيع المقصود ويورث الحاضرين الملل .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزاز وعلي بن أحمد بن عمر المقري ، قالا : أنا جعفر بن محمد ابن نصير الخلدي ، نا إبراهيم بن نصر مولى منصور بن المهدي ، قال : حدثني إبراهيم بن بشار ، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : الحزم في المجالسة أن يكون كلامك عند الأمر ، والسؤال بالمسألة في موضع الكلام على قدر الضرورة والحاجة مخافة الزلل ، فإذا أمرت فاحكم ، وإذا سئلت فأوضح ، وإذا طلبت فأحسن ، وإذا أخبرت فحقق ، واحذر الاكثار والتخليط فإن من كثر كلامه كثر سقطه .

ولا يرفع صوته في كلامه عالياً فيشق حلقه ويحمي صدره ويقطعه وذلك من دواعي الغضب ، وقد حكي ان رجلاً من بني هاشم اسمه عبد الصمد تكلم عند المأمون فرفع صوته فقال له المأمون : لا ترفع صوتك يا عبد الصمد ان الصواب في الأسد لا الأشد . ولا يخفي صوته اخفاء لا يسمعه الحاضرون فلا يفيد شيئاً بل يكون مقتصداً بين ذلك .

ويجب عليه الاصلاح من منطقه وتجنب اللحن في كلامه والافصاح عن بيانه فإن ذلك عون له في مناظرته ألا ترى إلى استعانة موسى بأخيه عليه السلام حيث يقول : ( { وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني } ) [15] وقوله عليه السلام : ( { وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } ) [16] .

أخبرنا أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، نا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري املاءًا ، أنا محمد بن يحيى الصولي ، نا محمد بن عبد الرحمن السلمي ، نا المازني ، قال : سمع أبو عمرو أبا حنيفة يتكلم في الفقه ويلحن فأعجبه كلامه واستقبح لحنه فقال : انه لخطاب لو ساعده صواب ، ثم قال لأبي حنيفة : انك أحوج إلى إصلاح لسانك من جميع الناس .

قرأت على أبي الحسين بن الفضل القطان عن أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش ، قال : نا محمد بن هارون بطبرستان ، نا أبو حاتم عن الأصمعي ، قال : ما هبت عالماً قط ما هبت مالكاً حتى لحن فذهبت هيبته من قلبي وذلك انني سمعته يقول : مطرنا مطراً وأي مطراً فقلت له في ذلك ، فقال : كيف لو قد رأيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ؟ كنا إذا قلنا له كيف أصبحت يقول : بخيراً بخيراً . وإذا مالك قد جعل لنفسه قدوة يقتدي به في اللحن . ثم رأيت محمد بن إدريس في وقت مالك وبعد مالك قرأيت رجلاً فقيهاً عالماً ، حسن المعرفة ، بين البيان ، عذب اللسان يحتج ويعرب لا يصلح إلاّ لصدر سرير أو ذروة منبر وما علمت أنني أفدته حرفاً فضلاً عن غيره فلقد استفدت منه ما لو حفظ رجل يسيره كان عالماً .

وينبغي له أن يواظب على مطالعة كتبه عند وحدته ، ورياضة نفسه في خلوته بذكر السؤال والجواب وحكاية الخطأ والصواب لئلا ينحصر في مجالس النظر إذا رمقته أبصار من حضر .

قرأت على أبي بكر النقاش ، قال : نا ابن إدريس بهراة ، نا الربيع ، قال : قلت للشافعي : من أقدر الناس على المناظرة ؟ فقال من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ ولم يتلعثم إذا رمقته العيون بالألحاظ ، ولا يكون رخي البال قصير الهمة فإن مدارك العلم صعبة لا تنال إلا بالجهد والاجتهاد ، ولا يستحقر خصمه لصغره فيسامحه في نظره بل يكون على نهج واحد في الاستيفاء والاستقصاء لأن ترك التحرز والاستظهار يؤدي إلى الضعف والانقطاع .

أخبرنا أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس الحافظ ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز :إنما يقتل الكبار الأعداء الصغار الذين لا يخافون فيتقون ولا يؤبه لهم وهم يكيدون .

( وأنبأنا ) أبو سعد الماليني ، قال : أنشدنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الادريسي ، قال : أنشدني أبو الفتح البستي :

لا يستخفن الفتى بعدوه ......أبداً وإن كان العدو ضئيلاً

ان القذى يؤذي العيون قليله....... ولربما جرح البعوض الفيلا

وينبغي أن لا يكون معجباً بكلامه مفتوناً بجداله فإن الاعجاب ضد الصواب ومنه تقع العصبية ، وهو رأس كل بلية .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقريء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، أنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، نا محمد بن بكار ، نا عبيدة يعني بن حميد عن الأعمش عن عبد الله بن مرة ، قال : قال مسروق : بحسب امرىء من العلم أن يخشى الله ، وبحسب امرىء من الجهل أن يعجب بعلمه .

أخبرني محمد بن جعفر بن علان الوراق ، نا محمد بن جعفر الدقاق ، نا محمد بن جرير الطبري حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش عن يزيد بن قوذر عن كعب ، انه قال وأتاه رجل ممن يتبع الأحاديث : اتق الله ، وارض بدون الشرف من المجلس ، ولا تؤذين أحداً ، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العجب ما زادك به إلا سفالاً ونقصاً .

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن مخلد المعدل وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، قال إبراهيم : ( وحدثنا ) ، وقال هلال : أنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش القطان ، نا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي نا حزم بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن يقول : لو كان كلام ابن آدم كله صدقاً وعمله كله حسناً يوشك أن يجن ، قالوا وكيف يجن ؟ قال يعجب بعلمه .

أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة بن أحمد بن سعيد قال قال عبد الله بن المعتز : العجب شر آفات العقل .

أخبرنا أبو سعيد الخصيب بن محمد بن علي بن قتادة المعدل بأصبهان . نا أبو بكر بن المقرىء قال أنشدنا محمد بن عبد الله الرملي لمنصور بن إسماعيل الفقيه المصري :

قلت للمعجب لما.........قال مثلي لا يراجع

يا قريب العهد بالمخرج .........لم لا تتواضع

وإذا وقع له شيء في أول كلام الخصم فلا يعجل بالحكم به فربما كان في آخره ما يبين أن الغرض بخلاف الواقع له فينبغي أن يتثبت إلى أن ينقضي الكلام . وبهذا أدّب الله تعالى نبيه في قوله تعالى : ( { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما } ) [17] ويكون نطقه بعلم وانصاته بحلم ، ولا يعجل إلى جواب ، ولا يهجم على سؤال ، ويحفظ لسانه من إطلاقه بما لا يعلم ، ومن مناظرته فيما لا يفهمه فإنه ربما أخرجه ذلك إلى الخجل والانقطاع فكانه فيه نقصه وسقوط منزلته عند من كان ينظر إليه بعين العلم والفضل ويجدره بالمعرفة والعقل ، والعرب تقول : عيي صامت خير من غبي ناطق .

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : حدثني الزبير بن بكار حدثني محمد بن سلام ، قال : كان شاب يجلس إلى الأحنف بن قيس فأعجبه ما رأى من صمته إلى أن قال له ذات يوم يا أبا بحر أيسرك انك على شرفة من شرف المسجد وإن لك مائة ألف درهم ؟ فقال له الأحنف : يا ابن أخي والله أن المائة ألف الدرهم لمحروص عليها ، ولكني قد كبرت وما أقوى على القيام على هذه الشرفة ، وقام الفتى فلما ولى قال الأحنف :

وكائن ترى من صامت لك معجب ......زيادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده .........فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن محمد بن سلمان العطار ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري ، قال : نا أبو عروبة هو الحداني ثنا سليمان بن سيف ، قال : سمعت أبا عاصم يقول : قال رجل لأبي حنيفة : متى يحرم الطعام على الصائم ؟ قال : إذا طلع الفجر . قال : فقال له السائل : فإن طلع نصف الليل ؟ قال : فقال له أبو حنيفة : قم يا أعرج .

باب في السؤال والجواب وما يتعلق بهما من الكراهة والاستحباب

أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين المحتسب ، أنا أبو القاسم سليمان بن محمد بن أبي أيوب المعدل ، نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، قال : حدثني أبي سنة ستين ومائتين ، حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، حدثني أبي جعفر ابن محمد ، حدثني أبي محمد بن علي ، حدثني أبي علي بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن علي حدثني أبي علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله ﷺ : «العلم خزائن ، ومفتاحه السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة : السائل ، والمعلم ، والمستمع ، والمحب لهم » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا علي بن محمد بن أحمد المصري ، نا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص ، نا أبي ، نا ابن وهب عن يونس ( وأنا ) ابن الفضل أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه نا يعقوب بن سفيان ، حدثني زيد بن بشر وعبد العزيز بن عمران ، قالا : أنا ابن وهب ، حدثني يونس عن ابن شهاب انه قال : إنما هذا العلم خزائن تفتحها المسألة .

أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي ، نا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الكاتب ، أنا أحمد بن عبيد الله بن عمار ، نا محمد بن عمران بن كثير الضبي ، قال : كان أبو يزيد النهشلي يقول : العلم قفل ، ومفتاحه المسألة وينبغي أن يكون كل واحد من الخصمين مقبلاً على صاحبه بوجهه في حال مناظرته مستمعاً كلامه إلى أن ينهيه فإن ذلك طريق معرفته ، والوقوف على حقيقته ، وربما كان في كلامه ما يدله على فساده ، وينبهه على عواره فيكون ذلك معونة له على جوابه .

أخبرني أبو إسحاق البرمكي ، نا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري ، نا أبو الحسين الحربي ، نا أحمد بن مسروق ، نا إبراهيم بن الجنيد ، قال : قال حكيم من الحكماء لا بنه : يا بني تعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن الكلام ، فإن حسن الاستماع إمهالك المتكلم حتى يفضي إليك بحديثه ، والاقبال بالوجه ، والنظر وترك المشاركة في حديث أنت تعرفه .

أخبرنا علي بن محمد المعدل ، أنا أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا قال ، قال : محمد بن الحسين سمعت محمد بن عبد الوهاب السكوني يقول : الصمت يجمع للرجل خصلتين : السلامة في دينه ، والفهم عن صاحبه .

أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، نا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد ، قال : قال عبد الله بن المعتز : ربما دلت الدعوى على بطلانها والتزيد فيها قبل امتحانها وكذبت نفسها بلسانها . وينبغي أن يوجز السائل في سؤاله ، ويحدد كلامه ، ويقلل ألفاظه ، ويجمع فيها معانى مسلمة فإن ذلك يدل على حسن معرفته .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري وأبو بكر أحمد بن سليمان بن علي المقري الواسطي ، قالا : أنا علي بن عمر بن محمد الختلي ، نا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي نا هشام بن عمار ، نا محيسن بن تميم الدمشقي ، نا حفص بن عمر ، نا إبراهيم بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ﷺ : «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن السؤال نصف العلم » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا يحيى بن جعفر ، أنا زيد بن الحباب ، نا مهدي بن ميمون عن يونس بن عبيد عن ميمون بن مهران ، قال : التودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن المسألة نصف العلم .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن خلف بن بخت العكبري ، نا أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن شجاع البخاري ، انا خلف بن محمد الحسام ، نا سهل بن شاذاويه ، نا عيسى بن أحمد ، نا أبو أسامة عن مسعر عن سعد بن إبراهيم ، قال : قال ابن عباس : ما سألني أحد عن مسألة إلا عرفته فقيه أوغير فقيه .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، نا أحمد بن الهيثم بن خالد نا سعيد بن داود الزبيري ، نا مالك عن زيد بن أسلم ، انه كان إذا جاءه الإنسان يسأله فخلط عليه قال : اذهب فتعلم كيف تسأل ، فإذا تعلمت فاسأل .

ويلزم المجيب أن يسد بالجواب موضع السؤال ولا يتعدى مكانه ويجعل المثل كالممثل به ، ويختصر في غير تقصير وان احتاج إلى البيان بالشرح أطال من غير هذر ولا تكدير ، ويقابل باللفظ المعنى حتى يكون غير ناقص عن تمامه ولا فاصل عن جملته .

أخبرنا علي بن محمد المعدل ، أنا أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني أبو حفص الصيرفي ، قال : نا ميمون بن يزيد عن ليث عن مجاهد ، قال : كانوا يكتفون من الكلام باليسير .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالع ، أنا أحمد بن الفضل بن خزيمة المفدى ، ثنا أبو العيناء عن الأصمعي ، قال : ذكر رجل رجلاً بليغاً فقال : ألفاظه قوالب لمعانيه .

أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، أنا ابن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد ، قال : قال عبد الله بن المعتز : إذا أعيتك الكلمة فلا تجاوزها إلى غيرها ، فإن الكلام إذا كثرت معانيه كثر تقلب اللسان والقلب فيه ، فوقفا محسورين أو بلغا مجهودين .

أخبرنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر إجازة ( وحدثني ) الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي عنه قال : أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا المبرد ، قال : قلت للأحنف : ما البلاغة ؟ فقال : صواب الكلام ، واستحكام الحجة ، والاستغناء عن الاكثار .

قرأت على ابن الفضل عن أبي بكر النقاش ، قال : نا أبو نعيم عبد الملك بن محمد القاضي ، قال : حدثني الربيع بن سليمان ، قال : قال رجل للشافعي يا أبا عبد الله ما البلاغة ؟ قال : البلاغة أن تبلغ إلى دقيق المعاني بجليل القول ، قال : فما الأطناب ؟ قال البسط ليسير المعاني في فنون الخطاب ، قال : فأيما عندك أحسن الإيجاز أم الاسهاب ؟ قال لكل من المعنيين منزلة ، فمنزلة الإيجاز عند التفهم ، ومنزلة الاسهاب عند الموعظة ، ألا ترى أن الله تعالى إذا احتج في كتابه كيف يوجز ، وإذا وعظ كيف يطنب في مثل قوله محتجا : ( { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ) [18] وإذا جاءت الموعظة جاء بأخبار الأولين ، وضرب الأمثال بالسلف الماضين .

ومن أدب العلم ألاّ يجيب الرجل عما يسأل عنه غيره .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الشروطي ، نا المعافى بن زكريا الجريري ، نا محمد ابن الحسن بن زياد النقاش ، أنا داود بن وسيم ، أنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه ، قال : قال أبو عمرو بن العلا : ليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك ، أو تسأل من لا يجيبك ، أو تحدث من لا ينصت لك .

أخبرنا أبو يعلي أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، قال : أنا إسماعيل بن سعد بن سويد المعدل ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدثني علي بن مهدي الكسروي ، حدثني أبي عن أبي سلمة بن هرمز انه قال : قال ابن المقفع : كانت الحكماء تقول : ليس للعاقل أن يجيب عما يسأل عنه غيره .

وليتق المناظر مداخل خصمه في كلامه وتقطيعه عليه واظهار التعجب منه وليمكنه من إيراد حجته فإنما يفعل ذلك المبطلون والضعفاء الذين لا يحصلون .

أخبرنا البرمكي ، نا عبد الله بن محمد بن حمدان العكبري ، نا أبو بكر بن القاسم الأنباري ، حدثني أبي ، نا أحمد بن عبيد عن الهيثم بن عدي ، قال : قالت الحكماء : ان من الأخلاق السيئة على كل حال مغالبة الرجل على كلامه والاعتراض فيه لقطع حديثه .

وإذا همّ بقول أن يقوله ثم تبين له خطأه فامسك عنه فليحدث الشكر لله على ما عصمه من التسرع إلى الخطأ وليغتبط بذلك .

فقد أخبرنا محمد بن أبي الفوارس ، أنا ابن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد ، قال : قال ابن المعتز : افرح بما لا تنطق به من الخطأ مثل فرحك بما لم تسكت عنه من الصواب .

وإن أفحش الخصم في جوابه وأحال في حجاجه فينبغي ألا يحتد عليه ليحذر من الصياح في وجهه والاستخفاف به فإن ذلك من أخلاق السفهاء ومن لا يتأدب بآداب العلماء .

أخبرنا ابن الفضل ، قال : أنا دعلج بن أحمد ، أنا أحمد بن علي الابار ، أنا أحمد بن سعد الرباطي ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا الحسن بن دينار عن محمد بن سيرين بن شريح ، قال : الحدة كنية الجهل .

أخبرنا أبو الحسين بن بشران عن الحسين بن صفوان البرذعي ، قال : نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثني هارون بن أبي يحيى عن رجل من قريش ، قال : قال بعض الأنصار : رأس الحمق الحدة ، ورائده الغضب ، ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم ، الحلم زين ومنفعة ، والجهل شين ومضرة ، والسكوت عن جواب الأحمق جوابه .

( وقال ) ابن أبي الدنيا ، حدثنا خالد بن خداش ، نا حماد بن زيد عن زهير أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي قال ﷺ : «ألا ان الغضب جمرة في قلب ابن آدم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض .

أخبرنا ابن أبي الفوارس ، نا ابن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد قال : قال عبد الله بن المعتز : شدة الغضب تعثر المنطق ، وتقطع مادة الحجة وتفرق الهم . وقال أيضاً : لا يمكن أن لا تغضب لكن لا ينتهي غضبك إلى الاثم ، واعف إذا لم يكن ترك الانتقام عجزاً .

وليعود لسانه من الكلام أحسنه ، ومن الخطاب ألينه .

فقد أخبرنا ابن بشران ، أنا الحسين بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا خلف بن هشام ، نا بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر عن أبي عون الأنصاري ، قال : ما تكلم الناس بكلمة صعبة الا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها .

أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، قال : حدثني أبي ، نا عبد الله بن سليمان ، نا إسحاق بن إبراهيم عن القحذمي ، قال : قيل لخالد بن صفوان : ما أبر كلامك ، قال : انه يقوم علي برخص ، قال : فنادى غلامه ، فقيل : انه مشغول ، فقال : شغله الله بخير ثم نادى جاريته ، فقيل : انها نائمة ، فقال : أنام الله عينها ، فضحكت فقال : مم تضحك ، أضحك الله سنك .

وليعمد إلى المقصود من كلام خصمه ولا يتعلق بما يجري في عرضه مما لا يعتمده فإن المعول على المقصود والظهور على الخصم بابطال ما قصده وعول عليه واعتمده ، ولا يتكلم على ما لم يقع له علمه من كلامه فإن الجواب لا يصح عما لم يفهمه ولم يتصور مراد خصمه منه .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحناي وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله ابن محمد الحربي ، قالا : أنا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا هلال بن العلا ، نا ابن نفيل ، قال النجاد : وحدثنا جعفر بن محمد البالسي ، نا النفيلي ( وأخبرنا ) عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، قال : حدثني أبي نا أحمد بن عيسى بن السكين ، نا هاشم بن القاسم ، قالا : نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عجلان ، قال : قال لقمان لابنه : يا بني كن سريعاً تفهم ، بطيئاً تكلم ، ومن قبل أن تتكلم تفهم .

ولم يذكر الواعظ محمد بن إسحاق في إسناده .

حدثنا أبو طالب يحيى بن علي بن الطيب العجلي الدسكري لفظاً بحلوان ، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقري بأصبهان ، نا حسن بن علي الفراء المصري ، نا الحارث بن مسكين ، أنا ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : لا خير في جواب قبل فهم .

وليتجنب التقعير في الكلام والوحشي من الألفاظ فإنه مناف للبلاغة بعيد من الحلاوة .

قرأت على أبي الحسين بن الفضل القطان عن أبي بكر محمد بن الحسين بن زياد المقري النقاش ، قال : نا أبو نعيم عبد الملك بن محمد ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : أحسن الاحتجاج ما أشرقت معانيه ، وأحكمت مبانيه ، وابتهجت قلوب له سامعيه . وما أحسن ما وصف به بعض العرب الشافعي في نظره : فقال فيما أخبرنا ابن الفضل عن النقاش ، قال : نا الحسين بن إدريس بهراة ، نا الربيع ، قال : كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا إعرابي فسلم ، ثم قال لنا : أين قمر هذه الحلقة وشمسها ! ؟ فقلنا توفي رحمه الله فبكى بكاءاً شديداً ، وقال : توفي رحمه الله وغفر له ، فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة ، ويبدي على خصمه واضح المحجة ، ويغسل من العار وجوهاً مسودة ، ويوسع بالرأي أبواباً منسدة ، ثم انصرف .

آخر الجزء السابع

يتلوه إن شاء الله في الذي يليه ، وهو الثامن : باب تقسيم الأسئلة والأجوبة والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه أجمعين وسلم .

======

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الثامن

باب تقسيم الأسئلة والجوابات ووصف وجوه المطاعن والمعارضات

السؤال على أربعة أضرب ، يقابل كل ضرب منها ضرب من الجواب من جهة المسؤول ، فأولها : السؤال عن المذهب بأن يقول السائل : ما تقول في كذا ؟ فيقابله جواب من جهة المسؤول فيقول : كذا . والثاني : السؤال عن الدليل بأن يقول السائل : ما دليلك عليه ؟ فيقول المسؤول : كذا . والثالث : السؤال عن وجه الدليل فيبينه المسؤول والرابع : السؤال على سبيل الاعتراض عليه والطعن فيه فيجيب المسؤول عنه ويبين بطلان إعتراضه وصحة ما ذكره من وجه دليله .

فإذا سأل سائل عن حكم مطلق ، نظر المسؤول فيما سأله عنه ، فإن كان مذهبه موافقاً لما سأله عنه من غير تفصيل أطلق الجواب عنه ، وإن كان عنده فيه تفصيل كان الخيار بين أن يفصله في جوابه وبين أن يقول للسائل هذا مختلف عندي فمنه كذا ومنه كذا فعن أيهما تسأل ؟ فإذا ذكر أحدهما أجاب عنه ، وان أطلق الجواب عنه كان مخطئاً .

مثال ذلك أن يسأله سائل عن جلد الميتة هل يطهر بالدباغ ؟ وعند المسؤول ان جلد الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما لا يطهر بالدباغ ويطهر ما عدا ذلك ، فيقول للسائل هذا التفصيل ، وان شاء قال : منه ما يطهر بالدباغ ومنه ما لا يطهر فعن أيهما تسأل ؟ فأما إذا أطلق الجواب وقال يطهر بالدباغ فإنه يكون مخطئاً . وقد جرى لأبي يوسف القاضي مع أبي حنيفة نحو من هذه المسألة .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقري ، حدثنا مكرم بن أحمد ، نا أحمد بن محمد يعني الحماني نا الفضل بن غانم قال : كان أبو يوسف مريضاً شديد المرض فعاده أبو حنيفة مراراً فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلاً فاسترجع ثم قال : لقد كنت أوأمّلك بعدي للمسلمين ، ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير ، ثم رزق العافية وخرج من العلة فأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه فارتفعت نفسه وانصرفت وجوه الناس إليه فعقد لنفسه مجلساً في الفقه وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة ، فسأل عنه فأخبر انه قد عقد لنفسه مجلساً وانه بلغه كلامك فيه ، فدعى رجلاً كان له عنده قدر فقال : صر إلى مجلس يعقوب فقل له : ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوباً ليقصره بدرهم ، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب ، فقال له القصار : مالك عندي شيء وأنكره ، ثم ان رب الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب مقصوراً ، أله أجرة ؟ فإن قال : له أجرة فقل : أخطأت ، وإن قال : لا أجرة له فقل : أخطأت ، فصار إليه فسأله ، فقال أبو يوسف : فله الأجرة ، فقال : أخطأت ، فنظر ساعة ثم قال : لا أجرة له فقال : أخطأت . فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة ، فقال له : ما جاء بك إلا مسألة القصار ؟ قال أجل ، قال : سبحان الله من قعد يفتي الناس وعقد مجلساً يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإيجارات ، فقال : يا أبا حنيفة علمني ، فقال : ان كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة لانه قصره لنفسه وان كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة لانه قصره لصاحبه ثم قال : من ظن انه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه .

فصل

وإذا صح الجواب من جهة المسؤول قال له السائل : ما الدليل عليه وهو السؤال الثاني فإذا ذكر المسؤول الدليل فإن كان السائل يعتقد ان ما ذكره ليس بدليل ، مثل أن يكون قد احتج بالقياس والسائل ظاهري لا يقول بالقياس ، فقال للمسؤول : هذا ليس بدليل ، فإن المسؤول يقول له : هذا دليل عندي وأنت بالخيار بين أن تسلمه وبين أن تنقل الكلام إليه فأدل على صحته . فإن قال السائل : لا أسلم لك ما أحتججت به ولا أنقل الكلام إلى الأصل ، كان متعنتاً مطالباً للمسؤول بما لا يجب عليه ، وإنما كان كذلك لأن المسؤول لا يلزمه أن يثبت مذهبه إلا بما هو دليل عنده ، ومن نازعه في دليله دل على صحته وقام بنصرته ، فإذا فعل ذلك فقد قام بما يجب عليه فيه ، وان عدل إلى دليل غيره لم يكن منقطعاً لأن ذلك لعجز السائل عن الاعتراض على ما احتج به وقصوره عن القدح فيه ، ولأن المسؤول لا تلزمه معرفة مذهب السائل لانه لا تضره مخالفته ولا تنفعه موافقته ، وإنما المعول على الدليل وهذا لا اشكال فيه .

وأما السائل إذا عارضه ما هو دليل عنده وليس بدليل عند المسؤول مثل أن يعارض خبره المسند بخبر مرسل ، أو خبره المعروف بخبر المجهول ، وما أشبه ذلك وقال للمسؤول : اما أن تسلم ذلك لي فيكون معارضاً لما رويته ، واما أن تنقل الكلام إلى مسألة المرسل والمجهول ، فهذا ليس للسائل أن يقوله له . ويخالف المسؤول فيه لأن السائل تابع للمسؤول فيما يورده المسؤول ويحتج به .

وإنما كان كذلك لأنه لما سأله عن دليله الذي دله على صحة مذهبه ، والطريق الذي أداه إلى اعتقاده لزمه أن ينظر معه فيما يورده ، فإن كان فاسداً بَيَّن فساده ، وإن لم يكن فاسداً صار إليه وسلمه له . ولهذا المعنى جاز للمسؤول أن يفرض المسألة حيث اختارها وكان السائل تابعاً له فيه ولم يجز للسائل أن ينقله إلى جهة أخرى ويفرض الكلام فيها .

ويكفي المسؤول إذا عارضه السائل بما ليس بدليل عنده مثل ما ذكرناه من التمثيل في الخبر المرسل وخبر المجهول ، أن يرده بأن يقول هذا لا يصح على أصلي .

ثم هو بالخيار بين أن يبين للسائل من أي وجه لا يصح على أصله وبين أن يرده بمجرد مذهبه . وقد ورد القرآن بذلك قال الله تبارك وتعالى : ( { سبحانه أن يكون له ولد } ) [1] وقال : ( { لم يلد ولم يولد } ) [2] ولم يذكر في الموضعين تعليلا وقال : ( { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله إذاً لذهب كل إله بما خلق } ) [3] فبين العلة في سقوط قول من قال ان له ولداً وأن له شريكاً .

فصل

واما السؤال الثالث وهو السؤال عن وجه الدليل وكيفيته فإنه ينظر فيه فإن كان الدليل الذي استدل به غامضاً يحتاج إلى بيان وجب السؤال عنه ، وان تجاوزه إلى غيره كان مخطئاً لانه لا يجوز تسليمه إلا بعد أن ينكشف وجه الدليل منه من جهة المسؤول على ما سأله عنه ، وإن كان الدليل ظاهراً جلياً لم يجز هذا السؤال وكان السائل عنه متعنتاً أو جاهلاً .

مثال ذلك أن يسأل سائل عن جلد الكلب أو جلد ما لا يؤكل لحمه هل يطهر بالدباغ ؟ فيقول المسؤول يطهر لقول النبي ﷺ : «ايما اهاب دبغ فقد طهر » فيقول السائل ما وجه الدليل . منه ؟ فيكون مخطئاً في هذا القول لظهور ما سأله عن بيانه ووضوحه ، وإذا قصد بيانه لم يزد على لفظه .

أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمى ( أخبرنا ) أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني أخبرنا ابن دريد ، قال : حدثني أبو حاتم عن أبي زيد ، قال : كان كيسان ثقة وجاءه صبي يقرأ عليه شعراً حتى مرّ ببيت فيه ذكر العيس ، فقال له ما العيس ؟ قال : الابل البيض التي تخلط بياضها حمرة . قال : وما الابل ؟ قال : الجمال ، قال وما الجمال ؟ فقام على أربعة ورغا في المسجد .

فصل

واما السؤال الرابع وهو السؤال على سبيل الاعتراض والقدح في الدليل فإن ذلك يختلف على حسب اختلاف الدليل . فإن كان دليلهم من القرآن كان الاعتراض عليهم من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينازعه في كونه محكماً ويدعي أنه منسوخ ، مثاله أن يحتج الشافعي بقول الله تعالى : ( { فاما منا بعد واما فداء } ) [4] فيدعي خصمه انه منسوخ بقوله تعالى : ( { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ) [5] ، فيقول المسؤول : إذا أمكن الجمع بينهما لم يجز حمله على النسخ .

والثاني : أن ينازعه في مقتضى لفظه . مثال ذلك أن يحتج الشافعي على وجوب الايتاء من مال الكتابة بقوله تعالى : ( { وآتوهم من مال الله الذي أتاكم } ) [6] فيقول المخالف انه إيتاء من مال الزكاة دون مال الكتابة ، فيقول المسؤول : هو خطاب للسادات لانه قال : ( { فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ) [7] فلا يصلح لإيتاء الزكاة .

والثالث : أن يعارضه بغيره فيحتاج أن يجيب عنه بما يدل على انه لا يعارضه ، أو يرجح دليله على ما عارضه به . مثال ذلك أن يحتج على تحريم الجمع بين الأختين بملك

اليمين بقوله تعالى : ( { وان تجمعوا بين الأختين } ) [8] فيعارضه بقوله تعالى : ( { أو ما ملكت إيمانكم } ) [9] أو يعارضه بالسنة ويكون جواب المسؤول ما ذكرناه .

وإن كان دليله من السنّة فالاعتراض عليه من خمسة أوجه : أحدها : أن يطالبه بإسناد حديثه ، والثاني : أن يقدح في إسناده ، والثالث : أن يعترض على متنه ، والرابع : أن يدعي نسخه ، والخامس : أن يعارضه بخبر غيره .

فاما المطالبة بإسناده فهي صحيحة لانه لا حجة فيه إذا لم يثبت إسناده وقد جرت عادة المتأخرين من أهل العلم بترك المطالبة بالإسناد وهذا لا بأس به في الألفاظ المشهورة والأحاديث المحفوظة المتداولة بين الفقهاء ، فاما الغريب الشاذ فإنه تجب المطالبة بإسناده ، فإن قال المخالف : هذا الحديث ذكره محمد بن الحسن في الأصول أو رواه أبو يوسف في الأمالي ، لم يكن فيه حجة لأن أهل العراق يرون المراسيل والبلاغات ويحتجون بها ولا حجة فيها عندنا .

واما الاعتراض الثاني وهو القدح في الإسناد فمن وجوه : منها أن يكون الراوي غير عدل ، ومنها أن يكون مجهولاً ، ومنها أن يكون الحديث مرسلاً .

فأما الجواب عن عدم العدالة ، مثل أن يقول في الراوي ليس بثقة فهو أن السبب الموجب لذلك يجب أن يفسر فربما لم يكن إذا فسر يوجب إسقاط العدالة . والجواب عمن قال راوي خبرك مجهول هو أن من روى عنه رجلان عدلان خرج بذلك عن حد الجهالة على شرط أصحاب الحديث فيبين انه روى عنه رجلان عدلان . والجواب من قال الحديث مرسل بأن يبين اتصاله عن وجه يصح الاحتجاج به .

وأما الاعتراض الثالث وهو على المتن فمن وجوه : أحدها : أن يكون المتن جواباً عن سؤال والسؤال مستقل بنفسه فيدعي المخالف قصره على السؤال . والجواب عن ذلك أن الاعتبار بجواب النبي دون سؤال السائل وقد بينا هذا في موضعه ، ومن ذلك أن يكون الجواب غير مستقل بنفسه ويكون مقصوراً على السؤال ويكون السؤال عن فعل خاص يحتمل موضع الخلاف وغيره فيلزم السائل المسؤول التوقف فيه حتى يقوم الدليل على المراد به . مثال ذلك أن يحتج شافعي في وجوب الكفارة على قاتل العمد : بما أخبرنا أبو الفرج عبد السلام بن عبد الوهاب القرشي ، أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا أبو مسهر ، حدثنا يحيى بن حمزة ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال حدثني الغريف بن عياش عن فيروز الديلمي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله في غزاة تبوك فجاء ناس من بني سليم ، فقالوا يا رسول الله : ان صاحبا لنا قد أوجب فقال ﷺ : «اعتقوا عنه رقبة يفك الله بكل عضو منها عضواً من النار » .

( وأخبرنا ) القاضي أبو عمر الهاشمي ، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود ، نا عيسى بن محمد الرملي ، نا ضمرة عن ابن أبي عبلة عن الغريف عن الديلمي ، قال : أتينا واثلة بن الأسقع ، قال : أتينا رسول الله في صاحب لنا أوجب النار بالقتل فذكر بقية الحديث .

فيقول المخالف يحتمل هذا القتل بالمثقل وشبه العمد فوجب التوقف فيه حتى يرد البيان ، ويكون الجواب عنه أن النبي أطلق الجواب ولم يستفصل فوجب أن يكون القتل الموجب للنار موجباً للرقبة على أي صفة كان .

ومن ذلك الحديث الذي أخبرناه القاضي أبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي ، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه ، نا محمد بن غالب ، نا أبو حذيفة ، أخبرنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ، قال : أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة .

إذا احتج به الشافعي على إيتار الإقامة فقال المخالف ليس فيه ذكر الآمر من هو ، ويحتمل أن يكون أمر به بعض أمراء بني أمية . فالجواب ان هذا خطأ ، لأنه لا يجوز أن يأمر بعض الأمراء بتغيير إقامة فعلها بلال بأمر النبي زماناً طويلاً وبين يدي أبي بكر وعمر ، على أن بلالاً لم يعش إلى ولاية بني أمية وإنما مات في خلافة عمر ، ولو أمر بلالاً آمر بتغيير الإقامة لم يقبل أمره ولو قبله بلال لم يرض بذلك سائر الصحابة .

وقد أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأنا على عمر بن نوح البجلي ، حدثكم الفريابي ، نا إبراهيم بن حجاج السامي ، نا وهب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ، قال : لما كثر الناس ذكروا شيئاً يعلمون به وقت الصلاة فقالوا : توروا ناراً أو تضربوا ناقوساً ، قال : فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة .

أورد البخاري محمد بن إسماعيل هذا الحديث في كتابه الصحيح . وذكر هذا السبب يدل على أن الآمر هو النبي إذ كان ذلك في صدر الإسلام .

وقد روي بلفظ صريح أن النبي أمر بلالاً أن يوتر الإقامة : أخبرنيه عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ، نا علي بن عمر الختلي ، نا أبو حمزة أحمد بن عبد الله بن عمران المروذي ، نا أحمد بن سيار ، أخبرنا عبد الله بن عثمان عن خارجة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ، أن النبي أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة .

وأما الاعتراض الرابع وهو دعوى النسخ فمثاله ، ما أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي ، أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، نا عبد الله بن محمد وهو البغوي نا محمد بن زياد بن فروة ، نا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال : خرجنا وفداً إلى النبي حتى قدمنا عليه فبايعناه وصلينا معه ، فجاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ، ما ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة ؟ فقال : «وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك » فقال أصحاب الشافعي هذا الحديث منسوخ بحديث أبي هريرة .

أخبرني أبو بكر محمد بن الفرج بن علي البزاز ، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر الخرقي ، نا أحمد بن الحسن بن الجعد ، نا يعقوب بن حميد ، نا عبد الله بن نافع عن يزيد بن عبد الملك عن أبي موسى الخياط عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، أن النبي : قال ﷺ : «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ » .

قال الشافعي : راوي هذا الحديث متأخر وهو أبو هريرة فإنه صحب رسول الله ثلاث سنين وقول النبي : «هل هو إلا بضعة منك » متقدم فإن قيس بن طلق روى عن أبيه ، قال : قدمت على رسول الله وهو يؤسس مسجد المدينة . فوجب أن ينسخ المتقدم بالمتأخر .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : وفي هذا القول عندي نظر لأن أبا هريرة يجوز أن يكون سمع الحديث الذي رواه من صحابي قديم الصحبة وأرسله عن النبي فيكون حديثه وحديث طلق متعارضين ليس أحدهما بناسخ للآخر فيحتاج إلى استعمال الترجيح فيهما والله أعلم .

وأما الاعتراض الخامس وهو معارضة الخبر بخبر غيره ، فيكون الجواب عنه بأن يسقط المسؤول معارضة السائل ، أو يرجح خبره . وقد ذكرنا ما ترجح به الأخبار في كتاب الكفاية .

فصل

وإن كان دليله الاجماع فإن الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه : أحدها أن يطالب بظهور القول لكل مجتهد من الصحابة . مثال ذلك : ما أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، نا أبو عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا الأنصاري عن إسرائيل عن إبراهيم ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة ، أن بلالاً قال لعمر : ان عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج . فقال : لا تأخذوها منهم ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم الثمن .

فاحتج أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على أن الخمر مال في حق أهل الذمة يصح بيعهم لها وتملكهم لثمنها ، فطالبهم أصحاب الشافعي بظهور هذا القول من عمر وانتشاره حتى عرفه كل مجتهد من الصحابة وسكت عن مخالفته ، وإذا لم يتمكنوا من ذلك بطل دعوى الإجماع فيه .

والاعتراض الثاني أن يبين ظهور خلاف بعض الصحابة وذلك مثل :

ما أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، نا سعيد بن يحيى الأموي ، نا أبي ، نا ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة ، قال : سألت عبد الله بن الزبير عن الرجل يطلق امرأته فيبتها ثم يموت في عدتها ؟ فقال ابن الزبير : طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته تماضر بنت الاصبغ الكلبي ثم مات وهي في عدتها فورّثها عثمان .

فاحتج أصحاب أبي حنيفة بأن الصحابة أجمعت على توريث تماضر وهي مبتوتة في المرض ، فقال أصحاب الشافعي : قد خالف عبد الله بن الزبير عثمان بن عفان فروى الشافعي عن ابن أبي رواد ومسلم ابن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير ، انه قال : طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته تماضر في مرض موته ومات وهي في العدة فورّثها عثمان ، قال ابن الزبير : وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة .

قال الشيخ الإمام أبو بكر صان الله قدره : وحديث الشافعي هذا قد ذكرناه بإسناده في كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ، قال ابن الزبير : واما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة .

والاعتراض الثالث أن يعترض على قول المجمعين إن لم يكونوا صرحوا بالحكم بمثل ما يعترض على لفظ السنّة .

فصل

وإن كان دليله الذي احتج به هو القياس فإن الاعتراض عليه من وجوه : أحدها : أن يكون مخالفاً لنص القرآن ، أو نص السنّة ، أو الإجماع ، وإذا كان كذلك فإنه قياس غير صحيح لأن ما ذكرناه أقوى من القياس وأولى منه فوجب تقديمها عليه .

ومنها : أن تكون العلة منضوية لما لا يثبت بالقياس كأقل الحيض وأكثره فيدل ذلك على فسادها .

ومنها : إنكار العلة في الأصل وفي الفرع ، مثل قول أصحاب أبي حنيفة : إذا لم يصم المتمتع في الحج سقط الصوم ، لأنه بدل موقت فوجب أن يسقط بفوات وقته ، أصل ذلك صلاة الجمعة وعلة الأصل غير مسلمة لأن الجمعة ليست ببدل عن الظهر ، وإنما الظهر بدل عن الجمعة ، وكذلك علة الفرع غير مسلمة لأن صوم الثلاثة الأيام في الحج بدل غير موقت لأنه مأمور في الحج دون الزمان ، والموقت ما خص فعله بوقت يعينه .

ومنها : أن يعارض النطق بالنطق مثل أن يحتج عى المنع من الجمع بين الأختين بملك اليمين بقول الله تعالى : ( { وإن تجمعوا بين الأختين } ) [10] فيعارضه المخالف بقوله تعالى : ( { أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ) [11]

فيقول المسؤول ؛ معناه أو ما ملكت إيمانهم في غير الجمع بين الأختين ، فيقول السائل : معنى قوله : ( { وأن تجمعوا بين الأختين } ) في غير ملك اليمين فيحتاج المسؤول إلى ترجيح استعماله وتقديمه على استعمال خصمه ، فإن عجز عن ذلك كان منقطعاً . ووجه الترجيح أن يقول : روي عن علي بن أبي طالب انه قال : حرمتهما آية وأحلتهما آية والتحريم أولى : ولأن قوله : ( { وأن تجمعوا بين الأختين } ) قصد به بيان التحريم وليس كذلك قوله تعالى : ( { أو ما ملكت إيمانهم } ) فإنه قصد به مدح قوم فكان ما قصد به التحريم ، وبيان الحكم أولى بالتقديم ويجب حمله على ظاهره وترتب الآية الأخرى عليه .

وللاعتراضات على القياس وجوه كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكرناه .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر وعلي بن أبي علي ، قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي يقول : قال ربيعة يعني ابن أبي عبد الرحمن من أفطر يوماً من شهر رمضان قضى اثني عشر يوماً لأن الله سبحانه وتعالى اختار شهر رمضان من اثني عشر شهراً ، قال الشافعي : يقال له قال الله تعالى : ( { ليلة القدر خير من ألف شهر } ) [12] فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه أن يصلي ألف شهر على قياس قوله . وهذه فصول منثورة لها أمثلة في القرآن يحتاج إلى معرفتها أهل النظر .

فصل

يجوز للسائل أن يسأل الخصم فيقول : له ما تقول في كذا ؟ ويفوض الجواب إليه وان كان عالماً بجوابه . قال الله تعالى مخبراً عن إبراهيم عليه السلام : ( { إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون قالوا نعبد أصناماً } ) [13] وذلك معلوم له من جوابهم وهذا يسمى سؤال التفويض ، ولو سأل سؤال حجة فقال لم عبدتم الأصنام ؟ أو لم قلتم انها تعبد ؟ لعلمه بقولهم انه كذلك جاز ، قال الله تعالى : ( { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ) [14] .

فصل

إذا ذكر المجادل جواب أقسام قسمها أو لزم أسئلة سئلها فليس عليه أن يرتب جوابه بل يجوز أن يذكر جواب سؤال متقدم أو متأخر ويأتي بالآخر من غير ترتيب قال الله تعالى : ( { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } ) [15] فقسم الوجوه قسمين بدأ منها بذكر المبيضة وجوههم ثم ذكر أولاً حكم القسم الثاني فقال : ( { فأما الذين اسودت وجوههم } ) [16] .

فصل

التقسيم على ضربين كلاهما جائز أحدهما : أن يقسم المقسم حال الشيء فيذكر جميع أقسامه ثم يرجع فيذكر حكم كل قسم كما فعلنا في تقسيم الأسئلة والجوابات ووصف وجوه المطاعن والمعارضات . والضرب الثاني : أن يذكر قسماً ثم يذكر حكمة ثم يذكر القسم الآخر ثم يذكر حكمه . وقد ورد القرآن بالجميع قال الله تعالى : ( { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } ) [17] ففرغ من ذكر القسمين ثم رجع فذكر حكم كل واحد منهما ، وقال في القارعة : ( { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } ) [18] فذكر القسم وحكمه ثم ذكر القسم الآخر وحكمه فقال : ( { وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } ) [19] .

فصل

قد يعبر السائل عن المسألة بالاسم الذي تعرف به المسألة ولا يكون ذلك تسليماً منه للاسم فيها .

سأل حنفياً فقال : لم قلت أن الطهارة بغير نية تصح ؟ فليس للحنفي أن يقول قد سلمت لي انها طهارة في لفظ سؤالك ، ومسألتك عن بطلانها بفقد النية دعوى ، فقد سقط عني إقامة الحجة في كونها طهارة ، فإن قال ذلك فللسائل أن يقول : انا لم أسلم انها طهارة ولكن تقدير سؤالي : هذه التي تقول أنت انها طهارة لم زعمت انها تصح بغير نية ؟ فلا تؤاخذني بلفظ انا مفتقر إليه في تعريفك المسألة . وبهذه العبارة تتعين ، وقد ورد القرآن بذلك قال الله تعالى مخبراً عن فرعون انه قال : ( { ان رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } ) [20] فلم يقل له موسى قد اعترفت بأني رسول إليهم وادعيت إني مجنون فلا يقبل ذلك منك وقد سقط عني قيام الدلالة على رسالتي بتسميتك إني رسول إليهم وتقديره أن الذي يقول إني أرسلت إليكم .

فصل

يجوز لمن طولب بمقدمة في كلامه أن يشترط على من طالبه بها الالتزام لما تقتضيه المقدمة والعمل بحكمها والوفاء بمقتضاها . قال الله تعالى : ( { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ) [21] إلى أن قال : ( { قال الله إني منزلها عليكم } ) [22] الآية ، أي وقد وعدتم إني إذا أنزلتها اطمأنت قلوبكم وعلمت إنكم قد صدقتم وتكونوا عليها من الشاهدين فاعلموا إني إذا أنزلتها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين .

فصل

يجوز للمتكلم تقديم علة الحكم ثم يعقب ذلك بالحكم ، ويجوز أن يقدم الحكم ثم يذكر علته قال الله تعالى : ( { يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } ) [23] فقدم لعلة قبل الفتوى بحكم ما سئل عنه ، وقدم الحكم في موضع آخر فقال : ( { فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة } ) [24] ثم علل فقال : ( { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } ) [25] .

فصل

يجوز للمتكلم إذا عين في نوبة من كلامه شيئاً ثم أعاد النوبة أن يعيد ما كان عينه بلفظ مبهم قال الله تعالى : ( { ألا عجوزاً في الغابرين } ) [26] ولم يعين من هي العجوز وذلك بعدما عينها في قوله : ( { انا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين } ) [27] .

فصل

يجوز للمتكلم إذا عادت نوبته في النظر واقتضى الكلام إعادة مثل ما تقدم أن يقول لخصمه ؛ هذا قد تكلمت به أولا وقد تقدم جوابي عنه فأغنى عن إعادته طلباً للتخفيف . وقال الله تعالى : ( { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } ) [28] ولم يعده إكتفاءاً بما تقدم .

فصل

كثيراً يجري من المناظر في حال الكلام واشتداد الخاطر إذا وثق بما يقول أن يحلف عليه فيقول : والله انه لصحيح ، فيقول له الخصم : ليس في يدك حجة وهذا شيء لا يجيء بالأَيْمان وخصمك أيضاً يحلف على ضد ما تقول ؟ فجوابه أن يقول : ما حلفت ليلزمك يميني حجة ، ولا أردت ذلك ولكن أردت أن أعلمك ثقتي بما أقوله ، وسكون نفسي إليه ، وتصوري له على حد التصديق وليس ذلك بمنكر .

قال الله تعالى : ( { فورب السماء والأرض انه لحق } ) [29] وقال : ( { فوربك لنسألنهم أجمعين } ) [30] ولا يجوز أن يقال هذا القسم من الله لا فائدة فيه ، لأن اليمين في ذلك وإن كان لا يخصم به الملحد فإنها تضعف نفسه وتقوي نفس الموافق .

وقد جاء مثله عن علي بن أبي طالب فيما أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ، نا أبو عبد الله محمد بن يحيى هو الذهلي نا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش ، قال : سمعت عليّاً يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الأمي إلي انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .

فصل

قد يشبِّه الخصم لخصمه الحق عنده بما هو حق عنده أيضاً فيقول هذا عندي مثل أن الشمس طالعة أو هذا واجب كوجوب الصلوات الخمس قال الله تعالى : ( { فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما انكم تنطقون } ) [31] وليس هذا مثال حجاج ، وإنما هو مثال تشبيه أي ان حكم هذا عندي في الوضوح والصحة حكم ما تشاهدون من نطقكم .

فصل

قد يمثل الخصم لخصمه قوله بقول باطل عنده ليعلم خصمه بطلان قوله كبطلان ما مثله به قال الله تعالى : ( { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } ) [32] وتقديره إنكم في أياسكم من الآخرة كما يئس الكفار من الموتى وهما في البطلان سواء .

فصل

إذا اعترض أحد الخصمين على الآخر بشيء يخالف أصله فله أن يرده بأصله ، وله أن يرده بمعنى نظري أو فقهي قال الله تعالى : ( { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } ) [33] فأخبر الله تعالى بقول السفهاء وهم سفهاء قريش ، وقيل : اليهود وإنهم سألوا عن علة ذلك فأجابهم بما بنى عليه أفعاله من كونه مالكاً غير مُمَلَّكٍ أو غير مأمور لا يدخل تحت رسم وحدٍّ ، ولا يسأل عما يفعل لأنه إنما يسأل عن فعله من هو تحت حد أو رسم ، فكأنه تعالى قال : إذا كنت مالك الشرق والغرب أتصرف في ملكي فما موضع المسألة : لم نقلت عبيدي ، وهذا هو الجواب النظري رده بأصله وموجب قاعدة أمره ، فسقط السؤال ولم يلزمه أن يبين لم فعل ذلك . ثم لما ثبت ذلك أجاب بجواب فقهي عن المسألة فقال : وقل لهم أيضاً : ( { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } ) [34] يقول الله تعالى ، إنما أمرتك أن تصلي إلى بيت المقدس ، ليصلوا معك على ما ألفوه من الصلاة إلى بيت المقدس ثم نقلتك إلى الكعبة لتعلم أنت وتخبر من صلى معك إلى بيت المقدس تبعاً لك وطاعة لأمرك وقبولاً منك فإنه ينتقل معك لما التزمه من الطاعة . ومن صلى إلى بيت المقدس لكونه شريعة له لا لطاعتك ، فإنه لا يتحول معك بل يقيم على الصلاة إلى بيت المقدس فتعلم أنت انه منقلب على عقبيه وينكشف لك انه لم يكن مطيعاً لك ولا تابعاً . فبين علة الجواب وعلة التحويل .

ثم أجاب بجواب آخر وهو انه ذكر جواز النسخ في القبلة وغيرها فقال : ( { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } ) [35] يقول وإن كان انتقالهم من المنسوخ إلى الناسخ ثقيلاً عليهم شاقاً في ترك المألوف المعتاد الذي قد نشأوا عليه إلى ما لم يألفوه .

وهذا أحد العلل في جواز النسخ على من أنكره ، فهذه أجوبة سؤالهم وقد بينا موضعها من النظر . وأفضل النظار وأقدرهم من أجاب عن السؤال بجواب نظري يحرس به قوانين النظر وقواعده ، ثم يجيب بجواب يبين فيه فقه المسألة .

فصل

القلب على الخصم والمعارضة والنقض كل ذلك صحيح في النظر . قال الله سبحانه وتعالى حاكياً عن قول المنافقين : ( { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } ) [36] فأجابهم بما قلبه عليهم في أنفسهم ، وإن جعلته نقضاً صح ، وان جعلته معارضاً معارضة صح ، ولكل واحد وجه فقال : ( { قل فادرؤا عن أنفسكم الموت ان كنتم صادقين } ) [37] يقول : إذا زعمتم ان من خرج معي فقتل لو كان عندكم ما قتل وكان ذلك دافعاً لقضائي فيهم فادفعوا عن أنفسكم ما قضيته من الموت ان كنتم صادقين .

فصل

السكوت عن الجواب من أقسام الانقطاع قال الله تعالى : ( { فبهت الذي كفر } ) [38] وأقسام الانقطاع سبعة : هذا أحدها . والثاني : أن يعلل ولا يجدي . والثالث : أن ينقض ببعض كلامه بعضاً . والرابع : أن يؤدي كلامه إلى المحال . والخامس : أن ينتقل من دليل إلى دليل . والسادس : أن يسأل عن الشيء فيجيب عن غيره . والسابع : أن يقول قولاً فيلزم أن يقول بمثله فلا يركب ما طولب به ولا يأتي بالفصل .

أخبرنا الحسن بن أبي طالب ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران ، نا صالح بن محمد ، قال : حدثني أخي صدقة بن محمد ، قال : قال لي أبو محمد عبد الله بن محمد الزهري ، قال المأمون : غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة . لأن غلبة القدرة تزول بزوالها وغلبة الحجة لا يزيلها شيء .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : فينبغي لمن لزمته الحجة ووضحت له الدلالة أن ينقاد لها ، ويصير إلى موجباتها لأن المقصود من النظر والجدل طلب الحق واتباع تكاليف الشرع قال الله تعالى : ( { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } ) [39] .

أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن ابن الحسين ابن محمد بن رامين الاستراباذي ، نا عبد الرحمن ابن محمد بن جعفر الجرجاني ، نا أبو العباس السراج ، قال : سمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت عبد الرحمن يعني ابن مهدي يقول : قال عبد الواحد بن زياد : قلت لزفر ، صرتم حديثاً في الناس وضحكة ، قال : وما ذاك ؟ قلت تقولون في الأشياء كلها : إدرؤا الحدود بالشبهات ، ادرؤا الحدود بالشبهات ، فصرتم إلى أعظم الحدود فقلتم يقام بالشبهات ، قال : وما ذاك ؟ قلت : قال رسول الله ﷺ : « لا يقتل مؤمن بكافر » ، وقلتم يقتل به ، قال : إني أشهدك إني قد رجعت عنه الساعة .

قلت : كان زفر بن الهذيل من أفاضل أصحاب أبي حنيفة فلما حاجه عبد الواحد في مناظرته وفت في عضده بحجته ، أشهده على رجعته خيفة من مدَّع يدعي ثباته على قوله الذي سبق منه بعد أن تبين له انه زلة وخطأ ، فكذلك يجب على كل من احتج عليه بالحق أن يقبله ، ويسلم له ، ولا يحمله اللجاج والمراء على التقحم في الباطل مع علمه به قال الله تعالى : ( { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } ) [40] .

أنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، نا أحمد بن محمد بن عمران ، أخبرنا محمد بن يحيى ، نا عون بن محمد ، نا العباس بن رستم ، قال : كان المأمون يقول : إذا وضحت الحجة ثقل على الأسماع استماع المنازعة فيها .

أخبرني أبو عبد الله محمد بن الحسين بن موسى الكازروني بنيسابور ، قال : أنشدنا أبو عامر الفسوي ، قال : أنشدنا أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد القومسي ، لأبي سعد بن دوست :

ومخالف للحق غير مخالف...... للصدق عند تناظر وحجاج

ترك الحجاج إلى اللجاج فقلت يا .......طرد الدجاج ومنزل الحجاج

باب الكلام في أقوال المجتهدين وهل الحق في واحد أو كل مجتهد مصيب

إذا اختلف المجتهدون من العلماء في مسألة على قولين أو أكثر ، فقد ذكر عن أبي حنيفة انه قال : كل مجتهد مصيب والحق ما غلب على ظن المجتهد . وهو ظاهر مذهب مالك بن أنس وذكر عن الشافعي ان له في ذلك قولين : أحدهما : مثل هذا ، والثاني : إن الحق في واحد من الأقوال وما سواه باطل . وقيل : ليس للشافعي في ذلك إلا قول واحد وهو أن الحق في واحد من أقوال المختلفين وما عداه خطأ إلا أن الاثم موضوع عن المخطيء فيه . وروي عن عبد الله بن المبارك مثل هذا .

أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي ، أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن يوسف المروذي ، نا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سألت عبد الله يعني ابن المبارك عن اختلاف أصحاب محمد كله صواب ؟ فقال : الصواب واحد والخطأ موضوع عن القوم أرجو . قلت : فمن أخذ بقول من الأقاويل فهو أيضاً موضوع عنه ؟ قال : نعم ، إلا أن يكون رجل اختار قولاً حتماً ثم نزل به شيء فتحول منه إلى غيره ترخصاً للشيء الذي نزله به .

وحكى أبو إبراهيم المزني ان هذا مذهب مالك بن أنس والليث بن سعد . واحتج من نصر القول الأول وإن كل مجتهد مصيب بأن الصحابة اجتهدوا واختلفوا وأقر بعضهم بعضاً على قوله وسوغ له أن يعمل به وإن كان مخالفاً لقوله ومؤدى اجتهاده ، وسوغوا للعامة أن يقلدوا من شاؤا منهم .

حتى قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فيما أخبرنا محمد بن عبد الله الحنائي والحسن بن أبي بكر ، قال محمد : أخبرنا ، وقال الحسن ، نا علي بن محمد بن الزبير الكوفي ، نا الحسن بن علي بن عفان ، نا جعفر بن عون ، أخبرنا أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد ، قال : كان اختلاف أصحاب رسول الله مما نفع الله به ، فما عملت منه من عمل لم يدخل نفسك منه شيء .

وقال عمر بن عبد العزيز فيما أخبرنا عبد الملك بن محمد الواعظ ، أخبرنا دعلج بن أحمد نا يوسف القاضي ، نا عمرو بن مرزوق ، نا عمران القطان عن مطر الوراق عن عمر بن عبد العزيز ، قال : ما يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا . ( وأخبرنا ) محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا حنبل بن إسحق ، حدثني أبو عبد الله ، نا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي عن قتادة أن عمر بن عبد العزيز كان يقول : ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا معاذ بن المثنى ، نا مسدد ، قال نا عيسى بن يونس ، نا إسماعيل بن عبد الملك عن عون بن عبد الله بن عتبة ، قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يسرني باختلاف أصحاب محمد حمر النعم لانا أن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا وان أخذنا بقول هؤلاء أصبنا .

قالوا : ولا يجوز أن يجمعوا على اقرار الخاطيء على خطئه ، والرضا بالعمل به ، والاذن في تقليده .

وأيضاً فإن الله تعالى لو عين حكماً من بعض ما اختلف فيه ونصب عليه دليلاً وجعل إليه طريقاً وكلف أهل العلم إصابته لوجب أن يكون المصيب عالماً به قاطعاً بخطأ من خالفه ، ويكون المخالف آثماً فاسقاً ، ووجب نقض حكمه إذا حكم به ، ويكون بمنزلة من خالف دليل مسائل الأصول من الرؤية والصفات والقدر وما أشبه ذلك ، وبمنزلة من خالف النص ولما اجتمعنا على أن المخالف لا يقطع على خطئه ولا اثم عليه فيه ولا ينقض حكمه إذا حكم به دل ذلك على أن كل مجتهد مصيب . ولأن العامي إذا نزلت به نازلة كان له أن يسأل عنها من شاء من العلماء وإن كانوا مختلفين ، فدل على أن جميعهم على الصواب .

واحتج من قال أن الحق في واحد وإليه يذهب بقول الله سبحانه وتعالى : ( { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } ) [41] إلى قوله : ( { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما }) [42] فأخبر أن سليمان هو المصيب وحمده على إصابته ، وأثنى على داود في اجتهاده ولم يذمه على خطئه وهذا نص في إبطال قول من قال إذا أخطأ المجتهد يجب أن يكون مذموماً .

ويدل عليه أيضاً قول النبي المشهور : « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر » وقد سقنا هذا الحديث بإسناده فيما تقدم وفيه دليل على أن المجتهد بين الإصابة والخطأ .

وأخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود نا الصعق بن حزن عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله : « يا عبد الله أتدري أي الناس أعلم » ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : « فإن أعلم الناس أعلمهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصراً في العمل وإن كان يزحف على أسته » .

أخبرني الحسن بن علي بن محمد الواعظ ، حدثنا عمر بن أحمد المروروذي ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، نا موسى بن عامر بن خريم ، نا الوليد يعني ابن مسلم نا بكير بن معروف ، نا مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود ، قال : قال لي رسول الله : ﷺ : « هل تدري أي المؤمنين أعلم » ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . ﷺ قال : « إذا اختلفوا وشبك رسول الله بين أصابعه أبصرهم بالحق وإن كان في علمه تقصير وإن كان يزحف على استه زحفاً » .

فقد نص رسول الله على أن الحق يصيبه بالعلم بعض أهل الاختلاف ومنع أن يصيبه جميعهم مع اختلافهم . ويدل على ذلك أيضاً إنهم إذا اختلفوا على قولين متضادين مثل تحليل وتحريم ، وتصحيح وافساد ، وإيحاب واسقاط ، فلا تخلو من أحد ثلاثة أقسام : اما أن يكون القولان فاسدين ، أو صحيحين ، أو أحدهما فاسداً والآخر صحيحاً .

فلا يجوز أن يكونا فاسدين لأنه يؤدي إلى اجتماع الأمة على الخطأ ، ولا يجوز أن يكونا صحيحين لأنهما متضادان فيمتنع أن يكون الشيء الواحد حراماً حلالاً ، وواجباً غير واجب ، وصحيحاً باطلاً . وإذا بطل هذان القسمان ثبت أن أحدهما صحيح والآخر فاسد فإن قال المخالف هما صحيحان ولا يؤدي إلى التضاد ولا تستحيل صحتهما إلا أن ذلك إنما يستحيل على شخص واحد في وقت واحد ، وإما على شخصين أو فريقين فإن ذلك لا يستحيل ، كما ورد الشرع بإيجاب الصلاة على الطاهر وإسقاطها عن الحائض ، ووجوب إتمام الصلاة على المقيم ، والرخصة في القصر للمسافر .

وعندنا إن كل واحد من المجتهدين يلزمه ما أدى إليه اجتهاده ، فيحرم النبيذ على من أدى اجتهاده إلى تحريمه ، ويحل لمن أدى اجتهاده إلى تحليله ، وتجب النية للوضوء على من أدى اجتهاده إلى وجوبها ، وتسقط عمن أدى اجتهاده إلى سقوطها ، ويصح النكاح بلا ولي في حق من أدى اجتهاده إلى صحته ، ويفسد في حق من أدى اجتهاده إلى فساده . وإذا كان كذلك لم يكن فيه تضاد .

والجواب : أن هذا خطأ لأن الأدلة إذا كانت عامة لم يجز أن يكون مدلولها خاصاً ، والدلالة الدالة على كل واحد منها عامة في الجميع فلا يجوز أن يكون حكمها خاصاً . وإذا كانت الأحكام عامة ثبت التضاد .

وأيضاً فإنه يلزم من يذهب إلى أن كل مجتهد مصيب إذا أداه اجتهاده إلى شيء ، وغيره من المجتهدين على ضد قوله في ذلك الشيء ، أن يكون مخيراً فيهما ، كالذي تلزمه كفارة يمين لما كانت الحقوق البينة متساوية في كونها مما يجوز التكفير بها والكل مراد ، كان مخيراً فيها ، فلما لزم المجتهد أن يعمل بما يؤدي اجتهاده إليه دون ما خالفه من اجتهاد غيره بدا أن الحق في واحد من القولين .

ودليل آخر يدل على أن ليس كل مجتهد بمصيب ، وهو أنا وجدنا أهل العلم في كل عصر يتناظرون ويتباحثون ، ويحتج بعضهم على بعض ، ولو كان كل واحد منهم مصيباً كانت المناظرة خطأ ولغواً لا فائدة فيها .

فإن قال المخالف : إنما يناظر أحد الخصمين الآخر حتى يغلب على ظنه ما أدى اجتهاده إليه فيرجع إلى قوله . فالجواب : انه لا فائدة في رجوعه من حق إلى حق ، وكونه على ما هو عليه وانتقاله إلى ظن آخر سواء لا فرق بينهما ، وتحمل التعب الكلفة والتنازع والتخاصم لما ذكره المخالف ليس من فعل العقلاء ، وقد وجدنا الأمة متفقة على حسن المناظرة في هذه المسائل وعقد المجالس بسببها فسقط ما قاله .

وأما الجواب عما احتج به من إجماع الصحابة فهو أن يقال له : أقلت هذا نصاً أو استدلالاً ؟ فإن قال : نصاً ، لم يجد إليه طريقاً لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه قال لصاحبه : أقررتك على خلافك ، وأجزت لك أن تعمل به ، وسوغت للعامة أن يقلدوك . وإن قال : استدلالاً ، طولب به . فإن قال : لو كان المخالف مخطئاً لقاتلوه ، قيل : ليس في ذلك قتال لأن الخاطىء فيه معذور ، وله على قصد الصواب أجر ، وقد ورد الشرع بذلك كما ورد بالعفو عن الناسي فإذا كان كذلك لم يجز قتاله ولا تأثيمه .

فإن قال لم ينقل إن بعضهم خطأ بعضاً ولو كان أحد القولين خطأ والآخر صواباً لوجب أن يخطّىء من أصاب الحق من لم يصبه ، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يخطئه . فالجواب انه قد نقل ذلك عن غير واحد منهم .

فأخبرنا أبو الحسين أحمد بن عمر بن علي القاضي بأذربيجان ، قال : أخبرنا محمد بن المظفر ، قال : أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، قال : حدثنا عبد السلام بن عبد الحميد الإمام ، قال : نا زهير عن الحسن بن دينار عن الحسن ، قال : بلغ عمر بن الخطاب ان امرأة اتخذت عبدها الرجل يعني فأرسل إليها قال : وكان عمر رجلاً مهيباً فلما جاءها الرسول قالت : يا ويلها ما لها ولعمر يا ويحها ما لها ولعمر ، فخرجت فضربها المخاض ، فمرت بنسوة فعرفن الذي بها ، فقذفت بغلام فصاح صيحة ثم طفي ، فبلغ ذلك عمر فجمع المهاجرين والأنصار فاستشارهم ، وفي آخر القوم رجل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إنما كنت مؤدباً وإنما أنت راع ، قال : ما تقول أنت يا فلان ؟ قال : أقول إن كان القوم تابعوه على هواك فوالله ما نصحوا لك ، وأن يكونوا اجتهدوا آراءهم فوالله لقد أخطأ رأيهم غرمت يا أمير المؤمنين ، قال فعزمت عليك لما قدمت فقسمتها على قومك ، قال : فقيل للحسن : من الرجل ؟ قال : علي .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا عبد الرزاق ، نا معمر عن ابن طاووس ، قال : أخبرني انه سمع ابن عباس يقول : وددت أن هؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( وأخبرنا ) محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي نا يعقوب ، نا أبي عن ابن إسحاق ، قال : حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح ، قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول إذا ذكر عول الفرائض : أترون الذي أحصى رمل عالج عدداً أجعل في مال قسمه نصفاً ونصفاً وثلثاً ؟ هذا النصف والنصف قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث ؟ قال عطاء فقلت له يا أبا عباس ان هذا لا يغني عني ولا عنك شيئاً لو مِتُ أو مُتَ قسم ميراثنا على ما عليه القوم من خلاف رأيك . قال : فإن شاؤا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ما جعل الله في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً .

أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن إبراهيم الصيدلاني بأصبهان ، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أخبرنا عبد الزراق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال : أتي عبد الله بن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة فلم يفرض لها ولم يمسها حتى مات ؟ فردهم ثم قال : أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني .

أخبرنا ابن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا الحجاج وهو ابن منهال نا حماد ، أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي ، قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن ، قال : ثم رأيت بعد أن تباع في دين سيدها وأن تعتق من نصيب ولدها . فقلت : رأيك ورأي الجماعة أحب إلي من رأيك في الفرقة .

ولم ينكر على عبيدة هذا القول . واما الجواب عما احتج به من العلم بإصابته ، والقطع على خطإ مخالفة وتأثيمه ومنعه من الحكم باجتهاده ، ونقض حكمه ، ومنع العامي من تقليده فهو أنا نعلم إصابتنا للحق ، ونقطع بخطإ من خالفنا فيه ، ونمنعه من الحكم باجتهاده المخالف للحق .

فأما علمنا بإصابتنا للحق ، فهو لأن أحد الحكمين يتميز عن الآخر بالتأثير الموجب للعلم أوبكثرة الأصول المقتضية للظن وتمييز أحد الحكمين غن الآخر معلوم للمجتهد . فإذا كان كذلك كانت الإصابة معلومة ، وإذا علمت الإصابة فقد علم خطأ من خالفها .

وأما التأثيم فلا يجوز لأن الشرع ورد بالعفو عنه ، وإثابته على قصده ونيته ، والوعد والوعيد ، والعفو والتأثيم طريقه الشرع ، وقد ورد الشرع بالعفو عن خطئه كما ورد بالعفو عن الخاطيء . والناسي والمكره ، يدل عليه قول الله تعالى : ( { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } ) [43] إلى قوله تعالى : ( { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً } ) [44] فأثنى عليهما جميعاً ، وأخبر بإصابة سليمان ولم يؤثم داود ، وكذا قال النبي إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر . فجعل له أجر اجتهاده ، ولم يؤثمه مع خطئه .

وأما منعه من العمل بما أدى اجتهاده إليه فلا شك فيه ، لأنا نقول إذا عمل به هو فاسد ولهذا نقول : إذا تزوج بغير ولي أنه نكاح فاسد ، وإذا شرب النبيذ انه شرب حراماً ، وما أشبه ذلك .

وأما حكم الحاكم فإن المسلمين أجمعوا على أنه لا ينقض إذا لم يكن مخالفاً لنص ، أو إجماع ، أو قياس معلوم ، والمنع من نقضه لا يدل على انه كان له أن يحكم به لانه لا يمتنع أن يكون ممنوعاً من الحكم ، فإذا حكم به وقع موقع الصحيح الجائز كما نقول في البيع في حال النداء للجمعة ، والصلاة في الدار المغصوبة والطلاق في حال الحيض .

فإن قيل : مثل هذا لا يمتنع لكن ما الذي يدل عليه ؟ فالجواب عنه : ان الدليل ما ذكرناه من إجماع الأمة على أنه لايجوز نقضه . ولأن في نقض الحكم فساداً لكونه ذريعة إلى تسليط الحكام بعضهم على بعض ، فلا يشاء حاكم يكون في قلبه من حاكم شيء الا تعقب حكمه بنقض فلا يستقر حكمه ، ولا يصح لأحد ملك ، وفي ذلك فساد عظيم ، وإذا كان كذلك ثبت ما ذكرناه من هذين الطريقين .

وأما الجواب عن تقليد العامي ، فهو أن فرضه تقليد من هو من أهل الاجتهاد وقال أبو علي الطبري : فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيباً كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفاً للنص .

وقد قيل ان العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه ، ولا يكلف أكثر من ذلك لأنه لا سبيل له إلى معرفة الحق والوقوف على طريقه ، وكل واحد من المجتهدين يقينه بما أدى إليه اجتهاده فيؤدي ذلك إلى حيرة العامي فجعل له أن يقلد أوثقهما في نفسه ، ويخالف المجتهد لانه يتمكن من موافقته على طريق الحق ومناظرته فيه .

باب الكلام في التقليد وما يسوغ منه وما لا يسوغ

قد ذكرنا الأدلة التي يرجع إليها المجتهد في معرفة الأحكام وبقي الكلام في بيان ما يرجع إليه العامي في العمل وهو التقليد . وجملته أن التقليد هو قبول القول من غير دليل ، والأحكام على ضربين : عقلي ، وشرعي . فأما العقلي : فلا يجوز فيه التقليد كمعرفة الصانع تعالى وصفاته ومعرفة الرسول وصدقه ، وغير ذلك من الأحكام والعقاب .

وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري ، أنه قال : يجوز التقليد في أصول الدين . وهذا خطأ لقول الله تعالى : ( { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون } ) [45] وقال الله : ( { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون } ) [46] وقال تعالى : ( { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } ) [47]

فمن منعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الأهدى فقالوا : ( { إنا بما أرسلتم به كافرون } ) [48] وقال تعالى : ( { واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } ) [49] فتركوا جواب المسألة لانقطاعهم عنه وكشفت المسألة عن عوار مذهبهم فذكروا ما لم يسألهم عنه من فعل آبائهم وتقليدهم إياهم . وقال تعالى : ( { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } ) [50] وقال تعالى : ( { إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ) [51] .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن الواعظ ، أخبرنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الجمحي ، نا علي بن عبد العزيز ، نا محمد بن سعيد الأصبهاني ، نا عبد السلام ، نا غطيف بن أعين المحاربي عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي وفي عنقي صليب من ذهب قال فقال لي : ﷺ : « يا ابن حاتم الق هذا الوثن من عنقك » . قال : فألقيته قال : ثم افتتح بسورة براءة فقرأ حتى بلغ إلى قوله تعالى : ( { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ) [52] قال قلت يا رسول الله : ما كنا نعبدهم . فقال النبي : ﷺ : « أليس كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه » ؟ قال : قلت : بلى ، قال :ﷺ : « فتلك عبادتهم » .

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، نا بشر بن موسى ، نا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري ، قال : سئل حذيفة عن هذه الآية : ( { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ) أكانوا يعبدونهم ؟ قال : كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيحلونه ، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه .

أخبرنا أخبرنا أحمد بن عبد الواحد الدمشقي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان ابن الوليد السلمي ، أخبرنا محمد بن يوسف بن بشر الهروي ، وأخبرنا محمد بن حماد الطهراني ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري ، قال : سأل رجل حذيفة ، فقال : يا أبا عبد الله أرأيت قول الله تعالى : ( { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ) أكانوا يعبدونهم ؟ قال لا ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأسدي المصري بصور ، قال : أخبرنا أبو سلم محمد بن أحمد بن علي الكاتب ، قال : أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد أخو زيد ، قال : نا أبو هشام الرفاعي ، قال : نا ابن فضيل ، قال : نا عطاء عن أبي البختري : ( { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ) قال : أطاعوهم فيما أمروهم به من تحليل حرام وتحريم حلال ، عبدوهم بذلك .

أنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر المعدل ، نا أحمد بن كامل القاضي ، نا أبو جعفر : محمد بن جرير الطبري ، حدثني أحمد بن الوليد ، نا عبد الله بن داود ، قال : ذكر الأعمش ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله :' لا يقلدن رجل دينه رجل ، إن آمن آمن ، وإن كفر كفر ' .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : ولأن طريق الأصول التي ذكرناها العقل ، والناس كلهم يشتركون في العقل فلا معنى للتقليد فيه .

واما الأحكام الشرعية فضربان : أحدهما يعلم ضرورة من دين الرسول كالصلوات الخمس والزكوات ، وصوم شهر رمضان ، والحج ، وتحريم الزنا وشرب الخمر ، وما أشبه ذلك . فهذا لا يجوز التقليد فيه لأن الناس كلهم يشتركون في ادراكه والعلم به فلا معنى للتقليد فيه

وضرب آخر لا يعلم إلا بالنظر والاستدلال كفروع العبادات ، والمعاملات ، والفروج ، والمناكحات ، وغير ذلك من الأحكام ، فهذا يسوغ فيه التقليد بدليل قول الله تعالى : ( { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ) [53] ولأنا لو منعنا التقليد في هذه المسائل التي هي من فروع الدين لاحتاج كل أحد أن يتعلم ذلك ، وفي إيجاب ذلك قطع عن المعائش ، وهلاك الحرث والماشية فوجب أن يسقط .

باب القول فيمن يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ

أما من يسوغ له التقليد فهو العامي الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية ، فيجوز له أن يقلد عالماً ويعمل بقوله ، قال الله تعالى : ( { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ) .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، حدثنا أبو العباس محمد بن مكرم إملاءًا ، حدثنا أبو بكر بن مجاهد المقري ، حدثنا عبد الله بن أيوب ، حدثنا أبو بدر قال سمعت عمرو بن قيس يقول في قول الله تعالى : ( { فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } ) قال : أهل العلم .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الربيع ابن سليمان ، نا أيوب بن سويد ، نا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس ، أن رجلاً أصابه جرح في عهد رسول الله يعني فاحتلم فأمر بالاغتسال فاغتسل فمات ، فبلغ ذلك النبي فﷺ قال : « قتلوه قتلهم الله ، ان شفاء العيِّ السؤال » . قال عطاء فبلغنا أن النبي سئل بعد ذلك فقال : ﷺ : « لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه » يعني الجرح .

ولأنه ليس من أهل الاجتهاد فكان فرضه التقليد كتقليد الأعمى في القبلة فإنه لما لم يكن معه آلة الاجتهاد في القبلة كان عليه تقليد البصير فيها .

وحكي عن بعض المعتزلة انه قال : لا يجوز للعامي العمل بقول العالم حتى يعرف علة الحكم ، وإذا سأل العالم فإنما يسأله أن يعرفه طريق الحكم فإذا عرفه وقف عليه وعمل به . وهذا غلط لأنه لا سبيل للعامي إلى الوقوف على ذلك إلا بعد أن يتفقه سنين كثيرة ويخالط الفقهاء المدة الطويلة ، ويتحقق طرق القياس ويعلم ما يصححه ويفسده ، وما يجب تقديمه على غيره من الأدلة . وفي تكليف العامة بذلك تكليف ما لا يطيقونه ولا سبيل لهم إليه .

واما العالم هل يجوز أن يقلد غيره ؟ ينظر فيه . فإن كان الوقت واسعاً عليه يمكنه فيه الاجتهاد لم يجز له التقليد ولزمه طلب الحكم بالاجتهاد ، ومن الناس من قال : يجوز له تقليد العالم ، وحكي ذلك عن سفيان الثوري .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البزاز بالبصرة ، نا أبو بكر يزيد بن إسماعيل بن عمر بن يزيد بن مروان الخلال ، نا العباس بن عبد الله الترقفي ، نا رواد بن الجراح ، قال : سمعت سفيان يقول : ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهي أحداً من إخواني أن يأخذ به .

( وأخبرنا ) ابن الفضل ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن علي الابار ، نا أبو هشام ، قال : سمعت حفص بن غياث يقول : سمعت سفيان يقول : إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه .

وروي عن محمد بن الحسن الشيباني أنه قال : يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه ولا يجوز له تقليد مثله .

والدليل على أنه لا يجوز له التقليد أصلاً مع اتساع الوقت ان معه آلة يتوصل بها إلى الحكم المطلوب فلا يجوز له تقليد غيره كما قلنا في العقليات .

وأما إذا كان الوقت قد ضاق وخشي فوات العبادة أن أشتغل بالاجتهاد ففي ذلك وجهان : أحدهما : يجوز له أن يقلد . والوجه الثاني انه لا يجوز لأن معه آلة الاجتهاد فأشبه ما إذا كان الوقت واسعاً وقيل هذا أصح الوجهين والله أعلم .

أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر الصابوني ، أخبرنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحداني ، أخبرنا أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني ، قال : قال المزني : ويقال لمن حكم بالتقليد هل لك فيما حكمت من حجة ؟ فإن قال : نعم ، أبطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لاالتقليد فإن قال : بغير حجة ، قيل له : فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حرم الله كل ذلك فأبحته بغير حجة ؟ فإن قال : انا أعلم إني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة لأن معلمي من كبار العلماء ورأيته في العلم مقدماً فلم يقل ذلك إلا بحجة خفيت عني ، قيل : فتقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك لانه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عنك ؟ فإن قال : نعم ، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي إلى العلماء من أصحاب رسول الله ، فإن أبى ذلك نقض قوله ، وقيل له : وكيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علماً ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علماً وهذا متناقض ؟ فإن قال : لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك ، قيل : وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه فلزمك تقليده وترك تقليد معلمك ، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك لأنك جمعت علمه وعلم من فوقه إلى علمك فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله ، وكذلك على الصحابي تقليد من دونه وكذلك تقليد الأعلى الأدنى أبداً في قياس قوله مع ما يلزمه من تصويب من قلد غير معلمه في تخطئة معلمه فيكون بذلك مخطئاً لمعلمه ولتقليده إياه .

باب في فضل العلم

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أخبرنا محمد بن الحسين الآجري ، أخبرنا أبو جعفر أحمد ابن يحيى الحلواني ، نا الهيثم بن خارجة نا رشدين بن سعد عن عبد الله بن الوليد التجيبي عن أبي حفص حدثه انه سمع أنس بن مالك يقول : قال النبي : ﷺ : « ان مثل العلماء في الأرض كمثل نجوم السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم يوشك أن تضل الهداة » .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا أبو بكر أحمد ابن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : يقال العقل دليل الخير والعلم مصباح العقل ، وهو جلاء القلب من صدى الجهل ، وهو أقنع جليس ، وأسر عشيق ، وأفضل صاحب وقرين ، وأزكى عقدة ، وأربح تجارة ، وأنفع مكسب وأحسن كهف ، وأفضل ما أقتني للدنيا وأستظهر به للآخرة ، واعتصم به من الذنوب ، وسكنت إليه القلوب ، يزيد في شرف الشريف ، ورفعة الرفيع ، وقدر الوضيع ، أنس في الوحشة ، وأمن عند الشدة ، ودال على طاعة الله تعالى ، وناهٍ عن معصيته وقائد إلى رضوانه ، ووسيلة إلى رحمته .

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر صان الله قدره : وقد جعل الله العلم وسائل أوليائه وعصم به من اختاره من أصفيائه ، فحقيق على المتوسم به استفراغ المجهود في طلبه ، وأهل العلم في حفظه متقاربون ، وفي استنباط فقهه متباينون . ولهذا قال النبي ، فيما أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين ابن أبي سليمان المعدل ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، حدثنا محمد بن محمد الواسطي ، نا علي ابن المديني ، نا يحيى بن سعيد ، نا شعبة ، قال : حدثني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه ، قال : خرج زيد بن ثابت من عند مروان بن الحكم قريباً أو نحواً من نصف النهار قال : فقلت : ما يخرج هذه الساعة إلا قد سأله عن شيء ، قال : فقمت إليه فسألته فقال : سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله يقول : ﷺ : « نضر الله أمرءًا سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه » .

فأخبر انه قد يحمل الحديث من يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً ، وأكثر كتبة الحديث في هذا الزمان بعيد من حفظه * خال من معرفة فقهه ، لا يفرقون بين معلل وصحيح * ولا يميزون ما بين معدل من الرواة ومجروح ، ولا يسألون عن لفظ أشكل عليهم رسمه * ولا يبحثون عن معنى خفي عنهم علمه ، مع أنهم قد أذهبوا في كتبه أعمارهم * وبعدت في الرحلة لسماعه أسفارهم ، فجعلوا لأهل البدع من المتكلمين * ولمن غلب عليه الرأي من المتفقهين ، طريقاً إلى الطعن على أهل الآثار * ومن شغل فيه بسماع الأحاديث والأخبار ، حتى وصفوهم بضروب الجهالات * ونبذوهم بأسوء المقالات ، وأطلقوا ألسنتهم بسبهم * وتظاهروا بعيب المتقدمين وثلبهم ، وضربوا لهم المثل بقول الشاعر :

زوامل للأسفار لا علم عندهم...... بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري المطي إذا غدا ...... باجماله أو راح ما في الغرائر

كل ذلك لقلة بصيرة أهل زماننا بما جمعوه * وعدم فقههم بما كتبوه وسمعوه ، ومنعهم نفوسهم عن محاضرة الفقهاء * وذمهم مستعملي القياس من العلماء ، لسماعهم الأحاديث التي تعلق بها أهل الظاهر في ذم الرأي والنهي عنه ، والتحذير منه ، وأنهم لم يميزوا بين محمود الرأي ومذمومه * بل سبق إلى نفوسهم أنه محظور على عمومه ، ثم قلدوا مستعملي الرأي في نوازلهم * وعولوا فيها على أقوالهم ومذاهبهم ، فنقضوا بذلك ما أحلوه * واستحلوا ما كانوا حرموه ، وحق لمن كانت حاله هذه أن يطلق فيه القول الفظيع * ويشنع عليه بضروب التشنيع ، فبلغ مني ما ذكرته اغتماماً * وأثر في معرفتي به اهتماماً ، لأمرين : أحدهما قصد من ذكرت لك الوقيعة * في متقدمي أئمة أهل الحديث القائمين ، بحفظ الشريعة ، لأنهم رأس مالي * وإلى علمهم مآلي ، وبهم فخري وجمالي ، نحو مالك ، والأوزاعي ، وشعبة ، والثوري ، ويحيى بن سعيد القطان * وابن مهدي عبد الرحمن ، وعلي بن المديني الأمين * وأحمد بن حنبل وابن معين ، ومن خلفهم من الأئمة الاعلام ، على مضي الأوقات وكرور الأيام ، فبهم في علم الحديث أكثر الفخر * لا بناقليه وحامليه في هذا العصر ، كما أنشدني أبو عبد الله محمد بن علي الصوري * قال : أنشدني أبو يعلى محمد بن الحسين البصري ، لنفسه :

أهل التصوف أهلي...... وهم جمالي ونبلي

ولست أعني بهذا ...... إلا لمن كان قبلي

والأمر الآخر إزدراؤهم بمن في وقتنا * والمتوسمين بالحديث من أهل عصرنا ، فإن لهم حرمة ترعى * وحقاً يجب أن يؤدى ، لتحليهم بسماعه واكتتابه ، وتشبههم بأهله وأصحابه ، وقد دلتنا الشريعة على السماع منهم * وأذنت لنا في الأخذ عنهم ، وورد بذلك مأثور الأثر * عن سيد البشر وأقر بالزلفى عينيه في قوله : ﷺ : « نضر الله أمرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره . . . إلى آخر الكلام الذي أوردناه في أول هذا الفصل .

وحدثنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله المعدل املاءًا ( وأخبرنا ) الحسن بن أبي بكر قراءة عليه ، قالا : أخبرنا أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد ، نا موسى بن سهل الوشاء ، أخبرنا أبو النضر نا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، نا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : « بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم » .

انتهى الجزء الثامن من كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي يتلوه ان شاء الله الجزء التاسع وأوله ( ثم إني نظرت في حال من طعن على أهل الحديث ) والحمد لله حق حمده وصلواته على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً .

======

ج9.

كتاب الفقيه والمتفقه الجزء التاسع

قال الحافظ أبو بكر الخطيب رضي الله عنه وعنا : ثم إني نظرت في حال من طعن على أهل الحديث فوجدته أحد رجلين : اما عامي جاهل ، أو خاص متحامل .

فأما الجاهل فمعذور في اغتيابه ، وطعنه على أهل العلم وأربابه .

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الخياط ، نا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا الحسن بن إسماعيل الربعي ، قال : نا عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري عن أبيه عن محمد بن مسلم الزهري ، انه قال : العلم عند أهل الجهل قبيح كما أن الجهل عند أهل العلم قبيح .

قال : وقال الزهري : العلم ذكر لا يحبه من الرجال إلا مذكروهم ، ولا يبغضه من الناس إلا مؤنثوهم .

أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن رامين الاسترابادي ، نا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن جعفر الجرجاني ، أخبرني أبو عمرو العاصمي ، قال : حكى المزني عن الشافعي رضي الله عنه ، قال العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم ، وأنشد فيه .

ومنزلة السفيه من الفقيه..... كمنزلة الفقيه من السفيه

فهذا زاهد في قرب هذا......وهذا فيه أزهد منه فيه

أخبرنا أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس الحافظ ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، أنا عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد : العالم لا يعرف الجاهل لأنه قد كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً وقد قيل : المرء عدو ما جهل .

وجاء هذا الكلام بلفظ آخر وهو : من جهل شيئاً عاداه . ونظم هذا الكلام في أبيات تعزى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالله أعلم بصحة ذلك . وهي :

الناس من جهة التمثيل أكفاء ......... أبوهم آدم والأم حواء

وإن يكن لهم من بعد ذا شرف ......... يفاخرون به فالطين والماء

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ......... على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امريء ما كان يحسنه ......... والجاهلون لأهل العلم أعداء

فعش بعلم ، ولا تبغى به بدلا فالناس موتى ، وأهل العلم أحياء

وهذا المعنى مأخوذ من قول الله سبحانه : ( { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } ) [1] .

واما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين

فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه اما أهل الرأي فَجُلُّ ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ضعيفة عند العلماء بالنقل ، سئلوا عنها : بينوا حالها ، وأظهروا فسادها ، فشق عليهم انكارهم إياها وما قالوه في معناها وهم قد جعلوها عمدتهم واتخذوها عدتهم وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم ، فغير مستنكر طعنهم عليهم وإضافتهم أسباب النقص إليهم وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ورفض ما بينوه من جرحهم وتعديلهم لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما راموه منه وقصدوه وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه واما المتكلمون فهم معذورون فيما يظهرونه من الازدراء بهم ، والعيب لهم ، لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن واعتقادهم في جل ما ينقلونه وعظم ما يروونه ويتداولونه ابطاله وإكفار الذين يصححونه واعظامهم الفرية وتسميتهم لهم الحشوية واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين فهما كما قال الأول :

الله يعلم أَنّا لا نحبكم ......... ولا نلومكم إذ لا تحبونا

فقد ذكرت السبب الموجب لتنافي هذين الفريقين وتباعد ما بين هاتين الطائفتين ورسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصة ، ولغيره عامة ، ما أقوله نصيحة مني له ، وغيرة عليه ، وهو أن يتميز عمن رضي لنفسه بالجهل ولم يكن فيه معنى يلحقه بأهل الفضل وينظر فيما أذهب فيه معظم وقته وقطع به أكثر عمره ، من كتب حديث رسول الله وجمعه ، ويبحث عن علم ما أمر به من معرفة حلاله وحرامه ، وخاصه ، وعامه ، وفرضه وندبه ، وإباحته وحظره ، وناسخه ومنسوخه ، وغير ذلك من أنواع علومه قبل فوات ادراك ذلك فيه .

فقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، ثنا محمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم السرخسي ، ثنا محمد بن المنذر الهروي ، قال : ثنا الحسن بن عامر النصيبي ، قال : سمعت أحمد بن صالح يقول : قال الشافعي : تفقه قبل أن ترأس ، فإذا ترأست فلا سبيل إلى الفقه .

أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، انا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، نا موسى بن عبيد الله ابن يحيى ، قال : حدثني عبد الله بن أبي سعد ، حدثني أبو محمد المروذي ، قال : كان يقال : إنما تقبل طينة الخاتم ما دامت رطبة .

أي ان العلم ينبغي أن يطلب في طرواة السن .

وجاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، انه قال : تفقهوا قبل أن تسودوا : أخبرناه علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا سعد ان بن نصر ، ثنا وكيع عن ابن عون .

( وأخبرنا ) محمد بن أحمد بن رزق ، انا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا حنبل بن إسحاق ، ثنا بكار بن محمد ، ثنا عبد الله بن عون ( وانا ) الحسن بن أبي بكر ، انا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، ثنا محمد بن غالب بن حرب ( وأخبرنا ) أبو الفرج محمد بن عمر بن محمد الجصاص ، أنا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ، نا أحمد بن علي هو الخزاز قالا : ثنا هوذة بن عون ( وأخبرنا ) الحسن بن أبي الحسن ، نا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الآدمي القاريء ، ثنا محمد بن القاسم مولى بني هاشم ، ثنا أزهر عن ابن عون عن محمد عن الأحنف وفي حديث وكيع وبكار عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس ، قال : قال عمر بن الخطاب : تفقهوا قبل أن تسودوا .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، ثنا محمد بن يونس القرشي ثنا أزهر ، ثنا ابن عون عن الحسن عن الأحنف بن قيس ، قال : قال عمر بن الخطاب تفقهوا قبل أن تسودوا .

كذا قال : عن الحسن ، والصواب : عن ابن سيرين ، كما ذكرناه أولاً والله أعلم .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن البادا ، انا دعلج بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبيد في حديث عمر : تفقهوا قبل أن تسودوا ، يقول : تعلموا العلم ما دمتم صغاراً قبل أن تصيروا سادة رؤساء منظوراً إليكم فإن لم تعلموا قبل ذلك استحيتم أن تعلموا بعد الكبر فبقيتم جهالا تأخذونه من الأصاغر فيزري ذلك بكم .

وهذا شبيه بحديث عبد الله : لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا .

قال أبو عبيد : وفي الأصاغر تفسير آخر بلغني عن ابن مبارك ، انه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ ، انا عمر بن محمد بن أحمد الجمحي ، ثنا علي ابن عبد العزيز ، ثنا محمد بن عمار الموصلي ، ثنا عفيف بن سالم عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله عن اشراط الساعة ﷺ قال : « ان من اشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر » .

وقال علي ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا شعبة عن أبي إسحاق عن سعد بن وهب عن عبد الله ، ) ﷺ : ( قال : لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم ، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، نا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، انا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، قال : سألت عن قوله : ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم . يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشائخ ولم يكن علماؤهم الأحداث ، لأن الشيخ قد زالت عنه ميعة الشباب وحدته وعجلته وسفهه واستصحب التجربة والخبرة فلا يدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولا يميل به الطمع ، ولا يستذله الشيطان استذلال الحدث ، ومع السن الوقار ، والجلالة ، والهيبة . والحدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك .

ولا يقتنع بأن يكون راوياً حسب ومحدثاً فقط ، فقد أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا إبراهيم بن عبد الله المعدل ، نا أحمد بن علي الأنصاري ومولده بأصبهان ، نا أبو الصلت الهروي ، نا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه ، أن رسول الله ﷺ قال : « كونوا دراة ولا تكونوا رواة حديث تعرفون فقهه خير من ألف تروونه » .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، أنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : في كتابي عن الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي وذكر من يحمل العلم جزافاً ، فقال : هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري .

قال الربيع : يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي ، أنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي الكاتب المعبر ، نا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، قال : سئل بعضهم متى يكون الأدب ضاراً ؟ قال : إذا نقصت القريحة وكثرت الرواية .

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي ، انا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، قال : قال لنا أبو العباس بن عقدة يوماً وقد سأله رجل عن حديث فقال : أقلوا من هذه الأحاديث فإنها لا تصلح إلا لمن علم تأويلها ، فقد روى يحيى بن سليمان عن ابن وهب ، قال : سمعت مالكاً يقول : كثير من هذه الأحاديث ضلالة لقد خرجت مني أحاديث لوددت إني ضربت بكل حديث منها سوطين وإني لم أحدث به .

ولعله يطول عمره فتنزل به نازلة في دينه يحتاج أن يسأل عنها فقيه وقته وعسى أن يكون الفقيه حديث السن فيستحي ، ) ﷺ : ( أو يأنف من مسألته ويضيع أمر الله في تركه تعرف حكم نازلته .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الجمحي ، نا علي بن عبد العزيز ، نا أبو نعيم الفضل بن دكين عن سعد بن أوس العنسي الكاتب عن بلال بن يحيى ، أن عمر قال : قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا ، فإن أدركه التوفيق من الله وسأل الفقيه لم يأمن أن يكون بحضرته من يدري به ويلومه على عجزه في مقتبل عمره إذ فرط في التعليم ، فينقلب حينئذ واجماً وعلى ما سلف من تفريطه نادماً .

حدثني أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الأشناني ، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، نا الحسن ابن عبد الرحمن ابن خلاد ، نا عبد الله بن أحمد بن معدان ، نا أحمد بن حرب الموصلي ، قال : سمعت محمد ابن عبيد يقول : جاء رجل وافر اللحية إلى الأعمش فسأله عن مسألة من مسائل الصبيان يحفظها الصبيان فالتفت إلينا الأعمش فقال : أنظروا إلى لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ومسألته مسألة الصبيان .

وليعلم أن الاكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيهاً ، إنما يتفقه باستنباط معانيه ، وانعام التفكر فيه .

حدثني محمد بن أحمد بن الأشناني ، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، نا الحسن بن عبد الرحمن ، حدثني أحمد بن محمد بن سهيل الفقيه ، نا محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الأصبهاني بمكة ، نا مصعب الزبيري ، قال : سمعت مالك بن أنس قال لابني أخته أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس : أراكما تحبان هذا الشأن وتطلبانه ؟ قالا : نعم ، قال : ان أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقهاً .

أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، أنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، نا أحمد بن السري ، نا سهل بن زنجلة ، نا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن الأعمش ، قال : لما سمعت الحديث قلت : لو جلست إلى سارية أفتي الناس قال : فجلست إلى سارية فكان أول ما سألني عنه لم أدر ما هو .

أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق ، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، قال : نا ابن خلاد ، نا أبو عمر أحمد بن محمد بن سهل ، قال : حدثني رجل ذكره من أهل العلم ، قال ابن خلاد وأنسيت أنا اسمه قال : وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث فسمعتهم يقولون : قال رسول الله . قد رواه فلان وما حدث به غير فلان . فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى وكانت غاسلة ، ) ﷺ : ( فلم يجبها أحد منهم وجعل بعضهم ينظر إلى بعض ، فأقبل أبو ثور فقالوا لها عليك بالمقبل فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته ؟ فقال : تغسل الميت لحديث القاسم عن عائشة أن النبي قا لها : ﷺ : « اما أن حيضتك ليست في يدك » . ولقولها كنت أفرق رأس رسول الله بالماء وأنا حائض . قال أبو ثور : فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به .

فقالوا نعم رواه فلان ، وحدثناه فلان ويعرفونه من طرق كذا ، وخاضوا في الطرق ، فقالت المرأة : فأين كنتم إلى الآن ؟

وإنما أسرعت ألسنة المخالفين إلى الطعن على المحدثين بجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن مع عدم معرفتهم مواضعها ، فإذا عرف صاحب الحديث بالتفقه خرست عنه الألسن ، وعظم محله في الصدور والأعين وخشي من كان عليه يطعن .

أنبأنا محمد بن عبد الله الحنائي ، نا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، نا عبد الله بن جابر الطرسوسي ، نا محمد بن العرجي العسكري ، قال : سمعت مسلماً الجرمي ، قال : سمعت وكيعاً يقول : لقيني أبو حنيفة ، فقال لي : لو تركت كتابة الحديث وتفقهت أليس كان خيراً ؟ قلت : أفليس الحديث يجمع الفقه كله ؟ قال : ما تقول في امرأة ادعت الحمل وأنكر الزوج ، فقلت له : حدثني عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي لاعن بالحمل فتركني . فكان بعد ذلك إذا رآني في طريق أخذ في طريق آخر .

أخبرني الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا أبو بكر بن أبي داود ، نا علي بن خشرم ، قال : سمعت وكيع غير مرة يقول : يا فتيان تفهموا فقه الحديث ، فإنكم ان تفهمتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي .

أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، نا أحمد بن علي الابار ، نا علي بن خشرم المروزي ، قال : سمعت وكيعاً يقول لأصحاب الحديث : لو أنكم تفقهتم الحديث وتعلمتموه ما غلبكم أصحاب الرأي ، ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه باباً .

ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه ، ويرجع في تفسير ما أشكل عليه ، ويتعرف منه طرق الاجتهاد ، وما يفرق به بين الصحة والفساد .

وقد أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي ، قال : نا عمر بن أحمد ابن عثمان المروروذي ، نا الحسين بن أحمد بن صدقة ، نا أحمد بن أبي خيثمة ، أخبرني سليمان بن أبي شيخ ، قال : أخبرني بعض الكوفيين قال : قيل لأبي حنيفة : في المسجد حلقة ينظرون في الفقه . فقال : لهم رأس ؟ قالوا لا قال : لا يفقه هؤلاء أبداً .

أخبرنا الحسن بن أبي طالب ، أنا علي بن عمرو الحريري ان علي بن محمد بن كاس النخعي حدثهم ، قال : نا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، نا أبو نعيم ، قال : كنت أمر على زفر وهو محتب بثوب فيقول : يا أحول تعال حتى أغربل لك أحاديثك ، فأريه ما قد سمعت ، فيقول : هذا يؤخذ به وهذا لا يؤخذ به وهذا ناسخ وهذا منسوخ .

حدثني محمد بن علي الصوري املاءًا ، نا عبد الرحمن بن عمر المصري ، نا محمد بن أحمد بن عبد الله بن وركان العامري ، نا إبراهيم بن أبي داود ، نا علي بن معبد ، نا عبيد الله بن عمرو ، قال : جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة وأبو حنيفة جاليس فقال الأعمش : يا نعمان قل فيها ، فأجابه فقال الأعمش : من أين قلت هذا ؟ فقال : من حديثك الذي حدثتناه ، قال : نحن صيادلة وأنتم أطباء .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، انا عبد الله بن محمد الشاهد ، نا مكرم بن أحمد ، نا أحمد بن عطية ( وأخبرنا ) الحسن بن علي الجوهري ، انا محمد بن العباس الخزاز ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ، قال : سمعت أبا إبراهيم المزني ، قال : انا علي بن معبد ، نا عبيد الله ابن عمرو ، قال : كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة ، فيقول له الأعمش : من أين لك هذا ؟ فيقول : أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا ، وحدثتنا عن الشعبي بكذا ، قال : فكان الأعمش عند ذلك يقول : يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة . واللفظ لحديث الصيمري .

أخبرنا أبو مسلم جعفر بن بابي الفقيه الجيلي ، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقري بأصبهان نا محمد بن خالد بن يزيد البرذعي ، قال : سمعت عطية بن بقية يقول : قال لي أبي : كنت عند شعبة بن الحجاج إذ قال لي : يا أبا محمد إذا جاءتكم مسألة معضلة من تسألون عنها ؟ قال : قلت في نفسي : هذا رجل قد أعجبته نفسه قال : قلت : يا أبا بسطام نوجه إليك وإلى أصحابك حتى تفتونا ، قال : فما كان إلا هنيهة إذ جاءه رجل فقال : يا أبا بسطام رجل ضرب رجلاً على أم رأسه فادعى المضروب أنه انقطع شمه قال : فجعل شعبة يتشاغل عنه يميناً وشمالاً ، فأومأت إلى الرجل أن ألح عليه ، فالتفت وقال : يا أبا محمد ما أشد البغي على أهله ، لا والله ما عندي فيه شيء ولكن أفته أنت ، قال قلت : يسألك وأفتيه أنا ؟ قال : فإني قد سألتك ، قال : قلت سمعت الأوزاعي والزبيري يقولان : يدق الخردل دقاً بالغاً ثم يشم فإن عطس كذب وإن لم يعطس صدق ، ) ﷺ : ( قال : جئت بها يا فقيه والله ما يعطس رجل انقطع شمه أبداً .

فإن قال قائل درس الفقه إنما يكون في الحداثة وزمان الشبيبة لأنه يحتاج إلى الملازمة ، وشدة الصبر عليه والمداومة ، ولا يقدر على ذلك من علت سنه ، ولا يطمع فيه من مضى أكثر عمره قيل ليس مما ذكرت مانع من طلبه ، ولأن تلق الله طالباً للعلم خير من أن تلقاه تاركاً له ، زاهداً فيه راغباً عنه .

وقد أخبرني عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني ، نا محمد بن أحمد المفيد ، نا الحسن بن علي البصري ، نا العباس بن بكار الضبي ، نا محمد بن الجعد القرشي عن الزهري وعلي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس ، أن رسول الله ﷺ قال : « من جاءه أجله وهو يطلب العلم لقيني ولم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة » .

وحدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الدمشقي ، انا تمام بن محمد الرازي ، أنا محمد بن أحمد بن عرفجة القرشي ، نا يزيد بن محمد بن عبد الصمد ، نا يحيى بن صالح ، نا ابن بدر ربيعة عن ربيعة بن يزيد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من طلب علماً فأدركه كان له كفلان من الأجر ، ومن لم يدركه كان له كفل من الأجر » .

وقال أبو محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي البصري ساكن الري :

صل السعي فيما تبتغيه مثابراً ......... لعل الذي استبعدت منه قريب

وعاوده أن اكدى بك السعي مرة ......... فبين السهام المخطئات مصيب

أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، نا الزبير بن بكار ، قال : دخل يوماً منصور بن المهدي على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه ، فقال : ما عندك فيما يقول هؤلاء ؟ قال : يا أمير المؤمنين أغفلونا في الحداثة ، وشغلنا الطلب عند الكبر عن اكتساب الأدب ، قال : لم لا تطلب اليوم وأنت في كفاية ؟ قال : أو يحسن بمثلي طلب العلم ؟ قال والله لأن تموت طالباً للعلم خير من أن تعيش قانعاً بالجهل ، قال وإلى متى يحسن بي ؟ قال ما حسنت بك الحياة .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، نا علي بن محمد بن عبد الله بن سعد العسكري ، نا أبو محمد بن خلاد الأرقط ، قال : قيل لأبي عمرو بن العلاء : أيحسن بالشيخ أن يتعلم ؟ قال : أن حسن بالشيخ أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم .

قرأت على ابن الفضل القطان عن أبي بكر النقاش ، قال : نا الحسين ابن خشرم بهرات ، نا الربيع ، قال : قال الشافعي : ما رأيت شيخاً له جدة لا يطلب العلم إلا رحمته كائناً من كان .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الله البصري ويعرف بابن الرويح ، نا أبو العلاء محمد ابن يوسف بن محمد حكام التمار بالبصرة ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن قريش العنبري ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا كثير بن عبيد ، قال : سمعت بقية يذكر عن الأوزاعي قال : إني لأحب الشيخ يطلب العلم .

وقال أبو داود ، نا أحمد بن إبراهيم ، نا يحيى العبدي ، قال : سمعت حماد بن زيد يقول : كان أيوب يطلب بالعلم حتى مات .

أخبرنا أحمد بن محمد العقيلي ، أنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب ، نا أبو بكر بن دريد ، قال : نظر سقراط إلى رجل يحب النظر في الفلسفة ويستحي ، فقال له يا هذا تستحي أن تصير في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله ؟ وانا أذكر كيف ينبغي أن يكون أخذ المتفقه الفقه ، وتلقيه عن المدرس ، والمذاكرة به ، والحفظ له ، ومقدار ما يمكنه حفظه ، ورياضته نفسه ، واجمامها خوف السآمة عليها ، واستعمال حسن الأدب بحضرة الفقيه وأصحابه ، وأخلاق الفقيه في تدريسه ، وما يستحب له ، ويكره منه ، وارتب ذلك ترتيباً إذا اعتمده طالب العلم سهل عليه مناله ، وكان على ما يقصده ويبغيه عوناً له ان شاء الله تعالى .

باب اخلاص النية والقصد بالفقه وجه الله عز وجل

ينبغي لمن اتسع وقته وأصح الله له جسمه وحبب إليه الخروج عن طبقة الجاهلين وألقى في قلبه العزيمة على التفقه في الدين أن يغتنم المبادرة إلى ذلك خوفاً من حدوث أمر يقتطعه عنه وتجدد حال تمنعه منه .

فقد أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، انا أحمد بن جعفر بن حمدان ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ، نا مكي بن إبراهيم ، نا عبد الله ن سعيد بن أبي هند سمع أباه يحدث عن ابن عباس ، انه قال : قال رسول الله : ﷺ : « الصحة والفراغ مغبون فيهما كثير من الناس » .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق وأبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، قالا : نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن المروزي ، أنا عبد الله بن المبارك ، انا جعفر بن برقان عن زياد بن الجراح عن عمرو بن ميمون الأزدي ، قال : قال رسول الله لرجل وهو يعظه : ﷺ : « اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك » .

وليستعمل الجد في أمره واخلاص النية في قصده ، والرغبة إلى الله في أن يرزقه علماً يوفقه فيه ، ويعيذه من علم لا ينتفع به .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على عمر بن نوح البجلي وعلى أبي حفص بن الزيات وعلى علي بن محمد بن سعيد الرزاز ، حدثكم جعفر بن محمد الفيريابي ، نا قتيبة بن سعيد ، نا عبد الله بن إدريس عن زمعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حيان عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، فأحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز » .

أخبرنا أبو محمد الجوهري ، انا محمد بن إسماعيل الوراق ومحمد بن العباس الخزاز ، قالا : نا يحيى بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، قال : انا عبد الله بن المبارك ، قال : سمعت جعفر بن حيان يقول : ملاك هذه الأعمال النيات ، فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، نا محمد بن المظفر الحافظ ، نا محمد بن محمد الباغندي ، نا عيسى بن حماد ، نا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عباد بن أبي سعيد ، انه سمع أبا هريرة يقول : كان رسول الله يقول : ﷺ : « اللهم إني أعوذ بك من أربع : من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعاء لا يسمع » .

وليحذر أن يكون قصده فيما يطلب المجادلة به ، والمماراة فيه ، وصرف الهمم إليه ، وأخذ الأعواض عليه .

فقد أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقريء ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو محمد عبد الله بن صالح ، نا الحسن بن علي الحلواني ، نا سعيد بن أبي مريم ، نا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجتروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار » .

أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني ، أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، نا عبيد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا علي بن الحسين المكتب ، نا سعد بن الصلت ، نا عمر بن قيس عن أبي حازم عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : « لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، أو لتماروا به السفهاء ، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، فمن فعل ذلك فهو في النار ، ولكن تعلموه لوجه الله والدار الآخرة » .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا محمد بن إسحاق الصاغاني ، نا يعلى بن عبيد ، نا محمد بن عون الخراساني عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله ابن مسعود قال لا تعلموا العلم لثلاث : لتماروا به السفهاء ، أو لتجادلوا به الفقهاء ، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويذهب ما سواه .

أخبرنا علي بن أحمد المقريء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني ، نا بشر بن الوليد ، انا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة » .

أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا الحسن بن جعفر الحربي ، قال : نا جعفر بن محمد الفريابي نا العباس بن الوليد بن مزيد ، حدثني أبي ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : ويل للمتفقهين لغير العبادة ، والمستحلين الحرمات بالشبهات .

أخبرني أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، نا الحسن بن الحسين بن حمكان الهمداني ، نا الزبير ابن عبد الواحد ، نا الحسن بن سفيان ، نا أبو ثور ، قال : قال الشافعي لأهل الحلقة : تفقهوا مع فقهكم هذا بمذاهب أهل الاخلاص ، ولا تفقهوا بما يوديكم إلى ركوب القلاص ، فإن عيسى بن مريم إذا نزل لكم يطلب يا معشر الفقهاء .

باب التفقه في الحداثة وزمن الشبيبة

أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن يزداد القاريء ، انا عبد الله بن إبراهيم بن عبد الملك الأصبهاني بها ، نا محمد بن علي الفرقدي ، نا إسماعيل بن عمرو ، نا جرير بن عبد الحميد عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس ، قال : ما بعث الله نبياً إلا شاباً ، وما أوتي العلم عالم خير له منه وهو شاب .

أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي ، نا عمر بن إبراهيم المقري ، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا أبو خيثمة ، نا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان ، قال : صلينا يوماً خلف أبي ظبيان صلاة الأولى ونحن شباب كلنا من الحي إلا المؤذن فإنه شيخ فلما أن سلم التفت إلينا ثم جعل يسأل الشاب من أنت ؟ فلما سألهم قال : انه لم يبعث نبي إلا وهو شاب ولم يؤت العلم خير منه وهو شاب .

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، حدثني أبي ، نا الحسين بن محمد بن سعد ، نا الربيع بن سليمان ، نا شعيب بن الليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه ، ان لقمان الحكيم قال لابنه : يا بني ابتغ العلم صغيراً فإن ابتغاء العلم يشق على الكبير ، يا بني ان الموعظة تشق على السفيه كما يشق الوعر الصعود على الشيخ الكبير .

أخبرنا محمد بن الحسن بن الفضل القطان ، نا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان حدثني زيد بن بشر وعبد العزيز يعني ابن عمران ويونس هو ابن عبد الأعلى قالوا : انا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : قال هشام بن عروة : كان أبي يقول : انا كنا أصاغر قوم ثم نحن اليوم كبار ، وإنكم اليوم أصاغر وستكونون كباراً ، فتعلموا العلم تسودوا به قومكم ويحتاجوا إليكم .

أخبرنا الجوهري ، نا محمد بن العباس ، نا أبو بكر بن الأنباري املاءاً ، نا أحمد بن يحيى عن سلمة عن الفراء ، قال : يقال خير الفقه القبلي ، وشر الفقه الدبري قال يعني الفراء : الدبري ما كان في آخر العمر بعد تقضي الشباب . قال أحمد بن يحيى وقال غيره يعني غير الفراء : الفقه القبلي : ما حاضرت به وحفظته ، والدبري : ما كان في كتابك وأنت لا تحفظه .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : التفقه في زمن الشبيبة واقبال العمر والتمكن منه بقلة الأشغال وكمال الذهن وراحة القريحة يرسخ في القلب ، ويثبت ، ويتمكن ويستحكم ، فيحصل الانتفاع به والبركة إذا صحبه من الله حسن التوفيق ، وإذا أهمل إلى حالة الكبر المغيرة للأخلاق الناقصة للآلات كان كما قال الشاعر :

إذا أنت أعياك التعلم ناشئاً ......... فمطلبه شيخاً عليك شديد

أخبرني الجوهري ، انا محمد بن عبد الله بن أيوب القطان ( وأخبرني ) أبو الطيب عبد العزيز بن أبي الحسين بن بشران ، انا محمد بن العباس الخزاز ، قال القطان : أخبرنا وقال الخزاز : نا أبو العباس إسحاق ابن محمد بن مروان ، نا أبي ، نا إسحاق بن وزير عن عبد الملك بن موسى عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « حفظ الغلام كالوسمة في الحجر » .

هذا آخر حديث الجوهري وقال ابن بشران : كالنقش في الحجر ، وحفظ الرجل بعد ما كبر ككتاب على الماء .

أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي الزاهد ، انا عمر بن محمد بن علي الناقدد قال : نا عبد الله بن صالح البخاري ، نا عقبة بن مكرم ، نا أبو شعيب المفضل بن نوح ( وأخبرنا ) القاضي أبو القاسم التنوخي واللفظ له ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا العباس بن العباس الجوهري ، نا عبد الله بن عمرو البلخي ، نا المفضل بن نوح الراسبي عن يزيد بن معمر ، قال : سمعت الحسن يقول الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر .

أخبرنا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله النيسابوري الحربي ، نا أبو العباس محمد ابن إسحاق الأنماطي ، نا أبو بكر محمد بن إسحاق ابن خزيمة نا صالح بن السمسار ، نا زيد بن حباب ، نا مفضل بن نوح الراسبي ، قال : حدثني يزيد بن معمر الراسبي عن الحسن البصري ، قال : التعلم في الصغر كالنقش في الحجر .

أخبرنا أبو الحسن العتيقي ، نا محمد بن العباس ، نا العباس بن العباس الجوهري ، نا عبد الله بن عمرو ، نا الجراح بن مخلد ، نا الحسن بن قال : نا محمد بن عن القاسم بن نافع وهو القاسم بن أبي بزة قال : العلم في الصغر كالنقش في الحجر وقال بعض الشعراء :

وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر ......... وما العلم إلا بالتعلم في الصغر

ولو ثقب القلب المعلم في الصبا ......... لألفيت فيه العلم كالنقش في الحجر

أخبرنا ابن الفضل ، انا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : نا أبو نعيم ، نا الأعمش عن إبراهيم ، قال : قال علقمة : ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة .

أخبرنا محمد بن عبد الله الرويح ، نا محمد بن يوسف بن محمد بن حكام التمار ، نا إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا ابن خبيق الأنطاكي ، نا محمد بن كثير عن معمر قال : جالست قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه شيئاً وأنا في ذلك السن إلا وكأنه مكتوب في صدري .

حدثني محمد بن أحمد بن علي الدقاق ، نا أحمد بن إسحاق بن النهاوندي ، نا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ، نا أبو جعفر الحضرمي ، نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، نا الفضل بن موسى عن محمد ابن عبد الله عن أبي إسحاق ، قال : كان يختلف شيخ معنا إلى مسروق وكان يسأله عن الشيء فيخبره فلا يفهم فقال : أتدري ما مثلك ؟ مثلك مثل بغل هرم حطم جرب دفع إلى رائض فقيل له علمه الهملجة .

وينبغي للمتفقه أن يقطع العلائق ، ويطرح الشواغل فإنها موانع عن حفظ العلم ، وقواطع عن درس الفقه .

باب حذف المتفقه العلائق

كان بعض الفلاسفة لا يعلم أحداً يتعلق بشيء من الدنيا ويقول : العلم أجل من أن يشغل عنه بغيره .

أخبرنا الحسين بن علي الصيمري ، انا عبد الله بن محمد الشاهد ، نا مكرم بن أحمد ، ثنا أبو العباس ابن أخي جبارة ، نا مليح بن وكيع ، قال : سمعت رجلاً يسأل أبا حنيفة بم يستعان على الفقه حتى يحفظ ؟ قال : بجمع الهم ، قال : قلت : وبم يستعان على حذف العلائق ، قال : تأخذ الشيء عند الحاجة ولا تزد .

أخبرنا أحمد بن علي بن أيوب العبكري إجازة ، انا علي بن أحمد بن أبي غسان البصري ، نا زكريا ابن يحيى الساجي ( وأنا ) محمد بن عبد الملك القرشي قراءة ، انا عياش بن الحسين البندار ، نا محمد ابن الحسين الزعفراني أخبرني زكريا الساجي ، نا أحمد بن مردك ، قال : سمعت حرملة يقول : سمعت الشافعي يقول : لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح .

أخبرنا أبو بكر الرماني ، نا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص املاءا وقرأته عليه ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا أحمد بن صالح ، نا ابن أبي فديك ، حدثني ابن أبي ذيب عن المقبري عن أبي هريرة ، انه كان يقول : أن الناس يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله لشبع بطني حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير ولا يخدمني فلان وفلانة وكنت ألصق قلبي أو قال : بطني بالحصى من الجوع .

ولأبي الفرج علي بن الحسين بن هندول :

ما للمعيل وللمعالي إنما ........يسعى إليهن الوحيد القادر

فالشمس تجتاب السماء وحيدة ..............وأبو بنات النعش فيها راكد

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة ، قال : قال أبو الدرداء : كنت تاجراً قبل أن يبعث رسول الله فزاولت التجارة والعبادة فلم تجتمعا فأخذت العبادة وتركت التجارة .

وقيل : لا معلم للعلم إلا أحد رجلين اما غني غني وإما فقير فقير ، فقال : بعضهم أنا للفقير الفقير أرجى مني للغني الغني .

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد الواعظ ، قال : سمعت جعفر بن محمد بن نصير الخلدي يقول : سمعت إبراهيم الآجري يقول : من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم .

أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي ، انا عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني ، انا عبد الله بن محمد بن مسلمة ، نا يونس بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب عن مالك بن أنس ، قال : لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضربه الفقر ويؤثره على كل شيء .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، انا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى ، قال : سمعت جدي يقول : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : لا يدرك العلم إلا بالصبر على الضر .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر وعلي بن أبي علي ، قالا : انا علي بن عبد العزيز البرذعي ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي يقول : لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس فقيل : ولا الغني المكفي ؟ فقال : ولا الغني المكفي .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني ، قال : سمعت أبا العباس محمد ابن يعقوب الأصم يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : يحتاج طالب العلم إلى ثلاث خصال : أولها طول العمر ، والثانية سعة اليد ، والثالثة الذكاء .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت أما طول العمر فإنما يقصد به دوام الملازمة للعلم وأراد بسعة اليد الا يشتغل بالاحتراف وطلب التكسب ، فإذا استعمل القناعة أغنته عن كثير من ذلك .

كما أخبرنا محمد ابن الحسن بن أحمد الأهوازي ، نا محمد بن إسحاق بن إبراهيم القاضي بالأهواز ، نا أحمد بن أبي قلابة ، نا محمد بن سلمة ، نا المنكدر بن محمد عن أبيه عن جابر ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « القناعة مال لا ينفذ » .

أخبرني الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، قال : أنشدنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال أنشدني أبو الحسن بن لقمان الصوفي لنفسه :

إذا ما اقتنع العبد ..........كفاه أيسر الرزق

وإذ أعمق في الرزق ...........تراه الدهر في الرق

وإذا رزقه الله تعالى الذكاء فهو إمارة سعادته وسرعة بلوغه إلى بغيته .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، نا أبو الفرج عبيد الله بن أحمد ابن ، حدثني أبو عمر الزاهد ، انا ثعلب عن سلمة عن الفراء ، قال : إني لأرحم رجلين : بليداً يطلب ، وذكياً لا يطلب .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أحمد الجواليقي ، نا محمد بن يحيى الصولي ، ثنا ثعلب عن سلمة عن الفراء قال ارحموا رجلين : رجلاً يفهم ولا يطلب ، ورجلاً يطلب ولا يفهم .

وأخبرني عمر بن إبراهيم الفقيه ، نا الحسن بن الحسين بن حمكان ، نا محمد بن الحسن النقاش نا محمد بن يونس ، نا الأصمعي ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول : الطبع أرض ، والعلم بذر ولا يكون العلم إلا بالطلب ، فإذا كان الطبع مائلاً زكا ريع العلم وتفرعت معانيه .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ قلت : والبلادة داء عسير برؤه ، عظيم ضره .

أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : كما لا ينبت المطر الكثير الصحر كذلك لا ينفع البليد كثرة التعليم .

أخبرنا الحسن بن أبي طالب ، نا عبد الله بن محمد المقري ، نا أبو بكر الصولي ، نا جبلة بن محمد ، نا أبي ، قال : جاء رجل إلى ابن شبرمة فسأله عن مسألة ففسرها له ، فقال : لم أفهم ، فأعاد فقال : لم أفهم ، فقال له : إن كنت لم تفهم فستفهم بالإعادة ، وإن كنت لم تفهم لأنك لا تفهم فهذا داء لا دواء له .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل قالا : أنا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي النحوي ، قال : سأل رجل يوماً أبا بكر بن الحناط عن مسألة ، فجعل أبو بكر يفهمه وهو لا يفهم ويرى الناس انه قد فهم ، فقال أبو بكر : رأيت المبرد يوماً يفهم رجلاً من بني ثوابة معنى ما وهو يريه انه فهم به وما كان يدري شيئاً منه ، فقال المبرد : أنشدني المازني لصالح بن عبد القدوس :

وان عناء أن تفهم جاهلاً ........فيحسب جهلا انه منك أفهم

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ...........إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

متى يرعوي عن سيء من أتى به .......إذا لم يكن منه عليه تندم

باب اختيار الفقهاء الذين يتعلم منهم

ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة ، وعرف بالستر والصيانة ، فقد أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله الحربي ، نا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا هدبة بن خالد ، نا مهدي بن ميمون ، قال : سمعت محمد بن سيرين ، قال : إنما هذا العلم دين فأنظروا عن من تأخذون .

وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله ، انا أحمد بن سلمان ، نا محمد بن عبدوس بن كامل ، نا أحمد ابن إبراهيم الموصلي ، نا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد ، قال : ان هذا العلم دين فأنظروا عن من تأخذونه .

قال وذكر ابن عون أيضاً وأخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا عبد الله بن إسحاق البغوي ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا علي بن عاصم ، نا ابن عون ، قال : قال محمد بن سيرين : ان هذا العلم دين فأنظروا عن من تأخذونه .

فيكون قد رسم نفسه بادآب العلم من استعمال الصبر ، والحلم ، والتواضع للطالبين ، والرفق بالمتعلمين ، ولين الجانب ، ومداراة الصاحب ، وقول الحق ، والنصيحة للخلق ، وغير ذلك من الأوصاف الحميدة ، والنعوت الجميلة ، وقد جاء عن علي بن أبي طالب خبر جمع فيه ما فصلناه ، وما أشرنا إليه مما أجملناه .

أخبرنا به أبو القاسم الأزهري وأحمد بن عبد الواحد الوكيل ، قالا : انا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي ، أنا أبو أحمد الجلودي عن ابن زكويه عن العتبي عن أبيه ، قال : قال علي بن أبي طالب : يا طالب العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة ، فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، وأذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حسن النية ، وعقله معرفة الأشياء والأمور الواجبة ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرة النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وفرسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، وماؤه الموادعة ، ودليله الهدى ، ورفيقه صحبة الأخيار .

فيكون قد أخذ فقهه من أفواه العلماء لا من الصحف فقد أخبرنا ابن الفضل أبا عبيد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، حدثني أبو سعيد ، نا الوليد وسويد عن سعيد عن سليمان يعني ابن موسى قال : لا تقرؤا القرآن على المصحفين ، ولا تأخذوا العلم من الصحفيين .

أبو سعيد هذا هو عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدحيم الدمشقي ، والوليد هو ابن مسلم ، وسويد هو ابن عبد العزيز ، وسعيد هو ابن عبد العزيز التنوخي .

أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن عبد الله بن إبراهيم بن مصعب الأصبهاني بها ، نا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ، نا ابن أبي عاصم املاء ، نا أبو التقي هشام بن عبد الملك ، ( وأخبرنا ) أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد أحمد بن رزقويه ، انا أبو العباس أحمد ابن محمد الرازي ، أنا أحمد بن محمد بن الحسين الكاغدي ، نا أبو زرعة الرازي ، نا هشام بن عبد الملك الحمصي ، نا بقية ، قال : سمعت ثور بن يزيد يقول : لا يفتي الناس الصحفيون .

هذا لفظ بن أبي عاصم وآخر حديثه ، وقال أبو زرعة : لا يفتي الناس صحفي ، ولا يقرئهم مصحفي .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، انا إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله واختلاف الصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا بالإسناد القوي من الضعيف ، فيجوز له أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب منها يفتي به ويعمل به ؟ قال : لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح ، يسأل عن ذلك أهل العلم . ويكون حاله في معرفته بالفقه ظاهرة ، وفي الاعتناء به صرف الاهتمام إليه معلومة .

فقد أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا محمد بن الحسن بن مقسم المقري ، قال : نا الفيريابي ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : سمعت خالي مالك بن أنس يقول : ان هذا العلم دين فأنظروا عن من تأخذون دينكم ، لقد أدركت سبعين ممن يقول قال فلان قال رسول الله عند الأساطين وأشار إلى مسجد النبي فما أخذت عنهم شيئاً ، وإن أحدهم لو أوتمن على مال لكان أميناً لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، ويقدم علينا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب فيزدحم على بابه .

باب تعظيم المتفقه الفقيه وهيبته إياه وتواضعه له

أخبرني أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله النجار ، نا محمد بن جعفر بن أحمد المعدل ثنا أبو عثمان سعيد بن محمد أخو زبير ، نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي يقول : نا أبو حمزة عن جابر عن عامر الشعبي عن البراء بن عازب ، قال : لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله عن الأمر ، فأوخره سنتين من هيبته ولقد كنت ألقاه كل يوم .

أخبرنا الرماني ، قال : قرأت على أبي بكر الإسماعيلي ، أخبرك عبد الله بن محمد بن مسلم وموسى ابن العباس ، قالا : نا الربيع بن سليمان ، نا ابن وهب ، أخبرني سليمان يعني ابن بلاب حدثني يحيى بن سعيد أخبرني عبيد بن حنين ، انه سمع عبد الله بن عباس يحدث ، قال : مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر ابن الخطاب عن آية فلا أستطيع ان أسأله هيبة .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان نا عبيد الله بن موسى وأبو نعيم ، قالا : نا رزين عن الشعبي ، قال : ذهب زيد بن ثابت ليركب ووضع رجليه في الركاب فأمسك ابن عباس بالركاب ، فقال : تنح يا ابن عم رسول الله ، قال : لا ، هكذا نفعل بالعلماء والكبراء .

حدثني محمد بن علي الصوري ، قال : سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن علي الأذنُوي النحوي يقول : إذا تعلم الإنسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد قال الله تعالى : ( { وإذ قال موسى لفتاه } ) [2] وهو يوشع بن نون ولم يكن مملوكاً له وإن كان متلمذاً له متبعاً له فجعله الله فتاه لذلك .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الشروطي ، نا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري ، نا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ، نا أبي ، نا أحمد بن عبيد ، أنا ابن الأعرابي وسهل ابن هارون ، قالا : قال علي بن أبي طالب : من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تعنته في الجواب ، ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ، ولا تفشي له سراً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تجلس أمامه ، وإذا أتيته خصصته بالتحية ، وسلمت على القوم عامة ، وأن تحفظ سره ومغيبه ما حفظ أمر الله . فإنما العالم بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أفضل من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ، وإذا مات العالم شيعه سبعة وسبعون ألفاً من مقربي السماء وإذا مات العالم انثلم بموته في الإسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة .

باب ترتيب أحوال المبتديء بالتفقه

ينبغي للمبتديء إذا حضر مجلساً للتفقه أن يقرب من الفقيه حتى يكون بحيث لا يخفى عنه شيء مما يقوله ، ويصمت ويصغي إلى كلامه

فقد أخبرنا عبد الله بن أبي اللفتح الفارسي ، نا أحمد بن محمد بن عمر عن ابن دريد عن عبد الرحمن يعني ابن أخي الأصمعي عن عمه ، قال : سمعت أبا عمرو بن العلا يقول : أول العلم الصمت ، والثاني حسن السؤال ، والثالث حسن الاستماع ، والرابع حسن الحفظ ، والخامس نشره عند أهله .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو يعلى الوكيل ، قالا : انا محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، انا أبو بكر الخياط ، نا المبرد ، نا المازني ، قال : قال الأصمعي : قال الخليل : حين أردت النحو أتيت الحلقة فجلست سنة لا أتكلم ، إنما أسمع فلما كانت السنة الثانية نظرت فلما كانت السنة الثالثة تدبرت فلما كانت السنة الرابعة سألت وتكلمت .

ويلازم حضور المجلس ، واستماع الدرس ، وإذا مضى له برهة في الحضور وأنس بما سمع سأل الفقيه أن يملي عليه من أول الكتاب شيئاً ، ويكتب ما يملي ، ثم يعتزل وينظر فيه ، فإذا فهمه انصرف وطالعه وكرر مطالعته حتى يعلق بحفظه ، ويعيده على نفسه حتى يتقنه فإذا حضر المجلس بعد سأل الفقيه أن يستمعه منه ، ويذكره له من حفظه ، ثم يسأل الفقيه املاء ما بعده ويصنع فيه كصنيعه فيما تقدم .

أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، انا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي ، نا عثمان بن سعيد الدارمي ، قال : سمعت يزيد بن موهب يقول : سمعت ضمرة يقول : العقل الحفظ ، واللب الفهم ، والحلم الصبر .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقري ، نا مكرم بن أحمد ، نا أحمد ابن عطية ، نا منجاب ، نا شريك عن حصين ، قال : جاءت امرأة إلى حلقة أبي حنيفة وكان يطيل الكلام فسألته عن مسألة له ولأصحابه فلم يحسنوا فيها شيئاً من الجواب ، فانصرفت إلى حماد بن أبي سليمان فسألته فأجابها ، فرجعت إليه فقالت : غررتموني ، سمعت كلامكم فلم تحسنوا شيئاً ، فقام أبو حنيفة فأتى حماداً فقال له : ما جاء بك ؟ قال : أطلب الفقه . قال : تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئاً حتى يتفق لك شيء من العلم فتعلم ولزم الحلقة حتى فقه فكان الناس يشيرون إليه بالأصابع .

وينبغي له أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر ، بل يأخذ قليلاً قليلاً حسب ما يحتمله حفظه ، ويقرب من فهمه فإن الله تعالى يقول : ( { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا } ) [3] .

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطرازي بنيسابور ، انا أبو حامد ابن أحمد بن علي بن حسنويه المقري ، نا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : نا خلاد بن يحيى ، نا أبو عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « ان هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى » .

ولا ينبغي أن يستفهم من الفقيه حكم الفصل الذي يذكره له قبل أن يتمم الفقيه ذكره ، فربما وقع له النسيان عند انتهاء الكلام قال الله تعالى ( { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه } ) [4] . فإن انتهى كلام الفقيه ولم يبن له الحكم سأله عنه حينئذ فإن شفاء العي السؤال .

أخبرنا القاضي أبو زرعة روح بن محمد بن أحمد الرازي ، نا أبو سهل أحمد بن محمد بن جمال الجواليقي لفظاً ، نا أبو عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى الضريس ، انا مسدد ، أنا معتمر عن حميد عن أنس ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » . قالوا : يا رسول الله هذا أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ ﷺ قال : « تأخذ فوق يديه » .

وينبغي أن يراعي ما يحفظه ، ويستعرض جميعه كلما مضت له مدة ، ولا يغفل ذلك فقد كان بعض العلماء إذا علم إنساناً مسألة من العلم سأله عنها بعد مدة ، فإن وجده قد حفظها علم أنه محب للعلم فأقبل عليه وزاده ، وإن لم يره قد حفظها وقال له المتعلم : كنت قد حفظتها فأنسيتها ، أو قال : كتبتها فأضعتها ، أعرض عنه ولم يعلمه .

وينبغي ألا يسأل الفقيه أن يذكر له شيئاً إلا ومعه سلامة الطبع ، وفراغ القلب ، وكمال الفهم ، لأنه إذا حضره ناعساً أو مغموماً ، أو مشغول القلب ، أو قد بطر فرحاً ، أو امتلأ غضباً لم يقبل قلبه ما سمع وإن ردد عليه الشيء وكرره ، فإن فهم لم يثبت في قلبه ما فهمه حتى ينساه ، وإن استعجم قلبه عن الفهم كان ذلك داعية الفقيه إلى الضجر وللمتعلم إلى الملل .

وكلما ذكرت انه يلزم المتعلم افتقاده من نفسه فإن على الفقيه مثيله إلا أن المتعلم يحتاج من ذلك إلى أكثر مما يحتاج إليه الفقيه لأنه يريد أن يسمع ما لم يكن سمعه من قبل ، فيريد أن يتعرفه ، وأن يتحفظه والفقيه فهم لما يريد أن يلقيه حافظ لما يقصد أن يحكيه ، فإذا كان الفقيه من الحفظ والمعرفة على ما ذكرت ويلزمه ما وصفت من افتقاد نفسه ، والمتعلم يريد أن يلقي إلى قلبه ما لا يعرفه وقلبه نافر عنه ونفسه تستثقل التعب والأكباب على الطلب فهو يحتاج من فراغ القلب إلى أكثر مما يحتاج إليه الفقيه ، ويحتاج إلى صبر شديد على الاستذكار والترديد .

ولهذا قال الشافعي فيما أخبرنا محمد بن عيسى الهمذاني ، نا صالح بن أحمد التميمي ، نا محمد ابن حمدان الطرائفي ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : والناس طبقات في العلم ، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فيه ، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، واخلاص النية لله في ادراك علمه نصاً واستنباطاً والرغبة إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خيراً إلا بعونه .

أخبرنا الحسن بن محمد الخلال ، نا عبد الله بن محمد الفقيه ، نا محمد بن يحيى بن عبد الله النديم ، نا محمد بن يزيد المبرد ، نا عمرو بن بحر ، قال : سمعت إبراهيم بن سيار النظام يقول : العلم شيء لا يعطيك بعضة حتى تعطيه كلك ، وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعض على خطر .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج ، انا أبو محمد عبد الله بن محمد الرازي ، انا أبو شعيب الحراني ، نا يحيى بن أيوب ، نا علي بن ثابت ، نا أيوب بن عتبة ، قال : قال يحيى بن أبي كثير : لا يستطاع طلب العلم براحة الجسم .

أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد الوراق ، نا عمر بن محمد بن علي الناقد أبو حفص . وأبو الحسين عبد الله بن إبراهيم النرسي ، قالا : نا الوليد بن مسلم ، نا الأوزاعي ، قال : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : ليس يطلب العلم براحة البدن . بلغني عن بعض الحكماء انه قال : أيها المتعلم انك ان لم تصبر على تعب العلم صبرت على شقاء الجهل .

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي ، أنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب ، نا أبو بكر بن دريد ، قال : قال أفلاطون محب الشرف هو الذي يتعب نفسه بالنظر في العلم .

باب القول في التحفظ وأوقاته وإصلاح ما يعرض من علله وآفاته

أعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها وللحفظ أماكن ينبغي للمتحفظ أن يلزمها فأجود الأوقات الأسحار ، ثم بعدها وقت انتصاف النهار ، وبعدها الغدوات دون العشيات ، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار ، قيل لبعضهم بم أدركت العلم ؟ قال : بالمصباح والجلوس إلى الصباح . وقيل لآخر فقال : بالسفر ، والسهر ، والبكور في السحر .

أخبرنا العتيقي ، انا أبو مسلم الكاتب ، نا أبو بكر بن دريد ، قال : سأل شاب جاهل أفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت ؟ قال : لأني أفنيت من الزيت أكثر مما شربت أنت من الشراب . وبلغني أن رجلاً قال لأفلاطون : ألم نكن جميعاً في مكتب واحد ؟ قال : بلى ، قال : فكيف صرت تعلو منبر التعليم وحظي من العلم ما تراه ؟ قال : ذلك لأن ديناري كان محمولاً إلى الزيات ودينارك كان محمولاً إلى الخمار .

وقال أبو القاسم السعدي ابن عم أبي نصر بن نباتة :

أعاذلتي على إتعاب نفسي ......... ورعيي في السرى روض السهاد

إذا شام الفتى برق المعالي ......... فأهون فائت طيب الرقاد

وأجود أماكن الحفظ الغرف دون السفل ، وكل موضع بعيد مما يلهي وخلا القلب فيه مما يفزعه فيشغله ، أو يغلب عليه فيمنعه ، وليس بالمحمود أن يتحفظ الرجل بحضرة النبات والخضرة ولا على شطوط الأنهار ولا على قوارع الطرق فليس يعدم في هذه المواضع غالباً ما يمنع من خلو القلب وصفاء السر ، وأوقات الجوع أحمد لللتحفظ من أوقات الشبع ، وينبغي للمتحفظ أن يتفقد من نفسه حال الجوع فإن بعض الناس إذا أصابه شدة الجوع والتها به لم يحفظ ، فليطفىء ذلك عن نفسه بالشىء الخفيف اليسير كمص الرمان وما أشبه ذلك ، ولا يكثر الأكل .

فقد أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا أبو زيد أحمد بن عبد الرحيم بن يزيد الحوطي ، نا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، نا سليمان بن سليم الكناني ، قال : حدثني يحيى بن جابر الطائي عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه ، قال :

قال رسول الله : ﷺ : « ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن ، حسب ابن آدم اكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلثا طعاماً وثلثا شراباً وثلثا لنفسه » .

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي وأبو منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق ، قالا : انا أحمد ابن جعفر بن حمدان القطيعي ، نا محمد بن يونس ، نا الأصمعي ، قال : وعظ اعرابي أخاً له فقال يا أخي انك طالب ومطلوب ، فبادر الموت ، واحذر الفوت ، وخذ من الدنيا ما يكفيك ، ودع منها ما يطغيك ، وإياك والبطنة فإنها تعمي عن الفطنة .

أخبرنا الحسين بن الحسين بن العباس النعالي ، انا أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح الذارع بالنهروان ، نا حرب بن محمد ، نا أبي ، نا العتبي ، قال : قال عمر بن هبيرة لملك الروم : ما تعدون الأحمق فيكم ؟ قال : الذي يملأ بطنه من كل شيء يجد .

وليتعاهد نفسه باخراج الدم فقد أخبرني أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله القاضي بالدينور انا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني الحافظ ، حدثني أحمد بن يحيى بن زهير ، نا عمر بن الخطاب السجستاني ، نا اصبغ بن الفرج ، نا ابن وهب ، نا شمر بن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ، أن النبي أمر بالحجامة والافتصاد .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد ، انا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، انا الحسن ابن محمد بن أحمد بن محمد بن محمي أبو علي قراءة عليه ، نا سويد هو ابن سعيد نا عثمان بن مطر عن عثمان ومحمد بن جحادة عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال : انه قد تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاما واجعله رفيقاً ان استطعت . ولا تجعله شيخاً كبيراً ، ولا صبياً صغيراً فإني سمعت النبي يقول : ﷺ : « الحجامة على الريق أمثل ، وفيه شفاء وبركة ، وهو يزيد في العقل وفي الحفظ » .

فإن كان له عادة لشرب المطبوخ من الدواء فلا يقطع عادته .

فقد أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا أبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي ، أنا محمد بن يوسف ، قال : نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله رفعه ، قال : ان الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا .

أخبرنا أبو نعيم ، نا عبد الله بن جعفر ، نا أبو مسعود ، انا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن زرعة بن عبد الرحمن عن مولى لمعمر عن أسماء بنت عميس ، قالت : قال لي النبي : ﷺ : « بماذا تستمشين ؟ » قالت بالشبرم ، فقال النبي : ﷺ : « حارٌّ ، يارٌّ » . ﷺ قال : « أين أنت من السنا فلو كان في شيء شفاء من الموت لكان السنا » .

أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي ، انا أحمد بن نصر بن عبد الله الذارع ، نا صدقة بن موسى ، نا أبي ، نا الأصمعي ، قال : جمع هارون الرشيد أربعة من الأطباء عراقياً ، ورومياً ، وهندياً ، وسوادياً ، فقال : يصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء له . فقال له الرومي : الدواء الذي لا داء فيه حب الرشاد الأبيض . وقال الهندي : الدواء الذي لا داء فيه الماء الحار . وقال العراقي : الدواء الذي لا داء فيه الهليلج الأسود . والسوادي ساكت وكان أحذقهم فقيل له تكلم ، فقال : حب الرشاد يولد الرطوبة ، والماء الحار يرخي المعدة ، والهليلج الأسود يحرق المعدة . قالوا له فأنت ما تقول ؟ فقال : الدواء الذي لا داء فيه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه .

ومن أنفع ما استعمل اصلاح الغذاء ، واجتناب الأطعمة الرديئة وتنقية الطبع من الأخلاط المفسدة . وقد جاء في الحمية أثر عن النبي : أخبرناه القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا هارون بن عبد الله ، نا أبو داود وأبو عامر لفظ أبي عامر عن فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن ابن صعصة الأنصاري ، عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت : دخل عليَّ رسول الله ومعه علي ، وعلي ناقه ، ولنا دوال معلقة ، فقام رسول الله يأكل منها ، وقام علي ليأكل ، فطفق رسول الله يقول لعلي : ﷺ : « مه انك ناقه » حتى كف علي ، قالت : وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به ، فقال رسول الله : ﷺ : « يا علي اصب من هذا فهو أنفع لك » .

فمن راعى ما رسمت له من اصلاح الغذاء ، وتنقية الطبع ، وفرغ قلبه ، لم يكد يسمع شيئاً إلا سهل عليه حفظه ان شاء الله .

باب ذكر مقدار ما يحفظه المتفقه

اعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء ، وتعجز عن أشياء ، كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل ، ومنه من يعجز عن عشرين رطلاً ، وكذلك منهم من يمشي فراسخ في يوم لا يعجزه ، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به ، ومنهم من يأكل من الطعام أرطالاً ، ومنهم من يتخمه الرطل فما دونه ، فكذلك القلب : من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة ، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام . فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبها بغيره لحقه الملل ، وأدركه الضجر ، ونسي ما حفظ ، ولم ينتفع بما سمع . فليقتصر كل امريء من نفسه على مقدار يبقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه ، فإن ذلك أعون له على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان ، حدثكم الحسن ابن محمد القماني ، نا أبو الأشعث ، نا خالد بن الحارث ، نا حميد ، قال : سئل أنس ان شاء الله عن صلاة النبي وصومه ، فقال : كان يصوم الشهر حتى نقول لا يريد أن يفطر منه شيئاً ؟ ويفطر حتى نقول لا يريد أن يصوم منه شيئاً ، وما كنا نشاء أن نراه من الليل مصلياً إلا رأينا ، ولا نائماً إلاَّ رأيناه .

قال بعض الحكماء : ان لهذه القلوب تنافراً كتنافر الوحش ، فألفوها بالاقتصاد في التعليم ، والتوسط في التقويم ، لتحسن طاعتها ويدوم نشاطها . ولا ينبغي أن يمزج نفسه فيما يستفرغ مجهوده ، وليعلم انه ان فعل ذلك فتعلم في يوم ضعف ما يحتمل أضر به في العاقبة ، لأنه إذا تعلم الكثير الذي لا طاقة له به وإن تهيأ له في يومه ذلك أن يضبطه وظن انه يحفظه فإنه إذا عاد من غد وتعلم نسي ما كان تعلمه أولاً ، وثقلت عليه إعادته ، وكان بمنزلة رجل حمل في يومه ما لا يطيقه فأثر ذلك في جسمه ، وكذلك إذا فعل في اليوم الثالث ويصيبه المرض وهو لا يشعر .

ويدل على ما ذكرته أن الرجل يأكل من الطعام ما يرى انه يحتمله في يومه مما يزيد فيه على قدر عادته فيعقبه ذلك ضعفاً في معدته ، فإذا أكل في اليوم الثاني قدر ما كان يأكله أعقبه لباقي الطعام المتقدم في معدته تخمة

فينبغي للمعلم أن يشفق على نفسه.....من تحميلها فوق طاقتها .

ويقتصر من التعليم على ما يبقى.......عليه حفظه ويثبت في قلبه .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا الحسين بن صفوان ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، نا أبو خيثمة ، ثنا بن عيينة عن عمرو عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال له النبي : ﷺ : « ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار » ؟ فقلت : إني أفعل ذلك . ﷺ قال : « انك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ، ونقهت نفسك ، لعينك حق ، ولنفسك حق . فصم وأفطر وصل ونم » .

قال ابن أبي الدنيا : قال أبي : نقهت نفسك عن الشيء إذا ملت ، قلت : فلم تشتهه ﷺ : « وهجمت عينك » إذا سالت بالدموع .

وينبغي أن يجعل لنفسه مقداراً كلما بلغه وقف وقفته أياماً لا يريد تعلما ، فإن ذلك بمنزلة البنيان ، ألا ترى أن من أراد أن يستجيد البناء بنى أذرعاً يسيرة ثم ترك حتى يستقر ، ثم يبني فوقه ، ولو بنى البناء كله في يوم واحد لم يكن بالذي يستجاد وربما انهدم بسرعة وان بقي كان غير محكم ، فكذلك المتعلم ينبغي أن يجعل لنفسه حداً كلما انتهى إليه وقف عنده حتى يستقر ما في قلبه ويريح بتلك الوقفة نفسه ، فإذا اشتهى التعلم بنشاط عاد إليه ، وإن اشتهاه بغير نشاط لم يعرض له فإنه قد يشتهي الإنسان المكان يطير له يحب أن يعلو عليه ، ويرى من نفسه الاقتدار وليس له في الطبع نشاط . فلا يثبت ما يتعلمه في قلبه ، وإذا اشتهى مع نشاط يكون فيه ثبت في قلبه ما يسمعه وحفظه ، وكان ذلك بمثابة رجل يشتهي الطعام ولا تكون معدته نقية فإذا أكل ضره ولم يستمره ، وإذا اشتهى والمعدة نقية استمرأ ما أكل وبان على جسمه .

أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان الدقاق وعلي بن المحسن بن علي التنوخي ، قالا : أنا علي بن محمد بن سعيد الرزاز ، قال : نا وفي حديث التنوخي قال : أنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : قرأت على أبي مصعب وكتبت من كتابه قلت : حدثكم عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد ابن العلاء عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « ألم أخبر أنك تصوم النهار لا تفطر وتصلي الليل لا تنام ؟ » قلت : بلى ، ﷺ قال : « فبحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين » . قلت يا رسول الله : إني أجد بي قوة أقوى من ذلك ؟ ﷺ قال : « فهل لك في صيام داود فإنه أعدل الصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً » قلت : يا رسول الله إني أجد بي قوة هي أقوى من ذلك ، ﷺ قال : « لعلك تبلغ بذلك سناً وتضعف بحسبك أن تقرأ القرآن في كل نصف » ، فقلت : يا رسول الله إني أجد بي قوة هي أقوى من ذلك ، قال : « فبحسبك أن تقرأ في كل عشر » ، فقلت يا رسول الله إني أجد بي قوة هي أقوى من ذلك ، قال : « فاقرأه في كل سبع ولا تنثرنه » قال عبد الله : فشددت فشدد علي وليتني قبلت الرخصة من رسول الله .

أخبرنا الرياني ، قال : قرأت على أبي الحسن المحمودي حدثك الحسن بن سفيان ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة ، قالت : كانت عندي امرأة فدخل علي رسول الله فقال : « من هذه » ؟ فقلت : فلانة لا تنام الليل فذكر من صلاتها ، فقال النبي : « مه عليكم بما تطيقون . فو الله لا يمل الله حتى تملوا » . قالت وكان أحب الدين إليه الذي يدوم عليه صاحبه .

ويستصلح المعلم نفسه ببعض الأمر من أخذه نصيباً من الدعة والراحة واللذة فإن ذلك يعقبه منفعة بينة .

أخبرنا الحسن بن علي الجواهري ، انا محمد بن إسماعيل الوراق ومحمد بن العباس الخزاز ، قالا : نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، انا عبد الله بن المبارك عن رجل عن وهب بن منبه قال : ان في حكمه آل داود حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا الحسين بن صفوان ، ثنا ابن أبي الدنيا ، ثنا عبيد الله ابن عمر ، نا حماد بن زيد عن عمران بن حدير عن قسامة بن زهير ، قال : روّحوا القلوب تعي الذكر .

باب ذكر أخلاق الفقيه وآدابه وما يلزمه استعماله مع تلاميذه وأصحابه

يلزم الفقيه أن يتخير من الأخلاق أجملها ، ومن الآداب أفضلها ، فيستعمل ذلك مع البعيد والقريب والأجنبي والنسيب ، ويتجنب طرائق الجهال وخلائق العوام والأرذال .

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البزار البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا سعيد بن أبي مريم ، نا يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة ، أن رسول الله ﷺ قال : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً » .

وقال رسول الله : ﷺ : « بعثت لأتمم صالح الأخلاق » .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، انا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ، نا أحمد بن عثمان بن حكيم ، نا إسماعيل بن ابان ، نا أبو بكر النهشلي عن عبد الملك بن عمير عن ابن عمر ، عن النبي ﷺ قال : « أن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم » .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا الحارث بن محمد ، نا أبو عبد الرحمن المقري ، نا الليث بن سعد عن الوليد بن أبي الوليد ، أن سليمان بن خارجة بن زيد ، أخبره عن خارجة بن زيد ، أن نفراً دخلوا على أبيه زيد بن ثابت ، فقالوا : حدثنا عن بعض أخلاق رسول الله . قال : كنت جاره فكان إذا نزل الوحي أرسل إلي فآتيه فأكتب الوحي ، فكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، فكل هذا أحدثكم عنه .

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم ، نا الحسن بن محمد الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عبد الله ابن مسلمة ، نامسلم هو ابن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، أن النبي ﷺ قال : « كرم المرء دينه ، ومروءته خلقه » .

أخبرنا علي بن أبي علي ، انا عبد الله بن محمد بن إسحاق البزاز ، نا عبد الله بن محمد البغوي نا علي بن الجعد ، انا زهير عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه ، قال : كنت عند رسول الله فجاءت الاعراب من كل مكان ، فقالوا : يا رسول الله ما خير ما أعطى الإنسان أو المسلم ؟ ﷺ قال : « الخلق الحسن » .

أخبرنا علي بن محمد المعدل ، انا الحسين بن صفوان ، ثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني محمد بن الحسين ، نا يزيد بن هارون ، انا داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال : « ان أحبكم إلى الله وأقربكم إلي أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مساوئكم أخلاقاً الثرثارون المتشدقون المتفيهقون » .

حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفرايني املاء بنيسابور ، انا أبو جعفر محمد بن علي الحرستاني ، انا الحسن بن سفيان السباق ، قال : نا هشام بن عمار ، قال : نا القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من سعادة ابن آدم حسن الخلق ، ومن شقوته سوء الخلق » .

حسن مجالسة الفقيه لمن جالس

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود نا شريك وقيس عن سماك بن حرب ، قال : قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه : أكنت تجالس النبي ؟ قال نعم كان طويل الصمت ، قليل الضحك ، وكان أصحابه ربما تناشدوا عنده الاشعار والشيء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، انا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو نعيم عبد الرحمن بن هانيء النخعي ، نا عبد الله بن المؤمل عن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : قيل لابن عباس من أكرم الناس ؟ قال : جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي ، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت .

أخبرنا محمد بن أبي نصر النرسي ، انا علي بن عمر الحربي ، نا محمد بن سليمان ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن ابن عباس ، قال : أكرم الناس علي جليسي ، ان الذباب ليقع عليه فيؤذيني .

أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، ثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، نا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي ، نا محمد بن الحسين ، نا يحيى بن أبي تليد ، نا عباد بن الوليد عن رجل ، قال : قال وهب : إذا كنت جالساً فرأيت أخا لك مقبلاً إليك ولا موضع له عندك يسعه في مجلسك فأوسع له ، وإن لم يكن عندك سعة وأردت احتماله فاستأذن جليسك ومجاورك في مجلسك ومن أوسع لك في مجلسه فأقبله ، فإن ذلك اكرام لك ، فإذا كنت في مجلس رجل فأردت اكرام رجل بمكان فلا تفعل ذلك ، فإن رب المجلس أولى بذلك ، ومن دخلت عليه منزله أو أتيت مجلسه فأومأ إلى مكان فلا تعده .

أخبرنا الجوهري ، نا محمد بن إسماعيل ومحمد بن العباس ، قالا : نا يحيى بن صاعد ، نا الحسين ابن الحسن المروزي ، أنا ابن المبارك ، أنا عتبة بن أبي حكيم عن سليمان بن موسى يرفع الحديث ، قال : سوء المجالسة شح ، وفحش وسوء خلق .

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم ، نا الحسن بن محمد الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو نعيم عبد الرحمن بن هانىء ، ثنا فطر والعزرمي عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كان رسول الله إذا جلس إليه جليس لم يقدم ركبته ، ولم يقم حتى يستأذنه ، وقال يعقوب ، نا أبو نعيم ، نا ابن شهاب ، قال : دخلت انا وسعيد بن جبير المسجد الحرام فجلسنا جميعاً فعظمت الحلقة فأراد أن يقوم فاستأذنهم وقال : إنكم جلستم إلينا ولو كنت أنا الجالس إليكم لم أستأذنكم .

استعماله التواضع ولين الجانب ولطف الكلام

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا حميد بن زنجويه ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا عباد بن كثير ، حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال : « اطلبوا العلم ، واطلبوا مع العلم السنة والحلم ، لينوا لمن تُعلمون ولمن تَعلمون منه ، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فيغلب علمكم جهلكم » .

أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ ، انا دعلج بن أحمد ، نا إبراهيم بن أبي طالب ، نا محمد بن يحيى ، نا عفان عن حماد بن زيد ، قال : سمعت أيوب يقول : ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، انا محمد بن الحسين الآجري ، نا جعفر بن محمد الصندلي ، نا الفضل بن زياد ، نا عبد الصمد بن يزيد ، قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : ان الله تعالى يحب العالم المتواضع ، ويبغض العالم الجبار ، ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة . وينبغي له أن يعود لسانه لين الخطاب والملاطفة في السؤال والجواب ويعم بذلك جميع الأمة من المسلمين وأهل الذمة .

فقد أخبرنا الحسين بن بشران ، انا الحسين بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا خلف بن هشام ، نا شريك عن أبي سنان ، قال : قلت لسعيد بن جبير : المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علي أفأرد عليه ؟ فقال سعيد : سألت ابن عباس عن نحو ذلك فقال : لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه .

أخبرنا عبد الملك بن محمد الواعظ ، انا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الجمحي ، نا علي بن عبد العزيز ، نا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، انا وكيع وعبدة عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال : مكتوب في الحكمة : ليكن وجهك بسطاً ، وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذي يعطيهم العطاء .

أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن محمد بن محمد بن سلمان العطار ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري الفقيه ، نا عبد الله بن محمد بن بورين ، نا أبو القاسم إبراهيم بن موسى نا علي بن عبدة ، نا الحسين بن علوان عن الاصبغ بن نباتة الأسدي ، قال : قال علي ابن أبي طالب : من لانت كلمته وجبت محبته .

آخر الجزء التاسع ويتلوه في الذي يليه ان شاء الله ( استقبال المتفقهة بالترحيب بهم واظهار البشر لهم ) والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليماً .

===التالي بمشيئة الله هو ج10.

ج10

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ب واقي

اضغط الرابط لتفتح الدرايف